أين هيبة الدولة في تطبيق القانون؟ أين مصداقية دولة الحق والعدل؟ - الكبش قد ذبح وانتهى.. وكبار الأثرياء انسحبوا من الأسواق، وأخذوا ثروة 5 ملايين كبش مذبوح.. هي ثروة تحسب بالملايير.. وتبقى تساؤلات: أين هي حقوق الدولة؟ أين الضرائب؟ وحقوق المجتمع؟ أين الزكاة؟ لو أن هؤلاء يؤدون واجباتهم تجاه البلد، ما أوقعونا - بتواطؤ مع حكومة معتوهة - في حافة الإفلاس.. كأن دولتنا لا ترى ولا تسمع ولا تقرأ ولا تفهم.. تبدو في سبات عميق.. مغيبة عن معالجة جذرية لقضايا المجتمع.. وهذه الدولة التي نريدها كبيرة معافاة، ليست غريبة عنا.. هي منا وإلينا، دولة الجميع.. أنت وأنا ونحن.. كلنا هذه الدولة المشتركة.. وكلنا مسؤولون عن تقاعسها عن القيام بواجباتها الاجتماعية.. وكلنا مساهمون - بطريقة أو أخرى - في استشراء وباء "الرشوة"، بكل القطاعات، وكل الإدارات.. أين دولة الجميع في مكافحة الرشوة؟ لماذا تغض الطرف عن كبار الراشين والمرتشين والرائشين؟ لماذا تستهدف الصغار؟ ولا تحاسب الكبار؟ لماذا تأخذ من الفقراء وتعطي للأغنياء؟ لماذا عندنا متقاعدون معاشهم الشهري لا يتجاوز 3 دراهم؟ بينما يتلقى كبار الموظفين عدة ملايين؟ كيف نتحدث عن "حقوق الإنسان" في خضم فوارق اجتماعية رهيبة؟ كيف نتحدث عن ديمقراطية، وعندنا أحزاب أقل ما يقال في سلوكاتها: "إنها شبكات"؟ فأين هذه الدولة؟ ألا تعي أن الحكومة تتحداها، وتشكل خطرا على الدولة نفسها، وعلى توازنات كل البلد؟ حكومتنا تتعسف على الجميع.. وخاصة على المواطنين البسطاء، خارقة بنود الدستور.. فأين هو أسمى قانون يربط المسؤولية بالمحاسبة؟ ولماذا ما زالت قوانين تنظيمية غير موجودة، حتى بعد مرور ست سنوات على ميلاد هذا الدستور؟ أين الدولة التي من المفروض أن تجهز ملفات لثلة من الوزاء والبرلمانيين والزعماء "السياسيين" وغيرهم، ومعهم ثلة من أباطرة المال والأعمال، على ما اقترفوه من خروقات خارقة في حق الوطن والمواطنين؟ أين الدولة التي من المفروض أن تحاسب الحكومة والبرلمان ومؤسسات أخرى، محاسبة قانونية، على ما اقترفته ضد مجتمعنا في مجال الحقوق التعليمية والصحية والتشغيلية والمعاشية وغيرها؟ لماذا لا تجيب الدولة، عبر محاسبة قانونية، عن الضمان الاجتماعي؟ أين ذهبت حقوق منخرطيه؟ وصناديقه؟ أين القانون الذي تلتزم بتنفيذه مؤسسات الدولة؟ وما طبيعة دولتنا؟ هل هي فعلا دولة الجميع؟ أم دولة فئوية؟ وهل كل المواطنين على مستوى واحد من "الحقوق والواجبات"؟ هل نحن متساوون؟ هل القانون فوق الجميع؟ أم ما زالت أحزابنا التي تصنع الحكومة والبرلمان والنقابات تفرقنا بين درجات؟ هذا من الدرجة العليا، وله أكثر مما يستحق بمستويات كبيرة جدا.. وهذا من الدرجة السفلى، وليست له أية حقوق.. بل كل حقوقه مهضومة.. لماذا تغض الدولة طرفها عن التفريق المتعمد بين المواطنين؟ لماذا لا تعي خطورة تقاعسها عن واجباتها الاجتماعية؟ هل دولتنا هذه حاضرة؟ أم هي في سبات عميق؟ إذا كانت حاضرة، لماذا تغض الطرف عن حكومة عبثية؟ الدولة مسؤولة عن "السيبة" المتواصلة في إدارات ومجالس محلية ومؤسسات... وإذا لم تتدخل، وبصرامة، تفقد هيبتها ومصداقيتها وثقة المواطنين فيها.. المطلوب: صرامة في حماية الحقوق، قبل فوات الأوان! وإذا فقدت أية دولة احترام مواطنيها لمؤسساتها، تكون السبب في انهيار الثقة بين هذه الدولة والمواطن، وهذا تنجم عنه عواقب وتبعات.. إن روابط الثقة المتبادلة كنز وأي كنز من أهم أعمدة توازنات أية دولة، ومن الحكمة الرفيعة عدم التفريط فيها.. وكل دولة تحترم مواطنيها وتحافظ على حقوقهم، تجدهم رهن إشارتها في السراء والضراء، وهم مقتنعون أنها تلتزم بالقانون ولا تجنح إلى التفريط والظلم والردع.. ولا تتعمد تفقير الفقراء، لإغناء الأغنياء.. تحافظ على توازنات المجتمع، بتطبيق القانون على الجميع، بمن فيهم من أعدوا ذلك القانون.. ولا تتردد في محاسبة أي خارج عن القانون، كائنا من كان.. وتطبق نفس القانون في مواجهة اللاأمن، لأن الأمن من ضرورات بناء الثقة.. الأمن خدمة للمواطن.. وخدمة للوطن.. وهذا أساس هيبة الدولة.. وأي انتهاك لحرمة مواطن، هو انتهاك لهيبة الدولة.. وانتهاك لتوازنات الدولة، وللاستقرار الإيجابي الذي تحلم به أية أمة.. ونحن نحلم بأن تواصل دولتنا مسيرة بناء يشعر فيه أي مواطن أننا نعيش جميعا في ظلال دولة الحق والعدل.. ويبدو أن حكومتنا لا تعي.. يبدو أنها تعتبر سلطتها شيكا على بياض.. وأنه مسموح لها أن تفعل بالوطن والمواطنين ما تريد.. وفعلا، هي ما زالت - حتى في آخر أسابيعها - تفعل بنا ما تريد.. فهل هي فوق المحاسبة؟ هل هي فوق القانون؟ - لو كانت دولتنا بكل أطيافها تراقب نفسها، وتضع غيرها تحت المراقبة، لكانت صرامتها واضحة في معالجة مشاكل البلد، وواضحة في معالجتها لعبث المتملصين من حقوق البلد، ولكانت بلادنا لا تتراجع اجتماعيا إلى خلف، بل ترتفع إلى مصاف ما عليه مجتمعات الدول الاقتصادية الكبرى.. عندنا شبكات تقزم بلادنا، وتعمق جراحنا، وتزيد مجتمعنا تفقيرا.. - أما آن الأوان لحماية الدولة من لامبالاة الدولة؟ [email protected]