على بعد حوالي ثمانية أشهر من موعد الإنتخابات التشريعية الثانية بعد دستور 2011، كثر النقاش عن هذه الاستحقاقات التي وحسب الكثيرين ستحدد ملامح « الانتقال الديمقراطي » الذي دخلته البلاد بعد موجة الربيع العربي و ل20 فبراير و خطاب 09 مارس و إنتخابات 25 نونبر السابقة لأوانها التي فتحت الباب لإسلاميي حزب العدالة و التنمية لدخول القصر و المشاركة لأول مرة في « الحكم »…ولعل الشيء المثير في هذا النقاش الدائر اليوم حول مستقبل المغرب السياسي بعد إنتخابات 2016 ، هو التركيز على شخص عبد الإله ابن كيران ؛ رئيس الحكومة وأمين عام البيجيدي ،على اعتبار أنه كان الشخصية الأكثر إثارة للجدل منذ أن عينه الملك في ميدلت رئيسا للحكومة ؛ إذ أصبح المعسكر السياسي المغربي منذ لحظة خروجه من الإقامة الملكية وفي جيبه ظهير التعيين الملكي ، يعرف تواجد سياسي يقال بأنه « إسلامي براغماتي و سياسي مشاكس يثير الجدل و الزوابع أينما حل و ارتحل و ملكي أكثر من الملك » فلماذا التركيز إذن على شخص ابن كيران في خضم الحديث عن ملامح الخارطة السياسية المغربية؟ بعيدا عن ذلك النقاش الدائر داخل قواعد المصباح حول مصير ابن كيران على رأس قيادة الحزب..هنالك شيئ آخر مثير للانتباه يستحق النقاش و تسليط الضوء ، ولعل أول شخص سيخطر بباله هذا الأمر ، الذي هو في الأصل عبارة عن سؤال ،هو ابن كيران بنفسه ! السؤال كالآتي : « هل لايزال المخزن يرغب في إستمرار ابن كيران؟ » هذا سؤال مثير ؛ ومن يضع تأويلات و تكهنات للمشهد المغربي دون طرح هذا التساؤل ، ليس بالشخص العارف بخبايا السياسية في المغرب.. لماذا هذا الربط إذن بين مصير ابن كيران السياسي و المخزن ؟ إن الشريك الأول و الإستراتيجي لابن كيران هو المخزن، فعلاقة الرجل بهذه « المؤسسة » علاقة مهمة جدا ؛ على اعتبار أن ابن كيران أصبح رئيسا للحكومة في وقت كانت فيه المنطقة العربية و المغرب يعيشان ظروفا خاصة تطبعها أجواء الاضطراب و الإحتجاجات ، وبالتالي، فإنه كان طرفا رئيسيا ساهم في إعادة الاستقرار للشارع المغربي الساخن حينها..إضافة إلى ذلك ؛ فإن ابن كيران هو زعيم الحزب الذي لطالما ازعج السلطة ؛ والذي بسببه سارعت هذه الاخيرة إلى خلق حزب كانت مهمته الأولى و الأخيرة تكمن في « الوقوف في وجه مد حزب إخوان ابن كيران بل و القضاء عليه » تغيرت الظروف واضطر المخزن إلى « قبول » ابن كيران، الا ان الرغبة في التخلص منه في أقرب وقت ممكن ظلت تراود الكثيرين…ولعل سنة 2012 كانت سنة جد صعبة بالنسبة للعدالة والتنمية ولابن كيران على وجه الخصوص (تذكروا ظهوره في بلا حدود وحواره مع la vie éco و الاعتدار الذي رافقهما والذي وجهه هذا الأخير إلى الملك و مستشاريه.. ) ؛ في حين ان سنة 2013 كانت سنة حرجة وجد فيها ابن كيران نفسه في عنق الزجاجة ؛ فقد كان الإتجاه يسير نحو إسقاط حكومة البيجيدي عبر دفع أمين عام الإستقلال حميد شباط إلى الانسحاب من الائتلاف الحكومي ؛ إلا أن الظروف الإقليمية السياسية التي كانت تعيشها المنطقة و انقلاب العسكر على الإخوان المسلمين في مصر حالت دون تطور هذا « السيناريو المغربي » حتى لا يقال بأن المغرب قد انخرط في « موجة الردة » وقرر طي صفحة الانتقال الديمقراطي وغلق قوس ماكان قد سمي « بالإستثناء المغربي ».. هذا كان توقف مختصر على أهم « اللحظات الحرجة » التي مر منها ابن كيران ؛ فهذا الأخير راكم منذ 2011 رصيدا مهما من الأحداث ؛منها ماهو معروف و متداول ومنها من هو غير معروف ولا يعرفه سوى هو… لنركز إذن على اليوم : لقد أظهرت استحقاقات 04 شتنبر الجماعية والجهوية ان حزب العدالة و التنمية وعلى الرغم من بعض الأخطاء التي ارتكبها وهو يدبر الشأن العام من موقع الحكومة ؛ استطاع أن يحقق نتائج مبهرة بل وصادمة ! فالحزب أحكم سيطرته على كبريات المدن و تغلب على حزب الأصالة و المعاصرة في حرب المدن ؛ بل وقد حصد الرتبة الأولى من حيث عدد الأصوات (مليون ونصف مليون صوت على الصعيد الوطني) ؛ الشئ الذي يشير بطريقة اوتوماتيكية الى انه في الإنتخابات التشريعية لسنة 2016 سيحقق ضعف ما حصل عليه في 2011 هذا ان لم يسيطر على غالبية مقاعد مجلس النواب المقبل ! (وهو الشيء المتوقع بحيث انه لا يمكن أن يغير المغاربة رأيهم في حزب العدالة و التنمية في ظرف ثمانية أشهر التي صارت تفصلنا عن موعد الإنتخابات..) هنا ، نجد نفسنا أمام معطى مهم للغاية : ذلك الحزب الذي لطالما ازعج السلطة هاهو اليوم يتقوى يوما بعد آخر بل ويستمد قوته و « شرعيته » من إرادة المواطنين الذين يعبرون عن مساندتهم لتجربة المصباح عبر صناديق الاقتراع استطلاعات الرأي.. قطع « شبه » نهائي مع التزوير..ما الحل اذن للتخلص من ابن كيران؟ بالنسبة لاستحقاقات 04 شتنبر الأخيرة ؛ يمكن القول بأن نتائجها كانت نزيهة مع بعض « الخروقات الطفيفة » التي لم يتم التطرق إليها والاهتمام بها مادامت لم تتم بطريقة « مفروشة » و لم يكن لها أدنى تأثير على النتائج النهاية..هنا ، نجد أمامنا معطى آخر مهم ؛ يمكن تقسيمه إلى الإيجابي والسلبي . فالإيجابي في هذا الأمر ،هو ان النتائج الأخيرة كانت ناتجة عن تصويت سياسي 100% عبر المغاربة من خلاله عن توجههم السياسي و تأييدهم لتجربة ابن كيران رغم « القرارات اللا شعبية و بطئ آلة الإصلاح » ؛ الشيء الذي وضع المراقبين و المتتبعين في الداخل والخارج أمام أمر الواقع..أما السلبي في هذا الأمر ؛ هو ان السلطة لم تعد قادرة على التلاعب بإرادة صندوق الاقتراع و توزيع المقاعد على المقاس الذي تريد ! الشيء الذي يجعل هذه الأخيرة « مرغمة » على تقبل إرادة المواطنين كما هي ، وإن كانت لا تنسجم مع رغبتها.. إذن ، بما أن التزوير غير ممكن ؛ فكيف السبيل « للتخلص » من ابن كيران؟ إن حزب العدالة و التنمية ، قد رمى الكرة في ملعب الملك..وإليكم الطريقة التي فعل بها ذلك :قيادة الحزب اتفقت على ألا تمنح ولاية ثالثة لابن كيران على رأس الحزب حفاظا منها على الديمقراطية الداخلية ،مع تأجيل موعد إنعقاد المؤتمر الوطني الثامن إلى ما بعد التشريعات. هنا ؛ يقول قادة البيجيدي للملك ما معناه : « صحيح،الدستور لا يرغمك يا صاحب الجلالة على أن تقوم بتعيين الأمين العام للحزب المتصدر لنتائج الإنتخابات رئيسا للحكومة..بل ترك لك المجال للاختيار من داخل الحزب المتصدر..لكن احتراما منك للمنهجية الديمقراطية الحقيقية ؛ عينت في 2011 أميننا العام ابن كيران رئيسا للحكومة..صحيح ؛ ابن كيران رجل مشاكس و مثير للجدل وله أعداء كثر داخل الدولة..و لطالما عبر الكثيرون بطريقة او بأخرى عن رغبتهم في التخلص منه..لكنهم ربما نسوا بأنه يحظى بشعبية تخطت الحدود..وأكثر من هذا ؛ فهو صاحب الكاريزما والشعبية و الجرأة و الوحيد القادر على المواجهة وخوض المعارك داخل الحزب..لذى نحن نلتمس منك يا جلالة الملك ؛ أن تعين ابن كيران رئيسا للحكومة في حالة ما تصدر حزبنا نتائج الانتخابات المقبلة..وإن كان البعض لن يطيق بقاءه لخمس سنوات أخرى..لكن هذه هي الديمقراطية.. » هل من بديل عن ابن كيران؟ بعيدا عن دوافع المخزن و حساباته ؛ فإن ابن كيران كرجل دولة، إستطاع أن يفرض وجوده بقوة ، لقد أصبح اليوم السياسي رقم 1 في البلاد ؛ وذلك يرجع إلى سياسة القرب من المجتمع وهمومه التي نهجها منذ يومه الأول كرئيس للسلطة التنفيذية ؛ الشيء الذي حوله في الآونة الأخيرة إلى « ابن كيران الظاهرة الغير القابل للانكسار ».. أكثر من ذلك ؛ فإن ضعف المنافسين السياسيين كان من بين العوامل التي ساهمت في تقوية ابن كيران ، فعلى الرغم من تلك الحملات الشرسة التي شنها بعض أمناء الأحزاب العريقة و التاريخية ضد ابن كيران الشخص وليس ابن كيران رئيس الحكومة ؛ لم ينجح أي واحد منهم في إضعافه ؛ بل حدث العكس تماما وصار أكثر قوة من أي وقت مضى ! ولو أنهم توجهوا ذات يوم إلى الأعتاب الشريفة لتقديم شكوى في حق رئيس الحكومة الذي صارت خطاباته في البرلمان و مهرجانته تزعجهم و تستقطب المواطنين وتشد انتباههم.. هل أقنع ابن كيران القصر بأنه « ليس خطرا » ؟ لقد وضع ابن كيران منذ اليوم الأول رهان كسب الثقة بينه وبين القصر كهدف استراتيجي ؛ انطلاقا من قناعته الراسخة التي تعتبر أن الثفة بينه وبين الملك هي من ستؤهله الى مباشرة الإصلاحات العميقة من موقع رئاسة الحكومة..لذى ؛ فقد اتضح جليا لأن ابن كيران كان في طور « اختبار لحسن النية » في السنة الأولى التي قضاها في رحاب المشور السعيد..الآن ، وما دمنا في الربع ساعة الأخيرة من عمر تجربة ابن كيران ؛وجب علينا طرح السؤال الآتي : هل استطاع ابن كيران أن يقنع القصر بأنه لا هو ولا حزبه ليسو ضد الملكية ؟ منهيا بذلك زمن الفزاعة والخوف من الإسلاميين.. لا يتوفر حاليا جواب لهذا السؤال..لكنه سيكون جاهزا عقب إنتخابات 2016 عندما سيريد الملك تعيين رئيس للحكومة المقبلة..طبعا هذا في حالة تصدر المصباح لنتائج الاقتراع التشريعي (كما هو متوقع..)