اعتبر الدكتور المعطي منجب، أستاذ التاريخ السياسي بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن ثبات المشهد السياسي بالمغرب واستقراره يتعلق في جزء كبير منه بالإرادة الملكية، وهو ما يجعل التحالف الحكومي هشا للغاية، حيث بالإمكان أن يطلب من حزب الحركة الشعبية مثلا الانسحاب من التحالف الحكومي، ويجد حزب العدالة والتنمية نفسه من دون أغلبية. وتعليقا على تنفيذ حزب الاستقلال لقراره بالانسحاب من الحكومة، قال منجب في هذا الحوار: "هناك أحزاب تتحرك بإرادتها وأحزاب تتحرك بإرادات أخرى أو على الأقل لا تستطيع أن تكون لها إرادة سياسية كاملة"، مشيرا إلى أن عودة الحراك الشعبي يبقى خيارا مطروحا في حال خروج حزب العدالة والتنمية من الحكومة. وفي ما يلي نص الحوار: كيف تنظر إلى المشهد السياسي المغربي في ظل الأزمة الراهنة وانسحاب حزب الاستقلال ؟ يبدو لي المشهد السياسي جد هش ويتعلق تدبيره وتوجيهه أساسا بالإرادة الملكية وحسابات القصر، لأن الحزب الذي تصدر الانتخابات التشريعية لسنة 2011 لم يحصل على الأغلبية رغم أنه جاء في المرتبة الأولى، فالتحالف الذي سمي بالرباعي هو في الحقيقة تحالف ثنائي ما بين قوتين أساسيتين في المجتمع المغربي، وهي قوة القصر التي تشمل الملكية وقوة حزب العدالة والتنمية، وكل منهما له شرعيته الخاصة، فهذه الشرعية ذات مصدرين مختلفين. وعندما نتأمل هذا التحالف نجده غير متوازن، لأن قوة القصر كبيرة جدا، حيث تقف إلى جانبه الإدارة وأغلب الأحزاب في البرلمان وأحزاب موجودة داخل التحالف الحكومي، بالإضافة إلى الجيش وغيره من المؤسسات الأخرى ذات التأثيرالحاسم في توزيع المصالح والسلط على مستوى الواقع فذلك أحيانا لا يتقاطع مع نصوص الدستور، بينما حزب العدالة والتنمية لديه حوالي 27 في المائة من الناخبة بالإضافة إلى مناخ ربيع الشعوب والهلع الذي أثاره في أوساط الحاكمين. إذن هذا هو المشهد السياسي بالمغرب، ثباته واستقراره يتعلق في جزء كبير منه بالإرادة الملكية لأنه في أي وقت يمكن للقصر أن يطلب من الحركة الشعبية مثلا أو من حزب آخر، أن ينسحب من التحالف الحكومي فيصبح حزب العدالة والتنمية وحده، وبهذه الصيغة لا يمكن أن يكون حكومة ولا يمكن أن يشكل أغلبية، وفي المقابل لا يمكن للملك أن يسرح رئيس الحكومة، فيبقى عندنا توازن موجود ولكنه هش جدا، لأننا لا نوجد في بيئة ديمقراطية عادية، التي تتيح للأحزاب العمل باستقلالية وحرية كاملة، ولذلك تكون مثل هذه التحالفات هجينة كهذا التحالف الذي هو بإرادتين، إرادة البيجيدي والقصر وليست بإرادة الأحزاب الغير مستقلة عن القصر، وهو ما يجعل البيجيدي تحت الضغط بطريقة مستمرة. ورغم كل شيء هذا لا يعني أن كل الأحزاب ليست لها استقلالية، هناك بعض منها كالحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية تحتفظ باستقلال ذاتي نسبي عن القصر، ولكنها في حال ما إذا كانت عزيمة القصر قائمة على انسحابها من الحكومة أو الدخول في الحكومة فإنها في الأخير سترضخ لإرادة القصر، لأنها لا تملك القوة الذاتية والشعبية لمقاومة تأثير القصر، الاستثناء الوحيد هو حزب العدالة والتنمية صاحب التأثير في المجتمع المغربي، من بين الأحزاب داخل البرلمان. كيف تقرؤون قرار حزب الاستقلال؟ هل هو نابع من قناعة حزبية أفرزتها الهيئات المنتخبة أم أنها مجرد إملاءات؟ المشاهد السياسية غير الديمقراطية تكون في الغالب مشاهد سياسية هجينة، - لنأخذ الأردن مثلا، فرغم ما يظهر أنه انتقال نحو الديمقراطية لكن لا توجد أجندة للدمقرطة -، وتبقى الأحزاب في هذه المشاهد، إما خلقتها الإدارة بأمر من النظام السياسي القائم وإما ضعفت وشاخت وأصبحت هشة البنية نتيجة أنها لا تحكم حقيقة ولا تعارض حقيقة، لا يوجد فيها مناضلون وإنما مقاولون سياسيون، آنذاك يصبح المشهد السياسي غير طبيعي. هناك أحزاب تتحرك بإرادتها وأحزاب تتحرك بإرادات أخرى أو على الأقل لا تستطيع أن تكون لها إرادة سياسية كاملة، لأن في الواقع الأحزاب السياسية هي الممثل للشعب ولما تكون في البرلمان يكون ذلك التمثيل مؤسساتي ولما تكون كأحزاب يكون التمثيل شعبي مباشر، وعندنا في المغرب هناك أحزاب شعبية مثلا حزب الاستقلال في الستينات، والاتحاد الاشتراكي من السبعينات إلى التسعينات، وحزب العدالة والتنمية من أواخر التسعينات إلى الوقت الحاضر، هذا لا يعني أن البيجيدي سيبقى إذا استمر في المشاركة والتدبير الحكومي مستقلا إلى الأبد، قد يبقى مستقلا وقد لا يبقى، حسب هذا الانتقال غير محدد الأجندة، إذن هناك أحزاب ذات إرادة مستقلة وهناك أحزاب ذات إرادة شبه مستقلة، وهناك أحزاب تابعة مائة بالمائة، هذا هو التصنيف للمشهد السياسي الحزبي بالمغرب، والمشهد السياسي الحالي هو نتيجة لهذه التركيبة الحزبية ونتيجة للنظام الملكي القائم في البلاد. يعطي الدستور الجديد الكثير من الصلاحيات لرئيس الحكومة، هل انعكس ذلك على الأداء الحكومي؟ أعطى الدستور الجديد صلاحيات أهم من الصلاحيات التي كانت موجودة في الدساتير السابقة لرئيس الحكومة، ولكن نتيجة للضغط المباشر بطريقة مؤسساتية عن طريق الدستور والقانون، وبالتالي فحكومة حزب العدالة والتنمية لا تقوم لها قائمة بدون إرادة ملكية، والضغط الآخر الذي يأتي من التقليد المخزني، بحيث أن كل السلطات كانت دائما بيد الملك، وهناك توجه قوي داخل المخزن والمجتمع المغربي يسعى لأن تبقى كل السلطات بيد الملك، وهذا المشهد يعطينا واقعا غريب الأطوار، وهو أن الدستور على علاته لا يطبق ، بل حتى الاجتهادات تكون اجتهادات غير ديمقراطية وإنما شبه سلطوية للدستور، فلا نعطيه تأويلا ديمقراطيا على مستوى الممارسة اليومية، ولكن على كل حال حزب العدالة والتنمية كَوًنَ أقوى حكومة منذ حكومة اليوسفي، وحكومة اليوسفي كانت أقوى حكومة منذ حكومة عبد الله إبراهيم سنوات 1958-1960. فحكومة البيجيدي أقوى الحكومات نتيجة للدستور الجديد ونتيجة للحراك الشعبي، ونتيجة للتغيرات الاجتماعية التي طرأت على المجتمع المدني في العشر سنوات الأخيرة في اتجاه الدمقرطة، فالناس يريدون أن يكون من يحكمهم مسؤولا سياسيا وليس غير مسؤول، لأن وضعية الملك الدستورية تجعله غير مسؤول قانونيا وهذا تقليد مغربي، حيث أن الملك يحكم دون مساءلة. إذن ولأختصر : جزء كبير من المجتمع المدني ومن المجتمع السياسي المغربيين، ومنهم أحزاب اليسار الغير برلماني وبعض الأحزاب الإسلامية كحزب العدالة والتنمية وحزب البديل الحضاري وحزب الأمة وجماعة العدل والإحسان...، تريد أن تكون هناك حكومة مسؤولة، ولكن هذا لا يتوفر الآن نتيجة لضغط التقليد السياسي وللضغط المؤسساتي، وأن البيجيدي لا يمتلك أغلبية برلمانية لوحده. في ظل التراجعات التي تحدثت عنها تقارير إعلامية وحقوقية في العديد من المجالات، هل تتوقع عودة الحراك للشارع وظهور حركة مجتمعية جديدة بمطالب أكثر قوة؟ أظن أنه إذا لم تحل المشاكل الاقتصادية الاجتماعية أو على الأقل تخفف، وإذا لم يتم التوافق بعد انسحاب حزب الاستقلال من الحكومة، وإذا بدأ صراع ظاهر بين القصر وحزب العدالة والتنمية، فيمكن لهذا الأخير أن يقوي الشارع رغم أنه لم يكن مشاركا بقوة في الحراك الذي جاء مع 20 فبراير من العام 2011، وهذا ما أشار إليه عبد الإله ابن كيران مثلا لما قال منذ عدة أشهر "إن الباب الذي خرج منه الرئيس التونسي زين العابدين بنعلي مازال مفتوحا". إذن هناك إمكانية لرجوع الحراك، إذا خرج حزب العدالة والتنمية من الحكومة، واختارت الاتجاهات الديمقراطية داخل البيجيدي الخروج إلى الشارع، فإن هذا قد يحرك موجة جديدة من الاحتجاجات في الشارع، وأيضا إذا كان هناك فشل في الملف الاجتماعي، وإذا لم يكن هناك توافق بين المؤسسة الملكية وحزب العدالة والتنمية. ما هي قراءتك للتحولات التي شهدتها المنطقة العربية مؤخرا، خصوصا ما وقع في مصر؟ أعتقد أنه كان هناك انقلابا عسكريا مهيأ منذ عدة أشهر على الأقل، لأننا رأينا ذلك في كل القرارات السريعة التي اتخذها القائد العسكري عبدالفتاح السيسي، ولكن كان هناك غضب شعبي نتيجة الأخطاء الكبرى التي ارتكبها الرئيس محمد مرسي، وجماعة الإخوان المسلمين، لأنهم أرادوا أن يحكموا لوحدهم، وحسب صناديق الاقتراع فقط، وكما نعلم أن الصناديق أعطت رئيسا ولكنها لم تعط برلمانا يشمل جميع الأطراف، كما أن الفترات الانتقالية الناجحة هي التي تتكون فيها حكومات تحالف كل المناهضين للنظام القديم، وكل من يريد أن يذهب إلى الأمام في اتجاه الدمقرطة ومحاربة الفساد ومحاربة السلطوية داخل الدولة. الإخوان المسلمون أرادوا أن يحكموا وحدهم، فأصبحوا وحدهم في الشارع الموالي، فاستغل الجيش غضب الشعب وغضب الشارع ليأخذ السلطة، ولكن في الأخير ما وقع انقلاب يعتدي على الحريات العمومية، حيث اعتقل مئات الأشخاص وحكم على رئيس الوزراء السابق في خلال ربع ساعة بسنة سجنا، واعتقلوا الكثير من الزعامات السياسية المعارضة للجيش، وأنا شخصيا أدين هذا الانقلاب وأقول لكل الديمقراطيين أن يرجعوا إلى الشارع لكي يطيحوا بالحكم العسكري. هل ترى أن ما وقع في مصر ستكون له تداعيات على الدول التي وصل فيها الإسلاميون إلى السلطة كتونس والمغرب؟ نعم، لا بد أن تكون له تداعيات، ولكنها يمكن أن تكون إيجابية ويمكن أن تكون سلبية، ولا أحد يتنبأ بما سيقع في مصر، فبالنسبة للتجربة التونسية أراها تجربة ناجحة على العموم، بحكم أن حزب النهضة كان ذكيا بما فيه الكفاية وأدخل معه حزبين رغم أنه حصل على الأغلبية النسبية، والمجتمع التونسي ليس هو المجتمع المصري، بحيث أن المجتمع التونسي فيه نسبة أمية أقل ونسبة فقر أقل، وهو مجتمع أكثر حداثة على صعيد كل المجتمعات العربية فلا خوف على الانتقال الديمقراطي في تونس مهما كانت الأوضاع في مصر، اللهم إذا كان هناك تدخل خارجي.