ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البيان 'الديموقراطي' وأوهام النخبة
نشر في هسبريس يوم 22 - 06 - 2011


لا تكن داخل النعش وسير حيث طاب لك المسير.
أبو نواس
لا أسأل من هو العربي أو المسلم. ولا من هو الأعجمي أو الأجنبي.
فالمفكر إذ يفكر في نفسه، ربما يخجل من نفسه أو يفزع منها.
عندما يرى النظير يتسلط على نظيره، محاولا استغلاله، أو اغتصاب حقوقه أو انتهاك حرمته أو نبذه واستبعاده، أو تصفيته وإبادته.
علي حرب (أوهام النخبة)
سياق البيان: كلما مرت بلدنا بلحظة تاريخية مهمة تقتضي مواجهة الوقائع والأحداث بنور العقل القادر وحده على تجاوز الرجات التي يمكن أن تهدد استقرار البلد، وكل المخاطر المحدقة به، انبثقت نخب سياسية من مغاورها وكهوفها لركوب موجة يقظة الشعب ومطالبه في الحرية الديمقراطية والكرامة، لتحريف الاتجاه وتوجيه مجرى النهر إلى ضيعاتها الأسطورية ومآربها الحزبوية الضيقة، حدث هذا في الثلاثينات والأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، وكانت هذه النخب بحق أساس كثير من الأزمات التي عانى منها المغرب الحديث ولازال، ذهب الأجداد والآباء ولكن مساميرهم (أي أحفادهم) ظلوا مخلصين لأصولهم الفكرية والسياسية المتصلة بهوية المغرب الحضرية، وانتمائه الإقليمي والعالمي، أي أنهم أرادوا أن تكون الوقائع والحقائق التاريخية ترجمة لتوهماتهم وهذيانهم الفكري والسياسي. ولذلك لا نعجب لمضمون هذا البيان الفتنوي الذي بين أيدينا، فهو دليل إظافي على تبعية المثقف للسياسي والعجز عن صناعة الوقائع والاكتفاء بمجاراتها وتهجيها بلغة سحرية وكلمات إحيائية تقو للشيء كن فيكون. إن مقتل هذه النخب يكمن في أنها عاجزة عن تغيير مسلماتها الفكرية التي هي بمثابة قوالب أو نعوش لا هم فيها أحياء ولا أموات ولا يتحركون أو تعلو حناجرهم إلا في الأسواق العكاظية التي بارت تجارتها أو غرف الإعلام المغلق والمنغلق، او حينما تهتز نعوشهم الفكرية أمام حركية التاريخ. ومع كل هذا فإن هذه النخب لم تقدم يوما عل تقديم النقد الذاتي أو بلغة علي حرب لم تفكر في ذاتها الفكرية خجلا وفزعا من هذه الذات نفسها، بل إنها لجأت إلى إحدى آليات التحليل النفسي: الإسقاط. إسقاط أسباب فشلها على الآخر المتوهم، طورا يتجسد في المخزن وطورا في المؤامرة الخارجية وعملاء الاستعمار الذين يعادون الوحدة العربية التي لم تسعها الجغرافية فتوسعت في أوهامهم...وغير ذلك من الترهات المنبثقة لا من الفكر بل من التفكير الفاسد؟
البيان الفتنوي
والمتمعن في هذا البيان الفتنوي من حيث توقيته ومضمونه سيدرك أنه متجاوز شكلا ومضمونا. فأما من حيث الشكل فإنه وقع من لدن نخبت وسعت علوم الأرض كلها من فلسفة وأنتروبولوجيا وعلم النفس والنقد الأدبي ....إلخ. وهذا وحده يضفي على بيانهم هالة من الاحترام والمصداقية أو صدق النوايا في الغيرة على هذا الوطن واستقراره، ولم لا ؟ أليس للمثقف سلطة؟ ولكن أي سلطة ؟ إنها باختصار سلطان المعرفة والبحث عن الحقيقة وهنا يحضرني قول الشاعر العربي:
إذا قالت حذام فصدقوها فإن القول ما قالت حذام
وحذام هذه اسم امرأة الأرجح أنها (زرقا اليمامة) كانت تبصر الراكب على مسافة ثلاثة أيام وقيل إنها أحصت 66 من سرب الحمام على مسافة بعيدة أيضا. أي أن أسطورة العرب تقول بالمختصر المفيد إن الذي أوتية موهبة الفراسة والإدراك هو في مقام التقديس، وكلامه موضع التصديق، فماذا تستطيع أن تفعل أمام هذا الشاعر العظيم الذي وقع البيان وهو الذي تملأ دواوينه رفوف المكتبات وتعلوها صورته التي تذكرك بصورة الشاعر والمفكر أدونيس الذين نعتز بدراساته الإبداعية حقا مع فارق واحد وهو أن أدونيس لو كان مغربيا لما تجرأ على القول بكون المغرب جزءا من الوطن العربي !لسبب بسيط وهو أنه فعلا يمتلك سلطة المعرفة !
وحسنا فعل اتحاد كتاب المغرب إذ أصدر بلاغا حول هذا البيان الذي سماه انطباعا واعتبره متأخرا ولا يحمل أي جديد أمام ما سبق للأحزاب الوطنية والهيئات النقابية ومكونات المجتمع ببلادنا، أمام ما قدمته بخصوص مشروع الإصلاحات الدستورية كما يرى أيضا انه بيان يجانب الحقيقة وينم عن عدم معرفة تامة بمجريات الأمور).
إن عزلة بعض هؤلاء المثقفين وتقوقعهم دفعهم إلى احتلال الواجهة في ضوء الحراك الشعبي ولكن بأسلحة عتيقة ومفاهيم تابوتية.
ليس عيبا أن يقف المثقفون إلى جانب شعبهم والإسهام في تغيير بلدانهم بطريقة سلمية وحضارية، بل يعتبر هذا حقا وواجبا قبل أن يكون صحوة ضمير مفلس، أو استفاقة من غيبوبة ثقافية استمرت أكثر من عقدين استغرقهما بعض الكتاب في استنساخ مفاهيم غربية في مجال السميائيات والبنيويات ومفاهيم الحداثة وما بعد الحداثة وقراءة النص الذي سما إلى مستوى القدسية قراءة منطلقها الحذلقة اللغوية ومنتهاها تعتيم المفاهيم النظرية. إلى غير ذلك من المتاهات التي لم ترفع من شأن البحث العلمي في جامعاتنا ما عدا هذا الكم من العناوين التي نرجو أن نطلع على نسبة قراءتها بين المغاربة.
المثقف يمكن أن يكون سلطة مضادة تمتح مما قدمه إلى الفكر البشري من نظريات إبداعية من جهة، ومن جهة أخرى من مواقفه إزاء كل ما يمكن أن يهدد كرامة الإنسان وحقوقه، شرطان لا بد منهما حتى لا يطغى الثقافي على السياسي أو العكس. والكل يعرف – ومثقفون البيانيون يعرفون ذلك طبعا- أن هذه السلطة المضادة ترسخت في فرنسا منذ قرن وعشرين سنة وذلك بعد أن تفجرت قضية الضابط الفرنسي ذي الجذور اليهودية Alfred dreyfus الذي تقول عنه المعلومات الأولية أنه على الرغم من اتهامه بالجاسوسية، فإن فريقا من دعاة مناهضة الكراهية للإنسان بصرف النظر عن جذوره الثقافية والاثنية وقفوا إلى جانب "الحقيقة والدفاع عن القيم اللذين كانا صك في فرنسا" ومنذئذ أصبح المثقف "دينامو السلطة المضادة" أي "المجتمع المدني الضروري لموازاة المجتمع السياسي الميال بطبيعته للتجاوز والانتهاك" (العفيف الأخضر: المثقف العربي في القرن الواحد والعشرين / مجلة إبداع: يوليوز غشت 2000).
وبما أن البيان جاء متأخرا ولا جديد فيه على حد تعبير بلاغ إتحاد كتاب المغرب، بل إنه متجاوز، فإن المقال تقتضي تبيينا. وأم البيان فقد جاء في صورة البيانات التي كان يحررها شيوخ المؤتمر القومي العربي المطلين على الحراك الشعبي من شرفات الفنادق المصنفة حول : النضال ومستقبل الأمة والغزو الثقافي الإمبريالي وغيرها من الأوهام اللذيذة في مواجهة الحقيقة المرة على حد تعبير العفيف الأخضر في المقالة السابقة حيث وصف هذا النمط من المثقفين بكونهم مصابين بالدوخة وخاصة بعد هزيمة 67 وأصبحوا يعيشون "بالأوهام في قطيعة فاجعة مع المهام الفعلية التي يطرحها الواقع".
حينما تداعى هذا الرهط من المثقفين بتوقيع "البيان الفتنوي" ليطرح على الرأي العام وباعتباره "لبنة من لبناة أخرى" قلت في نفسي لنتوكل على الله ونقرأ ما سيقول هؤلاء الأساتذة لعلهم يمدون شباب حركة عشرين فبراير بخبرتهم النظرية إن أعوزتهم الخبرة النضالية فكان ان وجدت حشدا من اللغط والمغالطات التاريخية، وقلت في نفسي إن الشعراء فعلا لم "يغادروا متردم (هم)، ولم يعرفوا الدار بعد توهم" !
فما هي هذه اللبنات ؟ سأتجاوز الكثير منها لأن بعضها معروف لدى المغاربة بل ومنذ الخمسينات من القرن الماضي، وسأركز على بعضها لأنها تعتبر في نظري مدخلا إلى بيان الباطن من هذا البيان.
نظر البيان إلى أن الحراك الاجتماعي والسياسي الذي تشهده بلادنا " معطوف" (وهنا نشد على هذه الكلمة النحوية بخطوط حمراء ! ) على الثورات والانتفاضات في الساحات العربية، أي بكل بساطة حراك "منزل" وليس تعبيرا عن دينامية التاريخ المغربي نفسه الذي صنعته قوافل من الشهداء والمناضلين على اختلاف انتماءاتهم السياسية في سبيل حرية وكرامة وعزة المواطن والوطن. وأما تعبير "الساحات العربية" الذي هو مرادف ل "العالم العربي" والذي عشش في الأذهان ولازال وهما وتوهما وتجسد على أرض الواقع في صورة كوارث سياسية لازالت تبعاتها شاخصة أمام هؤلاء الموقعين وغيرهم – فإنه يضمر في الحقيقة الموقف السياسي والإديولوجي من المواطن الذي يحيى في هذه الساحات سواء أكان أمازيغيا أو كرديا أو أشوريا...موقف ينم عن العداء اتجاه الآخر كما يتجلى في هدين العنوانين البارزين " الربيع العربي" و "الثورات العربي" مع أن الأقوام في هذه الساحات وقفت صفا متراصا وحضاريا ضد إهدار كرامة الإنسان المقموع، فكان ذلك بحق تعبيرا عن يقظة الشعوب وتجسيدا بشكل تلقائي للشعار "وحدة الصف ووحدة الهدف"، الشعار الذي رفعه عبد الناصر وحزت بسببه الرقاب، ونصبت المشانق وساحات التعذيب، كل ذلك من أجل الوحدة العربية الذي يعلوا على الإنسان وهو غاية الغايات. (فلنقرأ من جديد كتاب المناضل المصري طاهر عبد الحكيم ( الأقدام العارية) أو رواية الكاتب المصري شريف حتاتة (العين ذات الجفن المعدنية الصادرة في ثلاثة أجزاء، أو رواية المرحوم عبد الرحمان منير الشرق المتوسط ليتبين لنا مدى بشاعة هذه الأنظمة الشمولية التي تمحق الإنسان باسم الشعارات الكاذبة، الشعوب العربية وتوحيد الوطن من الماء إلى الماء)، فهل تتجرؤون أيها المثقفون على ترويض شفاهكم للنطق ولو مرة واحدة بالربيع الكردي الربيع الأمازيغي وذلك حتى تكونوا صادقين مع أنفسكم وأنتم تنادون ب "مساواة نوعية ومجالية وثقافية إلى غير ذلك " ؟ وإذا لم تتحقق هذه المساواة الآن...والهنا في هذه الساحات وفي زمن الحراك الشعبي وبكل لغاته وثقافاته فهل تريدون أن تتحقق في هنكونغ وإلى يوم الحشر؟
إنني لأجد نفسي في موقف حرج إزاء ما ورد في البيان من إشارات لا أدري هل هي في حاجة إلى تصحيح أو تصويب أو كشف الأضاليل، ومادام البيان نابعا من موقف وموقع الموقعين، فإنني سأختار الاحتمال الأخير. كثيرا ما أرهقتنا الخطب الصماء حول المخزن وسلطته المطلقة والشاملة عبر مئات السنين ولكن البيان وقف عند ويل للمصلين، فإلى جانب المخزن أيها السادة توجد النخب المخزنية التي تقاطعت معه تاريخيا في كثير من المحطات السياسية، هذا هو الجانب الذي يجب كشفه أما تبرئة الذمة عن طريق تحميل المخزن وحده ما حدث من احتكار السلطة وغياب دستور يستجيب لمطالب الديمقراطية في تأسيس دولة مدنية حديثة، فهذا هو التعامي بعينه أو هو العماء الفكري. وإلا فمن المسؤول عن تردي التعليم ترديا مفجعا، هل هو المخزن أم حزب الاستقلال، ومن المسؤول عن تعريب الفلسفة في جامعة محمد الخامس والذي كان وراء هجرة كثير من الباحثين وقد يكون بينكم واحدا من الموقعين الذي عانى من قضية التعريب؟ هذا هو الورش، من بين أوراش أخرى يجب فتحها للكشف عن الأرشيفات الثقافية والسياسية أسوة بمثقفين كشفوا عن الأرشيف السري لثقافة بلدانهم كما فعل المرحوم غالي شكري في كتابه (من الأرشيف السري للثقافة المصرية) وكان الأستاذ والباحث المغربي محمد كنبيب في كتابه Les protégés قد مهد الطريق أمام الكشف عن كثير من القضايا التي تتعلق بالنخب المخزنية. إن المخزن لا يوجد خارجا عن أدمغتنا بل يسكنها بوعي أو بغير وعي فالأمران سيان في لغة الشعور واللاشعور، وهذا ما يتجلى حينما تحدث المثقفون "الديمقراطيون" عن عمق المغرب التاريخي الذي تمتد جذوره من وجهة نظر عقيلتهم المخزنية إلى عهد الأدارسة ( كذا ! )، أو إلى ابعد من ذلك بكثير !! هذا الأبعد نريد منكم تحديده ولو بصورة تقريبية، إن الذي يطلب العدالة والمساواة بين أفراد مجتمعه لخليق به أن يسوي في محكمة التاريخ بين إدريس وماسنيسا ويوغورطن، وبين تيهيا "البربرية " (أو إن شئتم الساحرة أو الكاهنة ) وبين حسان ابن نعمان، وبين عبد الكريم الخطابي أو حموا الزياني وبين علال الفاسي، أو لم تنادوا أنثم بتعدد الروافد الحضارية والثقافية لبلادنا ؟ إنه لغريب حقا أن يقف بكم قلمكم في عقبة (إلى أبد من ذلك بكثير) !إنني ألتمس لكم العذر يا سادتي ! فما قبل إدريس وما قبل قبل إدريس توجد Boite de Pandore التي بمجرد الكشف عن ما تحتويه أعماقها ستفاجؤون بالعفاريت والجنون. إذن فاتركوا هذه العلبة الغريبة مغلقة حتى لا تتداعى لبنات بيانكم الذي يستحق الشفقة لا الرثاء، ولكن تذكروا جيدا الباحث المغربي -على سبيل الذكر لا عل سبيل الحصر- المرحوم علي صدقي أزايكو الذي "ضربوه" بسنة نافذة في السجن لمجرد دعوته إلى إعادة النظر في مفهوم الثقافة الوطنية؟ هل كان ازايكو فعلا يملك فعلا سلطة المعرفة لا سلطة الشعارات الفارغة؟ أترك الجواب لكم وأقول لكم على لسان علي حرب في كتابه أوهام النخبة: ( لا يصبح الواحد حديثا ، ما لم يصنع حداثته بالتعامل مع هويته وخصوصيته على نحو جديد ومبتكر، فعال ومثمر...كذلك لا تنوير من غير تجارب فذة أو ممارسات إبداعية تكشف ما لم ينكشف، أو تتيح رؤية ما لم يره أهل الأنوار أنفسهم في أي عصر من عصورهم. بهذا المعنى لا تنوير من غير نقد يصيب كل التجارب والنماذج أكانت تراثية أم حداثية. فالنقد يسفر عن إمكانات جديدة للوجود والحياة بسبر مناطق مجهولة، أو استحداث آفاق جديدة للفكر والمعنى، أو إقامة صلات مغايرة مع العالم لتحقيق مزيد من الفهم والحضور والفاعلية) ص112.
وأما مثقفون فإنهم غير قادرين على كشف ما لم ينكشف أو يتيحوا رؤية ما لم يره أهل الأنوار، لأن الملكة النقدية وإعادة النظر في المسلمات التي أضحت عقائدة متصلبة، غائبة. فكانت النتيجة إحياء الميت من الأفكار السياسية والثقافية وطمس الحي منها، ومن ذلك ما ورد في البيان من إشارة إلى أن المغرب جزء من الوطن العربي. وهنا نسأل أنفسها في صورة من النقد الذاتي: كم مر على هذا الشعار من عقود؟ وما حصيلته بالنسبة لنهضة الشعوب وتطورها، أو لم تكن حصيلته كارثية: حروب وتمزيق الشعوب وتبديد ثرواتها وقمع ثوراتها تجسيدا لفكرة الزعيم القومي الدموي في الحرية والاشتراكية والوحدة وفي الوطن العربي الكبير، إن التجارب التاريخية الحديثة والأفكار القومجية المسكونة بهاجس " الإدماج وتوحيد الصف" في سبيل الوهم الكارثي (الوطن العربي) الكبير –بينت أن المثقفين الذين يقفون إلى جانب هذا الصف تسكنهم النزعة العدوانية بأوسع معانيها ومجالاتها: عدوان على التاريخ من خلال تضييق مساحته ( الأدارسة أم البدايات) وفي الوقت نفسه توسيع الجغرافيا ليتمدد الجمل الفرعوني بما حمل من أوزار على رقاب الشعوب المقهورة، وعدوان على ثقافة هذه الشعوب (والأمثلة شاخصة تفقأ العين)، فهذا الجابري الذي ثقلت موازينه الفكرية يعبر ببلاغته المعهودة عن هذه العدوانية حينما اعتبر أن صدام حسين أخطا الهدف أي الوحدة العربية حينما قرر ضمن الكويت قبل امتلاك السلاح الننوي ! (العفيف الأخضر).وهكذا يتبين لنا ان الذي يحمل جرثومة الاستبداد الفكري لا يمكن أن يقاوم الاستبداد السياسي، وأن الذي ينكر حق الآخر في لغته وفي ثقافته وفي الحفاظ عليهما من الانقراض الممنهج، هو آخر من يحق له الحديث عن الديمقراطية والحرية والحداثة والوحدة، أو الحديث عن المخزن السياسي فالمشكل إذن فيما بين المثقف "الديمقراطي" الحداثي التقدمي الوحدوي وإلخ. وبين الحرية والحداثة والديمقراطية ، بل بين هذا المثقف وأفكاره، إنها إشكالية المفكر العربي على حد تعبير علي حرب إذ يقول (إذا كانت السلطة تزداد عنفا واستبدادا، فالأجدى أن نعيد النظر في مفهومنا للسلطة وإلا كيف نفسر أن المثقف المطالب بحرية التعبير في مواجهة السلطة المستبدة يمارس السلطة على نحو أكثر استبدادا في قطاعه أو عندما تتاح له فرصة استلام السلطة السياسية؟ ! ص 164.
ومن الطبيعي جدا وحالة المثقف هذه أن تصدر موقف غير مسؤؤلة من لدن بعض الموقعين من قضايا إشكالية في بلدهم، مثل الإشكال اللغوي لأن ثوابتهم الفكرية لا تتغير ومع ذلك يتداعون إلى التغيير ! فهذا الفاسي الفهري يفاجئنا بمصطلحين ضجيجين، المزوى والوطننة الأول يقابل العروبة والثاني الترسيم وكأنه في وكالة غوث لاجئين اللغوية يوطن ما يشاء ويرسم ما يشاء تماما كما فعل وغيره من موقعي البيان.
ماذا أضفت أنت إلى اللغة الأمازيغية التي تجهلها حينما أشرت إلى مخاطر ترسيمها وإلى أن مصالحها في الوطنية، وليته وقف عند هذا الحد إذا أن عقليته الأندلسية المستبدة تأبى إلا أن تنصب منه منافحا وحده وغيورا وحده على الوحدة الوطنية حتى لا تكون المزوى أصولية عرقية تفكيكية تهدف إلى تفكيك وحدة الوطن كما زعم (الحياة الجديدة العدد 144) .
وفي الوقت نفسه اتخذ من العربية التي هي لغتنا أيضا مثل لغات الأرض كلها، وبدون منة من أحد، أقول اتخذ منها قميص عثمان لتجريم اللغة الأمازيغية، ومؤاخذة الدول لكونها لم تطبق قانون أكاديمية اللغة العربية في حين أصدرت "وعلى الفور ظهير إنشاء المعهد الملكي للأمازيغية". ماذا فعلتم انثم لصالح العربية وماذا فعلت معاجمكم اللغوية النائمة في القاهرة وبغداد ودمشق والرباط لهذه اللغة، وهل لا ينقصك إلا تطبيق القانون الخاص بأكاديمية اللغة العربية، واستكثرت على المغاربة إنشاء المعهد الملكي للأمازيغية، وقد كان الأجدى بالأستاذ اللغوي ومن معه أن يلتفت إلى مجال تخصصه ليقوم حصيلته العلمية في ضوء هذه الثورة العلمية التي تقول الدراسات إنها ستتضاعف إلى حدود 2020 حيث ستقرأ البشرية 60000 مجلة علمية متخصصة لا وجود لأي منها في هذا الكون العربي ( العفيف الأخضر). هذا هو المجال الذي يجب أن نتنافس فيه إذا كنا فعلا نريد لأجيالنا أن تتباهى بوطنها بين الأمم وأما الإستدارة إلى الخلف والنبش في التفاصيل بعقلية إديولوجية متزمة من مثل ترسيم اللغة أو وطننتها، فإن ذلك يعتبر إستخفافا بالعقل وبالتفكير العقلاني مما أوقع بعض المثقفين في هذه المحنة القاسية النوستالجيا العدمية واجترار الأفكار !
* أستاذ باحث/ وجدة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.