عندما أطلت صورة السفاح راتكو ملاديتش، القائد العسكري السابق لصرب البوسنة المتهم بارتكاب جرائم حرب، من شاشة تلفزيون وضع على حافة مرتفعة في مقبرة سريبرينيتسا الشاسعة، خيم صمت ثقيل على عشرين امرأة كن يشاهدن التلفزيون في المقبرة. وكسرت إحدى النساء اللواتي كن يجلسن وسط قبور أكثر من 4500 استشهدوا في مجزرة سريبرينتسا، الصمت بقولها "أدعو الله أن يحرقه في نار جهنم". وقالت حنيقة ديوغاز وهي تنظر إلى صورة ملاديتش وهو يمثل أمام محكمة الجزاء الدولية ليوغوسلافيا السابقة لأول مرة "ليتنا نستطيع محاكمته هنا. كم أتمنى أن يحضروه إلى هنا لنمزقه إربًا وهو حي". أما ابنة عمها ميرا ديوغاز التي فقدت ولدين في أسوأ فظائع شهدتها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، فقد أعربت عن مشاعر مماثلة. وقالت "لقد استشهد كل أحبابنا. أمهات سريبرينيتسا هن وحدهم اللواتي يجب أن يحاكمنه. يجب أن يعطوه إلى الأبناء الذين بقوا من دون آباء لكي يحاكموه". وكانت هاتان المرأتان تشاهدان بثا حيا على التلفزيون من قاعة المحكمة وهما تجلسان وسط المقابر تحيط بهما آلاف الشواهد البيضاء التي تنتشر في أنحاء المقبرة التي يحيط بها جدار تذكاري يحمل أسماء ضحايا المجزرة. وهؤلاء النساء ومعظمهن متقدمات في العمر ويرتدين الحجاب، هن من بين زوجات وأمهات أكثر من 8000 رجل وصبي مسلم استشهدوا بعد أن سيطرت القوات الصربية البوسنية بقيادة ملاديتش على سريبرينيتسا قبل 16 عاما وبالتحديد في يوليو 1995. وقالت نورا اليسباهيك الذي أعيد دفن ابنها أزمير في بوتوكاري في العام 2003، لوكالة الأنباء الفرنسية: "إن ظهور ملاديتش في المحكمة جيد ولو أنه متأخر. كان يجب أن يحاكم قبل فترة طويلة". وشاهدت نورا مقتل ابنها على التلفزيون قبل سنوات عندما تم بث شريط فيديو صورته وحدة شبه عسكرية قتلت ابنها إلى جانب خمسة رجال آخرين. وقالت "كنت أشاهد الأخبار عندما قالوا ستشاهدون الآن شيئا لم تشاهدوه من قبل وستتعرف بعض الأمهات على أبنائهن وأخواتهن وأشقائهن"، وأضافت "شاهدت ابني يخرج من الشاحنة وصرخت على التلفزيون لا تقتلوه". واعترى الاشمئزاز ملامح النساء عندما قال السفاح ملاديتش في قفص الاتهام، أمام المحكمة انه "مريض للغاية". وقالت خديجة محمودوفيتش بغضب "إنه يدعي المرض"، وأضافت أن "مشاهدته وهو يتظاهر بأنه لا يفهم شيئًا ولا يعلم شيئًا أمر لا يطاق". ويتهم ملاديتش بأنه الرأس المدبر لمجزرة سرييرينيتسا - الواقعة الوحيدة في الحرب البوسنية التي اعتبرت رسميًا عمل إبادة، وكذلك بحصار العاصمة سراييفو الذي استمر 44 شهرا من مايو 1992 واستشهد فيه عشرة آلاف مسلم. ومثل ملاديتش الجمعة لأول مرة أمام المحكمة التي تنعقد في مدينة لاهاي الهولندية بعد اعتقاله في صربيا الأسبوع الماضي. وأعربت عدد من النساء البوسنيات اللواتي توجهن إلى لاهاي لحضور محاكمة ملاديتش، عن غضبهن وألمهن الشديد لرؤيته عن قرب. وقالت منيرة سوباسيتش التي فقدت أحد أبنائها في مجزرة سريبرينيتسا "أتمنى أن يبقى حيًا لمحاكمته في هذه القضية حتى تتحقق العدالة لنا وله". أما زمرا سوهوميروفيتش (55 عامًا) فقالت أمام المحكمة "أنا هنا أحمل آلامي، وهو هنا يحمل جرائمه". وقالت "أشعر بالتعاسة الشديدة وعدم الرضى. أشعر بأن ملاديتش حصل على الكثير، وذلك ليس عدلا نظرا لما فعل"، في إشارة إلى الرعاية الطبية التي تردد أن ملاديتش حصل عليها في مقر احتجازه. وبالنسبة لزمرا التي شهدت المجزرة، فإن مشاهدة ملاديتش في قفص الاتهام لم تهدىء من حزنها أو غضبها. وأضافت "أنه ملاديتش نفسه الذي كان عام 1995. وهو يفعل الشيء نفسه الذي فعله في عام 1995 في سريبرينيتسا، فهو ينظر إلينا من القفص وكأنه لم يفعل شيئًا".