وكأنها مشاهد من "المغرب العميق" تلك التي تجسدها معاناة العديد من الأسر بحي الرياض، أحد أرقى أحياء العاصمة الرباط، والذي رغم أن مظهره الخارجي يعطي الانطباع بأن ساكنته من الطبقة الميسورة جدا، إلا أن بداخله داورا عنوانه "زرارة، سيكتور 25 حي الرياض"، يضم أزيد من 25 "براكة"، كل واحدة تأوي أكثر من ثلاث أسر، جميعها مهددة بالتشرد بعدما حكمت عليها المحكمة بالإفراغ. الفقير محمد، واحد من سكان دوار زرارة، يروي جزءا من تفاصيل المشكل قائلا إن "كل قاطني الدوار يمتلكون وثائق رسمية تثبت أنه مستقرون هناك منذ سنوات، ومنها شواهد السكن وشواهد الازدياد وكذا بطاقة الناخب وحتى البطاقة الوطنية". واسترسل محمد، الذي كان يحمل بين يده دفتر الحالة المدينة، الذي يعود تاريخ ضمه الأسماء المسجلة فيه إلى سنة 1987، بأن السلطات اتهمت السكان بالسطو على أرض تعود لودادية الأطر بوزارة الداخلية منذ سنة 2002، وزاد: "نحن نمتلك وثائق رسمية تعود إلى قبل هذا التاريخ بسنوات عدة .. آباؤنا ولدوا هنا، وأجدادنا كذلك، ولنا وثائق تثبت ذلك". أولى أمطار الخير التي تساقطت على بلادنا زادت من معاناة ساكنة الدوار نفسه، الذي لا يتوفر على قنوات للصرف الصحي، لكنه مرتبط بشبكة الكهرباء، ولكل "منزل" عداد بالاسم الكامل لمالكه وبعنوان الدوار الذي يقطنه. من جانبها قالت فاطمة فكري، وهي من ساكنة الدوار ذاته، إن "الحكم بالإفراغ اتخذ بين ليلة وضحاها، ولم يتم إخبار العائلات نهائيا"، وزادت: "صدر قرار من المحكمة الابتدائية بالإفراغ، وصدر القرار نفسه بمحكمة الاستئناف "وحنا مفراسنا ميتعاود"..كما أنه صدر في شهر يونيو ولم نتوصل به إلا في الشهر الماضي لكي لا يكون لنا حق النقض والإبرام". وزادت المتحدثة نفسها بنبرة متجهمة: "كاتب الضبط بالمحكمة الابتدائية دعانا، وذهبنا إليه على أساس التفاوض، فإذا بنا نفاجأ بإدخالنا إلى رئيس المحكمة الذي قال لنا إنه لا حق لنا في التعويض، على أساس أنه سبق تعويضنا..إذا كنا فعلا معوضين فليكشفوا توقيعاتنا في سجلات وزارة الداخلية". وأضافت المتحدثة ذاتها أن "الساكنة تطالب بأبسط الحقوق، وهي حق العيش، وحق السكن"، كما نفت أن تكون العائلات سبق أن استفادت من تعويضات لإخلاء المكان قائلة: "واش لي عندو الدار غيعيش فالغيس"، قبل أن تضيف: "واش لي زايد ف47 وعندو 8 الأولاد، وعندو حفادو عاد تسلط على الحكومة". جدير بالذكر أن المتضررين قد أجمعوا، حين لقائهم بهسبريس، على كونهم يستنجدون بالملك محمد السادس من أجل إنصافهم وحمايتهم من خطر التشرد الذي يهددهم، وفق تصريحاتهم المتطابقة.