يحيي المجتمع الدولي الذكرى 15 لمذبحة سربرنيتشا في البوسنة التي تعتبر أفظع جريمة ضد الإنسانية ارتكبت في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. والأسئلة لا تزال حية حول إخفاق المجتمع الدولي في حماية المدنيين العزل. شارك عشرات الآلاف من البوسنيين هده الأيام، في إحياء ذكرى الخامسة عشرة لمجزرة سريبرينيتسا التي راح ضحيتها قرابة ثمانية آلاف مسلم، في واحد من اعنف فصول الحرب في يوغوسلافيا السابقة. وفي خطوة لا تخلو من دلالات وجدل، حضر المراسم الرئيس الصربي بوريس تاديتش، ورئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان. وشملت مراسم إحياء الذكرى دفن رفات 775 من الضحايا الثمانية آلاف في مقبرة بوتوكاري التي دفن فيها حتى الآن 3749 من ضحايا هذه المجزرة. وكانت مئات من النعوش نقلت السبت الماضي الى الموقع في أجواء من الانفعال والتأثر. وتشكلت سلسلة طويلة من الرجال تحت شمس حارقة لنقل النعوش الى الجهة الأمامية من المقبرة. وجلس اكرم موهيتش مع اسرته في المقبرة التي وصل اليها بعد مسيرة استمرت ثلاثة ايام مع خمسة آلاف شخص آخرين اتبعوا خطى الرجال والفتيان الذين فروا من الجيب امام تقدم القوات الصربية. وقال قبل المراسم: «سرت من اجل شقيقي الذي سيتم دفنه. غادرنا سريبرينيتسا معاً لكنه لم يعد وأنا نجوت». وكان ثمانية آلاف مسلم بوسني من رجال وفتية قتلوا في حملة منهجية في الأيام التي تلت سقوط الجيب الذي كانت الأممالمتحدة اعلنته منطقة آمنة، في ايدي القوات الصربية في 11 تموز (يوليو) 1995. والمجزرة هي الفصل الأفظع في النزاعات القومية التي تلت انفصال الدول المكونة ليوغوسلافيا الاتحادية عن صربيا في التسعينات، واعتبرتها محكمة الجزاء الدولية للنظر في جرائم الحرب في يوغوسلافيا السابقة جريمة إبادة. وقتل الضحايا رمياً بالرصاص ودفنوا في حفر جماعية ثم نقلت جثثهم الى حوالى سبعين موقعاً لطمس الأدلة. وعظام الضحايا التي انتشلت من قبل خبراء الأدلة الجنائية في السنوات الأخيرة، دفنت في بوتوكاري بعد التعرف عليها من طريق تحليل الحمض النووي. وحتى اليوم، تم التعرف على بقايا حوالى 6500 شخص عثر على بعضهم في اكثر من قبر، لكن عائلات عديدة ما زالت تنتظر دفن اقربائها وتأمل بالعثور على رفات آخرين. ويأمل حسن وزهرة ماهيتش وهما في الثمانينات من العمر، بدفن ابنيهما فؤاد وسعاد. وقال حسن: «اتمنى لو كلنا قتلنا في ذلك اليوم حتى لا نعيش هذه التجربة». * وأثار حضور الرئيس الصربي مراسم احياء الذكرى استياء كثير من الناجين الذين اشاروا الى ان راتكو ملاديتش الزعيم العسكري الصربي البوسني المتهم بقيادة هذه «الإبادة» ما زال يختبىء في صربيا * ومجزرة سربرينيتشا هي واقعة القتل الوحيدة من وقائع الحروب التي تلت تفتت يوغسلافيا التي اعتبرت عمل إبادة من وجهة نظر محكمة الأممالمتحدة لجرائم الحرب ومحكمة العدل الدولية. وقتل الضحايا ودفنوا في مقابر جماعية، قبل أن يعاد دفنهم لاحقا على عجل في أكثر من 70 موقعا في محاولة لإخفاء الأدلة. ويرى عدد من أقارب الضحايا في حضور الرئيس الصربي نقطةً أليمة تذكّرهم بمصابهم، ويلفتون إلى أن راتكو ملاديتش -وهو أحد مهندسي المجزرة، وتلاحقه محكمة جرائم الحرب الخاصة بيوغسلافيا- ما زال طليقا. وقبل يوم من إحياء الذكرى، نظم حزب صربي مراسم لتكريم مؤسسه رادوفان كاراديتش الذي يحاكم في لاهاي لدوره في مجزرة سربرينيتشا. ففي الذكرى العشرين لتأسيس هذا الحزب، تسلمت ليليانا -في مراسم نظمت في بانيالوكا في شمال البوسنة- ميداليات التكريم بدل زوجها كاراديتش. وقال زعيم الحزب ملادين بوسيتش إن الحزب لا يخجل من ماضيه. وشككت الجمعيات في صدق بوريس تاديتش. وقالت منيرة سوباسيتش رئيسة جمعية نساء سيربرينيتسا «:من الجيد ان يأتي (تاديتش) مهما كانت مبرراته، لكنني سأسأله لماذا لا يجلب معه راتكو ملاديتش؟». ورادكو ملاديتش الزعيم العسكري انذاك لصرب البوسنة فار منذ سنوات من وجه العدالة الدولية التي تبحث عنه لدوره في مذبحة سيربرينيتسا. وحكمت المحكمة الدولية حتى الان على عشرة متهمين بالتورط في مذبحة سيربرينيتسا، وحكمت على اثنين من المسؤولين العسكريين من صرب البوسنة فويادين بوبوفيتش وليوبيسا بيارا بعد ادانتهما بالتورط في الابادة، بالسجن مدى الحياة في العاشر من يونيو. كما حكمت المحكمة في 2004 على جنرال سابق من صرب البوسنة هو راديسلاف كرستيتش، الذراع اليمنى لراتكو ملاديتش، بالسجن 35 عاما بعد ادانته بالتورط في الابادة الجماعية.