المتتبع للتجربة الديمقراطية المغربية يلاحظ أنها تفتقر إلى دينامية متطورة في ما يخص الجانب الاقتصادي والاجتماعي والثقافي؛ لأن الديمقراطية اختيار يشمل مناحي الحياة المختلفة. نسجل دون ارتياح كبير الخطوات التي عرفتها المملكة في إرساء لبنات لمجتمع حداثي ديمقراطي من الناحية الشكلية، ومنها المؤسسات والقوانين والتدابير الضرورية لسير عمله وإنجاح مأموريته ودعم مساره وتطوير نشاطه وتركيز دوره وفاعليته؛ فالأشكال في تاريخ الرموز والعلامات لها أهميتها القصوى تاريخيا. ولا يمكن إرساء دعائم أي اختيارات دون الوقوف على البنيات والأشكال والإطارات الضرورية لسير الأشغال وإنجاح الاختيارات. كما نؤكد أن توجه بلادنا نحو الديمقراطية والمجتمع الحداثي موقف رسمي نهائي، ولا يمكن التراجع أو الابتعاد عنه كاختيار إستراتيجي تمليه التصورات والمواقف والمحيط الوطني والعربي والدولي. وقد أثبتت التجربة نجاح الدور المنوط بها، وخلفت ترحيبا كبيرا من المتتبعين والمهتمين وأبانت عن نجاعتها في الوسط العربي الذي يعرف نوعا من التزعزع واللا استقرار. إن الاستقرار السياسي في أي بلد هو المدخل الأساسي للتعريف بطبيعته ونعمة العيش الكريم. هذا المدخل نعتبره أساسيا، فالديمقراطية إطارات وأشكال لها أهميتها القصوى في البناء. نحن نقصد هنا المؤسسات السياسية والحقوقية وحرية الصحافة والحريات العامة للمواطن والتوجه العام الحداثي، كقوانين ومساطر وإجراءات نظرية وتنفيذية. وحين نروم الحديث عن انعدام الديمقراطية الاقتصادية والاجتماعية نهتم بالجانب المعيشي للمواطن بكل تلويناته الحياتية: مستوى الدخل، والحق في العيش الكريم، والتغذية، والعلاج، والتمدرس، والعمل، والسكن، والترفيه كنشاط جمالي وثقافي وفني. يبدو من العسير أن نحقق ديمقراطية اقتصادية واجتماعية وثقافية في بلد فقير لا يملك إمكانات وثروات طبيعية وافرة، ورواجا صناعيا وتجاريا. فالمغرب بلد شاسع جغرافيا وذو كثافة سكانية عالية بالنظر إلى إمكاناته المادية، كما أن مستوى التمدرس والتعليم والمجالات الأخرى التي تقاس عليها الديمقراطية الاقتصادية متدنية؛ ناهيك عن المجال الثقافي الذي لازال جنينيا في بلد يشتكي من الفقر والعوز. الديمقراطية هي فعلا الحرية في التفكير والتعبير والمعتقد والاختيار والمشاركة؛ هي أيضا حقوق وواجبات وضمان العيش الكريم لكل مواطن في المجالات المختلفة للحياة..هي المساهمة في البناء وتوفير شروط الحياة الكريمة لكل الأفراد. الاستقرار مدخله الديمقراطية بكل تلويناتها، والدعامة الأساسية هي الديمقراطية الاقتصادية والاجتماعية. إن المغرب يعرف فوارق طبقية مخيفة، ونسبة فقر مرتفعة جدا، وحقوق المواطن مهضومة...إنها مؤشرات لا تزرع الثقة والاطمئنان على مستقبل البلد. الدول التي لا تعرف الديمقراطية بكل تفاصيلها غير قادرة على مواكبة الركب الحضاري، وتعرف كثيرا من الخلخلة واللا استقرار. كما ذكرنا في البداية، مقارنة مع مجموعة من الدول الأخرى يعرف المغرب تطورا ملموسا، لكن الواجب يتطلب مزيدا من الجهد والتضحيات والضوابط والاشتغال للخروج من الحالة الاجتماعية والاقتصادية المتدنية إلى مستوى أفضل.