تنكبّ فاطمة الزهراء على دفتر دروسها لتنجز ما طلب منها من فروض منزلية، حاملةً بعض الإصرار والتفاؤل والكثير من الإحباط وخيبة الأمل. أصبعان فقط هما كلّ ما تملكه الطفلة فاطمة الزهراء لتواجه به كلّ صعوبات الحياة وقسوتها، وهي لازلت في الرابعة عشرة من عمرها. بأطراف غير مكتملة وُلدت فاطمة الزّهراء بحيّ طنجة البالية بعاصمة البوغاز، ليكون قدرها أن تحمل معها إعاقتها وسط مجتمعٍ لا يحملُ الكثير من الودّ أو التعاطف مع هذه الفئة، في حالة مرضية نادرة، قاست معها الكثير ولازالت، دون أن تمنعها من حلمها بمواصلة الدراسة لتبلغ إلى حدّ الآن السنة الثامنة أساسي وسط مدرسة عمومية، بعد أن عجزت عن الالتحاق بمدرسة خاصة بذوي الإعاقة بسبب مصاريفها الباهظة التي لا يستطيعُ والدها سدادها. معاناة وإصرار تقول عمّة فاطمة الزهراء عن حالتها: "هي أكبر إخوانها، ورغم إعاقتها الفريدة من نوعها فقد أصرّت على الدراسة حتى بلغت الآن سنتها الثامنة، وهي السنة الوحيدة التي كرّرت فيها، بعد أن عجز والدها عن توفير دروس خصوصية لها بسبب عوزه المادّي..كما تلاحظون هي تملك فقط ثلاثة أصابع، اثنان منهما ملتصقان، وبالتالي فهي مبدئيا لا تستطيع تحريك سوى أصبعين". مواصلة فاطمة الزهراء الدراسة لم تكن بالأمر الهيّن، إذ رفضت عددٌ من المدارس قبولها بسبب غياب الولوجيات، وبالتالي صعوبة حركتها داخل تلك المؤسسات، قبل أن يتدخّل أحد الجمعويين ويُوفَّق في إقناع إدارة مدرستها الحالية بقبولها. بعد معاناة شديدة مع كرسيّ متحرّك عادي، استطاع بعض المحسنين أن يوفروا لفاطمة الزهراء درّاجة خاصّة سهّلت عليها كثيرا عملية التنقل إلى مدرستها. تقول فاطمة الزهراء بصوت متهدّج: "الحال الآن أفضل..لكنني مع ذلك أعيش في خوفٍ دائم من أن أصل إلى المدرسة ولا أجد أحداً في انتظاري كي يقوم بحملي في الأدراج نحو الطابق الأول، حيث تتواجد الأقسام. وقد حدث لي هذا مرارا في الأيام الأولى..فالطابق السفلي في المدرسة والج، لكن الطوابق الأخرى تبقى عقبة كبيرة في طريقي. مع ذلك أحمد الله أن صديقاتي لا يبخلن عليّ بالمساعدة، إذ يتكفّلن بحملي دائما". "لديّ أيضا مقعد خاصّ أحمله معي من قسم إلى قسم.. أقصد أن صديقاتي يحملنه لي..أشعر بامتنان كبير لهن ولكل أطر إعدادية الساقية الحمراء التي أدرس بها، بسبب مساعدتهم وصبرهم"، تضيف فاطمة الزهراء. وتخشى فاطمة الزهراء ألا تستطيع متابعة دراستها الثانوية بسبب عدم وجود مؤسسة قريبة منها، وعملية تنقلها إلى وسط المدينة تتطلب جهداً وعنتاً لا يمكنها تجاوزهما بسهولة، يبدأ بسيارات الأجرة التي تأبى حملها إلا لماما. تقول عمّة فاطمة الزهراء واصفةً حالة من هذه الحالات التي تواجهها أحيانا: "في أحد الأيام ارتفعت حرارتها بشدة بسبب المرض، وعندما خرجنا وأردنا أن نستقلّ سيارة أجرة من أجل نقلها إلى المشفى وسط المدينة لم يتوقّف أحد! لم نجد الرحمة سوى لدى أحد رجال شرطة المرور الذي أرغم سائقا على التوقف وأمره بنقلنا رغما عنه.. يبدو أن كرسيّ فاطمة الزهراء يزعجهم كثيرا، ولا يجدون رغبة كبيرة في عناء حمله داخل سياراتهم". رؤية الملك..غصّة في الصّدر الحرقة الشديدة والشعور بالانتقاص من شخصها هو ما شعرت به فاطمة الزهراء عندما قرّرت مؤخرا أن تلتحق بصديقاتها من التلميذات اللائي حضرن نشاطا ملكيا وشاهدن الملك محمد السادس. اعتقدت فاطمة الزهراء أن الأمور ستمرّ بسلام وأنها ستحقق حلمها بمشاهدة الملك، لكنّ ما حدث أمامها أخافها ومزّق نياط قلبها الصغير. تروي فاطمة الزهراء ما حدث قائلة: "اقترب منّي ثلاثة رجال وبدؤوا في الحديث والنظر إليّ..أخافني المشهد فغيّرت المكان، فإذا بهم يلاحقونني، فشعرت بالخوف وأحسست –لأول مرة – أنني فعلا لست كالأخريات". وتضيف فاطمة موضحة: "في ما بعد فهمت أنهم رجال سُلطةٍ تخوّفوا من أن أسلم الملك رسالة ما..لم يفهموا أنني حتى لو حاولت فأصبعاي غير كافيين لهذه المهمّة.. ببساطة كنت أريد فقط أن أرى ملك البلاد أمامي، لا أقلّ ولا أكثر". هكذا عادت فاطمة دون أن تحقّق رغبتها وحلمها البسيط في مشاهدة الملك عن قرب، حاملة في صدرها الصغير غُصّة لازالت تنتزع منها قطرات دمعٍ كلمّا تذكّرت الواقعة. بابتسامة مرتبكة وبريئة تودّعنا فاطمة الزهراء وهي تحلم بيومٍ تستطيع فيه أن تحصل على أطراف صناعية تمكنّها من الحركة بشكل أفضل، ومن الوقوف لأوّل مرة في حياتها، لتشاهد العالم من فوق بدل مشاهدته من الأسفل.