عرف المغرب تجربة رائدة في مجال العدالة الانتقالية، تمثلت في العمل الجبار الذي قامت به هيئة الإنصاف والمصالحة، التي اشتغلت على امتداد 23 شهرا من التحريات والتحقيقات الميدانية لكشف ماضي انتهاكات حقوق الإنسان في المغرب منذ استقلاله سنة 1956 إلى سنة 1999، ورد الاعتبار للضحايا وجبر الأضرار وصيانة الذاكرة الوطنية وتحقيق المصالحة المجتمعية الشاملة. الهيئة التي تم تأسيسها فعليا يوم 7 يناير 2004، بعد تنصيبها من طرف الملك محمد السادس بمدينة أكادير، وأنهت مهامها في 30 نونبر 2005 بتقديمها لتقريرها الختامي، أصبحت نموذجا يقتدى به في مجال طي وتسوية ملفات ماضي انتهاكات حقوق الإنسان على المستوى الدولي؛ إذ إنه على الرغم من كونها جهازا ذا اختصاصات غير قضائية، إلا أنها عملت في إطار البحث على الحقيقة وتقييم الضرر، على تنظيم جلسات للاستماع في مختلف مدن المغرب؛ حيث أعطت لضحايا الانتهاكات الجسيمة فرصة التعبير بصفة شخصية ومباشرة على شاشة التلفزة وأمواج الإذاعة الوطنية المغربية، عما لحقهم من تنكيل وتعذيب وإهدار للكرامة، وما تعرض له ذووهم من أضرار جسيمة مادية ومعنوية. أسرار وكواليس اشتغال هيئة الإنصاف والمصالحة بالمغرب ظلت تستفز الباحثين والخبراء لكشف منهجية تعامل الهيئة مع ماض مظلم، أطلق عليه مجازا "سنوات الرصاص"، وهذا ما دفع كلا من مبارك بودرقة، عضو سابق في هيئة الإنصاف والمصالحة، وأحمد شوقي بنيوب، عضو سابق في الهيئة نفسها خبير قانوني في العدالة الانتقالية، إلى تأليف كتاب حمل عنوان "وكذلك كان"، حوى بين ثناياه أهم الأحداث التي وسمت تشكيل الهيئة، وكذا الشخوص الذين عملوا فيها، منهم الحقوقيون والمحامون والأكاديميون، كما تطرق الكتاب لعمل الهيئة المتمثل في جمع الوثائق والاستماع للضحايا والشهود، وتعويض الضحايا من أجل جبر الأضرار المترتبة عن سنوات "القمع والرصاص". ومن أجل توسيع النقاش العمومي حول هذه التجربة الحقوقية، سيعقد مركز هسبريس لقاء خاصا مع مؤلفي كتاب "وهكذا كان"، مبارك بودرقة وأحمد شوقي بنيوب، للحديث عن السند القانوني لنشر وقائع الجلسات في كتاب، ومآل مقررات هيئة الإنصاف والمصالحة، والحكامة الأمنية، والخروقات والتجاوزات التي استمرت في حق المعتقلين السلفيين المتهمين بالضلوع في الأحداث الإرهابية التي ضربت الدارالبيضاء عام 2003، والتي تكلم عنها الملك في حواره مع جريدة "البايس" الإسبانية سنة 2006. كما سيتطرق النقاش مع مؤلفي كتاب "وهكذا كان" إلى مصير ملف المهدي بنبركة، وعمل الهيئة و"فشلها" في معرفة الحقيقة الكاملة فيما وقع بباريس عام 1965 حين تم اختطاف بنبركة واغتياله، وكذا مصير جثة هذا الرجل التي أصبح البحث عنها يشكل وجعا إنسانيا، وجرحا في الذاكرة السياسية المغربية. أما ملف عمر بنجلون، فلا تزال إلى حد الآن الجهة التي وقفت وراء اغتياله مجهولة إلى حد كبير، بالرغم من معرفة الأداة؛ حيث أعد عبد العزيز بناني، عضو سابق في هيئة الإنصاف والمصالحة، ملفا حول حادث اغتيال عمر يفيد بوجود قرائن قوية عن "تورط المخابرات المغربية"، وبدأت جريدة "الحياة المغربية" في نشر وثائقه، إلا أن رئيس المجلس الوطني لحقوق الانسان السابق، أحمد حرزني، بادر إلى رفع دعوى قضائية من أجل وقف نشر الوثائق. ملف مقتل محمد آيت الجيد (بنعيسى) سيكون حاضرا في النقاش، وكيف أن هناك من لا يزال يدفع في اتجاه اتهام عبد العالي حامي الدين، الأستاذ الجامعي والبرلماني عن حزب العدالة والتنمية، في عملية الاغتيال، بالرغم من أن الملف كان موضوع تدارس من هيئة الإنصاف والمصالحة التي عملت على تعويض عبد العالي حامي الدين باعتباره أحد الضحايا. هذه المحاور، وأسئلة أخرى ستطرح في نقاش حر وصريح مع كل من مبارك بودرقة وأحمد شوقي بنيوب، على جريدة هسبريس، وعبر صفحتها على "فيسبوك" انطلاقا من الساعة الخامسة والنصف من مساء اليوم الأربعاء.