نسمع ونقرأ كثيرا في الآونة الأخيرة عن مسميات متعددة للدولة المغربية يخال الإنسان أنه في بلدين ومجتمعين مختلفين. والأدهى من ذلك هو الاعتقاد السائد عند كثير من المحللين وذوي الرأي الثاقب في السياسة بأن دولة باسم الدولة العميقة تسيطر وتتحكم في الدولة الأخرى المتمثلة في الجهاز الاداري والمؤسسات الاجتماعية الاخرى أو على الأقل فإنها تؤثر فيها أثيرا بليغا. سمى البعض هذه الدولة أيضا الدولة المزدوجة والمخزن العميق ومركز القرار الفعلي الذي يتكلف بهندسة الحكومات المتعاقبة على الحكم، بل هناك من سماها أيضا دولة التماسيح والعفاريت ودولة النفوذ. وقد ربط البعض هذه الدولة بمحيط القصر وصراحة بالمستشارين لدى رئيس الدولة. إن هذه الارتباكات حول سوء الفهم للدولة والمواقف المتناقضة حول مراكز اتخاذ القرارات المصيرية وسوء فهم نظام الحكم والسلطة هو الدافع في تدوين بعض الملاحظات التالية. أولا، لا توجد في أي مجتمع انساني غير دولة واحدة بالمفهوم السياسي لأن "الدولة والملك للعمران بمثابة الصورة للمادة وهو الشكل الحافظ بنوعه لوجودها…ولا يمكن انفكاك أحدهما عن الآخر، فالدولة دون العمران (اقرأ دون المجتمع) لا تتصور، والعمران دون الدولة والملك (اقرأ المخزن) متعذر فتتعين السياسة لذلك"، كما يقول ابن خلدون. فلا مناص من وجود الدولة بوجود المجتمع. الدولة الوحيدة لكل مجمتع، هكذا تقتضي السياسة وتحتمه طبيعة التجمعات الانسانية لتدبير شئونها المعاشية وتنظيم علاقاتها بين أفرادها وبين أفراد التجمعات البشرية الاخرى وفيما بين علاقات التجمعات نفسها كوحدات سياسية ( علاقات ثنائية وعلاقات بين البعض وبين الجميع في ميثاق الاممالمتحدة). الدول، إذن، هي العمود الفقري الذي يقوم عليه قوام المجتمعات البشرية وعندما تتعامل المجتمعات فيما بينها تتعامل على أساس أنها تمثل مصالح المجمتع الذي انبثقت منه كوحدة يعني كدولة واحدة ووحيدة بشرعية وعرف مقبول لدى الهيئات والفعاليات السياسية في العالم بأسره. فإذا أخذت دولة ما في التفاعل والتعامل والتفاوض مع دولة أخرى أو مع عدد من الدول، فإن الأجهزة والفاعلين المسخرين لأداء مهام التعامل الرسمي مع الغير لا ينطلقون من مبدإ وجود دولة عميقة غير التي يتعاملون مع أجهزتها وممثليها الرسميين. الدولة لدى الجميع هي ما يرونه ويلمسونه مباشرة وليس شيئا عميقا ولا مخفيا ولامبهما ولا خاضعا للتخمبن ولا ازدواجيا. يقطع المتفاعلون وعودا ويتفقون على صفقات ويبرمون عقودا باسم دولهم القائمة كنظام سياسي وحيد بالصلاحيات المعهودة في القوانين الدولية والأنظمة الداخلية لكل دولة على حدا. لا وجود لتخمينات وافتراضات بأن وجود الدولة العميقة أو المزدوجة هي الحاسمة في موضوع التعامل وفيما قد تم ابرامه من عقود واتفاقيات. المتعاملون والفاعلون السياسيون الممثلون لدولهم، كل على حدا، يدركون، بحكم تمرسهم في الحياة السياسية داخليا وخارجيا وبحكم تحصليهم الدراسي وكفاءاتهم وتأهيلهم لتبوء مناصب عالية في دولهم، أن هناك قوانين وتشريعات نظامية تخضع لها كل تصرفاتهم ويدركون أيضا أن السلطات الوازنة في الدولة ظاهرة المعالم وتغضع في ممارستها إلى اجراءات تحددها الأنظمة القائمة في كل دولة على حدا. فمثلا، يمكن أن يبرم المتعاملون والممثلون لدولهم اتفاقيات باسم دولهم ولا تكون ملزمة وسارية المفعول إلا إذا بثت فيها جهات رسمية وشخصيات يمنح لها قانون الدولة صلاحيات قانونية بالموافقة أو الرفض أو التعديل أو ما إلى ذلك من الاعتبارات. بعض برلمانات الدول رفضت التصديق على معاهدات دولية وعلى اتفاقيات أبرهما بعض ممثلي دولهم باسم دولهم ومع هذا تم عدم التصديق عليها من قبل سلطات عليا قد يجسدها البرلمان وقد تتجسد قانونيا في جهاز آخر من أجهزة الدولة المختلفة التي تمثل المجتمع والأمة التي هي في الحقيقة الجهة التي تملك السيادة والسلطة. وهذه الحقيقة ثابتة وراسخة في الأعراف الانسانية وتحصيل حاصل في طبيعة التجمعات الانسانية بالرغم من اختلاف أشكال طبيعة تكوين الدول وبالرغم من الاختلافات في نظام ممارسة السلطة وتوزيع الثروات والعدالة الاجتماعية. حتى أنظمة التجمعات السرية يدعي المسئولون فيها أنهم يمثلون كل الذين يدعون أنهم يمثلونهم. لكن بالرجوع إلى دولة المغرب فإنها دولة واحدة "السيادة للأمة، تمارسها مباشرة بالإستفتاء وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها." كما نص عليه الفصل الثاني في الدستور الذي خضع للتصويت الشعبي. والمراجع للدستور لا يعثر فيه على ما يدل بأن في المجتمع المغربي وجود لدولة ثانية عميقة أو مزدوجة غير ما هو موجود وما تنص عليه بنود الدستور الذي وضع في متناول كل من لديه رغبة في قراءته أو الاستماع إلى وسائل الإيداع المختلفة التي تبثه. إن جميع الاجراءات المناسبة لتطبيق جميع بنود الدستور مضمونة في الدستور نفسه ومن روح مبادئه. لا ازدواجية ولا دولة عميقة ولا هم يحزنون في متن الدستور. إن من بين أسباب اطلاق تسميات غير دستورية على الدولة المغربية هو المخاض السياسي الذي يعيشه المجتمع المغربي في الظروف السياسية والاقتصادية والثقافية الراهنة وخصوصا فيما يتعلق بالقرارات السياسية من خروج الحكومة كاملة إلى الوجود وممارسات سلطات الدولة في كثير من المجالات ومنذ عهود مضت. ما لا يدركه عدد من النقاد الذين استنتجوا هذا من تحاليلهم للمخاض السياسي المغربي الراهن هو أن الدستور واضح تمام الوضوح في كيفية وطريقة توزيع سلط الدولة في المجتمع المغربي. إذ رسم المشرع في الفصل السادس من الدستور بأن " القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة. والجميع، أشخاصا ذاتيين واعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له". وورد في الدستور أيضا في الفصل الأول منه أن: "نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية"و أنه: " يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة". السلطة إذن محددة المعالم ومنظمة قانونيا والقانون المنظم لها ربط المسئولية بالمحاسبة ورسم في كثير من بنود الدستور نفسه أيضا طرق ادخال التعديلات عليه أو تبديله بدستور جديد مختلف. وقد منح حق المواطنين والمواطنات في المساهمة في التشريعات حيث ورد في الفصل الرابع عشر منه: " للمواطنين والمواطنات، ضمن شروط وكيفيات يحددها قانون تنظيمي، الحق في تقديم اقتراحات في مجال التشريع". طبعا كل هذا فوق الضانات والحقوق الممنوحة للهيئات الرسمية ومراكز النفوذ في المجتمع المدني ومخاض الأخذ والعطاء بين الفاعلين السياسيين الذين يهتمون بالسلطة وممارستها وامتيازاتها. السلطة في أي مجتمع انساني تتجسد في دولة ذلك المجتمع وتتعلق في عمقها وفي طبيعتها باتخاذ القرارات الرسمية ذات التأثير على مجرات الاحداث المتعلقة بجميع جوانب الحيات الاجتماعية في المجتمعات الانسانية قاطبة. القوانين السائدة مرسومة وغير مرسومة تنير المنهج في ممارتها. وكمثال على القانون غير المرسوم في سياق ممارسة السلطة ما نجده مطبقا في دولة لبنان من اختيار رئيس الجمهورية إلى اختيار رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب. ليس عندهم في الدستور ولا القوانين المدونة أن يشترط في رئيس الجمهورية اعتناق دين معين ومع ذلك فهو دائما إلى يومنا هذا من الديانة المسيحية المارونية. هكذا اختار مجتمع اللبنانيين توزيع سلطات الدولة في بلدهم حتى الآن. ويضاف إلى هذا أن السلطة في الدولة يحدد القانون مدى شموليتها للشأن العام، إلا أنها متشعبة ومتناثرة بين مختلف الجماعات والأفراد وهي نسبية أيضا غير مطلقة. الرئيس الأمريكي، بكل السلطات التي تخولها له القوانين، لايستطيع القيام بالحكم بالاعدام على أي مواطن أمريكي، مثلا،بدون الامتثال لتطبيق القوانين المحددة للتهم من خلال المحاكم المختصة لأن القانون لا يسمح له بالتدخل من تطبيق قانون العفو الذي يخوله القانون لرؤساء الدول في الغالب وهو لا يتدخل فيما ليس من اختصاصاته. والمتتبعون للشأن الامريكي يدركن اليوم أنه يحاسب حسابا عسيرا من قبل فئات كبيرة من المجتمع الامريكي عن الحروب وأساليب ممارسة صلاحياته الرئاسية التي ينتهجها في الحروب التي يخوضها واعتماده اسلوب التصفية بالقتل حتى ضد المواطنين من بني جلدته بدون محاكمات قانونية بوسائل فتاكة مثل الطائرات بدون طيار. هذا ناهيك عن أرواح الابرياء من المدنيين التي تزهق هباء منثورا بدون معاقبة ولا عواقب جراء ما يحصل من ممارسة السلطة. هنا يكمن التمعن في مهية السلطة ومدى تعقيد ممارتها في المجتمعات الأنسانية. حتى الرئيس بوش قامت بعض الجهات تطالب بمحاكمته بجرائم الحرب. العدالة لا تجامل أحدا. ومع كون مجالات السلطة واسعة، فإن مجالات ممارستها واسعة أيضا، لكنها كلها تخضع لقوانين مرسومة يطبقها الأفراد الذين يعملون في الأجهزة المختصة بتنفيذها. وهنا تظهر للعيان أهمية نوعية الذين وكلت لهم هذه المسئولية الحيوية والخطيرة في دولة ما من الدول التي يتكون منها المجتمع الدولي الحالي, وهي أيضا خاضعة لقوانين التغيير التي بنيت عليها الحياة بشكل عام. كانت الدولة المغربية ممتدة شمالا وجنوبا وشرقا. وتتغير الدول حسب ما تقتضيه الاحوال المعاشية وحسب ما اهتدت إليه البشرية من أنظمة ناجعة لمواجهة تحديات وجودها والمعاملة مع بقية الدول. فالدولة المغربية متجذرة في أعماق التاريخ وهي بذلك ليست وليدة اليوم. كانت السلطة فيه وما تزال متشعبة ومتناثرة بين فئات مجتمعه التي يجمعها مصير مشترك. والنفوذ موزع أيضا بينها حسب ما تقتضيه الظروف السياسية والتوازنات الاجتماعية والاقتصادية وعلى ضوء القوى و الارهاصات العالمية كالتي واجهته الدولة المغربية، مثلا، أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين في التقويم المسيحي.(سمي بالحماية). السلطة في الدولة المغربية آنذاك منتثرة ومتشعبة في المجتمع المغربي بالرغم من وجود السلطة الفرنسية. بأجهزتها القمعية واستبدادها واحتكارها لسلطات الدولة المغربية . بعض الناشطين من أفراد الأمة المغربية وجماعات من المجتمع المدني ورئيس الدولة الذي يمثله ملك المغرب قامت بمجهودات جبارة للحد من تجاوزات السلطات الفرنسية وعبثها بسلطات الدولة المغربية أدت في خاتمة المطاف إلى دحر العدو المتسلط على دولة المغرب وطرده من ربوع الدولة لتمارس سلطاتها كما يقرره المغاربة بطرقهم بدون طاعة سلطات غيرهم والخضوع لأوامرهم في تدبير شئونهم وأمور دولتهم. ووضع الدولة المغربية والسلطات المنتشرة بين مكوناته الاجتماعية والسياسية في الماضي ما يزال انتشارها قائما وإن حصل التغيير في تركيبة الفئات المكونة للمجتمع والدولة. السياسة وتدبير الشأن العام وحدود السلطة ومداها من الأمور المعقدة غاية التعقيد خصوصا إذا أخذ في عين الاعتبار تعقيد المجتمعات الإنسانية والفروق الفردية بين الأفراد في أي مجتمع, ثم بعد ذلك إذا أخذ في الاعتبار حصر الاهتمام بممارسة السياسة في فئات وطبقات معينة في المجتمع على ضوء نسب حجم المشاركين عادة في الاستحقاقات أو الانشطة السياسية المسموح بها، مثلا، لتقلد مسئولية ممارسة السلطة. فالولايات المتحدةالامريكية كدولة ديمقراطية متقدمة لم تتجاوز فيها نسبة من يدلون بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية ستين في المائة من الناخبين المسجلين منذ استحقاقات 1968. فالنخب التي تتسابق وتنشط للوصول إلى احتلال مراكز السلطة هي فئات طموحة تستهدف التربع على مقاليد الحكم التي تسعى إليها وترغب فيها. وقد ضمن لها القانون حق هذا السعي وحدد لها إطار ممارسة السلطة باسم الدولة في حدود واضحة وتحت ردع القانون لممارسة هذه السلطة المخولة إذا تم العبث بها أو استعملت لتحقيق غايات غير التي ضمنها القانون. الصراع المتمدن القانوني على السلطة حق مشروع يكفله الدستور المغربي وكل ما كان المجتمع معقدا في تركيبته السكانية والقوى السياسية واللوبيات المشروعة (تسجل تسميا في بعض الدول) كلما كانت ممارسة السلطة فيه معقدة بين الفاعلين السياسيين وكلما كانت معقدة بناء على تكوين الفاعلين في الميدان عقليا وعلميا وثقافيا ونضجا. إنه من الصعوبة بمكان أن لا يدرك من لديه قليل من الذكاء بأن ممارسة السلطة في أي مجتمع تخضع لعدة عوامل ومتغيرات وقوى اجتماعية واقتصادية ودينية وثقافية وبان النفوذ موزع بين فئات المجتمع كل حسب وزنه من عدة وجوه. لا شك عند أحد من بعض تأثير وزن المستور غيتس على بعض القرارات السياسية في الدولة الامريكية وفي بعض الدول الأخرى وكذلك ومثال بقية الشخصيات النافذة في مجتمعاتها وعلى الصعيد الدولي. ممارسة السلطة معقد فعلا، والدولة المغربية ليست استثناء. القرارات المهمة وغير المهمة على جميع الاصعدة تخضع للتجاذب والأخذ والعطاء والمساومة والنقاش والتنازلات وكسب الامتيازات ورد الاعتبار (ورد في القران مسمى: "المؤلفة قلوبهم")، وفتل الشوارب وعرض العضلات واتفاقيات ووعود وجني الثمرات والسعادة للبعض والشقاء للبعض وعدم الاهتمام من قبل البعض الذين يتمنون أن يتعقل السياسيون ويكفوا المواطنين والمواطنات مئونة صراعاتهم العقيمة. التعيين الحكومي الراهن في دولة المغرب هو نتيجة حتمية للتركيبة السياسية في المغرب كان مخاضها خاضعا لكل العمليات الأنفة الذكر. الأهم من كل هذا أن التغييرات المقررة والاعتبارات المتبعة في تقاسم كعكة السلطة تمت في أجواء سلمية وتحت مظلة دستور البلاد. خسر السيد بنكيران، ربح السيد مزوار، نفذت كلمة الشخص الفلاني، قدمت التضحيات جنى السماسرة، خسر من خسر وربح من ربح، كل هذا من مقتضيات السياسة وتجري الأمور على هذا المنوال في جميع أنحاء الدنيا. هلا اعتبرنا ما يجري في المجتمعات ودولها الأخرى؟ هل يمكن تصور كيفية اختيار الرئيس الامريكي أعضاء إدارته والمفوضات والتدخلات من كل نوع ولي الدراع والحسابات المضنية لاتخاذ قرارات في هذا الشأن؟ الحكومة المغربية الراهنة، بغض الطرف على رضا بعض الاوساط عنها، ما هي إلا ثمرة المخاض السياسي الذي تعيشه الدولة المغربية القائمة لا عميقة هي ولا ازدواجية ولا هم يحزنون. ألنفوذ موزع بين الفئات الاجتماعية وبين الأفراد والقوى العاملة في الميدان وسلطة الدولة لا يسمح المجتمع وأنظمته من ممارستها إلا في إطار القانون الذي يجرم كل من قام بالعبث بها. وإذا ثبت شرعا وقانونا أن حصل استغلال النفوذ والسلطة خارج القانون من أي كان، فإن الدستور كفيل بردع من سولت له نفسه خذلان الامانة والإخلال بالقانون حتى من الوزراء المنتدبين وكل موظف تكنوقراطي وغير تكنوقراطي. الفصل 36 من الدستور واضح في هذا الصدد حيث صرح بأن: "على السلطات العمومية الوقاية، طبقا للقانون، من كل أشكال الانحرافات المرتبطة بنشاط الإدارات والهيئات العمومية، وباستعمال الأموال الموجودة تحت تصرفها، وبإبرام الصفقات العمومية وتدبيرها، والزجر عن هذه الانحرافات. يعاقب القانون على الشطط في استغلال مواقع النفوذ والامتياز، ووضعيات الاحتكار والهيمنة، وباقي الممارسات المخالفة لمبادئ المنافسة الحرة والمشروعة في العلاقات الاقتصادية." القانون واضح أمام كل التجاوزات التي لا تستند إلى شرعية مقبولة ومن له على الوزراء والموظفين الساميين وغيرهم ممن يمارس السلطة باسم الأمة مأخذ وإثباتات تخص استغلالهم للسلطة وثرائهم، فلا أحد يمنعهم باتخاذ الاجراءات القانونية لمحاسبتهم. لماذا أنشأ البرلمان؟ والمحاكم المختلفة والجمعيات النقابية والمدنية ؟ والصحافة؟ والرأي العام؟ والملك رئيس الدولة مع وزنه الشرعي في الساحة السياسية؟والرأي العام والقانون الدولي؟ للمعلومة يحاكم حاليا في المحكمة الدولية بعض الشخصيات التي ثبت ضلوعها في خرق سافر للقوانين والأعراف الإنسانية وتجاوزت حدود سلطاتها وإن كان قد وقع ذلك داخل المجتمعات التي كانوا يمارسون فيها السلطة. المحاسبة مضمونة إن عاجلا أم آجلا. أين الدولة العميقة والمزدوجة؟ اين الايادي الخفية التي تحرك العملية الحسابية في تدبير السلطة وممارستها؟ اليد الخفية المعدلة لتوازن السوق التي تحدث عنها آدم سميث ليست هي التي تتدخل في الشئون السياسية. السياسة ميدان الحسابات على المكشوف أمام أعين الجميع لأن القوانين التي تسير عليها مسطرة وليست سرية وخفية مثل اليد التي تحدث عنها آدم سميث منذ زمن. السرية نفسها مقننة وخاضعة للقانون وأجهزة ادارية مكلفة بها. الرمز المحدد وحيثيات اطلاق الصواريخ النووية مثلا من أسرار الدولة التي تمتلك ذلك النوع من الاسلحة وما عدا ما يعتب من اسرار الدولة، فلا يوجد مجتمع انساني ودولة تتسامح بةجود سلطات ومنظمات سرية على أراصيها.العمل بالجهر هو القاعدة تحت مظلة القانون المعلن غير السري. للمغرب دولة واحدة توزعت فيه السلطة بين الفئات المختلفة المكونة لكيانه حسب دستوره المتبع وليس بعيدا كل البعد في ممارساته للعمليات السياسية عن الممارسات التي تجري في بقية المجتمعات الانسانية على وجه الارض. الدولة في المغرب مثلها في ذلك مثل الدول الأخرى في العالم، كلها تدار ويتم تسييرها من قبل الآدميين ذكورا وإناثا, وإن كان الإناث أقل تمثيلية. وهنا قد ينفع استذكار المتنبي حين قال: " على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم الساحة السياسية على ما يبدو مفتوحة للمتنافسين على السلطة، والقوانين مرسومة في انتظار التطبيق العقلاني ومعاقبة من يخل بها. ليست هناك إلا دولة واحدة وهي دولة القانون لا عميقة بالمعنى السلبي ولا مزدوجة بانفصام شخصيات قوى مكوناتها. كل ما هنالك في الامر أن اللعبة السياسية قائمة وتجري حسب المسار الذي حدده الدستور في مجتمع متعدد القوى والتركيبة السكانية الذين قد يتجاوز عدد سكانه أربعين مليون نسمة. يقول المغاربة حكما بليغة ويتأملونها مليا ومنها: " ألي قال العصيدة باردة إعمل إديه". العمل السياسي صعب ويتطلب خبرة ومهارات وحب خدمة الصالح العام وهناك نوعان من الناس الذين يمارسون العمل السياسي: النوع الاول يعيش من أجل السياسة(بعيش لهدف انساني نبيل) والنوع الثني يعيش على السياسة(مصدر رزقه وقوت يومه) وشتان ما بين الاثنين. الدولة المغربية لا تتحمل إلا وحدة سلطاتها تحت مظلة قوانينها. وهكذا لا يوجد في المغرب دول متعددة لاننا حينها سنعيش في دول متعددة في آن واحد وهذا من المستحيلات. الدكتور عبد الغاني بوشوار