سبوتنيك الروسية تكشف عن شروط المغرب لعودة العلاقات مع إيران        اختفاء غامض لشاب بلجيكي في المغرب    بعد صدور مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالان.. الرباط مطالبة بإعادة النظر في علاقاتها مع إسرائيل    قلق متزايد بشأن مصير بوعلام صنصال    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    خبراء يكشفون دلالات زيارة الرئيس الصيني للمغرب ويؤكدون اقتراب بكين من الاعتراف بمغربية الصحراء    تخليد الذكرى ال 60 لتشييد المسجد الكبير بدكار السنغالية    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد        الموت يفجع الفنانة المصرية مي عزالدين    طقس السبت.. بارد في المرتفعات وهبات ريال قوية بالجنوب وسوس    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط    وسيط المملكة يستضيف لأول مرة اجتماعات مجلس إدارة المعهد الدولي للأمبودسمان    عندما تتطاول الظلال على الأهرام: عبث تنظيم الصحافة الرياضية    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    غارات إسرائيلية تخلف 19 قتيلا في غزة    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    موتسيبي يتوقع نجاح "كان السيدات"    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط        خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    مشروع قانون جديد لحماية التراث في المغرب: تعزيز التشريعات وصون الهوية الثقافية    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدولة العميقة التي لا وجود لها
نشر في أكادير 24 يوم 08 - 06 - 2014

نسمع ونقرأ كثيرا في الآونة الأخيرة عن مسميات متعددة لما يطلق عليه في العلوم الاجتماعية مصطلح الدولة. ويشير بعض الكتاب والمهتمين بالسياسة في المغرب إلى المخزن كأنه وحش وشيء مستقل عن الدولة و يخال للإنسان أنه يعيش في بلدين ومجتمعين مختلفين :المخزن في جهة بكيانه وهويته وهيكليته، والدولة في جهة أخرى ووجودها وكيانها على حدا. ويذهب بعض فقهاء السياسة في فهمهم للأمور العامة إلى ضرورة محاربة المخزن لنجدة الدولة وإنقاذها من سيطرة المخزن. والأدهى من ذلك هو الاعتقاد السائد عند كثير من المحللين وذوي الرأي الثاقب في السياسة بأن ما أطلقوا عليه "الدولة العميقة" تسيطر وتتحكم في الدولة الأخرى المتمثلة في الجهاز الاداري والمؤسسات الاجتماعية الاخرى أو على الأقل فإنها تؤثر فيها تأثيرا بليغا. سمى البعض هذه الدولة أيضا الدولة المزدوجة والمخزن العميق ومركز القرار الفعلي الذي يتكلف بهندسة الحكومات المتعاقبة على الحكم وتقطع في اتخاذ القرارات المهمة، بل هناك من سماها أيضا دولة التماسيح والعفاريت ودولة النفوذ. وقد ربط البعض هذه الدولة في مغربنا بمحيط القصر وبعض الوجهاء والأسر الثرية كما يشار أيضا إلى الدولة العميقة والنافذة في البلدان الأخرى حتى في التي تعتبر متقدمة وديمقراطية كأمريكا، ولا بد من استحضار ما يجري في الجمهورية المصرية وما كان يعتقد أن حكومة الاسلاميين لم يقم بالانقلاب عليها ومناهضتها إلا ما سمى البعض بالدولة العميقة.
إن هذه الارتباكات حول سوء الفهم للدولة والمتغيرات السياسية وديناميكيتها والمواقف المتناقضة حول مراكز اتخاذ القرارات المصيرية وسوء فهم نظام الحكم والسلطة هو الدافع في تدوين بعض الملاحظات التالية. والأمل المرجو منها هو محاولة توضيح بعض هذه المفاهيم مرة أخرى ليستطيع المحللون والمواطنون توجيه عنايتهم وسهامهم إلى اشخاص معينين عندما ينتقدون القرارات التي يتذمرون منها وينسبونها إلى المخزن أو ما يسمونه الدولة العميقة و سماه رئيس الحكومة المغربية التماسيح والعفاريت كأنه يتكلم عن مملكة الحيوانات والجن، الامر الذي لا تحكمه الحسابات السياسية البشرية ولا يخضع للمحاسبة وقوانين المجتمع. وينتج عن هذا ما ينتج عن القاء اللائمة على غير العاقل الذي يبرئه القانون والعقل.
أولا، من البديهيات والمسلمات في العلوم الاجتماع أنه لا توجد في أي مجتمع انساني غير دولة واحدة بالمفهوم السياسي لأن "الدولة والملك للعمران بمثابة الصورة للمادة وهو الشكل الحافظ بنوعه لوجودها…ولا يمكن انفكاك أحدهما عن الآخر، فالدولة دون العمران (اقرأ دون المجتمع) لا تتصور، والعمران دون الدولة والملك (اقرأ المخزن) متعذر فتتعين السياسة لذلك"، كما يقول ابن خلدون. فلا مناص من وجود الدولة بوجود المجتمع وإذا حصل وجود دولتين، فإن ذلك يعني وجود مجتمعين وهذا تناقض لا يقبله العقل . الدولة الوحيدة لكل مجتمع هي القاعدة، هكذا تقتضي السياسة وتحتمه طبيعة التجمعات الانسانية لتدبير شئونها المعاشية وتنظيم علاقاتها بين أفرادها وبين أفراد التجمعات البشرية الاخرى وفيما بين علاقات التجمعات نفسها كوحدات سياسية ( علاقات ثنائية وعلاقات بين البعض وبين الجميع في ميثاق الامم المتحدة). وهذا هو النظام السياسي في مفهومه الشامل لكل مجتمع ولكل بلد وإن تعددت التطبيقات والممارسات وطبيعة مراكز النفوذ واتخاذ القرارات المصيرية، ناهيك عن نوعية ومستوى التمدن وتاريخ الشعوب التي أنشأته.
الدول، إذن، هي العمود الفقري الذي يقوم عليه قوام المجتمعات البشرية وكيانها وعندما تتعامل المجتمعات فيما بينها،فإنها تتعامل على أساس أنها تمثل مصالح المجتمع الذي انبثقت منه كوحدة يعني كدولة واحدة ونظام سياسي واحد بشرعية وعرف مقبول لدى الهيئات والفعاليات السياسية في العالم بأسره ولدى مواطنيه طبعا إما قهرا أو طوعا. فإذا أخذت دولة ما في التفاعل والتواصل والتعامل والتفاوض مع دولة أخرى أو مع عدد من الدول، فإن الأجهزة والفاعلين المسخرين لأداء مهام التعامل الرسمي مع الغير من خلاا هذا الجهاز لا ينطلقون من مبدأ وجود دولة عميقة غير التي يتعاملون مع أجهزتها وممثليها الرسميين. الدولة لدى الجميع هي ما يرونه ويلمسونه مباشرة في مؤسساتها وليس شيئا عميقا ولا مخفيا(الجن لا يراه ولا يتعامل معه إلا قليل من المهوسين) ولا مبهما ولا خاضعا للتخمين ولا ازدواجيا . يقطع المتفاعلون والمتفاوضون وعودا ويتفقون على صفقات ويبرمون عقودا باسم دولهم القائمة كنظام سياسي وحيد بالصلاحيات المعهودة في القوانين الدولية والأنظمة الداخلية لكل دولة على حدا وفي إطار القانون الدولي. لا وجود لتخمينات وافتراضات بأن وجود الدولة العميقة أو المزدوجة أو الجنية هي الحاسمة في موضوع التعامل وفيما قد تم ابرامه من عقود واتفاقيات. المتعاملون والفاعلون السياسيون الممثلون لدولهم، كل على حدا، يدركون، بحكم تمرسهم في الحياة السياسية داخليا وخارجيا وبحكم تحصليهم الدراسي وكفاءاتهم وتأهيلهم لتبوء مناصب عالية في دولهم، أن هناك قوانين وتشريعات نظامية تخضع لها كل تصرفاتهم ويدركون أيضا أن السلطات الوازنة في الدولة ظاهرة المعالم وتخضع في ممارستها إلى اجراءات تحددها الأنظمة القائمة في كل دولة على حدا. فمثلا، يمكن أن يبرم المتعاملون والممثلون لدولهم اتفاقيات باسم دولهم ولا تكون ملزمة وسارية المفعول إلا إذا بثت فيها جهات رسمية وشخصيات يمنح لها قانون الدولة صلاحيات قانونية بالموافقة أو الرفض أو التعديل أو ما إلى ذلك من الاعتبارات. بعض برلمانات الدول رفضت التصديق على معاهدات دولية وعلى اتفاقيات أبرهما بعض ممثلي دولهم باسم دولهم ومع هذا تم عدم التصديق عليها من قبل سلطات عليا قد يجسدها البرلمان وقد تتجسد قانونيا في جهاز آخر من أجهزة الدولة المختلفة التي تمثل المجتمع والأمة التي هي في الحقيقة الجهة التي تملك السيادة والسلطة ولا ينتظر أحد ولا يتوقع موافقة ما يسمى "الدولة العميقة"، بل الموافقة لا تكون رسمية وسارية المفعول إلا إذا كانت من مراكز معلومة في جهاز الدولة يوقعها أشخاص مخولين بذلك والمهم أن عملية الموافقة هذه يقوم بها أشخاص رسميين يعملون داخل تلك الاجهزة. وهذه الحقيقة ثابتة وراسخة في الأعراف الانسانية وتحصيل حاصل في طبيعة التجمعات الانسانية بالرغم من اختلاف أشكال طبيعة تكوين الدول وبالرغم من الاختلافات في نظام ممارسة السلطة وتوزيع الثروات والعدالة الاجتماعية. حتى أنظمة التجمعات السرية يدعي المسئولون فيها أنهم يمثلون كل الذين يدعون أنهم يمثلونهم وينتسبون إلى تنظيمهم.
لكن بالرجوع إلى دولة المغرب كنظام سياسي، فإنها دولة واحدة "السيادة للأمة، تمارسها مباشرة بالإستفتاء وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها." كما نص عليه الفصل الثاني في الدستور الذي خضع للتصويت الشعبي. والمراجع للدستور لا يعثر فيه على ما يدل بأن في المجتمع المغربي وجود لدولة ثانية عميقة أو مزدوجة أو عفريتية غير ما هو موجود ومرسوم وما تنص عليه بنود الدستور الذي وضع في متناول كل من لديه رغبة في قراءته أو الاستماع إلى وسائل الإيداع المختلفة التي تبثه. إن جميع الاجراءات المناسبة لتطبيق جميع بنود الدستور مضمونة في الدستور نفسه ومن روح مبادئه. لا ازدواجية ولا دولة عميقة ولا دولة يديرها الجن الذي لا يراه إلا بعض الفقهاء الذين لا يألون جهدا في محاربته، ولا هم يحزنون في متن الدستور.
إن من بين أسباب اطلاق تسميات غير دستورية على بعض مراكز الدولة المغربية وبقية الدول الأخرى، مثل الدولة العميقة،(حتى المحللون في كثير من البلدان يطلقون هذه التسمية على عواهنها إذا تعذر عليهم فهم مخاض العمليات المتبعة عند اتخاذ بعض القرارات السياسية التي يشككون في نزاهتها ولا تكون في صالحهم )* هو المخاض السياسي الذي يعيشه المجتمع المغربي في الظروف السياسية والاقتصادية والثقافية الراهنة وخصوصا فيما يتعلق بالقرارات السياسية من خروج الحكومة كاملة إلى الوجود في نسختها الثانية وممارسات سلطات الدولة في كثير من المجالات ومنذ عهود مضت.
ما لا يدركه عدد من النقاد والمحللين الذين استنتجوا هذا من تحاليلهم للمخاض السياسي المغربي الراهن هو أن الدستور واضح تمام الوضوح في كيفية وطريقة توزيع سلط الدولة في المجتمع المغربي وهو كذلك في الدول الأخرى. إذ رسم المشرع في الفصل السادس من الدستور بأن " القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة. والجميع، أشخاصا ذاتيين واعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له". وورد في الدستور أيضا في الفصل الأول منه أن: "نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية"و أنه: " يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة".
السلطة إذن محددة المعالم ومنظمة قانونيا في كل المجتمعات،والقانون المنظم لها ربط المسئولية بالمحاسبة ورسم في كثير من بنود الدستور نفسه أيضا طرق ادخال التعديلات عليه أو تبديله بدستور جديد مختلف وهذا أيضا مكفول في دساتير الدول الأخرى. وقد منح الدستور المغربي حق المواطنين والمواطنات في المساهمة في التشريعات حيث ورد في الفصل الرابع عشر منه: " للمواطنين والمواطنات، ضمن شروط وكيفيات يحددها قانون تنظيمي، الحق في تقديم اقتراحات في مجال التشريع". طبعا كل هذا فوق الضمانات والحقوق الممنوحة للهيئات الرسمية ومراكز النفوذ في المجتمع المدني ومخاض الأخذ والعطاء بين الفاعلين السياسيين الذين يهتمون بالسلطة وممارستها وامتيازاتها لا لبس في هذا ولا سر ولا عمق ولا عفريت ولا جن .
السلطة في أي مجتمع انساني تتجسد في دولة ذلك المجتمع وتتعلق في عمقها وفي طبيعتها باتخاذ القرارات الرسمية ذات التأثير على مجرات الاحداث المتعلقة بجميع جوانب الحيات الاجتماعية في المجتمعات الانسانية قاطبة عن طريق المؤسسات والعاملين بها أو أشخاص معينين مثل صلاحيات رئيس الدولة. القوانين السائدة مرسومة وغير مرسومة تنير المنهج المتبع في ممارستها. وكمثال على القانون غير المرسوم في سياق ممارسة السلطة ما نجده مطبقا في دولة لبنان من اختيار رئيس الجمهورية إلى اختيار رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب. ليس عندهم في الدستور ولا القوانين المدونة أن يشترط في رئيس الجمهورية اعتناق دين معين ومع ذلك فهو دائما إلى يومنا هذا من الديانة المسيحية المارونية. هكذا اختار مجتمع اللبنانيين توزيع سلطات الدولة في بلدهم حتى الآن.
ويضاف إلى هذا أن السلطة في الدولة يحدد القانون مدى شموليتها للشأن العام(بغض النظر عن الطريقة التي يتم بها تولي زمام الأمور(قام السيسي بالانقلاب ورتب الحصول على الشرعية بتنظيم انتخابات، وغيره كثير في المشهد السياسي القائم)، إلا أنها(السلطة) متشعبة ومتناثرة بين مختلف الجماعات والأفراد وهي نسبية أيضا غير مطلقة. الرئيس الأمريكي، بكل السلطات التي تخولها له القوانين، لايستطيع القيام بالحكم بالإعدام على أي مواطن أمريكي، أو انتهاك حقوقه مثلا،بدون الامتثال لتطبيق القوانين المحددة للتهم من خلال المحاكم المختصة لأن القانون لا يسمح له بالتدخل في الشئون التي ليست من صلاحياته القانونية. هذا لا يعني أنه قد لا يحاول أن يؤثر ويستغل مركزه لصالح جهات معينة ويعبث بالقانون لكنه قد يدفع الثمن في خاتمة المطاف، كما حصل في حالة الرئيس نيكسون وغيره من المسئولين في أمريكا وفي غيرها من البلدان. تطبيق قانون العفو يخوله القانون عادة لرؤساء الدول في الغالب،ولا يمارسه إلا من له الحق في ذلك. والمتتبعون للشأن الامريكي يدركن اليوم أن الرئيس يحاسب حسابا عسيرا من قبل فئات كبيرة من المجتمع الامريكي عن الحروب وأساليب ممارسة صلاحياته الرئاسية التي ينتهجها في الحروب التي يخوضها واعتماده اسلوب التصفية بالقتل حتى ضد المواطنين من بني جلدته بدون محاكمات قانونية بوسائل فتاكة مثل الطائرات بدون طيار. هذا ناهيك عن أرواح الابرياء من المدنيين التي تزهق هباء منثورا بدون معاقبة ولا عواقب جراء ما يحصل من ممارسة السلطة. هنا يكمن التمعن في مهية السلطة ومدى تعقيد ممارستها في المجتمعات الإنسانية. حتى الرئيس بوش الذي انتهت رئاسته، قامت بعض الجهات تطالب بمحاكمته بجرائم الحرب. العدالة لا تجامل أحدا ولا تحاسب العفريت والجن، لأنها(العدالة) مبنية على الواقع والملموس الذي تلاحظه من أفعال الأشخاص المعروفين والظاهرين للعيان وليسوا مخفيين في عمق مبهم. المحاسبة تكون على المكشوف يخضع لها الأفراد الذين يعملون ويتواجدون في المجتمع الذي تسري عليهم قوانين الدولة التي هي ملك للجميع، المغاربة، مثلا، يقولون "دولتي" للإشارة إلى الدولة المغربية ولا يقولون دولة الملك ولا دولة ‘سي' بنكيران ولا دولة جارتهم "إبا مماسة". الكل يعتبر الدولة المغربية دولته والأغلبية الساحقة لا ترى دولة عميقة ولا تعترف بها، وهذا الاعتقاد هو السائد في العالم عند الجنس البشري.أما عند جنس العفريت،فعلمه عند الله والراسخون في علم الجن.
ومع كون مجالات السلطة واسعة كما تقتضيه طبيعة العمران البشري، فإن مجالات ممارستها واسعة أيضا، لكنها كلها تخضع لقوانين مرسومة يطبقها الأفراد الذين يعملون في الأجهزة المختصة بتنفيذها. وهنا تظهر للعيان أهمية نوعية الذين وكلت اليهم هذه المسئولية الحيوية والخطيرة في دولة ما من الدول التي يتكون منها المجتمع الدولي الحالي, وهي أيضا خاضعة لقوانين التغيير التي بنيت عليها الحياة بشكل عام. كانت الدولة المغربية عبر تاريخها الطويل ممتدة شمالا وجنوبا وشرقا. وتتغير الدول حسب ما تقتضيه الاحوال المعاشية وحسب ما اهتدت إليه البشرية من أنظمة ناجعة لمواجهة تحديات وجودها والمعاملة مع بقية الدول في الظروف السياسية القائمة. فالدولة المغربية متجذرة في أعماق التاريخ منذ العصر الحجري وهي بذلك ليست وليدة اليوم ولا الامس . كانت السلطة فيها وما تزال متشعبة ومتناثرة بين فئات مجتمعه التي يجمعها مصير مشترك مثلها في ذلك مثل بقية دول العالم حتى التي يملك فيها بعض الأشخاص ما يسمى بالسلطة المطلقة(لا معنى لها في الحقيقة). الحسن الثاني وبنوتشي وملك السعودية وصدام وهارون الرشيد وغيرهم من الذين سموا بالدكتاتوريين القدماء والحاليين لا يتمتعون بالحرية المطلقة للقيام بكل شيء دون اعتبارات داخلية وخارجية عند اتخاذهم قرارات مهمة. وكثيرا ما يثبت التاريخ هذه الحقيقة عند القيام بالانقلابات ومحاولات التصفية الجسدية بالاغتيالات للمتمادين والمسرفين في استعمال السلطة. فالنفوذ موزع بين فئات وجهات مختلفة حسب ما تقتضيه الظروف السياسية والتوازنات الاجتماعية والاقتصادية وعلى ضوء القوى و الارهاصات العالمية كالتي واجهتها الدولة المغربية، مثلا، أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين في التقويم المسيحي (سمي بالحماية) وواجهته إبان الاحتلال الروماني والأموي والاسباني والبرتغالي والتركي.
السلطة في الدولة المغربية، في كل عهوده التاريخية آنذاك، منتثرة ومتشعبة في المجتمع المغربي بالرغم من وجود سلطة مركزية باسم السلطان أو الملك أو المزوار أو أمغار أو القائم بأمر الله أو أميرالمومنين أو أي تسمية أخرى. ولما قامت فرنسا بأجهزتها القمعية واستبدادها واحتكارها لسلطات الدولة المغربية فإن سلطتها ليست مطلقة وقد اضطرت أن تفاوض ذوي النفوذ والوزن في المجتمع المغربي بمن فيهم سلطان البلاد الذي حاولت تجريده مما يملك من السلطة ليصفو لها الجو ابالعبث بكيان الدولة المغربية وتجريدها من ماهيتها واستقلالها . بعض الناشطين من أفراد الأمة المغربية وجماعات من المجتمع المدني ورئيس الدولة الذي يمثله سلطان المغرب قاموا بمجهودات جبارة للحد من تجاوزات السلطات الفرنسية وعبثها بسلطات الدولة المغربية أدت في خاتمة المطاف إلى دحر العدو المتسلط على دولة المغربية وطرده من ربوع الدولة لتمارس هذه الأخيرة سلطاتها كما يقرره المغاربة بطرقهم المتجدرة في التاريخ بدون الطاعة والخضوع لسلطات غيرهم والخضوع لأوامر الفرنسيين في تدبير شئونهم وأمور دولتهم.
إن وضع السلطة في الدولة المغربية في الماضي وتوزيعها المنتشر بين المكونات الاجتماعية والسياسية في المغرب ما يزال قائما وإن حصل التغيير في تركيبة الفئات المكونة للمجتمع والدولة. السياسة وتدبير الشأن العام وحدود السلطة ومداها من الأمور المعقدة غاية التعقيد، خصوصا إذا أخذ في عين الاعتبار تعقيد المجتمعات الإنسانية وتطورها عبر التاريخ والفروق الفردية بين الأفراد والجماعات في أي مجتمع، ولا بد من الأخذ في الاعتبار،أيضا، حصر الاهتمام بممارسة السياسة في فئات وطبقات معينة في المجتمع على ضوء نسب حجم المشاركين عادة في الاستحقاقات أو الانشطة السياسية المسموح بها واتخاذ القرارات لتقلد مسئولية ممارسة هذه السلطة. فالولايات المتحدة الامريكية كدولة ديمقراطية متقدمة لم تتجاوز فيها نسبة من يدلون بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية ستين في المائة من الناخبين المسجلين منذ استحقاقات 1968. فالنخب التي تتسابق وتتنافس وتنشط للوصول إلى احتلال مراكز السلطة للامتيازات المادية والمعنوية هي فئات طموحة تستهدف التربع على مقاليد الحكم التي تسعى إليها وترغب فيها. وقد ضمن لها القانون حق هذا السعي وحدد لها إطار ممارسة السلطة باسم الدولة في حدود واضحة وتحت ردع القانون لممارسة هذه السلطة المخولة إذا تم العبث بها أو استعملت لتحقيق غايات غير التي ضمنها القانون.
الصراع المتمدن القانوني على السلطة حق مشروع يكفله الدستور المغربي وقوانين الدول الأخرى كل حسب تأويلاته وتاريخه وتركيبة سكانه. وكل ما كان المجتمع معقدا في تركيبته السكانية والقوى السياسية واللوبيات المشروعة (تسجل رسميا في بعض الدول) كلما كانت ممارسة السلطة فيه معقدة بين الفاعلين السياسيين وكلما كانت معقدة بناء على تكوين الفاعلين في الميدان عقليا وعلميا وثقافيا ونضجا. إنه من الصعوبة بمكان أن لا يدرك من لديه قليل من الذكاء بأن ممارسة السلطة في أي مجتمع تخضع لعدة عوامل ومتغيرات وقوى اجتماعية واقتصادية ودينية وثقافية، وبان النفوذ موزع بين فئات المجتمع كل حسب وزنه من عدة وجوه. لا شك عند أحد من بعض تأثير وزن المستور غيتس على بعض القرارات السياسية في الدولة الامريكية وفي بعض الدول الأخرى وكذلك ومثال بقية الشخصيات النافذة في مجتمعاتها وعلى الصعيد الدولي.
ممارسة السلطة معقد فعلا، والدولة المغربية ليست استثناء. القرارات المهمة وغير المهمة على جميع الاصعدة تخضع للتجاذب والأخذ والعطاء والمساومة والنقاش والتنازلات وكسب الامتيازات ورد الاعتبار (ورد في القران مسمى: "المؤلفة قلوبهم")، وفتل الشوارب وعرض العضلات واتفاقيات ووعود والتهديدات(بالإضراب والعصيان المدني مثلا) وجني الثمار وكسب المال والوظائف والسعادة للبعض والشقاء للبعض وعدم الاهتمام من قبل البعض الذين يتمنون أن يتعقل السياسيون ويكفوا المواطنين والمواطنات مئونة صراعاتهم العقيمة.
التعيين الحكومي الراهن وما قبله في دولة المغرب هو نتيجة حتمية للتركيبة السياسية في البلد، كما هو الحال في جميع دول العالم تقريبا، كان مخاضه خاضعا لكل العمليات والمساومات الأنفة الذكر. الأهم من كل هذا أن التغييرات المقررة والاعتبارات المتبعة في تقاسم كعكة السلطة تتمتم في أجواء سلمية وتحت مظلة قوانين البلاد. خسر السيد بنكيران، ربح السيد مزوار، خسر سركوزي ربح أوباما، انزاح يلسين،كسب هولند،نجحت لوبن فقد السلاميون الأغلبية، نفذت كلمة الشخص الفلاني،ضغطت الشركة الفلانية، قدمت التضحيات، جنى السماسرة، خسر من خسر وربح من ربح، سقط من سقط صعد من صعد ونجح من نجح والتزم الحياد من التزمه، كل هذا من مقتضيات السياسة وتجري الأمور على هذا المنوال في جميع أنحاء الدنيا. هلا اعتبرنا ما يجري في المجتمعات ودولها الأخرى؟ هل يمكن تصور كيفية اختيار الرئيس الامريكي لأعضاء إدارته والمفاوضات والتدخلات من كل نوع، ولي الذراع والحسابات المضنية والتهديدات والوعود لاتخاذ قرارات في هذا الشأن؟
الحكومة المغربية الراهنة، بغض الطرف على رضا بعض الاوساط عنها، ما هي إلا ثمرة المخاض السياسي الذي تعيشه الدولة المغربية القائمة، لا عميقة هي، ولا ازدواجية ولا عفريتة ولا جنية غير مرئية ولا هم يحزنون. النفوذ موزع بين الفئات الاجتماعية وبين الأفراد والقوى العاملة في الميدان وسلطة الدولة لا يسمح المجتمع وأنظمته من ممارستها إلا في إطار القانون الذي يجرم كل من قام بالعبث بها. وإذا ثبت شرعا وقانونا أن حصل استغلال النفوذ والسلطة خارج القانون من أي كان، فإن الدستور والقوانين المرعية كفيلة بالاقتصاص وبردع من سولت له نفسه خذلان الامانة والإخلال بالقانون حتى من الوزراء والوزراء المنتدبين وكل موظف تكنوقراطي وغير تكنوقراطي والموظفين الساميين. في دولة المغرب مثلا، الفصل 36 من الدستور واضح في هذا الصدد حيث صرح بأن:
"على السلطات العمومية الوقاية، طبقا للقانون، من كل أشكال الانحرافات المرتبطة بنشاط الإدارات والهيئات العمومية، وباستعمال الأموال الموجودة تحت تصرفها، وبإبرام الصفقات العمومية وتدبيرها، والزجر عن هذه الانحرافات.
يعاقب القانون على الشطط في استغلال مواقع النفوذ والامتياز، ووضعيات الاحتكار والهيمنة، وباقي الممارسات المخالفة لمبادئ المنافسة الحرة والمشروعة في العلاقات الاقتصادية."
القانون واضح أمام كل التجاوزات التي لا تستند إلى شرعية مقبولة وهذا جاري به العمل في كل الدول. الامثلة كثيرة في الحالات التي يحاكم فيها الوزراء والموظفون والسياسيون وذوي النفوذ في كل بلدان العالم. وفي ما يتعلق بالمغرب، فإن من له على الوزراء والموظفين الساميين وغيرهم ممن يمارس السلطة باسم الأمة مأخذ وإثباتات تخص استغلالهم للسلطة وثراء بعضهم الفاحش، فلا أحد يمنعهم باتخاذ الاجراءات القانونية لمحاسبتهم. لماذا أنشأ البرلمان؟ والمحاكم المختلفة والجمعيات النقابية والمدنية ؟ والصحافة؟ والرأي العام؟ والملك رئيس الدولة مع وزنه الشرعي في الساحة السياسية؟والرأي العام والقانون الدولي؟
للمعلومة، يحاكم حاليا في المحكمة الدولية بعض الشخصيات التي ثبت ضلوعها في خرق سافر للقوانين والأعراف الإنسانية وتجاوزت حدود سلطاتها وإن كان قد وقع ذلك داخل المجتمعات التي كانوا يمارسون فيها السلطة. المحاسبة مضمونة إن عاجلا أم آجلا. أين الدولة العميقة والمزدوجة؟ اين الايادي الخفية التي تحرك العملية الحسابية في تدبير السلطة وممارستها؟ اليد الخفية المعدلة لتوازن السوق التي تحدث عنها آدم سميث ليست هي التي تتدخل في الشئون السياسية. السياسة ميدان الحسابات على المكشوف أمام أعين الجميع يمارسها أشخاص ذاتيين معروفين يتمتعون بحقوق المواطنة لأن القوانين التي تسير عليها مسطرة وليست سرية وخفية مثل اليد التي تحدث عنها "آدم سميث" منذ زمن. السرية نفسها مقننة وخاضعة للقانون وأجهزة ادارية مكلفة بها. الرمز المحدد وحيثيات اطلاق الصواريخ النووية مثلا من أسرار الدولة التي تمتلك ذلك النوع من الاسلحة وما عدا ما يعتبر من اسرار الدولة، فلا يوجد مجتمع انساني ودولة تتسامح بوجود سلطات ومنظمات سرية على أراضيها.العمل بالجهر هو القاعدة تحت مظلة القانون المعلن غير السري. وكأني بالذين يشيرون إلى ‘الدولة العميقة' إنما يقصدون ارباك المعتبرين للشأن السياسي حتى لا يركزوا على الاشخاص الذين فعلا نفذوا سياساتهم من خلال استغلال نفوذهم الذي ينهى عنه ويعاقب عليه القانون. يقال بأن بعض الوزراء المنتدبين في الحكومة المغربية وبعض التعيينات على الوظائف السامية إنما فرضتها ما سمي بالدولة العميقة وسمي أيضا بالمخزن**. وإذا بحثنا عن الدولة العميقة، فإننا لا نرى وجودا لها ويعني إلى أي عمق يحفر الباحث ليصل إليها؟ وبعد اللف والدوران والتنقيب والبحث المعمق يرجع الباحث بخفي حنين ويرتمي على السطح تاركا الأعماق للمحللين الذين ابتكروا تسمية الدولة العميقة ويجد نفسه في مفهوم ما يسميه المغاربة ب"المخزن" الذي هو ليس إلا جهاز الدولة وهيكل نظامها السياسي الذي يعتبر آلة لا شعور لديها ولا تتخذ هذه الآلة أي قرار وهي لا تحاسب على أي شئء، المحاسبة خاصة بالأفراد الذين يتخذون القرارات، فالمسئولية تقع دائما على السائق لا على السيارة.
للمغرب دولة واحدة توزعت فيها السلطة بين الفئات المختلفة المكونة لكيانه حسب دستوره المتبع وأعرافه الموروثة، وليس بعيدا كل البعد في ممارساته للعمليات السياسية عن الممارسات التي تجري في بقية المجتمعات الانسانية على وجه الارض. الدولة في المغرب، مثلها في ذلك، مثل الدول الأخرى في العالم، كلها تدار ويتم تسييرها من قبل الآدميين ذكورا وإناثا عبر جهازها وهيكلها الاداري, وإن كان الإناث أقل تمثيلية. وهنا قد ينفع استذكار المتنبي حين قال: "
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم
الساحة السياسية على ما يبدو مفتوحة للمتنافسين على السلطة في كل المجتمعات التي تحترم نفسها، والقوانين مرسومة في انتظار التطبيق العقلاني ومعاقبة من يخل بها. ليست هناك إلا دولة واحدة وهي دولة القانون لا عميقة بالمعنى السلبي ولا مزدوجة بانفصام شخصيات قوى مكوناتها ولا سرية ولا عفريتة، كل ما هنالك في الامر أن اللعبة السياسية قائمة وتجري حسب المسار الذي يحدده الدستور والقانون في مجتمع متعدد القوى والتركيبة السكانية.
يتداول المغاربة حكما بليغة ويتأملونها مليا ومنها: " ألي قال العصيدة باردة إعمل فيها إديه". الفاهم يدرك أن العمل السياسي صعب ويتطلب خبرة ومهارات وتكوين عقلي أكاديمي وثقافة واسعة وقبل كل هذا حب خدمة الصالح العام وميل صادق لخدمة الآخرين من بني البشر. يقال بأن هناك نوعان من الناس الذين يمارسون العمل السياسي وينشطون في حلبته: النوع الأول، يعيش من أجل السياسة (يعيش لهدف انساني نبيل)، والنوع الثاني، يعيش على السياسة (مصدر رزقه وقوت يومه)، وشتان ما بين الاثنين.
الدولة المغربية وغيرها من دول العالم لا تتحمل إلا وحدة سلطاتها ووحدة كينونتها تحت مظلة قوانينها وأعرافها المتشعبة والمعقدة ولا يمكن لأي دولة في العالم أن تقبل بوجود دولة عميقة أو سطحية أو عفريتيه في أراضيها لأن ذالك توهم لا يوجد إلا في أذهان الذين يفشلون في فهم ديناميكية العمل السياسي وجميع العناصر الي تدخل في اتخاذ القرارات السياسية . وهكذا لا يوجد في المغرب ولا في غيره من دول العالم إلا دولة واحدة ولا وجود فيها لدول متعددة لأننا حينها سنعيش في دول متعددة مختلفة في آن واحد، وهذا من المستحيلات مثل تواجد الشخص أو الشيء في مكانين مختلفين في نفس الوقت. والحتمية تقود إلى دولة واحدة إما أن نصنفها من بين الدول النامية أو من بين الدول المتقدمة، أما الدولة العميقة فلا وجود لها في أي كيان بشري. الجميع في العالم لا يعرفون إلا دولة مغرية واحدة كنظام سياسي، وهي الدولة المغربية في التاريخ العميق قبل ولادة كثير من الدول بما فيها الدولة الامريكية.
Deep state*
**راجع مفهوم المخزن في الرابطين التاليين:
http://agadir24.info/95474.html
http://ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=11282
الدكتور عبد الغاني بوشوار
باحث وأستاذ العلوم الاجتماعية-اكادير


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.