أفضى طرحي السابق في موضوع :"حكومة صناديق،أم حكومة مستحقة؟"، إلى محاولة الإقناع بأن الحق المواطني،ولاعتبارات سياسية حزبية ذكرتها ،صار أقوى من الصوت الانتخابي. بمعنى أن نتائج انتخابات السابع من أكتوبر2016 –مهما كممت،ورفعت وأنزلت، لن تفرز حكومة مُستحَقة ؛تُلبي انتظارات مواطنين ،أرهقتهم ولاية حكومية جعلتها الدعوة المتسربلة بالدولة ،صاخبة جدا،ومرهقة حد الانزواء والبكاء سياسيا ،جراء الالتباس الكبير الذي حصل. ولاية صاخبة في اتجاهين لا غير: ركوب الدهاء السياسي– بعد أداء مُغرض،وانتهازي، خلال خرجات حركة عشرين فبراير، في إقناع المؤسسة الملكية بكونها (الدعوة) الأقدر على الذب عنها في مواجهة المحيط الإقليمي العربي المضطرب ، وتمنيعها من استجابات الداخل المحتملة. ركوب الدهاء التدبيري – عربون صدق للملكية، لاغير،في وضع ماكرو اقتصادي صعب - في الاشتغال على ملفات اقتصادية واجتماعية حارقة للمواطنين وللحزب الحاكم. مكن المَصْلُ الديني ،هنا، من تجنيب الحكومة ردات شعبية عنيفة؛كما مكن رئيس الحكومة من حصر المعارضة- ويا للمفارقة - في زاوية الدفاع الشكلي،فقط، عن صدق انتقاداتها ،وليس عن مضمونها. كما مكن الحزب الحاكم من اختبار انضباط قواعده ،خدمة لإستراتيجيته العامة التي تتجاوز حدود الوطن ،وتكاد لا تهتم بمعاناة المواطنين. ولعل من رأوا في مطلب الحكومة المستحقة - هذا - ضربا للمنهجية الديمقراطية ،التي تقتضي ،التزاما بالدستور،الاحتكام إلى الصناديق لا غير ،وتمكين الأحزاب الفائزة والمتحالفة، من حظوظها الوزارية ،مهما كانت عروضها البشرية؛يريدون المضي بالريع السياسي الحزبي الى أبعد مداه: بدءا من مراودة التزكية ،التي تقع في جيب الأمين العام للحزب ،وليس في قلب العمل السياسي،كما أسلفت،إلى الرعشة الكبرى التي تحققها الكراسي الوزارية ،التي لا حق للدولة إلا في حديدها وخشبها. ان الواقعية السياسية تُلزم بأن تتنازل نتائجُ الانتخابات –ولو نسبيا – للمصالح العليا للوطن ؛كما تنازل الوطن عن صرامته ،المفترضة، للسياسيين ،وهم يؤسسون لأدائهم بمقدمات فاسدة. ولا يتسع المقام لتكرار أمثلة موثقة لهذا الفساد،يعرفها الجميع. المصالح العليا للوطن أقوى من الانتخابات: لعل القيادات العليا في حزب العدالة والتنمية أصبحت تدرك ألا مصلحة سياسية لها في تشكيل الحكومة المقبلة ، ولو تصدر الحزب النتائج. إذا لم تكن تدرك هذا ،فما أفادتها الخمسُ العجاف في شيء. لن يكون في وسعها ،إذا ترأست الحكومة ،الاستمرار في التملق المغرض للملكية،لأن المؤسسة السامية غربلت الأمر كله ،وفَرَتُه،وثَقِفته،وانتهت إلى تحويل اتجاه رئاسة الحكومة صوب الدولة لا غير ،صوب تخصصاتها الدستورية التي لم يطلب منها أحد التنازل عنها. وأقوى دليل على هذا تَشبثُ رئيس الحكومة بمنصبه،رغم مزاعمه المتكررة بالانسحاب ؛بل ورغبته حتى في السجن والاستشهاد. ولن يكون في وسعها، في المقابل ، الانقلاب الشامل على نهجها الأول ،وتنزيل اختصاصاتها كاملة ،لخدمة الوطن والمواطنين ،لاغير؛لأن هذا يجعلها تتنازل عن منهجها الدعوي ،ذي الارتباطات الأجنبية ؛مما يفل الأسس التي يقوم عليها الحزب ،ليتحول إلى مجرد حزب مدني كغيره ،بدون ريع ديني ولا مصل الركوع والدعوات الصالحة. سينفض عنه حتى الأتباع ،وسيتذكرون كل ما أصابهم منه سابقا ،وسكتوا عنه دعويا. (أعرف العديد من الموظفين الذين يطعنون في إصلاح التقاعد ،لكنهم –دعويا وحزبيا- يبحثون له عن كل التبريرات الصادقة والمخطئة.) ومن هذه المصالح ثبات المؤسسات العليا للوطن: ثبات يشتغل خارجيا ،ويخدم قضيتنا الوطنية الأولى (الصحراء) التي أصبحت مفتوحة على احتمالات متعددة ،منها حتى الاضطرار إلى الحرب الدفاعية؛كما يخدم إستراتيجيتنا التنموية ،القائمة على جلب الاستثمارات الخارجية ،في ظل وضع إقليمي مضطرب،واقتصاد دولي جامد وخائف ؛وفي ظل معايير دقيقة تعتمدها مراكز الاستشارات الاقتصادية العالمية. وثبات هذه المؤسسات وعلى رأسها المؤسسة الملكية ،يعطي أكبر قدر من المصداقية للنموذج المغربي المتكامل ،والمتعدد الأذرع ،الذي تُنَظر له الدولةُ مدرسة عالمية لمحاربة الإرهاب،وقد غدا بخرائط جينية تعجز عن فك مغالقها حتى المختبرات المؤهلة. وهل تملك الانتخابات ،إزاء كل هذه المصالح العليا ،إلا أن تتضاءل ،وتفسح للحق ،حتى يرتوي منه الوطن والمواطنون ،بعد خمسية العطش ،وكثرة الكلام ؟ وهل يملك حزب العدالة والتنمية ،بعد أن قلب ظهر المجن ،وانتقل من المن الى احتمال الأذى، الا أن ينسحب من الصدارة الانتخابية– إن تحققت – الى الصدارة السياسية ؛حزبا يعرف قدره العددي – وحتى ريعه الديني السخي – ويجلس دونه ؛إعلاء لمصالح الوطن العليا؛التي ليس منها ركوب المراكب الصعبة ،وفرض الأمر الواقع اعتمادا على نتائج انتخابات بالمواصفات التي يعرفها الجميع. ملامح الحكومة المستحقة: لاحدود للإمكانات التي تتيحها السياسة،ولهوامش التحرك التي يتيحها الدستور؛خصوصا حينما يكون الهدف نبيلا ؛ساميا سمو المصالح العليا للبلاد والعباد. لقد سبق للمرحوم الحسن الثاني ،وشيخ المعارضة اليسارية اليوسفي أن ابتدعا نهجا توافقيا ؛تخطى ،للضرورة، واقع الخريطة السياسية والانتخابية للبلاد،وقتها؛ وقد كانت النتائج واعدة جدا ؛رغم ما شابها من رحيل مؤسس الدولة المغربية الحديثة؛وبقائها أمانة بين يدي ملك شاب، وشيخ أقسم على حفظ الأمانة.(في الحقيقة لا أحد يعرف على ماذا أقسم). سيرا على هذا النهج التوافقي يمكن الدخول – بعد السابع من أكتوبر- في مرحلة البحث عن كفاءات وزارية ،سياسية وتكنوقراطية،مؤهلة لتبييض الأحزاب في عيون المواطنين،وتحريضها على أن تعاود سيرتها الوطنية الأولى ؛حينما كان النضال الصادق والبناء ،هو معيار التحزب الموصل الى تحمل المسؤولية الحزبية والدولتية. الحلقة اليوم مفرغة:تزكية مغشوشة= برلماني مغشوش= أداء حزبي متقهقر=خروج كلي من الساحة السياسة..ولا تعوزنا الأمثلة. ألا توجد في أقدارنا كلها الا أن يتواصل هذا العبث؟ ألا يأتي الإصلاح الا من ثورات ،نعرف جميعا ما أصبحت تؤدي إليه من خراب كلي؛ما دام الحسم فيها يُنتظر من خارج قلوب المواطنين ،ومن داخل مصانع النظم والخرائط والأسلحة؟ وأخيرا حتى مصانع الأديان. كل الأحزاب، بما فيها العدالة والتنمية - تتوفر على مبيضين حقيقيين،لهم مصداقية شعبية ؛لكنها لا تفسح لهم المجال ليتسيدوا على أعيانها الأثرياء. لدينا اطر كفأة في كل المجالات،لكنها لا تستهويها السياسة ،وحتى إن استهوتها ،لا تقبل بفروض الطاعة والولاء للأمين العام. لدينا في الفيدرالية الديمقراطية لليسار نساء ورجال يقدسون الحق والواجب والبناء ،لكن الصوت يعوزهم ،لأن أغلب السابلة الى مكاتب التصويت جاهلة ،أو شُحنت بكراهية اليسار الكافر. لدينا طاقات هائلة إن لم نقل ليس لدينا الا إياها،لكن سيف الانتخابات ،وفساد الأحزاب،يهزمها ويقطع رؤوسها. أبعدَ هذا لا يبدوا تبييض الأشخاص للأحزاب قضية تستحق التفكير ،ومرحلة انتقالية تفرض نفسها؟ نصوت من أجل الأحزاب ،نعم، لكن ننتظر تبييضها.. Sdizekri .blogvie.com