بجانب أحد المساجد وسط العاصمة الرباط، اجتمع شباب مغاربة مسيحيون في منزل أطلقوا عليه اسم "الكنيسة"، للاحتفال بعيد "ميلاد المسيح"..لا شيء يوحي بالخوف من السلطات أو بالعمل السري، بل الأجواء الاحتفالية التي عمت المكان وأهله تشير إلى أن كثيرا من الأمور تغيرت مقارنة مع سنوات مضت..هسبريس تنقلكم إلى داخل "كنيسة منزلية" يوم الاحتفال بالذكرى الألفين لميلاد المسيح. قرب المسجد انطلق الموعد كما كان مخططا له في وقته ومكانه، الأحد على الساعة الثالثة والنصف بعد الزوال، داخل شقة عادية بإحدى الإقامات السكنية بالرباط، تجانب مسجدا كان المصلون يخرجون لتوهم منهم بعد أداء صلاة العصر.."الانطباع لا يفارق أحدنا بأن التعايش قائم في المجتمع بين المسلمين والأقليات المسيحية، رغم الانطباعات التراثية الراسخة عند عديد من المغاربة، عن كون المسيحي مرتدا وكافرا"، يقول أحد المحتفلين. المنزل عادي وكل أجوائه تحيل إلى أن قاطنيه مغاربة ويعيشون بشكل عادي ويمارسون طقوسهم الدينية مثل باقي المغاربة؛ ولأن المناسبة احتفال بعيد ميلاد المسيح، فقد كانت الصالة الرئيسية مجهزة بمائدة ضمت مأكولات وحلويات وأطباقا تقليدية مغربية بجانب "صينية شاي" وزعت كؤوسها على الحاضرين في بداية الاجتماع؛ فيما علقت على أحد الجدران عبارة "Merry christmas"، محاطة بحبل كهربائي مزين..وغير بعيد عن مدخل الشقة انتصبت "شجرة ميلاد" بحجم متوسط. دعاء وترنيمات لم يكن من مانع عند هؤلاء المسيحيين أن نحمل "الكتاب المقدس" باليد، لاعتبار اختلاف الدين، كما هو حاصل عند المسلمين الذين يعتقدون بحرمة لمس القرآن الكريم من غيرهم، بوصفهم "كفارا". وبعد دقائق من ترقب اجتماع كافة أعضاء الكنيسة، يقوم "سامي"، (اسم مستعار لشاب أمريكي يتقن اللغة العربية والدارجة المغربية، ومقيم في البلاد رفقة أسرته الصغيرة لقرابة عشر سنوات)، (يقوم) ليفتتح اللقاء بطلبه تجديد التعارف بين الحاضرين في نقطة أصولهم وأماكن ولادتهم، كطريقة لتكسير صمت الاجتماع.. ينخرط "معاد"، (اسم مستعار)، بعد ابتسامات وضحكات متبادلة بين الحاضرين، في شكر الله والمسيح عيسى على "نعمة الاجتماع"، وهو الدعاء الذي تم في خشوع وتفاعل معه الحاضرون بترديد عبارة "آمين". يشرع الشاب "سعيد" في ترديد ترنيمات مسيحية مستعينا بقيثارته ذات اللون الأحمر، لينخرط الباقون في ترديدها بشكل جماعي، وفق ألحان جميلة وعذبة؛ فيما تمكن البعض من المشاركة في الترنيمات باللغة العربية والدارجة المغربية والمشرقية، بالاستعانة بكتيب صغير تم توزيعه في بداية اللقاء ليساعد غير الحافظين للكلمات على الترديد.."قدموا للرب مجدا"، "عظيمة عجيبة أعمالك"، "نفوسنا يلا حزنات"، و"أنا محتاج لمسة روحك"، بعض عناوين الترنيمات أو القصائد الروحية التي تسمى عند المسلمين بالأمداح والأناشيد. درس وموعظة يعود سامي إلى الواجهة ويقف وسط الحاضرين لتلاوة آيات من "الكتاب المقدس"، معرفا بسيرة المسيح عيسى، فيتحدث من "العهد القديم"، يتلو آية "سفر"، ويتبعه الحاضرون بقراءة الآية التي تليها بشكل جماعي، وهكذا حتى ينتهي "الإصحاح"، ليعود إلى "العهد الجديد"، الذي خصص منه سفر "إنجيل متى" في إصحاحه الأول جزء "ميلاد المسيح"، راويا قصة ميلاد المسيح عيسى من السيدة مريم العذراء قبل قرنين من الزمن، على أنها معجزة بشرت بها الملائكة وأقرتها كافة الديانات اللاحقة. يستمر اللقاء بين إلقاء الدرس تارة والعودة إلى ترديد الترنيمات كما وصفناها في السابق، فيما يقوم في بعض الأحيان "مؤمنون" أو "مؤمنات" من أعضاء الكنيسة ليقرؤوا بدورهم أجزاء من "الكتاب المقدس"، ويضيفوا إليها قصة إيمانهم واعتناقهم المسيحية، سواء من الإسلام أو الإلحاد، كما روت "فوزية" و"فتيحة" (اسمان مستعاران)، اللتان أكدتا أن أحوالهما تغيرت "بعد الإيمان بالرب وبالمسيح كمخلص للبشرية وماح لخطايا البشر"، وفق توصيفاتهما. خطاب الختام والاحتفال في لحظة أخيرة، قام عازف الترنيمات "سعيد" بإلقاء كلمة محورية، قدم خلالها موعظة دينية استندت إلى آية من سفر "لوقا"، وآيات أخرى من أسفار "رومية" و"يوحنا" و"تيوثاوس"؛ وهي الموعظة التي اتخذت محاور متعددة، بعناوين "ولد المسيح لأن الإنسان أخطأ ضد قانون الله"، و"ولد المسيح ليظهر الله لنا عن ذاته"، وأيضا "ولد المسيح ليموت"، ثم "ولد المسيح ليكون الوسيط بين الله والإنسان". قبيل موعد غروب الشمس، وحين شرع مؤذن المسجد المحاذي في رفع آذان الصلاة المغرب، شارف اللقاء على الانتهاء، وأحضر المنظمون عديدا من الهدايا التي اختاروا أن توزع على الحاضرين في شاكلة لعبة جماعية ممتعة بالأرقام؛ فنال الجميع في الأخير حظهم من تلك الهدايا، لينخرطوا في تناول الوجبات والحلويات المعدة خصيصا للاحتفال بعيد ميلاد المسيح.. تبادلوا التبريكات والتهاني، والتقطوا لبعضهم الصور بجانب "شجرة الكريسمس"، لينصرف الجمع في هدوء.