يجمع المواطنون البسطاء، مهما كانت دياناتهم، على كون "داعش" ومثيلاتها في الشرق الأوسط لا تمثل الإسلام، وهو الطرح الذي عززه مكرم عباس، أستاذ الدراسات العربية والفلسفة السياسية بالمدرسة العليا بمدينة ليون، بالتأكيد على غياب تنصيص حمل السلاح باسم الإسلام في أي مذهب من مذاهب الدين نفسه. عباس، المفكر الفرنسي من أصل تونسي، والذي يشغل منصب عضو مجلس المعهد الجامعي الفرنسي، أكد خلال محاضرة له بعنوان "الحرب والسلم في الإسلام تاريخا وراهنا"، نظمتها مؤسسة أبو بكر القادري ومجلة دين ودنيا في مدينة سلا، أن "مختلف الشيوخ والمجالس الإسلامية سابقا لم تشرع حمل السلاح والقتال باسم الدين، بل أيضا منعت التوجه نحو قتل الأبرياء والنساء والأطفال في إطار قواعد صريحة لدخول الحرب". وفي وقت تزهق أرواح العديد من المدنين في بلاد الشام، حيث يستعر بطش تنظيم الدولة الإسلامية والفصائل الموالية له، شدد عباس، في تحليله لمفاهيم الحرب والجهاد والقتال، على أن "الحرب في القرون الماضية كانت حكرا على الدولة؛ فهي الوحيدة القادرة على إعلانها في وجه دولة أخرى، وليس في وجه الأشخاص العزل"، وفق تعبيره. مفهوم الجهاد، الذي أثار ولازال يثير الكثير من القيل والقال، في ظل اعتباره من طرف الرأي العام الغربي دعوة صريحة إلى القتل، اعتبره المتخصص في الأبحاث الإسلامية مصطلحا تقنيا استعمل في ما مضى في إطار حرب يتبارز فيها فريقان، وليس هجوما على جماعات دينية معنية كما يحدث في حالة "داعش"، مضيفا أن "الجهاد اكتسب الشحنات السلبية بسبب الفهم الخاطئ والتوظيف السلبي من طرف الجماعات الإرهابية". وبالإضافة إلى المعنى القتالي، أوضح مكرم عباس، في مداخلته أن لكلمة الجهاد معنى روحي ومعنوي يرتبط بعلاقة الإنسان بذاته؛ "فالجهاد يكون ضد النفس من خلال كبت رغباتها ومقاومة شهوات معينة"، وفق تعبيره، قبل أن يضيف أن "الخطأ الذي يسقط فيه الباحثون، وخاصة في الغرب، هو محاولة حصر معنى الجهاد في زاوية واحدة ووحيدة". وفي إجابته على سؤال "من هو العدو؟"، الذي اعتبره المفكر ذاته بيت القصيد، قال عباس إن "العدو ارتبط في الحقبات الزمنية التي أعقبت سنوات الجاهلية بالواجهة السياسية، فضلا عن تحكم الأسس الدينية وراء تحديده.. فكانت الحرب تعلن على المشركين من طرف المسلمين بعد أن يختاروا البقاء على ما هم عليه"، قبل أن يزيد: "بالنسبة لأهل الكتاب فلم يمثلوا عدوا للمسلمين، فإما يعيشون تحت حمايتهم أو يطلب منهم مغادرة الأراضي التابعة لهم".