كريمة احداد سعيد: خليلي قتلني لما هجرني منذ أن كان مراهقا في السادسة عشرة من عمره، وسعيد، المثلي الجنسي، يعيش برفقة شريكه المزدوج جنسيا أحمد تحت سقف واحد، حتى بلغ من العمر ستة وعشرين سنة. تزوج أحمد وترك سعيدا وحده يتجرع مرارة الوحدة، حيث لم يطق فراق شريكه، يحكي سعيد، الشاب الذي أتم عقده الثالث: «لم أستطع نسيانه، كنت أحبه كثيرا، واعتدت عليه لأني عشت معه عشر سنوات تقاسمنا فيها كل شيء، حتى أجسادنا». ويضيف سعيد، الطالب في السنة الثانية ماستر في كلية الآداب بالرباط: «تراكم عليّ كل شيء: اليأس، الوحدة، نظرة المجتمع السلبية للمثليين. لذلك، حاولت الانتحار مرارا وبشتى الطرق، ولم أنجح في ذلك، المرة الأولى عن طريق ابتلاع كمية كبيرة من الأقراص المنومة، والثانية عبر الإلقاء بنفسي من الطابق الثالث، لكن الموت لا يريدني، ففي كلتا المرتين، أعود إلى الحياة من جديد». ولا يخفي سعيد رغبته في إعادة الكرة من جديد: «سأحاول مرة أخرى، هذه الحياة لم تعد تروقني».
سليمة: أخي لف الحبل حول عنقي نجت سليمة بأعجوبة من موت محقق بعد أن قامت بشنق نفسها بواسطة حبل متين، في محاولة لوضع حد لحياتها بعد أن رفض أخوها تزويجها لشاب تحبه. «هي تراكمات جعلتني أفقد الأمل في كل شيء. في البداية، منعني من متابعة دراستي في إحدى الإعداديات التي تبعد عن المنزل، حيث كان يقتضي الأمر أن أسكن في داخلية البنات، نظرا إلى أن القرية التي أسكنها لا توجد بها إعدادية، بعد ذلك رفض تزويجي لشاب أحبه»، تحكي سليمة، الشابة الثلاثينية التي تقطن بإحدى البوادي بنواحي مدينة الحسيمة، عن أسباب محاولتها الإقدام على عملية الانتحار، مضيفة بنفس نبرة الألم: «مادامت حياتي في يد أشخاص آخرين، فالموت أحسن لي». وتعبر سليمة عن حسرتها لأن الموت لم يأخذها، وهي تصف طريقة إقدامها على الموت: «أخذت حبلا متينا، وربطته إلى شجرة في مكان بعيد عن بيتنا، ثم وقفت على كرسي ولففت الحبل حول عنقي. حينما أسقطت الكرسي برجلي، شعرت بالاختناق وعدم القدرة على التنفس ثم غبت عن الوعي». لكن سليمة لم يكتب لها الموت، فقد رآها مجموعة من الأطفال الذين قاموا بإخبار الناس، حيث أسعفوها وأنقذوها من موت محقق.
فرح: الإدمان يقتل لم يكن أمام فرح سبيل آخر للتخلص من الوحدة والألم غير الانتحار. هي شابة في مقتبل العمر وطالبة في كلية العلوم بالرباط في سنتها الأولى، عاشت مع أمها بعد طلاق والديها. وبعد نزاع مع والدتها، غادرت البيت في لحظة غضب. أدمنت فرح الحشيش والمخدرات وتحولت حياتها إلى جحيم. تحكي بحزن ظاهر على ملامح وجهها: «أصبحت لا أستطيع التنفس إلا بها، وأدى بيّ الأمر إلى إدخالي إلى الإصلاحية». بعد خروجها من الإصلاحية، عادت فرح إلى منزل والدتها، تجر وراءها أذيال الفشل والخيبة والفراغ. تتابع وغصة في حلقها: «لم أجد أحدا في البيت. أخبروني أن أمي ماتت. اسودت الدنيا في عيني وصعدت إلى الطابق الرابع، وألقيت بنفسي من النافذة، ولم أعد بعدها أذكر أي شيء». «خرجت من هذه التجربة بخسائر جسدية: رجل عرجاء، وأكثر من ذلك خسائر نفسية فادحة»، وتضيف مؤكدة: «صعب لمن حاول الانتحار أن يلملم أشلاء نفسه، أن يجد طريقة طبيعية للعيش بين الناس بعد ذلك».
نجلاء: أردت أن أهدد والدي «حاولت الانتحار فقط، لأهدد وأخيف عائلتي، لأنها رفضت السماح لي بالسفر للدراسة خارج المدينة التي نسكنها، رغم أنني كنت متفوقة»، هكذا تحكي نجلاء، ثلاث وعشرون سنة، عن تجربتها مع الانتحار. تقول وهي تصف الإحساس الذي اجتاحها لحظة الإقدام على هذا الفعل: «لا أنكر أنني حين ابتلعت حبوب منع الحمل الخاصة بأمي، شعرت بخوف شديد ألا أعود إلى الحياة مجددا، لأنني لم أكن أريد أن أموت حقا». وتتابع نجلاء والدموع في عينيها: «والداي متحجرا التفكير، قلت لهما إن حياتي ستتوقف إن لم يتركوني أدرس وأضمن مستقبلي، لكن اللي فراسهم فراسهم. فقررت أن أفعلها حقا وأوقف حياتي». لا تخفي نجلاء أنها فكرت مليا قبل الإقدام على أي فعل، ولا تنكر أن اليأس هو السبب الرئيسي الذي قد يؤدي بأي شخص إلى الانتحار، خصوصا في مثل وضعها، حيث لم يكن أمامها أي خيار وأي طريقة أخرى لتحقيق ما تريده سوى تهديد والديها. تقول نجلاء، التي تدرس الآن بكلية الآداب، دون أن تخفي ارتياحها: «والداي أصبحا يتعاملان معي بطريقة أخرى، وسمحا لي بمتابعة دراستي الجامعية، خوفا من أن أعيد الكرة مرة أخرى، لأن من يحاول قتل نفسه قد يفعل أي شيء».
سعاد: خذلني حبيبي سعاد، الشابة العشرينية والطالبة في كلية الطب بالرباط، حاولت وضع حد لحياتها عن طريق أخذ جرع زائدة من الدواء، قبل أن ينقذها أحد أفراد عائلتها الذي هرع إلى غرفتها عندما سمع أنينها الناتج عن ألم فظيع في معدتها. تحكي سعاد عن أسباب إقدامها على هذه المحاولة، بغير قليل من الحرقة: «تركني حبيبي بعد أن استمرت علاقتنا خمس سنوات. كنت أحبه، لكنني اكتشفت أن هذا الشعور لم يكن متبادلا»، وتضيف سعاد بالنبرة نفسها وهي تصف لحظة إقدامها على الانتحار: «انتهى الأمر بيننا برسالة هاتفية قصيرة، أرسلها لي يخبرني أنه لم يعد يريدني. لا أدري بماذا أحسست في تلك اللحظة، أصابني دوار شديد، وشعرت وقتها أن حياتي توقفت من دونه. لم أبك ولم أفكر، حتى وجدتني أبتلع عددا كبيرا من أقراص الدواء، وغبت بعد ذلك عن الوعي بسبب الألم حتى وجدت نفسي في المستشفى». وتتابع سعاد: «لم أفكر قبل هذا بالانتحار. كانت حياتي سعيدة ومريحة جدا. حضرتني تلك الرغبة في لحظة واحدة، ولم أخف من الموت، لكن عندما وجدتني في قسم الإنعاش، أحسست بالندم لما اقترفته في حق نفسي، فلا شيء يستحق أن نقتل أنفسنا لأجله».
مرية: موتٌ لي ولحملي «حاولت الانتحار لأقتل الطفل الذي أحمله في أحشائي والذي تنكر له والده»، هكذا تعبر مرية، شابة في الثالثة والعشرين من عمرها وطالبة، عن الأسباب التي دفعت بها للانتحار. «لم يكن أمامي حل آخر للتخلص من الطفل سوى أخذ حياتي معه». مرية كانت في علاقة مع شاب تقول إنه «غرر بها ووعدها بالزواج»، مما جعلها تثق فيه وتصدقه وتقيم معه علاقة جنسية أدت بها إلى الحمل؛ «ما سبب لي الخوف أكثر هو مواجهة والدي والمجتمع ببطن غير شرعية. إنه أمر مرعب!». وعن طريقة انتحارها، تحكي مرية بنبرة حزينة: «كنت في غرفتي بداخلية المدرسة حين قمت بالتأكد من حملي. حين عرفت أنني حامل، انتفضت وصرخت بأعلى صوتي. ابتلعت 20 قرصا من الدواء، وغبت لمدة عن الحياة واعتقدت أنني سأرحل إلى الأبد»، ولولا صديقتها التي تسكن معها في الغرفة نفسها، تؤكد مرية، لما كانت حية ترزق الآن، فقد أنقذتها من موت محقق، حين فتحت الباب وجدت الفتاة مستلقية على الأرض مغمى عليها، لتأخذها بعجالة إلى قسم الإنعاش.
ليلى: بلغ يأسي أشده شربت السم، واستلقت على السرير مغمضة عينيها تنتظر الانتقال إلى العالم الآخر. كانت الدقائق الأخيرة الحاسمة كافية لإنقاذها من موت محتوم، ولما فتحت عينيها وجدت نفسها في المستشفى. تقول ليلى: «أحسست حينها وكأنني غبت دهرا بكامله، وحين استيقظت، وجدت نفسي في المستشفى وقربي بعض من صديقاتي اللواتي يسكن في الحي الجامعي الذي أقطنه». وتضيف: «كدت أموت من شدة الألم الذي سبّبه السم في معدتي، بعد ذلك بدأت حمى غريبة تنتشر في كل أجزاء جسدي، لكنني لم أصرخ، حتى دخلت الفتاة التي تسكن معي في الغرفة نفسها، ووجدتني وقد فقدت وعيي». بمرارة واضحة، تتابع ليلى، الشابة العشرينية، والطالبة في السنة الثانية شعبة علم الاجتماع، عن أسباب إقدامها على الانتحار: «عانيت كثيرا في طفولتي بسبب أبي الذي كان يضربني وينعتني ب»العورة» لأن عيني كانت مريضة. كان يتعامل معي بلا رحمة ولا شفقة وكأنني لست ابنته. كان يرسلني إلى الجبل لأرعى الغنم، وحاول منعي من استكمال دراستي. وحين كنت أحتج عليه، كان يضربني بقسوة». لكن ليلى لم تستسلم لقساوة والدها، وقاومت كل شيء لاستكمال دراستها ومغادرة المدينة التي يسكنها والداها، محاولة التخلص من ذكريات طفولتها الأليمة. قطعت كل خيط يربطها بعائلتها، إذ بدأت حياة جديدة، تكد من عرق جبينها لمواجهة الحياة. التقت ليلى شابا أحبته، وقضت معه أوقاتا جميلة، لكن الظروف فارقتهما. «هنا بلغ يأسي أشده، فقررت وضع حد لهذه المعاناة وهذا الألم»، تقول بنبرة ملؤها الانكسار.
محمد: كنت محط سخرية الجميع محمد كاد يرمي بنفسه من أعلى سطح منزلهم، لولا أن أمسكه الجيران. يحكي الشاب العشريني والطالب في شعبة الفلسفة بكلية الآداب بنمسيك، بنبرة ملؤها الإحساس بالحرمان عن أسباب إقدامه على هذه المحاولة: «رغم أنه تاجر ويملك المال، إلا أن أبي كان بخيلا جدا ويحرمنا من أبسط الأشياء. لم يكن لنا في البيت لا تلفاز ولا حاسوب، وحتى الهاتف المحمول لم أكن أملكه». «تعقدت»، يضيف محمد بأسى: «كنت أشعر باليأس ينخرني يوما بعد يوم، خصوصا وأن زملائي كانوا يسخرون مني. انعزلت لفترة طويلة ولم أكن أحدث أحدا أو ألتقي أحدا، وتغيبت عن دروسي في الكلية لفترة طويلة أبحث عن عمل يضمن لي ضروريات الحياة». «بعد محاولة الانتحار تلك، لم يعد أبي يعاملني بالطريقة نفسها. أصبح يخاف عليّ كثيرا. لماذا ينتظر آباؤنا أن نؤذي أنفسنا حتى يمنحونا حقوقنا؟!»، يتساءل محمد بكثير من الأسى.
نجيب: كان أبي عنيفا وكنت أشعر بالفراغ النفسي «السبب كان العنف الأبوي والفقر»، هكذا يلخص نجيب، شاب في العشرينات وموظف، أسباب إقدامه على الانتحار. ويسترجع هذه الذكرى بكثير من المرارة والحزن: «كنت مراهقا في السادسة عشرة من عمري حين فكرت في الانتحار. كان أبي عنيفا جدا ومتسلطا، بالإضافة إلى أن عقلي كان قد بدأ في طرح أسئلة غيبية لم أجد لها جوابا كالله والخلق والشيطان. كفرت بكل شيء، وشعرت بفراغ كبير، إذ لم يعد لي ما أرتكز عليه». بعد المحاولة الأولى التي قام بها نجيب عن طريق خنق نفسه، قامت عائلته بحجزه لأشهر في المستشفى حتى لا يشنق نفسه أو يشرب السم، ويتابع نجيب: « اجتاحتني بعد ذلك موجة تدين شديدة، وانتميت بعدها إلى الحركة الإسلامية، وكنت أستعد لعملية استشهادية من أجل «الأمة» و»الله» و»المسلمين»، يردف بألم. لم يتخلص نجيب من فكرة الانتحار إلا بعد أن بدأ في قراءة الكتب، وكانت البداية برواية «زوربا» للكاتب اليوناني نيكوس كازانتزاكيس، التي يؤكد أنها غيرت مجرى حياته وطريقة تفكيره وأعادته إلى رشده.
فاطمة: كنت مولعة بالفلسفة الوجودية هي شابة في ربيع عمرها، وطالبة في المدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية بآسفي. فاطمة مهووسة بالقراءة والكتابة. قبل أن تقدم على محاولتها في الانتحار التي باءت بالفشل، تركت رسالة طويلة لأقاربها تصف فيها معاناتها النفسية ورغبتها في الموت. تقول فاطمة إن محاولة الانتحار تلك، كانت جوابا عن عدد هائل من الأسئلة الوجودية التي راودتها. وتضيف: «تأتيني أحيانا نوبات قلق لا أعرف مصدره، لكنني كنت أحاول القضاء عليه عن طريق القيام ببعض الأنشطة. هذه المرة، تجاوز قلقي حدوده المعتاد. إذ شعرت بحزن غريب يجثم على صدري. وكان الانتحار هو الطريقة الوحيدة التي ستخلصني من القدرة على التفكير والإحساس». ولع فاطمة بالفلسفة والكتب ذات الطابع الوجودي، حسبها، هو السبب الرئيسي الذي جعلها تفكر في وضع حد لحياتها؛ «جعلني هذا الفكر أطرح تساؤلات كثيرة من بينها: ما الفائدة من وجود الإنسان على الأرض؟ لماذا نتألم؟»، تقول فاطمة. بلعت فاطمة كمية كبيرة من الأقراص في محاولة لإيجاد حل لأزمتها الوجودية، لأنها رأت أنه من العبث أن تعمل وتبذل جهدا للنجاح ستنتهي في نهاية المطاف بالموت. شاءت أن تختصر عليها الطريق، لكن الموت خلف الموعد.