كنا جيلا واحدا حين التقينا، وعشبا واحداً اقتنصته الأمطار في حديقة خضراء.. نرسم الحكاية والألوان والكلمات، ونتسكع بين امتدادات الرباط في دراجة نارية أو سيارة أو مترجلين بين الشوارع والأزقة، نتلمس عبق المكان من أسفله إلى أعلاه في أحاديث تجمعنا عن الحياة والإبداع والقادم... تعرفتُ على الصديق مبارك بوعلي، الفنان رسام الكاريكاتير المفتون بالصّورة ودلالاتها الفلسفية والرمزية، بمقر جريدة "العلم" الغرّاء، الجريدة التي احتضنت رسوماته وباركت خطواته الأولى، التي ستزداد وتتّسع وستجد فيما بعد مساحات أخرى لها بجريدة "هسبريس" الإلكترونية، ليختطّ لنفسه بذلك صوتا خاصا يُميز أعماله ومسيرته الفنية المتصلة بكيان المجتمعات وبمعتركات الحياة بصيغة السّهل الممتنع، وكذلك بجزء من الدينامية المقرونة بالبحث التي تغلغلت داخله وترعرعت فيه أشكالا وألوانا وإنصاتا للواقع، جاعلا ذكاء ريشته يلخص شرارة اليومي في كل تفاصيله وأسئلته وانتظاراته. رسومات الفنان بوعلي، الذي جاور في مؤسسة "العلم" أيضا الفنان الكاريكاتوري المرموق العربي الصبان الذي يعد بالنسبة إليه وإلى جيل من الكاريكاتوريين المغاربة والعرب مدرسة عميقة العطاء في فن المضحك المبكي، هي شرفة جديدة استطاعت أن تنفذ إلى الأحداث وتنقلها بسخرية وأن تجسّد حسّ الحياة وتجدد من أسئلتها.. وتستند رسومات الفنان بوعلي في كل هذا على خفة الفكرة وسعة الخيال والقدرة على تطويع الريشة بشكل متواتر وإلى أبعد الحدود والمستجدات والانشغالات الوطنية والعالمية في لمسة واحدة، حيث تواكب الحاضر وتستشرف المستقبل، وتسعى في أن تكون حواراً حرّاً وهواءً طلقا لا يرتكن إلى مساحيق المجاملة أو المهادنة. ينصت الفنان مبارك بوعلي بإمعان كبير إلى المهمّش والمفارق وإعطائهما معان جديدة، وسيلته في ذلك التركيز والتضمين والرمز، حيث تتوارى خلفهم مئات الكلمات والجمل. والكاريكاتير عند الفنان موهبة وإرادة ومعرفة بمسارات المدارس التشكيلية وبحرارة الألوان ومتاهاتها الجمالية وبنظرته الخاصة إلى طرائق الموضوع قبل كل شيء، يفتح من خلاله منجزاته التعبيرية على جوهر الإنسان في أحلامه وفي آلامه وفي آماله؛ فأعماله تسائلنا بالمخيلة وبتكثيف المعنى وبأدوات راكمت مراحل لا يستهان بها من تلك الحساسية المنفعلة بقضايا الآخر، تشكل شهادات عديدة عن علائق وحقائق تفرض مسارها في المشهد الفني وتذهب إلى أبعد بؤرة من الظل عبر غزارة الإنتاج المقرون بالجودة والرؤى. ويصبح الكاريكاتير حروبا رمزية عبر (ميساج) الريشة على القبح وعلى الفساد وعلى البشاعة وعلى الواقع في صخبه، في دروبه الخفية والعلنية، سلاحه السخرية ثم السخرية ولا شيء سواها، وهو يتخذ بهذا شكله الفاعل والحضاري كسند ثقافي في العملية الإبداعية.