أمام الآمال الكبرى والأحلام التي انكسرت أكثرَ من مرة مع حكومات سابقة، يجد المغاربة أنفسَهم، مرة أخرى، يراهنون على حكومة جديدة، آملين أن تتغير أوضاعهم في غمضة عين، لكنْ هذه المرة، ستكون المراهنة ذات طعم آخر، بحكم الأغلبية التي ستتشكل من حزب العدالة والتنمية، ذي المرجعية الإسلامية. فقد أوصلت صناديق الاقتراع، ولأول مرة، الإسلاميين إلى «كابينة القيادة» في إطار الدستور الجديد. ولكون المغاربة يحتكمون إلى التجربة وإلى ما تَحقَّق على أرضية الواقع مع حكومات سابقة، فإن الخيار قد انبنى عندهم على أساس أن الحكومة «ذات الرأس الإسلامي» ستكون هي «خاتم سليمان»، الذي يُغيّر الأوضاع. وأمام هذا، فإن المسؤولية ستكون ثقيلة أمام «أصحاب بنكيران» في الالتزام بوعودهم وتنزيل الشعارات من السماء إلى أرض الواقع، أم إن السراب سيكون دائما خادعا. الشعب كله ينتظر أن تأتيّ المعجزة مع هذه الحكومة القادمة، وللكل انتظاراتهم، فهل تستطيع «حكومة الملتحين» أن تحقق هذه الانتظارات أم أن الخيبة ستعود مرة أخرى. للمثقفين، هذه الشريحة الأساس في المجتمع المغربي، هي الأخرى، انتظاراتها من هذه الحكومة، فإذا كان البعض قد اختاروا التزام الصمت وأبدى البعض الآخر تخوفهم من «الحكومة الملتحية»، فإن آخرين قدّموا قائمة لانتظاراتهم من الحكومة القادمة، وكانت على رأسها محاربة الفساد والضرب على أيدي لصوص المال العام ومحاسبتهم في إطار الحكامة الجيّدة. كما أن هناك، أيضا، دعوة إلى الاهتمام بالجانب الثقافي،الذي يرون فيه القوة البالغة التي يمكن أن تَسنُد استمرار أي حكومة وتؤكد نجاحها. هناك أيضا، انتظارات على مستوى الحفاظ على المكتسبات في مجال الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وعدم النكوص إلى الوراء، فالمغرب من المفروض أن يبقى على سكة الحداثة لا أن يزيغ عنها. الانتظارات كبرى.. فهل يمكن أن تعْبُر الحكومة «الصراط» بسلام؟.. «المساء» تستقرئ في هذا الملف انتظارات المثقفين المغاربة من حكومة بنكيران التي ستتشكل في الأيام القليلة القادمة.
محمد سبيلا: الاختيارات الفكرية والثقافية تشكل الأساس والبنية التحتية للاختيار الديمقراطي الانتظارات المأمولة هي انتظارات كثيرة: سياسية واقتصادية وثقافية، وهي انتظارات مرهونة بإنجازات عينية ملموسة. نعم، فالجميع يعرف أن الانتقال من الوعود إلى الإنجاز ومن «اليوتوبيا» إلى الواقع هو انتقال عسير، لأنه لا يتوقف فقط على النية والإرادة، بل يرتهن إلى قوانين ومؤسسات وتمويلات وتحالفات، مما يجعل الإنجاز بعيدا عن أن يكون أقربَ إلى الكبس على الزر. ففي مجالات الانتظار السياسية التي يترصدها الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي يبدو أن الاهتمام مركز أساسا على المسألة الديمقراطية، للتأكد مما إذا كانت الديمقراطية مجردَ سِلم يرمى به، بعد أن يستعمل أداة للصعود. وكذا التساؤل عما إذا كانت الديمقراطية مجرد شعار انتخابي أم عقيدة سياسية. ويرتبط بمسألة التحول نحو الديمقراطية، الذي هو تحول نوعي في الوعي والخطاب والممارسة. قضايا أخرى، كالقطع مع ممارسة العنف باسم المقدس واختيار الحوار والتشاور والتوافق بدل الأحكام الحاسمة والنهائية المتولدة عن الاعتقاد بالامتلاك النهائي للحقيقة. المستوى الثاني من الانتظار: هو الانتظارات الفكرية والثقافية، وهذا الصنف لا ينفصل عن الصنف السياسي، بل إن الاختيارات الفكرية والثقافية تشكل الأساس والبنية التحتية للاختيار الديمقراطي. والمقصود بالانتظارات الثقافية والفكرية أولا القبول بتعدد القوى والرؤى وبتعدد وجهات النظر، التي تمتلك كل واحدة منها مشروعيتها الخاصة، مما يعني الكف عن واحدية الرأي والتصور والقول بالإجماع، وإضافة إلى ذلك يستند الأساس الثقافي للديمقراطية إلى بنية الأحكام، بدل قطعيتها، واعتبار الحقيقة سيرورة خاضعة لعملية اكتشاف وبناء مستمر، بدل اعتبارها شيئا ناجزا ومملوكا ومحفظا. كما أن الانتقال إلى الديمقراطية يتطلب نبذا للإقصاء، الذي هو شكل من أشكال التكفير أو التبديع السياسي، وكذا الحرص على عدم تقليص دوائر الحرية الفردية في الرأي وفي التعبير وفي المعتقد.. إضافة إلى الأسس الثقافية الأخرى المرتبطة بالديمقراطية، كاحترام حقوق الإنسان وحقوق الفئات الاجتماعية، وعلى وجه الخصوص حقوق المرأة. من الطبيعي أن السياق المحلي والإقليمي يفرض على الحكومة القادمة إقامة سلّم أولويات: الأولويات الاجتماعية، المتمثلة في توفير الشغل وتحقيق التنمية ورعاية النمو الطبيعي للمجتمع، بموازاة دمقرطة الحقل السياسي، في بعديه الدولة والمجتمع. وطبعا المستوى الثالث من الانتظارات، الجانب الثقافي في إطار الروح الديمقراطية، التي هي روح الحرية. طبعا، هناك الآن رهان إيجابي على هذه الريادة التاريخية من طرف حزب ينتمي إلى سلالة الأحزاب الوطنية والمعروف باعتداله ونبذه العنف، ببعديه السياسي والثقافي، أيضا. مفكر
العربي المساري: على الحكومة القادمة اعتماد الحكامة في كل القطاعات ما يمكن أن نستخلصه من كل مرحلة على حدة هو أن ننتقل إلى التعامل مع الواقع. ويبدو أن لهذه الحكومة ما يلزم من المؤهلات لكي تتعامل مع الأطراف الأخرى لتشكيل الحكومة مثلا، حيث إن هذا النقاش هو الأساسي والمطروح الآن على الطاولة. سألني أحد الأصدقاء الإسبان عن ذلك، فقلت له إن الأمر سيحسب على الأرقام، إذ إن على بنكيران أن يتجه اتجاهين.. لماذا؟ لأن الأرقام واقعية وحقيقية، وعلى ذلك، فالحكومة قبل أن يُشكّلها بنكيران كان قد شكّلها المغاربة. فهم اختاروا أن تكون رئاسة الحكومة للعدالة والتنمية، وستكون المرتبة الثانية لحزب الاستقلال، وهذا يعطينا مؤشرا على أن السياسة المغربية دخلت الآن في مرحلة العقلنة، حيث ستتألف الحكومة من ثلاثة أحزاب أو أربعة. وقبل ذلك، كان يجب أن تتألف من سبعة أحزاب، وهذا كان يشتت الرؤية ويجمع الأضداد.. بل ويجمع الناس الذين لا قيمة لهم لا لشيء سوى لتكميل النصاب. وبالنسبة إلى الأولويات أو الإجراءات التي يجب أن تقوم بها الحكومة القادمة فهي اعتماد الحكامة في كل القطاعات، سواء في الثقافة أو الفن أو الإعلام أو غيرهها. فالتلفزيون والمسرح أو النشر وما إلى ذلك يحتاج إلى حكامة، حيث تقتضي أن يكون هناك إنتاج في المستوى يُلبّي رغبات القارئ، بعيدا الأشياء المصطنعة والسطحية، فقد ولى زمن ذلك وانتهينا من كثير من «الخزعبلات» التي كانت في الماضي، كأغاني المناسبات أو المسرحيات لمناسبة وطنية.. فالناس يذهبون إلى المسرح لمشاهدة مسرحية، ويذهبون إلى المكتبة لاقتناء كتاب حقيقي وليس كتاب يمدح هذه المناسبة أو تلك... أما بالنسبة إلى أصحاب العدالة والتنمية فهم أشخاص واقعيون، فهم متديّنون، ولكنهم ليسوا متحجرين، وأنا أعرف الكثيرين منهم، لهم تكوين جامعي وسيسيرون، ولا شك، في الاتجاه الصحيح. وزير اتصال سابق
الطاهر بنجلون: المغرب يعاني من معدل كبير من الفساد واللا مساواة وهذه المشاكل لن يتم حلها بالصلوات لم يُخفِ الكاتب المغربي الطاهر بنجلون تخوفه من صعود حزب العدالة والتنمية وقيادته الحكومة، حيث وصف، في مقال نُشِر في «لوموند» الفرنسية، رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران ب«الشعبوي» وب»صاحب الخطاب المزدوج» وقال إن بنكيران «معادٍ للحريات الفردية»، ومن تم عبّر عن سروره لكون الملك ما يزال يحتفظ بسلطات واسعة وليس بمقدور حزب العدالة والتنمية، ذي التوجه الإسلامي، تغيير الكثير. وعلى ذلك، شدد بنجلون على أن يبقى الإسلام في القلوب والمساجد، فالفرد ليس في حاجة إلى حكومة دينية لتملي عليه ما يجب فعله، والمشاكل لن يتم حلها بالصلوات. يقول بنجلون: «الإسلام دين جميل، في حال تم فهمه بالطريقة الصحيحة، فهو يجب أن يبقى في القلوب والمساجد، حيث إن الله يشدد على مسؤولية الفرد في هذه التصرفات، فالفرد ليس في حاجة إلى حكومة دينية لتُمليَّ عليه ما يجب فعله، في حين نجد أن الإسلام السياسي يتميز، على العموم، بتوجه مباشر يتمثل في دخوله حياة الناس، حيث يبدأ الأمر ببعض النصائح والإرشادات لينتهي بمرسومات وقوانين (فتاوى) تحكم الحياة اليومية للفرد، فهذه القوانين تمنع الفرد من التفكير، بل إنها تفكر في مكانه.. إذن، ما جدوى التفكير والشك والنقاش ما دام كل شيء قد كُتِب مسبقا؟».. ويتابع المتحدث نفسه قائلا: «لقد كان المغرب، على مر العصور، دولة مسلمة ولم يعبّر يوما عن حاجته إلى خلط الدين بالسياسة، حيث تواجدت فيه العديد من الجماعات التي كانت تتحرك في ظل المذهب المالكي وتنشط العديد من النقاشات في ما بينها». ويرى صاحب «صلاة الغائب» أن «المغرب ليس في وضع يسمح له بنهج سياسة اقتصادية مبنية على تجربة إسلامية، فلْنتمنَّ ألا يتسبب هؤلاء السياسيون في خسائر كبيرة وألا يدفعوا السياح إلى الهروب والبحث عن وجهة جديدة.. وألا يُحبطوا المستثمرين. فلننتظر ونتابع ما سيفعلونه حين يتسلمون مقاليد السلطة». ورغم أن «الإسلاميين» سيدخلون في تحالف مع أحزاب أخرى، فإن خوف بنجلون يبقى قائما، يقول: «حتى لو انغمسوا داخل حكومة تحالف، فإن الإسلاميين المغاربة سيهددون تطور هذا البلد، الذي يعاني من معدل كبير من الفساد واللا مساواة.. هذه المشاكل لن يتمَّ حلها بالصلوات وإنما عبْر تعبئة عقلانية ورغبة سياسية تجعل من محاربة الفقر والبؤس أولوية مطلقة». روائي وشاعر
ربيعة ريحان: يجب محاربة الفساد وحفظ كرامة المواطن والحرص على التوزيع العادل للثروات الوطنية تصعب بلورة أي موقف من برامج الحكومة المقبلة، لاعتبار أساسي أولا، وهو أنها لن تكون حكومة مُشكَّلة من حزب واحد بقدر ما هي حكومة ائتلاف بين ثلاثة أو أربعة أحزاب، وهذا يعني أن برنامج الحكومة الجديدة بخصوص مختلف محاور السياسات العمومية، بما فيها السياسة والثقافية، ستكون موضع نقاش وحوار بين هذا الائتلاف. هدا يعني أن سياسة الحكومة المتجلية في مختلف المجالات والقطاعات لن تكون سياسة العدالة والتنمية لوحدها بقدْر ما ستكون تعبيرا عن مختلف مكونات التشكيلة الحكومية. لذلك فإن النقاش الذي أثير في المغرب وفي كل المنطقة العربية حول المشروع الثقافي للحركات الإسلامية في البلدان العربية سيكون، في تقديري، للمنطقة المغاربية خصوصيتها، وبالتأكيد فستؤثر هذه الخصوصية في طبيعة ومنهجية عمل الحركات الإسلامية، سواء تعلق الأمر بالنهضة في تونس أو بالعدالة والتنمية في المغرب، على الأقل في هذه المرحلة الأولى، وهي انتقالية بالنسبة إلى الحركات الإسلامية، وهي ستفرض، بالضرورة، الأخذ بعين الاعتبار آراء كل مكونات المجتمع وبالتالي الاستمرار في سياسة التوافقية. وهذا لا يعني، بالطبع، التخلّي عن المشروع الإسلامي بكل تواثبه ومتغيراته، لكنْ أعتقد أن الظرفية التاريخية والتكتيك السياسي، سواء في علاقته بقوى الداخل أو الرأي العام الدولي، ستفرض نوعا من التدرج في التعاطي مع قضايا كثيرة، بما فيها المسألة الثقافية.. عموما يبقى بالنسبة إلى أصحاب المشروع الحداثي، سواء الليبرالي أو الاجتماعي أو الاشتراكي، هو الضامن لاستمرار المكتسبات التي تحققت على مستوى حقوق الإنسان وثقافة التحرر والتغيير والمساواة والرأي الآخر في الاختلاف والتعدد والحريات الخاصة. كما أن الضامن للتقدم في هذا الورش التاريخي لتعزيز هذه المكاسب هو الديمقراطية ودولة المؤسسات والحق والقانون، بما يعني أن الخطوط الحمراء بالنسبة إلى أي فاعل سياسي هي الديمقراطية، بالمضمون الذي سبقت الإشارة إليه. أما بخصوص الانتظارات الكبرى أو العناوين الكبرى، فعلى رأسها التنزيل الديمقراطي التقدمي للدستور الجديد، بمعنى أن أي تأويل محافظ لا يأخذ بعين الاعتبار التعدد والاختلاف يجب التصدي له ومواجهته. وأعتقد أن المجتمع المدني والصف الحداثي الديمقراطي جاهز لخوض هذا الحراك بما يخدم مصلحة البلد. ومما ينتظَر كذلك من لحكومة الجديدة محاربة الفساد،بجميع ألوانه، السياسي منه والاقتصادي والاجتماعي، وحماية كرامة المواطن وحقوق المواطنة، أي الحق في التعليم والصحة والشغل والتعبير والتوزيع العادل للثروات الوطنية.. فمن أجل هذا صوّت الناخب المغربي على الأحزاب السياسية التي احتلت المراتب الأولى ومن ضمنها حزب العدالة والتنمية. إذن، في هذا المستوى من البرنامج الحكومي المقبل، فإن الناخب المغربي هو الذي سيحاسب الأحزاب المشاركة في الحكومة على أدائها وإنجازاتها في هذا الشق من برنامجها. وختاما، ونحن نعيش أجواء لحظات الانتقال والتحول التي تعرفها المنطقة العربية، من المفروض على المتقف في مختلف مجالات تدخله أن يعود إلى ذاته لتمثل مفهوم المثقف العضوي، كما صاغه غرامشي، من أجل أن تعود المسألة الثقافية إلى الواجهة، من أجل الإسهام في صياغة فكر عربي متجدد قادر على تأطير هذا الحراك الاجتماعي العربي وقادر، كذلك، على تلمس معالم مستقبل هذا الحراك، ضمانا لموقع محوري للدورة التاريخية لشعوب العالم، لأننا نعرف جميعا أن من أهم دروس التاريخ أنه لا يمكن تصور نهضة سياسية واجتماعية في غياب نهضة ثقافية، وهذه مسؤوليتنا جميعا كمثقفين وفاعلين سياسيين.
قاصة
عبد السلام الشدادي: أكبر أولويات الحكومة هي التربية والتعليم والتكوين والثقافة تصعب بلورة أي موقف من برامج الحكومة المقبلة، لاعتبار أساسي أولا، وهو أنها لن تكون حكومة مُشكَّلة من حزب واحد بقدر ما هي حكومة ائتلاف بين ثلاثة أو أربعة أحزاب، وهذا يعني أن برنامج الحكومة الجديدة بخصوص مختلف محاور السياسات العمومية، بما فيها السياسة والثقافية، ستكون موضع نقاش وحوار بين هذا الائتلاف. هدا يعني أن سياسة الحكومة المتجلية في مختلف المجالات والقطاعات لن تكون سياسة العدالة والتنمية لوحدها بقدْر ما ستكون تعبيرا عن مختلف مكونات التشكيلة الحكومية. لذلك فإن النقاش الذي أثير في المغرب وفي كل المنطقة العربية حول المشروع الثقافي للحركات الإسلامية في البلدان العربية سيكون، في تقديري، للمنطقة المغاربية خصوصيتها، وبالتأكيد فستؤثر هذه الخصوصية في طبيعة ومنهجية عمل الحركات الإسلامية، سواء تعلق الأمر بالنهضة في تونس أو بالعدالة والتنمية في المغرب، على الأقل في هذه المرحلة الأولى، وهي انتقالية بالنسبة إلى الحركات الإسلامية، وهي ستفرض، بالضرورة، الأخذ بعين الاعتبار آراء كل مكونات المجتمع وبالتالي الاستمرار في سياسة التوافقية. وهذا لا يعني، بالطبع، التخلّي عن المشروع الإسلامي بكل تواثبه ومتغيراته، لكنْ أعتقد أن الظرفية التاريخية والتكتيك السياسي، سواء في علاقته بقوى الداخل أو الرأي العام الدولي، ستفرض نوعا من التدرج في التعاطي مع قضايا كثيرة، بما فيها المسألة الثقافية.. عموما يبقى بالنسبة إلى أصحاب المشروع الحداثي، سواء الليبرالي أو الاجتماعي أو الاشتراكي، هو الضامن لاستمرار المكتسبات التي تحققت على مستوى حقوق الإنسان وثقافة التحرر والتغيير والمساواة والرأي الآخر في الاختلاف والتعدد والحريات الخاصة. كما أن الضامن للتقدم في هذا الورش التاريخي لتعزيز هذه المكاسب هو الديمقراطية ودولة المؤسسات والحق والقانون، بما يعني أن الخطوط الحمراء بالنسبة إلى أي فاعل سياسي هي الديمقراطية، بالمضمون الذي سبقت الإشارة إليه. أما بخصوص الانتظارات الكبرى أو العناوين الكبرى، فعلى رأسها التنزيل الديمقراطي التقدمي للدستور الجديد، بمعنى أن أي تأويل محافظ لا يأخذ بعين الاعتبار التعدد والاختلاف يجب التصدي له ومواجهته. وأعتقد أن المجتمع المدني والصف الحداثي الديمقراطي جاهز لخوض هذا الحراك بما يخدم مصلحة البلد. ومما ينتظَر كذلك من لحكومة الجديدة محاربة الفساد،بجميع ألوانه، السياسي منه والاقتصادي والاجتماعي، وحماية كرامة المواطن وحقوق المواطنة، أي الحق في التعليم والصحة والشغل والتعبير والتوزيع العادل للثروات الوطنية.. فمن أجل هذا صوّت الناخب المغربي على الأحزاب السياسية التي احتلت المراتب الأولى ومن ضمنها حزب العدالة والتنمية. إذن، في هذا المستوى من البرنامج الحكومي المقبل، فإن الناخب المغربي هو الذي سيحاسب الأحزاب المشاركة في الحكومة على أدائها وإنجازاتها في هذا الشق من برنامجها. وختاما، ونحن نعيش أجواء لحظات الانتقال والتحول التي تعرفها المنطقة العربية، من المفروض على المتقف في مختلف مجالات تدخله أن يعود إلى ذاته لتمثل مفهوم المثقف العضوي، كما صاغه غرامشي، من أجل أن تعود المسألة الثقافية إلى الواجهة، من أجل الإسهام في صياغة فكر عربي متجدد قادر على تأطير هذا الحراك الاجتماعي العربي وقادر، كذلك، على تلمس معالم مستقبل هذا الحراك، ضمانا لموقع محوري للدورة التاريخية لشعوب العالم، لأننا نعرف جميعا أن من أهم دروس التاريخ أنه لا يمكن تصور نهضة سياسية واجتماعية في غياب نهضة ثقافية، وهذه مسؤوليتنا جميعا كمثقفين وفاعلين سياسيين.
قاصة
عبد السلام الشدادي: أكبر أولويات الحكومة هي التربية والتعليم والتكوين والثقافة - ماذا ينتظر المثقفون من حكومة يقودها إسلاميون؟ أولا، يجب أن نلاحظ أنه لا يمكن لأحد أن يتكلم باسم المثقفين. المثقفون في المغرب متنوعون إلى درجة قصوى، ويمكن القول إن كل واحد منهم يمثّل نموذجا خاصا. هذا يتجاوب مع الوضعية العامة في العالم اليوم، ولو أننا في المغرب نود أن توجد مجموعة منسجمة من المثقفين تنير لنا الطريق، على الأقل في بعض الميادين الحساسة، مثل العلاقة بالتراث، والرؤية إلي الحداثة ومستقبل العالم، وغير ذلك. لقد صار واضحاً اليوم أنه يجب النظر إلي المثقفين كالمواطنين الآخرين، كل حسب اختصاصه وثقافته العامة ومواقفه.. والمهم هو أن توجد منابر متعددة وحرة للتعبير عن الرأي والمناقشة والجدال. الرأي الذي سأبديه سينبثق، إذن، عن كوني مواطنا ومؤرخا مهتمّاً بقضايا المجتمعات العربية والإسلامية وبالأوضاع في المغرب. في نظري، يجب أولا أن نتخلص من التخوف من الإسلاميين. الإسلاميون لهم وجود في المغرب كباقي الحركات السياسية والحزبية في بلادنا، ويجب، قبل كل شيء، احترامهم كمواطنين والنظر إليهم كباقي الأحزاب الأخرى وإلا لن يبقى لنا أي اعتبار حقيقي للديمقراطية، وسوف ندعوهم إلي العمل بالمثل، أي احترام التيارات السياسية الأخرى. ما يجب انتظاره من حكومة يقودها إسلاميون إذن هو، بالضرورة، مثل ما يجب أن ننتظره من أي حكومة وطنية فازت في الانتخابات التشريعية، أي تقديم برنامج للحكومة يتضمن اقتراحات ناجعة لحل أهمّ المشاكل المطروحة على البلاد في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والخارجية.
- ما هي الإجراءات التي ترى أنها ضرورية ويجب أن توضع ضمن أولويات الحكومة؟ بقطع النظر عن الانتقادات التي يمكن أن تُوجَّه إلى الظروف التي تم فيها تهيئ الدستور الجديد وإلى بعض محتوياته وما فيه من نواقص، فإنه أصبح مُلزِما للجميع. الحكومة الحالية هي أول حكومة انتُخِبت في إطار هذا الدستور، لذلك يجب عليها، في نظري، وقبل كل شيء، أن تحرص على تطبيق المبادئ والبنود الأساسية التي وردت فيه. من جملة هذه المبادئ والبنود الأساسية أخص بالذكر أولا كل ما يتعلق بدور رئيس الحكومة وعلاقته بالملك من جهة، والبرلمان من جهة أخرى. إننا في حاجة ملحة إلى رئيس للحكومة يضطلع بكل صرامة ومسؤولية واستقلالية بالمهام التي أنيطت به بمقتضى الدستور. بهذه الطريقة فقط يمكن لنا أن نحكم علي السياسية التي سيتبعها وأن نحاسبه على وعوده ومنجَزاته. ثم المطلوب من هذه الحكومة أن تحترم مبدأ فصل السلطات، وعلى الخصوص، فصل السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية وأن تراقب احترام القانون من لدن الجميع، وعلى الخصوص من لدن السلطات العمومية (الفصل ال6) وأن تولي عناية خاصة لاحترام الحريات والحقوق الأساسية الواردة في الباب الثاني من الدستور، وخاصة إلى تحقيق مبدأ التكافؤ بين الرجال والنساء (الفصل ال19)، وضمان حرية الفكر والرأي والتعبير وحرية الإبداع. كما على هذه الحكومة مشكلة اللغة وتشكيل المجموعات العلمية والتكنولوجية الضرورية للتعليم بالعربية، من جهة، ومن جهة أخرى إعادة قراءة التراث الثقافي المغربي بطرق حديثة واستيعاب الثقافة العالمية المعاصرة. والنشر والعرض في مجالات الإبداع الأدبي والفني والبحث العلمي والتقني (الفصل ال25) والسهر على تحقيق الحقوق الاجتماعية، وخاصة ضمان تكافؤ الفرص للجميع والرعاية الخاصة للفئات الاجتماعية الأقل حظا (الفصل ال35). -أي القطاعات ترى أنه لا يمكن أن يتأجل العمل على تسوية مشاكلها؟ يعلن الدستور في الديباجة عن نية المغرب إقامة مؤسسات دولة حديثة، جاعلا من الحداثة هدفا من أهمّ أهدافه المستقبلية. ويعني هذا أن الحداثة ما زالت هشّة في بلادنا وأنه يجب تدعيمها وتقويتها. يجب أن يقتنع جميع المواطنين المغاربة أن هذا الهدف أولى إذا أردنا الخروج من الركود الفكري والعلمي والتكنولوجي الذي يعيشه المغرب بعد الاستقلال منذ خمسين سنة ومن التخلف الناتج عن هذا الركود والالتحاق بالركب الحضاري العالمي. والحداثة لا تهم فقط الجوانب الاقتصادية، بل لا يمكنها أن تتحقق في العمق إلا إذا عمّت الحقل الاجتماعي والثقافي. وإذا اعتبرنا، علاوة على ذلك، الظروف العالمية الحالية، فإنه يتجلى أن أكبر الأوليات بالنسبة إلى المغرب راهنا وفي العقود القريبة المقبلة هي التربية والتعليم والتكوين والثقافة.. لذلك يجب إعادة النظر في النظام التعليمي من أجل معالجة معضلاته في العمق وفي المدى البعيد. -هل يمكن أن نتوقع إعادة النظر في مفهوم الثقافة والفن اعتبارا لمفهوم الإسلاميين لهما؟ إذا كانت للإسلاميين إرادة صادقة في خدمة المجتمع المغربي وضمان مستقبله وازدهاره، فإنه يجب أن يكون مفهومهم للثقافة والفن منسجما مع متطلبات الحداثة العالمية وضمان الحريات الديمقراطية الأساسية، من جملتها حرية الفكر والرأي والإبداع والعرض، كما وردت في الدستور المغربي الجديد. إن المشكل المطروح بصفة عامة بالنسبة إلى الجميع هو القراءة الجديدة للتراث واستيعاب مكونات المعاصرة العالمية والمشاركة الفعالة فيها. وليست هناك طريقة واحدة ولا حلول أحق من غيرها بصفة مطلقة، لكن المهمّ هو البحث الصادق عن أنجع الطرق والحلول من خلال النقاش الودي المتجرد عن كل التصورات والأفكار المسبقة. مؤرخ
عبد الرحيم العلام: هذه هي انتظارات اتحاد كتاب المغرب من الحكومة القادمة اختار عبد الرحيم العلام، ونحن نستجْلي رأيه ونطلب منه رسم انتظاراته من الحكومة القادمة، أن يرسم خارطة طريق باسم اتحاد كتاب المغرب تعيد بعث الحياة في الثقافة، والتي لا تنفصل -ولا شك- عن الانتظارات الكبرى لكل المغاربة، وهنا بعضا من معالم الطريق التي يرى محدثنا أنها تقود إلى إحياء الأمل في النفوس: قد يبدو ما ينتظره المثقفون، بصفة عامة، من الحكومة المقبلة ليس أقلَّ حجما وقيمة مما ينتظره المجتمع المغربي ككل، بالنظر إلى أنه من المفروض أننا دخلنا في مرحلة جديدة، يعتبرها البعض تاريخية وتتميز بمجموعة من التحولات المعروفة والمتضافرة في ما بينها. من هنا، فإن حجم ما ينتظره مثقفونا وفنانونا من الحكومة المنتظَرة قد يبدو، بدوره، أكبرَ مما هو مُبرمَج أو متوقع لدى الحكومة نفسها. فقد تعودنا، في السابق، رغم صيحاتنا المتوالية، أن نستقبل برامج حزبية وحكومية كانت فيها الثقافة -إن تمت الإشارة إليها أصلا- إما مُغيَّبة وإما تحتل موقعا متدنيا في سلّم الأولويات، بما في ذلك هزالة الميزانية المرصودة لها في الميزانية العامة لبلادنا. يحدث هذا في الوقت الذي تلجأ المنظمات الدولية، عند تقديمها مساعداتها للشعوب المحتاجة، إلى تخصيص جزء من تلك المساعدات لإنعاش الثقافة والبحث والتكوين في تلك الدول. من هنا، وأمام شساعة انتظاراتنا ورغباتنا وتوقّعاتنا الثقافية على الخصوص، وبما أن المسألة الثقافية هي من بين أولويات انشغالاتنا واهتماماتنا، فإننا، في اتحاد كتاب المغرب، لا نخفي أننا قد استبشرنا خيرا، عن تأنٍّ أو عن عجل، بالإشارات الجديدة الرامية إلى الاهتمام بالثقافة والفنون، وهو ما تَجسَّد، على الخصوص، في الإشارات الدالة التي وردت في خطب صاحب الجلالة أو المُتضمَّنة في بعض فصول الدستور الجديد أو في البرامج السياسية لبعض الأحزاب الوطنية الديمقراطية، والتي نتمنى أن تتلوها خطوات عملية وجريئة للنهوض بثقافتنا الوطنية، بمكوناتها وتجليّاتها المختلفة، وأن تأخذ بعين الاعتبار، وبدون ترتيب، على الأقل، ما يلي: -طبيعة الغنى والتنوع اللذين يُميّزان ثقافتنا الوطنية، ومن هنا ضرورة اهتمام الحكومة المقبلة برعاية هذا الغنى، في تجلياته اللغوية والتعبيرية والفنية المختلفة، ومن ثم تأصيله في مجتمعنا، -بما أن الأمن الحقيقي في أي بلد هو الأمن الثقافي، فيجب تقوية نسيجنا الثقافي وتشجيع مبدعينا وباحثينا وفنانينا، فهم صناع الثقافة والإبداع والجمال، فأهمية شعْبٍ ما تكمن في ما ينتجه ثقافيا وفنيا، وهنا نستحضر قولة لمالرو، لمّا كان وزيرا للثقافة في حكومة دوغول، مخاطبا الوزراء، مفادها أن مهمتهم هي أن يُحسّنوا ظروف عيش المواطنين، أما الثقافة فمهمتها أن تُغيّرهم نحو الأحسن، -لا ازدهار لثقافة إلا في مناخ تسوده الحرية، فالأصل في المسألة ككل هو الحرية، من هنا، نتمنى من الحكومة المقبلة ألا تتعامل مع هذه الحرية، بما فيها حرية التعبير والرأي، برؤية متزمتة وألا ينظر إليها بنظرة ضيّقة قد تحجب عنا نور الشمس وتعيدنا إلى الوراء، -ننتظر من الحكومة المقبلة ألا تُدخِل المغرب في معارك وهمية حول الإبداع وحدوده، فالمعارك حول ضرورة الإبداع هي أصلا معارك خاسرة، لكون الإبداع، وعلى مر العصور، كان دائما ينتعش في فضاء الحرية وليس خارجه، فضلا على أن القوى الحية في مجتمعنا لن تقبل أن يعود المغرب إلى الوراء، من ثم فالمطلوب هو إقرار مزيد من الحريات بالجمع، -ننتظر من الحكومة الجديدة أن تُعجّل بتنزيل مواد الدستور الجديد، وخصوصا تلك التي لها ارتباط بالثقافة والفنون والتراث، وأن تشرك، عند بلورة ذلك، كل القطاعات والفعاليات والمكونات والقوى الحيوية في بلادنا، حتى يكون التنزيل في المستوى العالي والمرتجى، -ننتظر من الحكومة المقبلة أن تعيد الاعتبار إلى الثقافة والفن وأن تُحصّنهما من كل أشكال الابتذال وتطورهما بما يتماشى ونداءات المثقفين والفنانين، التي تجاوزت الحدود، وأن تعيد إلى المثقف والفنان اعتباره وتعترف بهما وبدورهما المؤثّر في المجتمع وتهتمّ بوضعهما الاقتصادي والاجتماعي والإبداعي، فنحن ما زلنا بعيدين، على سبيل المثال، عن تحقيق مسألة التفرغ لكتابنا وفنانينا، وكل ما تحقق بهذا الخصوص، وبشكل محدود جدا، يأتي، للأسف، من الخارج، -المطلوب، أيضا، إعادة التفكير من قِبَل الحكومة المقبلة في طبيعة تصورها التقليدي للشأن الثقافي في بلادنا، تصور نتمناه، هذه المرة، أن يواكب ما تعرفه بلادنا من تحولات ثقافية وفنية اخترق صداها الحدود. من هنا، ضرورة تمكين المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث، بعد تنزيله، من اللوجستيك والإمكانات اللازمة وتوفير البنيات التحتية والموارد البشرية والمالية الضرورية لمباشرة عمله وأداء دوره على أحسن وجه وألا يُتعامَل معه بنفس تعامل الحكومات السابقة مع القطاع الوصيّ على الشأن الثقافي في بلادنا، -ننتظر من الحكومة المقبلة أن تُوليَّ اهتماما خاصا للمجتمع المدني وأن تدعم مشاريعه الثقافية والفنية الجادة والطموحة، اعتبارا للدور الأساسي الكبير الذي لعبه، وما يزال يلعبه هذا المجتمع، في بعض مكوناته الأساسية، في تحريك عجلة الثقافة والفن في بلادنا، أمام انشغال الدولة بما تراه، ربما، ذا أولوية أكثر، وأيضا أمام توجسها المتواصل من الثقافة ومن ممارسيها. فلا يعقل أن يظل اتحاد كتاب المغرب، على سبيل المثال، بدون مقر ملائم يليق بتاريخه ورمزيته ويحتضن أنشطته واجتماعاته ومؤتمراته، وبدون ميزانية قارة تكون في مستوى دوره وتطلعاته، -ننتظر من الحكومة الجديدة أن تُضمِّن برنامجَها الاستشرافي تصورات واضحة عن المسألة الثقافية في بلادنا، توازي تصوراتنا وتستجيب لتطلعاتنا المستقبلية، -ننتظر من الحكومة أن تعمل على تيسير قنوات إدماج شبابنا عبر الثقافة وتوفير سبل ومجالات الإبداع والخلق، وهو مجال يهمُّنا أكثر، ونقترح على الحكومة المقبلة أن تُوليَّه ما يستحق من اهتمام واعتبار... رئيس اتحاد كتاب المغرب
عبد الكريم جويطي: لا بد من محاربة الفساد واقتصاد الريع والابتعاد عن السفاسف أعتقد أن حكم بلد متعدد ومتنوع وله عمق تاريخي كالمغرب أمر صعب، وخصوصا في ظروف أزمة دولية تعصف بالدول والاقتصاديات التي كانت تبدو مستقرة. أتمنى ألا يشغل قادة العدالة والتنمية أنفسَهم بصغائر الأمور والسفاسف، فالذين صوتوا لهم فعلوا ذلك من أجل أن يحاربوا الفساد واقتصاد الريع وأن يكون المغرب للجميع وليس لحفنة من الأسر.. صوتوا لهم من أجل مغرب عادل تتكافأ فيه الفرص ويتحمل فيه الجميع مسؤولياتهم.. غير أن المغاربة، وهم يمنحون ثقتهم للعدالة والتنمية، سيظلون يقظين، فهم لن يفرّطوا في ما حققوه بقوافل من الشهداء والمعتقلين والمنكَّل بهم، لذلك ينبغي أن تكون حرية المغاربة مقدسة وألا يُنَصّب أحد نفسه وصيّا على ما ينبغي أن يقوم به الأفراد والجماعات.. أتمنى ألا يدخل قادة الحزب «المعارك الصغيرة» ضد فيلم أو مسرحية أو ديوان شعر.. فغبار تلك المعارك الخاسرة ضد الإبداع سيحجب ما هو أساسي ومنتظر منهم.. فالأطفال في القرى والحوامل في الجبال وخريجو الجامعات وأولئك الذين يلقون بأنفسهم في البحر من أجل الوصول إلى «جنّة أوربا» عليهم ألا ينظروا إلى من تعرّى هنا أو هناك ولا كم احتسى من قنينة خمر.. ما يهُمّهم هو توفير خبز كريم ومدرسة منتجة ومستشفى رحيم.. أعتقد أنه يجب أن تنسى شعارات كأسلمة المجتمع، فالمجتمع المغربي مسلم منذ قرون، بل هو أحد قلاع الإسلام التاريخية، والمغاربة تشبثوا دوما بقيّمهم، غير أنهم، وكباقي المجتمعات، انفتحوا على الآخر ونهلوا من أسس حضارة معاصرة معولمة وتخترقها الطرق السيارة للمعلومات.. عصر اليوم هو عصر العقل والإنتاج والمردودية. فلن يرحم عصر اليوم المهووسين بمسألة الهوية ولن يرحم الذين يحِنّون إلى الماضي ويريدون تكرار التاريخ . روائي الزبير بن بوشتى: أنتظر محاربة الفساد ومحاسبة لصوص المال العام انتظاراتي هي انتظارات الشعب المغربي برمته. ماذا يمكن أن ننتظر من الحكومة القادمة، التي كما نعلم ترث تركة الحكومة السابقة. طبعا، يمكن للسياسة أن تغيّر أشياء كثيرة. غير أن السياسة، كما يعرف الجميع، تُمارَس ببرامج مسطرة ومواقف محددة واضحة وذات أرقام جلية ومقروءة ولا تترك المجال مفتوحا للتأويلات ولحالات الارتجال التي تُمليها العديد من الظروف، الداخلية والخارجية. إلى حد اليوم، لم نستفد في المغرب من النموذج الأسيوي. نتحدث عنه وننظر إليه، وعندما يتعلق الأمر بالتطبيق، نجري لاهثين وراء النموذج الغربي الأمريكي، والأوربي تحديدا. ما أنتظره من الحكومة الآتية هو أن تحارب الفساد الإداري والمالي.. وأن تعمل على تشبيب المجال السياسي والإداري.. وأن توقع قرارا جريئا يقضي بمحاسبة كبار المسؤولين المتورطين في عمليات اختلاسات الوطن بأرقام مهولة وهم أحرار يتجولون ويسافرون. وأخيرا، يجب أن أكرر، مع العديد من الأصوات التي أكدت منذ سنوات، أن التنمية والنهضة الحقيقية لا يمكن أن تتأتيا لمجتمع يضع الثقافة في الدرك الأسفل من اهتماماته وعلى هامش كل مبادرة وطنية. مسرحي
حمادي كيروم: أهم عمل مستعجل للحكومة هو أن تجعل من الثقافة مشروعها الأساسي والأولي يعيش المغرب تناقضا صارخا على مستوى الحياة السياسية والثقافية، فهو ثاني بلد إفرقي حقق التصالح مع ماضيه (بعد جنوب إفريقيا) ووقع جميع المواثيق الدولية حول حقوق الإنسان، كما استطاع أن يدبّر شأنه السياسي بشكل سلمي داخل ربيع عربي ملتهب أطاح بعدة دكتاتوريات عمّرت طويلا وأخرى في الطريق، وهذا ما جعل المغرب نموذجا ديمقراطيا تدعمه أغلب القوى الدولية، التي تسعى إلى إعادة بناء الخريطة السياسية العالمية. وإذا كان المغرب قد فتح أوراشا كبرى في المجالين السياسي والاجتماعي فتوفق في الورش السياسي وفشل في ورش التنمية البشرية، فإنه قد أهمل كليّا الورش الثقافي. ولهذا فإن أهم عمل مستعجل يمكن أن تقوم به الحكومة الجديدة لكي تطور الحقل السياسي وتُخلّقه وتنقذ مشروع التنمية البشرية الاجتماعية وتطهّره هو أن تجعل من الثقافة مشروعها الأساسي والأولي.. وأغتنم هذه الفرصة لأذكّر بما قام به الائتلاف المغربي للثقافة والفنون باعتباره يجمع كل الفاعلين في الحق الثقافي والفني في المغرب أمام اللجنة الدستورية، فقد قدّم الائتلاف مشروعا ثقافيا متكاملا استمعت إليه اللجنة «بشغف وعمق وتعاطف»، حسب تعبير رئيسها الأستاذ المنوني. وأعتقد أن هذا المشروع عمل متكامل يساعد الحكومة الجديدة على وضع فلسفة ثقافية تعتمد الجودة والتمييز من أجل خلق مواطن مبدع ومبادر يؤمن بأن الفن والذوق والجمال وسائل وأهداف قادرة على تغيير العالم وبناء حضارة تتّسع للجميع، أساسها الحب والتسامح، ولتنفيذ هذا المشروع وإنجاحه، لا بد من احترام الوصايا التالية: أولا: اعتماد ديمقراطية الكفاءات في توزيع المناصب والمهن والقطع مع الانتهازية والشوفينية، المبنيّة على العلاقات الحزبية والقبَلية والعائلية والرشوية وإعادة المعنى إلى مقولة الرجل (المرأة) المناسب في المكان المناسب.. ثانيا: إعادة التفكير في هيكلة وزارة الثقافة ووزارة الاتصال وكل المراكز والمديريات التابعة لها، ومن بينها المركز السينمائي المغربي، ثالثا: بناء وترميم البنيات التحتية للاستهلاك الفني والثقافي وتحرير المركّبات والمسارح من أيدي الفساد البلدي وبناء مسارح وقاعات في الأحياء الشعبية ودعم ثقافة القرب في القرى والمدن الصغرى، وربط علاقة تشاركية بين الأجهزة الثقافية والجامعات والكليات والمدارس بناء على مشروع قصير وطويل المدى. رابعا: بناء معاهد التكوين للهندسة الثقافية من أجل خلق صناعة ثقافية ذات جودة جماهيرية عالية تُحصّن المواطن المغربي من الميوعة الخليجية والنزعة الفردانية الغربية التي تبثها شبكات الاتصال الجماهيري، خامسا: تحرير التلفزة من مافيا الإنتاج الوضيع وإعادة الاعتبار إلى الأخبار الموضوعية والتسلية الجادة والتثقيف المنتج وفتح الباب أمام القطاع الخاص الوطني للاستثمار في هذا المجال الحيوي بناء على دفتر تحملات يحترم التصور الفلسفي والثقافي للمشروع المجتمعي الذي نسعى إلى بنائه جميعا، سادسا: دعم دينامية المجتمع المدني وتطوير عمل الجمعيات الجادة وتطهير الحقل الجمعوي من المتسولين الجدد الذين انقضّوا على محاصيل التنمية البشرية وأفسدوا مقاصدها النبيلة. وأذكّر هنا بالعمل التطوعي الذي كانت تقوم به الجمعيات الثقافية والتربوية والرياضية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، رغم التضييق الذي كانت تعاني منه، والتي يبقى إنتاجها ثروة فكرية وفنية يفتخر بها المغاربة اليوم (اتحاد كتاب المغرب -ناس الغيوان -الجامعة الوطنية للأندية السينمائية -مسرح الهواة -مجلة انفاس -مجلة لاماليف -الثقافة الجديدة).. سابعا: دعم المهرجانات الثقافية والفنية وإعادة هيكلتها وبنيتها بشكل حِرَفيّ وعقلاني وتطهيرها من السماسرة و»ممولي الحفلات» وناهبي المال العامّ وتسطير برامج موضوعاتية أو جغرافية تجعل من هذه الأنشطة الفنية والثقافية مُحرّكا جهويا فعالا في تنمية الجهة وكشف المواهب للحفاظ على الهوية والخصوصية في أفق إغناء التعدد الثقافي الحضاري للوطن ككل. ناقد سينمائي