بكُلّ مَكانٍ لصوصٌ وقُطّاعُ طريقٍ وقَتَلَة.. أهذه حالةٌ طبيعية؟ أم ناتجةٌ عن سياسةِ حُكومةٍ مُتَأَسْلِمَةٍ لا تعبأُ بمخاطرِ الخللِ الاجتماعي؟ ولا تعبأُ بمَدْرَسةٍ مُغَيّبة، وأُسْرَةٍ لا تقُومُ بواجبِها، ومُجتمعٍ خارجَ التّغطية... هل عُدْنا إلى العصرِ الجاهلي؟ جرائمُ في تصاعُد.. مُجْرِمُون يتَكاثرُون.. أطرافٌ تَدفعُ أجيالَنا الصاعدةَ إلى مَهبّ الريح.. أطفالٌ يُواجهُون اللاّتَرْبية، واللاّتعليم.. وشبابٌ يُواجهُون اللاّشُغل، واللاّأدنَى عِنايةٍ وتوجيه.. ويبدُو الكلُّ مسؤولاً عن الأُفُقِ المُظلمِ أمامَ أطفالِنا وشبابِنا.. وحتى أمامَ مُتقاعِدينَ وعَجَزَة! بين المهدِ واللّحد: اللاّمُبالاةُ واللاّمسؤوليةُ هي سيّدةُ القرار، في التعامُلِ مع قضايا مُجْتَمعِنا... إلى أين نحنُ سائرون؟ حتى بعضُ الأُسَر تُعاني عُنْفًا داخليًّا، بين أفرادِها.. عُنفٌ يُنتِجُ لمجتمعنا مزيدًا من العُنف.. يبدأ باللفظي وينتهي بالجسَدي.. وتدُورُ دائرةُ اللفظي والجسَدي.. ولا تتوقّف! ها هو العُنفُ بينَنا يَتناسلُ على وتيرةٍ سريعة.. وكأنّ العُنفَ طريقةٌ مقصُودةٌ لمواجهةِ احتجاجاتٍ شبابيةٍ حولَ تكريسِ الفَوارقِ الاجتماعيةِ الفظيعةِ في بلادِنا.. فأيُّ دورٍ تقومُ به عصابات؟ هل إحداثُ فتنةٍ في البلد؟ أَوَليْسَ خلْفَ هذا أيضًا دورٌ خفيّ؟ أيُّ دورٍ آخر لعصابات؟ لقُطّاعِ طرُق؟ هل الحاجَةُ وحدَها هي الدافع؟ ومتى كان الفقرُ يُبَرّرُ الجريمة؟ الجريمةُ جريمة.. ولا مُبرّرَ للجريمة.. معتُوهون يدخلُون حَلباتِ «القتال».. هل يتحرّكون كلُّهم من تلقاء أنفُسهم؟ لماذا لم تعُد الجريمةُ حالاتٍ شاذّة؟ لماذا أصبحت تأثيثًا «عاديًّا» لحياتِنا اليومية؟ أهُو الفقرُ وحده؟ لمَ لا يكونُ الغِنَى معهُ شريكًا.. مُتواطِئًا؟ وفي الميدان، فُقراءُ يَعْتدُون على فُقراء.. وأغنياءُ في عَوالِمِهِم يسهرون.. ويتَضاحكُون.. ويُخطّطُون.. وَأيضًا ينهبُون مَيْمنةً وميْسَرة، تحتَ غِطاءِ «سياسةٍ» الْتِفافية، مَنسُوجةٍ على مَقاساتِهم.. والنتيجةُ واحدة: الناسُ تأكُلُ بعضَها.. والحكومةُ لا تعبأ! تضَعُنا بين سندانِ البؤسِ ومطرقةِ الفساد.. وتبني مزيدًا من السّجون، وكأنّ السّجونَ هي الحلُّ الجذري.. السجونُ عندنا في تصاعُد، والعالمُ الواعي يغلقُ السّجون، ويفتحُ المزيدَ من المدارس.. والمدارسُ عندنا تُهْمَلُ وتُدَمَّر، والأستاذُ يُضرَبُ بالهراوة.. وتقُومُ مَقامَ المدارسِ سُجونٌ جديدة.. علاقةٌ بين سياسةِ الاعتقالِ والتّمَدْرُس! بين الزّجرِ والتّوعية! فهل كثرةُ السجون هي بالفعلِ إدماجٌ اجتماعي؟ هل هي إعادةُ تربية؟ أم تعليمٌ لطريقةِ «تصفيةِ» المجتمع؟ وكيفيةٌ لخلقِ بَلْبلةٍ أمنية؟ و«تقْنيةٌ» لإعادةِ خلطِ الأوراق؟ أم بتعبيرآخر، أسلوبٌ لإسْكاتِ الناس؟ فهل نحنُ مُجتمعٌ مُنفتحٌ على تطوُّر؟ أم مجتمعٌ ينهار؟ الجريمةُ عندنا لم تعُدْ محدُودة.. يبدُو أنها تُنظّمُ نفسَها.. وتتحوّلُ إلى شبكات.. وتَدخلُ وبِفَخْفَخَة حتى إلى عَوالمِ السياسة.. وتُؤثّرُ في مَسارِنا الوطني.. تُؤثّرُ سلْبًا علينا جميعا.. وأحزابُنا تغُضُّ الطرفَ عن وُحوشٍ تنهشُ المجتمع.. وتأوي شبكاتِ التهريب.. وعصاباتٍ كالحرباءِ تتلوّنُ بتلوُّنِ المشهدِ الحكومي! أيُّ دورٍ تلعبُه عصاباتُ السياسة؟ هذا لم يعُدْ سرًّا.. وزُعماءُ «سياسيُّون» يتخاصمُون ويتنابَزُون أمام العدسات، ويتراشقُون بالتُّهم، والسّفاهات، وكلٌّ منهم يصفُ الآخر بما يندَى له الجبين.. وفي العُمق هم يتظاهرون.. هم فقط يتَمازَحُون.. لا يتخاصمُون بل يتَلاعبُون.. يَتَمَسْرَحُون.. هذه مُجرّدُ «مسرحيات» من أحزابٍ جاهلةٍ بالفنّ المسرحي.. أحزابٌ تتَمَسْرَحُ علينا.. فكيف نتّخذُ المُتَمَسْرِحين «قُدوة»؟ أنحنُ مُجتمعٌ سليم؟ إذا كانَ هؤلاءِ «قُدْوَتَنا»، فأكيدًا في السّلبيات.. نقاشاتُهم سلبية.. مُقْرِفة.. تحْمِلُنا على الغَثَيان.. أُولاءِ يستفيدُون من تضليلِنا.. ومن إغراقِنا في عُنْفٍ اجتماعي بلا نهاية.. فئةٌ فاسدةٌ لا تُريدُ خيرًا لبلَدِنا.. تَسْتمْتِعُ برُؤية الفُقراءِ وهم يتقاتلُون، وينشغلُون ببعضِهم.. تُريدُ المواطِنينَ هكذا.. حتى لا يُطالبُوا بأيةِ حقوق.. ويَقْبَلُوا أيضًا حالَهم المُزْرِي.. ويَقْبَلُوا أنّ من فيهم مظلُوم، ما عليه إلاّ انتظارُ الدارِ الآخرة التي فيها سوف يُجازَى «أحسنَ الجزاء».. هذه أحلامٌ تُسَوّقُها إلينا جماعاتٌ مُتَسَيّسَةٌ فاسدةٌ صباحَ مساء.. جماعاتٌ ترتدي عباءاتِ التديُّن، وتعيثُ في البلادِ فسادًا.. تتخَفَّى وراء الدّين.. تَتّكِىءُ على الدّين، لابتزازِ البلد، والاستهتارِ بحُقوقِ الوطنِ والمواطنين.. وكأنّ الدين يمنحُها بطاقةً بيضاءَ لفعلِ أيِّ شيء.. لصوصٌ يَتَخَفّوْنَ تحتَ غطاءِ «لا إلهَ إلاّ الله»! ويدفعُون بلدَنا إلى الخلف.. إلى العصرِ الجاهلي! فما هذا؟ وإلى أينَ تقُودُنا عصاباتٌ قد استَولتْ على أحزاب.. هذه تسلّقَتْ من الحضيضِ إلى أعلَى.. وتتكلمُ باسْمِنا.. وتنوبُ عنّا في مَراكزِ القرار، محلّيًّا وجهويًّا ووطنيًّا.. وهي، بهذه الصفة، مسؤولةٌ أمام الوطن.. والدستورُ يربطُ المسؤوليةَ بالمحاسَبة.. فمتى تكونُ المحاسَبة؟ ومن يُحاسبُها؟ هل تُحاسبُها حكومةُ «عَفَا اللهُ عمّا سَلَف»؟ هل تُحاسبُها أحزابٌ تستفيدُ من عصاباتٍ انتخابية؟ بلادُنا لا تنسَى أنّ هذه الأحزابَ الضّالّةَ المُضِلّةَ ذاتُ صناديقَ سوداءَ خاصّة.. وأنها أكبرُ مُستفيدٍ من اقتصاد الرّيع.. وهي نفسُها قد غرَستْ أشخاصًا ما زالوا يَتلقّون أجُورًا على اللاّشُغل.. فيروساتٌ تعيشُ على ظهرِ من يشتغلُون.. هذا تَواطُؤٌ بين فيروساتٍ وأحزاب.. أحزابٌ تقفُ وراءَ فِتْنةٍ ضدّ شبابٍ يُطالِبُون بحقُوقٍ مشروعة، عن طريقِ احتجاجاتٍ سِلْمية.. وهذا الكُشكُولُ المتَحزّبُ يُقدّمُ وعُودا كاذبة.. يقولُ ما لا يفعل! ويُردّدُ شعارَ «حقُوقِ المواطنين».. وعَمَليًّا هو نفسُه يخرقُ هذه الحقوق.. وهو من فَرّقَ ويُفرّقُ بين المواطنين.. هو المُنَظِّرُ والمنَفّذُ لكلّ ما نحنُ فيه.. ويتكلمُ باسْمِنَا.. ويخرجُ إلى الشوارع، للتّغطية على احتجاجاتٍ شبابيةٍ مُسالمة، لكي يقطفَ حصادَ الاحتجاجات.. الكُشكُولُ المتَحزّبُ دائما يفعلُ هذا.. ينقضُّ على مجهُوداتِ غيره، ويستفيد.. الشبابُ يُؤدّون الثّمن، وهو يستفيد.. منطقُ الانتهازيينَ هو منطقُ أحزابٍ تناوبَت على حُكوماتِ البلد، منذ قديم الزمن، بألوانٍ مُختلفة.. أحزابٌ انتهازية! وها نحنُ نسمعُ الحكومةَ المنبثقةَ عنها كيف تتكلم، وتتعاملُ مع الناس.. وكيف تُطْلِقُ أخبارًا مُروِعة.. أخبارًا عن القبضِ على عصابات، وفي نفسِ الوقت لا تحُلُّ أبسطَ المشاكلِ الاجتماعية.. ودائما تنتظرُ أن تهطلَ الأمطار.. هي دائما تربطُ الواقِعي بالغَيْبِي.. وسياستُها تستقيها من إدارةِ الطقس.. سياستُها مُركّزَةٌ على السّحاب، لا على الأرض! والناسُ يَعُونَ أنْ مهما سقطَتْ أمطار، فإن الحصادَ لا يصلُ إلى المحتاجين.. بُسَطاءِ البلد.. الحصادُ يذهبُ إلى أثرياءَ يُهيْمِنُون على الأحزاب، والحكومة، والبرلمان، ومُؤسساتٍ أخرى... ويَستولون على القطاع الخاص! ولهم شركات، ومناصب، وأرصدةٌ في الداخلِ والخارج.. ويُشغّلُون شبابَنا بدون أدنَى حقُوق.. ولا يُؤدُّون الضرائب! ونحنُ ما زلنا ننتظرُ من هؤلاء حلَّ مَشاكلِ المجتمع.. وفي الواقع، لا يمكنُ انتظارُ حُلولٍ جوهريةٍ من أفرادٍ هُم أصلاً خلَقُوا تلك المشاكل.. ولا يمكنُ انتظارُ الحلّ ممّن صنعُوا المُشكل.. وأيُّ حلّ من حُكومة أحزابٍ مُتَذَبْذِبَةٍ مُرْتَبِكةٍ مُتواطئةٍ مع الفساد، لا يكُونُ على العموم إلا تلاعُبًا بحقُوقِ الناس.. العقليةُ الفيروسيةُ لا تُنتِجُ إلا حُلُولاً فيروسية.. وكأنّها تُراهنُ على «الجريمة» كي تلعبَ دورًا أمنيًّا في بلدٍ يُريدُ لنفسه أمانًا.. وسلامًا.. واحترامًا.. ورخاءًا للجميع.. واستقرارًا إيجابيًّا لمواصلةِ تنميةِ البلد.. فما هو الدورُ الحقيقي لتَطَاوُلِ هذا التّسيُّبِ الإجرامي على حُقوق الناس؟ ما الدورُ الذي يلعبُهُ التّسيُّب؟ أهُوَ دورٌ أمنى؟ أم زراعةٌ لفوضَى اجتماعية، كي يقطفَ ثمارَها من نَهبُوا البلد؟ وبأسلوبٍ آخر: هل إطلاقُ لصُوصٍ صغارٍ في شَوارعِ البلاد، هو لفائدةِ لصُوصٍ كبار؟ السؤالُ إلى الحكومةِ المُتَأَسْلِمَة.. فكفَى من مُعادلةٍ غيرِ مُتوازِنة! بلادُنا بحاجةٍ آنيةٍ إلى حُلُول.. بحاجةٍ إلى تَوازُنٍ اجتماعي.. وتكافُؤ.. لا إلى فَوارقَ تُهدّدُ سفينتَنا التي نريدُها مُبْحِرَةً إلى بَرِّ الأمان.. ولُعبةُ استغلالِ لصوصٍ صغار من أجل لصُوصٍ كبار، هي لُعبةٌ يُمْكِنُ أن تُغرِقَ الجميع.. وعلى حُكومةِ «أحوالِ الطّقس» أن تتنَبّهَ إلى البحرِ الهائج.. الحلُولُ المطلوبةُ فورية.. غيرُ قابلةٍ لأيّ تماطُل.. فحَذَارِ من إهمالِ السّفينة! [email protected]