1. تبعات الديمقراطية الشكلية يعرف العالم العربي والمغربي منعطفا كبيرا حيث كسرت الجماهير الشعبية حاجز الخوف وعبرت عن إرادتها في تغيير الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية السائدة بأخرى تجعل من الإنسان محور التنمية الشاملة. ومن أولويات المطالب نجد المطالبة بإرساء نظام سياسي ديمقراطي برلماني يترجمه دستور لكل الطبقات الاجتماعية عوض دستور للطبقة السائدة والبرجوازية التبعية تحديدا. وديمقراطية البرجوازية التبعية , ديمقراطية شكلية تهتم بالواجهة لتلميع وتسويق منظورها الديمقراطي المتخلف المبني على تزوير الإرادة الشعبية بشراء الدمم عوض تشجيع المنافسة الشريفة بين البرامج والسياسات وإعلاء رأي وصوت المواطن. إن العمل الديمقراطي كما هو متعارف عليه في الدول الديمقراطية العريقة هو نقيض للديمقراطية الشكلية التي طبعت التجربة المغربية. وجب التأكيد أن الانتخابات آلية وركيزة أساسية تمكن من فرز ممثلي الشعب في المؤسسات الدستورية لاعتبار الشعب يحكم نفسه من خلال ممثليه. تميزت هذه التجربة بالفساد العام للحياة السياسية والانتخابية عبر سنين ما يعرف بالمسلسل الديمقراطي وذالك ب: • تزوير الإرادة الشعبية وعدم احترام إرادة المواطنين واختياراتهم في العمليات الانتخابية من أجل فرز قيادات للمؤسسات الدستورية الوطنية والجهوية والمحلية. • تحويل الانتخابات إلى سوق لبيع وشراء الأصوات مما أفرز سماسرة مختصون يعيثون في الأرض بنشر قيم الفساد الانتخابي و الأخلاقي. • تثبيت صورة مشوهة عن الانتخابات في ذهن المواطنين من خلال ممارسات مشينة لمرشحين ومنتخبين وسماسرة. ومن النتائج المباشرة لإفساد الحياة السياسية والانتخابية نجد: - عزوف المواطنين والمواطنات عن المشاركة في الاستشارات الانتخابية. - ابتعاد المواطنين والمواطنات عن العمل السياسي. - اعتبار العمل السياسي مجالا للفساد وللاغتناء غير المشروع. لا يمكن تصحيح الصورة المشوهة لتمثلات المواطن للانتخابات والعمل السياسي عموما إلا إذا صححت على أرض الواقع من خلال انتخابات نزيهة وبنخب جديدة تقطع مع الممارسات الخاطئة وباحترام إرادة الناخبين وأصواتهم واختياراتهم. هذا يقتضي ثورة ثقافية ديمقراطية مصاحبة للمشروع الديمقراطي تشمل الجوانب النظرية في المسألة الديمقراطية والعمل الديمقراطي وكيفية تنزيلها على أرض الواقع وما تقتضيه من دستور ديمقراطي ومؤسسات تمثيلية. كما تشمل الجوانب العملية في كيفية إعطاء المؤسسات الدستورية كانت وطنية أو جهوية أو محلية حياة وحيوية ولتعبر بشكل أمين عن الإرادة الشعبية وتجاوب عن انتظارات الشعب في الحرية والمساواة والكرامة والعدالة الاجتماعية وخدمة عمومية عالية المستوى. إن تأصيل العمل الديمقراطي يشترط الإطلاع على التجارب الديمقراطية العريقة منها والفتية, في قوة نجاحاتها ونواقصها. والديمقراطية هي هدف وغاية. كما أنها آلية مجتمعية لتدبير المشترك والخاص. اذا كان للجانب النظري وجاهة في المعرفة وجانبها الابستملوجي خاصة, فان تعلمها من خلال التجارب الفردية والجماعية في تدبير المشترك صار ضرورة مجتمعية. إن تدبير جماعة ترابية على سبيل المثال لا يقتضي تكوينا نظريا في المسألة الديمقراطية فقط, بل تكوينا ودراية في جوانب عديدة منها التخطيط والبرمجة والتسيير والتدبير والتواصل والقيادة. مما يستوجب مستوى ثقافي ومعرفي محترم للمسئول الجماعي. فما بالك في اختيار ممثل الشعب في البرلمان وما تقتضيه ضرورات التصديق على قوانين وسياسات لها من المكانة والخطورة على مصير البلد ومواطنيه. لذلك وجب التنصيص على هذا الشرط وغيره كالنزاهة ونظافة اليد ومستوى ثقافي محترم وتشجيع التطوع في خدمة الصالح العام عوض الزيادة في أجور البرلماني مثلا في القانون المنظم للانتخابات من أجل دعم المنافسة الشريفة والشرفاء للقيام بالمهام على أحسن وجه. إن دعم ونشر ثقافة العمل الديمقراطي لا غنى عنها من اجل بناء الدولة والمجتمع الديمقراطيين. وكلما كان المواطن مسلحا بثقافة ديمقراطية كلما كان مدافعا عن المشروع الديمقراطي وقيمه الأساسية من حرية فردية وتسامح واختلاف بقبول الرأي والرأي الآخر واحتكام إلى القانون. بل يمكن أن يكون المواطن عاملا أساسيا للتغيير بالدفاع عن آرائه واختياراته وحجر الأساس في صناعة الرأي العام وثقافته الديمقراطية الأصيلة. 2. أدوار ووظائف العمل الثقافي تسعى الممارسة الثقافية إلى تنوير طريق العمل الديمقراطي واستعادة ما كان للثقافة من دور رئيس في أزمنة مضت، باعتبارها نقديةً، ومحكومة بهاجس التحديث، ومسكونة بتطلعات ديمقراطية وإنسانيةً، وغير محايدة ولا امتثاليةً، ومصابة بداء الحريةً. إن العمل الثقافي الجمعوي والمدني يساهم في تنشيط العمل الثقافي الديمقراطي وإشكالاته المعاصرة من أجل تربية الأجيال على قيم العدالة والمساواة والتضامن والنزاهة والشفافية والحرية والمسؤولية والجرأة. ويمتد نشاطه إلى الحفاظ على البيئة ومناهضة الإقصاء الاجتماعي. إن العمل الثقافي يعتبر قوة تغيير أخلاقية وسلوكية عميقة للإنسان. كما يعتبر الإنسان مركز أي مشروع تنموي وعليه يدور من أجل تقدمه وتيسير حياته وإسعاده. فللعمل الثقافي الجمعوي والمدني وظيفة مزدوجة ، ثقافية وسياسية. في الجانب الثقافي فهو : • معني بنشر ثقافة الحرية، والتعدد والتسماح والاختلاف. • معني بتحديد مفهوم قيم العدالة والمساواة والتضامن والنزاهة والشفافية والحرية والمسؤولية والجرأة والعمل على نشرها وتربية الأجيال عليها. • معني بتحديد وتعميق مفهوم المواطنة والوطنية والعمل الوطني. • معني بتحديد مفاهيم الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي وطرق تحقيقها. • معني بتحديد مفهوما للعمل الديمقراطي وكيفية الانتقال من نظام سياسي يطبعه الاستبداد إلى نظام ديمقراطي تعددي قلبا وقالبا. ان الجمعية العاملة في مجال الثقافة الديمقراطية معنية داخليا بهذه القضايا كلها في تمثلها والعمل بها على الأرض. والديمقراطية ليست كلاما يردد في الاجتماعات واللقاءات أو نظرية يتداول حولها المنخرطون وكفى, بل على أعضاء الجمعية ومناصريها أن يحولوها إلى ممارسة وسلوك يومي في الجمعية والنادي والحزب والأسرة والعمل والشارع العام. تحويلها الى سلوك يحترم القيم والمبادئ الديمقراطية من حرية و تسامح واختلاف كما يرقى بها الى أشكال من التضامن المجتمعي ونصرة حقوق وكرامة الإنسان والحفاظ على المشترك بين المواطنين وتأهيله دوما وعلى رأسها البيئة المكان الطبيعي للإنسان والكائنات الأخرى وكحق للأجيال اللاحقة. ان ثقافة العمل الديمقراطي وانغراسها في البنيان المجتمعي قلبا وقالبا, نظرية وممارسة ستنتج لا محالة مواطنين ديمقراطيين وممارسة وسلوك نوعي يعبرون من خلالها عن آرائهم في القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية. ان دمقرطة المجتمع ودمقرطة الدولة لا يسير كل واحد منهما على خط متواز للآخر بل هما وجهان لعملية الدمقرطة. وكل تقدم أو نكوص في جانب يؤثر على الجانب الآخر في دينامية لا متناهية. في الجانب السياسي: لا يمكننا تجاهل السياسة لا كصفة ولا كهدف من عمل ونشاط الجمعية الثقافية ولا عن أهدافها. فلكي تنشأ جمعية وتقوم بعملها على أحسن وجه, لا بد من توفر شروط مناخ الحرية، وأن تكون الدولة والمجتمع قد خبرا العمل الديمقراطي أو على سكة الديمقراطية والتعدد والإقرار بحق الاختلاف. أما في الدولة والمجتمع الذين يسودهما الاستبداد، تتحول هذه الشروط لكي تصبح أهدافا. وهكذا, فالحرية والديمقراطية والتعدد وإقرار حق الاختلاف والتسامح تصبح بالضرورة شروطا وأهدافا. إن عملية التبادل والتفاعل بين الشرط والهدف هي التي تكسب عمل منظمات المجتمع المدني وتضفي عليه صفة العمل السياسي. 3. مجالات التدخل والتعاون للعمل الثقافي الديمقراطي إن المجالات التي يمكن التعاون فيها والتفاعل معها متنوعة ومختلفة ومن بينها: • المجال الثقافي والفكري والعلمي والفلسفي وذلك لخصوصية هذه المجالات في العلوم الإنسانية وأهميتها في تنضيج الوعي التاريخي والتحريض على الارتقاء بالواقع والفعل في الصيرورة التاريخية. • مجال النشاط الحقوقي والقانوني وخاصة من فئة الأساتذة الباحثين والمحامين والقضاة وهم فئة مهمة قصد اكتساب ثقافة دقيقة بالدستور والعملية الديمقراطية والقوانين التنظيمية والحرص على الفصل بين السلطات واحترام القيم والمعاهدات والاتفاقيات والنصوص التشريعية الأساسية. • المجال الإعلامي والصحفي والفني وهو فضاء قادر على صناعة رأي عام مضاد وتحويل سلطة الإعلام والتعبير إلى سلطة رابعة تجهر بالحقيقة وتنقل الحدث. • المجال الاجتماعي والنقابي والسياسي والبيئي ويتمثل في وجود عدة شخصيات وكوادر نقابية تدافع عن التعددية والتداول السلمي للسلطة وتؤمن بالعمل السياسي القانوني ومحيط نظيف وحياة عصرية وتطمح إلى إفادة المجتمع بخبراتها التنظيمية والتسييرية من أجل انجاز إصلاح سياسي والارتقاء بالحياة المدنية نحو الأفضل وإقامة جسور التواصل بين المجال الخاص والمجال العام. • المجال الجمعياتي النسوي وذلك لحساسية الموضوع وإلزامية التشبث بالمكاسب ونصرة قيم المساوات ومقاومة أشكال الارتداد والتصدي للعنف ضد النساء والتهميش والاقصاء. • المجال الديني ويظهر اليوم أفرادا لهم قناعات دينية, يرون أن السياسة ليست حكرا على العلمانيين بل أن جوهر العلمانية هو الذي تحترم فيه حرية المعتقد وتشريك جميع الناس في الحياة السياسية. فمجال تدخل العمل الثقافي الجمعوي شاسع بحجم مساحة واقعنا الغني بفكره وثراته واعلامه ومؤسساته الدستورية المدنية منها والسياسية والادارية. كما لتدخله تعاون مع رجال ونساء من نشطاء الفكر والبحث والممارسة العملية من أجل اشاعة الفكر والممارسة الديمقراطيين. إنها روافد لنهر ثقافة العمل الديمقراطي الشعبي التي وجب تمثل جوهرها واغناؤها وتطويرها في تفاعل مع الواقع المتحرك على الدوام عبر برامج متنوعة وغنية وهادفة, ليصير العمل الثقافي منارا يساهم في إضاءة الطريق للمسك بخيوط الممارسة الجيدة والمسؤولة في اتجاه بناء دولة ومجتمع ديمقراطيين.