تتسابق اليوم جل الصحف والمنابر الإعلامية من جرائد ورقية وإلكترونية بالإضافة لبعض القنوات إلى تلميع صورة التحكم وحزبه وإلى شن حملات منظمة للهجوم على حكومة الأستاذ عبد الإله ابن كيران وحزبه. فقد تجاوزت اليوم هذه الجرائد كل حدود اللباقة والكياسة في حملتها المسعورة، فقد سارعت الأخيرة بكل ما لها من وسائل في حملة تكيّل التهم والكذب والبهتان لهذه الحكومة ووزرائها، بالإضافة إلى تكيل التهم لقيادات حزب العدالة والتنمية. فلا تكاد تتصفح صفحة من صفحات مجلة الأخبار للصحفي رشيد نيني على سبيل المثال لا الحصر إلا وتجد فيها مقالا يتحدث عن وزير في الحكومة متورط في قضية فساد أو قيادي في الحزب متورط في قضية أخلاقي.. وحين تتحرى الأمر لا تجد له أساسا في الواقع بشكل مطلق. ولا يجد المتهمون أمام هذا الكم الجارف من الكذب والبهتان والمغالطات والافتراءات التي تكال لهم قدرة على متابعتها فما بالك بتفنيدها وتكذبها. ويبقى الهدف الواضح من خلال هذه الحملة المدعمة التي تشنه المنابر الإعلامية، هو إضعاف حزب العدالة والتنمية وتقوية حزب الأصالة والمعاصرة "واجهة التحكم" في المعركة الانتخابية المقبلة، فكل المؤشرات تشير إلى أن المخزن لم يعد راضيا على ابن كيران وحزبه ويحبذ توقيفه ولجمه قبل أن يزيد من سرعته وليصعب بعدها اللحاق به. وفي خضم هذا السباق المحموم وغير العادل بين أحزاب مدنية عادية وحزب سلطوي أسطوري أعطيت له كل الإمكانات الكبيرة ليتقوى على خصومه وقدمت له خيرات الوطن على طابق من ذهب وفرشت له الأرض زهورا وزرابي ليصل إلى السلطة من خلال آليات غير ديمقراطية، وذلك بتوسله لحاشية الملك وإمكانات المركز من سلطة ومال، تطرح علينا العديد من الأسئلة المقلقة عن الوضع المغربي. فما هي الأسباب التي تدفع المخزن لرفض عبد الإله ابن كيران وحزبه وإلى دعم حزب البام؟ وما هو مصير المغرب في حالة انهزم حزب العدالة والتنمية أمام حزب البام؟ 1-لماذا يرفض المخزن بقاء ابن كيران؟ قبل أن ندخل في الاجابة عن السؤال الأول، نحاول معرفة ما المخزن أولا. يعرف لنا عبد الله العروي المخزن في كتابه خواطر الصباح المغرب المستحب أو مغرب الأماني، بأنه هو الدولة المغربية أو الدولة الشريفة، فكل نظام سياسي حسب العروي في أي بلد يحتفظ له باسم خاص، فلا يجد ما يقابله تماما في أي لغة أخرى. نجد لفظ كومنولث في البلدان الانجلوسكسونية، رايخ في البلدان الجرمانية، ربوبليكه في البلدان اللاتينية، وباكوفو في اليابان... إلخ. وهو مزيج العلاقة بين عالم الغيب والاجداد والمحيط الطبيعي لا يمكن تعريفه بشكل مطلق.ونعرفه نحن بكونه خليط مصالح وامتيازات يمثلها اطراف يشكلون تيارات مختلفة داخل السلطة او متقاطعة معها، تفرقهم المواقع والمراتب وتوحدهم الغاية ويجمعهم المصير الواحد. ولمعرفة سبب عداء هذه الأطراف مختلفة المشارب ومتفقة في المصير على عداء ابن كيران يرجع بالأساس إلى المنطق الذي يشتغل له الأخير من داخل المؤسسة رئاسة الحكومة، فالأخير جعل من هذه المؤسسة كما يقول المحلل المعطي منجب منبرا معارضة لسياسات المخزن من الداخل، كيف ذلك؟ يشتغل الاستاذ عبد الإله على معارضة منطق الريع المؤسساتي الذي طبع المؤسسات منذ فجر الاستقلال، حيث بدأ يكرس لثقافة جديدة في تعامل مؤسسة الحكومة مع باقي المؤسسات المشكلة للدولة في المغرب، فحين يقول عبد الإله بنكيران أنا لا اريد رضا الملك وإنما اريد رضا الوالدة، فهذه رسالة واضحة للمتبعين إلى أن مؤسسة رئيس الحكومة لا تربطه علاقة تراضي بين المؤسسة الملكية، وإنما العلاقة بينهما هي علاقة ولاء وإسداء للنصيحة وعلاقة صلاحيات واشتغال من اجل الوطن. وهذا الكلام في عمومه يعني بأن ابن كيران يناضل من داخل مؤسسة رئاسة الحكومة على فرض منطق المؤسسات الذي يعطي للحكومة الحق في ممارسة صلاحيات حصرية وحقيقية في خدمة الوطن. ويقول الصحفي علي أنوزلا أيضا في صدد تحليله لتجربة عبد الإله: " لفهم ما يجري في المغرب ينبغي التمييز بين الحكومة والحكم. فحائط الحكومة قصير، يمكن لكل متدرب على الرماية أن يصوّب سهامه نحوه. أما قلعة الحكم فالقليلون هم الذين يجرؤون على الاقتراب من أسوارها العالية، وبالأحرى تصويب رماحهم صوبها. وابن كيران نجح، بدهائه السياسي، في أن يقحم حصانه داخلها، ويصوّب رماح نقده لقلبها متحصناً بقربه منها". ويقول نفس الصحفي متحدثا عن نجاح ابن كيران: " نجاح ابن كيران في أن يكون رئيساً للحكومة وزعيماً للمعارضة، في الوقت نفسه، يستمده من ضعف خصومه في المعارضة الحكومية، ومن تشتت منافسيه الحقيقيين في معارضة الحكم. وأمام كلا الخصمين، تكمن قوة الرجل وضعفه. فهو عندما يكون ضعيفاً كرئيس حكومة يصبح قويا كزعيم للمعارضة، ولا يعني هذا، بالضرورة، أن العكس يكون دائماً صحيحاً ". وهنا يبدو الأمر جلي اتجاه المخاوف التي عبر عنها الكثيرون وفي مناسبات عديدة حول وضع الدولة ووضع الاقتصاد ووضع المؤسسات في المغرب، فهذه المخاوف تكون قد غدتها مصالح وأغراض مشبوهة للفئات كانت مستفيدة من ثقافة الريع داخل مؤسسات الدولة. فخوفها على ذهاب تلك المصالح التي استفادت منها بالأمس القريب وحرمته اليوم هو بالتحديد ما يدفعها إلى المحاولة الحثيثة لتشويه تجربة ابن كيران ومهاجمتها بكل الاساليب المشروعة وغير المشروعة من أجل غلق القوس الذي فتحه الربيع العربي والإصلاحات الدستورية التي عرفها المغرب سنة 2011، والذي حمل لعنة ابن كيران وأوصلها لتقض مضاجعهم وتنغص راحتهم ! 2- ماذا بعد غلق القوس وفوز التحكم؟ الذي يجب أن يطرحه القارئ اليوم أمام هذا الكم الجارف من الحملات المغرضة التي يقودها التحكم ضد تجربة عبد الإله ابن كيران هو ماذا بعد نجاح سيناريو التحكم؟ أي ماذا لو نجح خيارهم الحزبي في الانتخابات القادمة من خلال دعم الداخلية لحزب الأصالة والمعاصرة. فعوضا من تضييع مداد الأقلام في تدبيج مقالات عن دستورية ترشح رئيس الحكومة في الانتخابات البرلمانية 2016، يجب على المحللين طرح سؤال المسار الديمقراطي في المغرب بعد نجاح حزب التحكم، الذي تعبد له اليوم وبمفرده الطريق نحو الظفر بالانتخابات البرلمانية من خلال خفض العتبة إلى 3 في المائة ومن خلال استقطاب حصص الأحزاب العتيقة من الأعيان ليترشحوا في الحزب الاصالة والمعاصرة، وكذلك المساهمة في اشاعة نفس الفقدان الأمل من العملية الانتخابية، بهدف تقليص الفئة المشاركة في الانتخابات حتى يسهل التحكم فيها، وبالإضافة إلى مسلسل رسم الخرائط الانتخابية لصالح هذا الكائن الأسطوري الذي وضع لتحدي احزاب مدنية لها امكانات عادية ومحدودة. يجب على الفئات المثقفة في المغرب والنخبة أن تترك نقاشاتها وحساباتها الإيديولوجية وحسابات الثأر السياسي من حزب العدالة والتنمية وتنظر إلى مصير المغرب في حالة نجاح حزب الأصالة والمعاصرة في هذه الانتخابات القادمة. طبعا السيناريو واضح ولا يمكن لحزب أن يقف ضد هذا السيناريو السيئ غير حزب العدالة والتنمية، والخاسر الأكبر في حالة نجاح البام هو الوطن وليس العدالة والتنمية، ذلك أنه رغم الملاحظات التي قد ندونها على تجربة العدالة والتنمية إلا أن هذه التجربة أعادة للسياسة في هذا الوطن طعمها الذي افتقدناه منذ زمان. فاليوم بدأنا نشاهد نقاشا سياسيا حقيقيا على مستوى المؤسسات الدستورية وبدأنا نرى بوادر بناء ديمقراطي حقيقي في هذا البلد، بعد أن كانت أغلقت أقواس هذا البناء، بنهاية حكومة التناوب مع عبد الرحمن اليوسفي وتنصيب وزير أول تكنوقراط. نجاح البام هو العودة إلى الوراء، إلى ما قبل حراك 20 فبراير الذي كان من شعاراته اسقاط حزب التحكم، وإنهاء منطق حكم المقربين من القصر. نجاح بام هو العودة إلى زمن فبركة أحداث للانتقام من جهات سياسية ترفع شعاراتها تقدمية من أجل دولة المؤسسات، نجاح البام هو إحياء لسنة الاغتيال السياسي للأحزاب الوطنية... نجاح البام هو قتل واستهداف لإرادة المواطنين الذين يحاولون استرجاع ثقتهم في الانتخابات وفي المؤسسات.. نجاح البام هو فتح باب المجهول أمام الوطن من جديد ! فإذا كان الوطن قد وجد حزب العدالة والتنمية في سنة 2011 ليعيد المسار الوطني نحو الاستقرار، فلا أظن أنه ستكون هناك عدالة وتنمية أخرى ستحمي الوطن من الفوضى والعبث ! حذاري من العبث بإرادة المواطنين ! حذاري من مصير على شاكلة مصر وليبيا ويمن وسوريا أخرى داخل المغرب !