بوريطة : العلاقات بين المغرب والعراق متميزة وقوية جدا    الفتح الرباطي يكتسح النادي المكناسي بخماسية    ميداوي يقر بأن "الوضع المأساوي" للأحياء الجامعية "لا يتناطح حوله عنزان" ويعد بالإصلاح    فرنسا.. الكشف عن تشكيلة الحكومة الجديدة    الفلاح: إطلاق خدمة الأنترنت من الجيل الخامس استعدادا لكان 2025 ومونديال 2030    الملك محمد السادس يعزي أفراد أسرة المرحوم الفنان محمد الخلفي    على سوريا المستقبل الزاهر مناديا    موانئ الواجهة المتوسطية: انخفاض بنسبة 17 بالمائة في كمية مفرغات الصيد البحري عند متم نونبر الماضي    "نيويورك تايمز": كيف أصبحت كرة القدم المغربية أداة دبلوماسية وتنموية؟    "البيجيدي": حضور وفد اسرائيلي ل"الأممية الاشتراكية" بالمغرب استفزاز غير مقبول    إدانة رئيس مجلس عمالة طنجة أصيلة بالسجن في قضية اختلاسات مالية    متضررون من الزلزال يجددون الاحتجاج على الإقصاء ويستنكرون اعتقال رئيس تنسيقيتهم    دياز يثني على مبابي.. أوفى بالوعد الذي قطعه لي    حملة اعتقال نشطاء "مانيش راضي" تؤكد رعب الكابرانات من التغيير    بقيادة جلالة الملك.. تجديد المدونة لحماية الأسرة المغربية وتعزيز تماسك المجتمع    "بوحمرون" يستنفر المدارس بتطوان    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء            الأزمي: لشكر "بغا يدخل للحكومة على ظهرنا" بدعوته لملتمس رقابة في مجلس النواب    الدار البيضاء.. توقيف المتورط في ارتكاب جريمة الإيذاء العمدي عن طريق الدهس بالسيارة    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط    أجماع يعرض جديد حروفياته بمدينة خنيفرة    أخبار الساحة    في الحاجة إلى تفكيك المفاهيم المؤسسة لأطروحة انفصال الصحراء -الجزء الثاني-    أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا لثلاثة أيام مع أسبوع غضب    تقديم العروض لصفقات بنك المغرب.. الصيغة الإلكترونية إلزامية ابتداء من فاتح يناير 2025    بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.. جمهور العاصمة على موعد مع ليلة إيقاعات الأطلس المتوسط        فيديو "مريضة على نعش" يثير الاستياء في مواقع التواصل الاجتماعي    الكرملين يكشف حقيقة طلب أسماء الأسد الطلاق ومغادرة روسيا    محمد صلاح: لا يوجد أي جديد بشأن مُستقبلي    بنما تطالب دونالد ترامب بالاحترام    غضب في الجارة الجنوبية بعد توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    الجزائريون يبحثون عن متنفس في أنحاء الغرب التونسي    نيسان تراهن على توحيد الجهود مع هوندا وميتسوبيشي    سوس ماسة… اختيار 35 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا لدعم مشاريع ذكية    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    النفط يرتفع مدعوما بآمال تيسير السياسة النقدية الأمريكية    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا        مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بيان من أجل الإصلاح الشامل
نشر في دنيابريس يوم 17 - 06 - 2011

هذه الورقة هي ثمرة نقاش جدي انطلقت بدايته الأولى مع الاعتصام المفتوح الذي خاضه دكاترة التعليم المدرسي أمام مقر وزارة التربية الوطنية منذ 18 فبراير 2011 و الذي دام أكثر من ستين يوما مطالبين بتغيير إطارهم إلى إطار أستاذ التعليم العالي مساعد، وكان السؤال المركزي الذي تمحور حوله هذا النقاش الذي دار بين بعض هؤلاء الدكاترة، هو هل حضورنا النضالي باعتبارنا فئة من الفئات التعليمية المتضررة ينبغي أن يقتصر فقط على مطالبنا الجزئية، أم ينبغي أن يمتد ليعانق هموم وقضايا الشعب المغربي ومطالبه الجوهرية في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية؟، هكذا انطلقت فكرة النقاش ولتستمر حلقاته بعد تعليق الاعتصام على أرضية مشروع هذه الورقة، والتي نأمل من خلالها أن نوسع من آفاقنا النضالية والمطلبية لنلتحم مع الدينامية التي انطلقت مع 20 فبراير، هذا هو سياق الورقة، وتلك منطلقات التأسيس لمضامينها التي نعرضها للرأي العام المحلي والدولي...
يعيش العالم العربي اليوم حراكا غير مسبوق في تاريخه الحديث، وذلك ما يجسده حجم التحولات الهائلة التي أنتجتها الثورات العربية من جهة، ولنوع الأشكال الاحتجاجية السلمية الراقية والتعاقدات الاجتماعية الشعبية الحضارية السامية التي أفضت إليها من جهة ثانية، صانعة بذلك وعيا جماعيا جديدا ينبذ الاستبداد ويتوق إلى سيادة العدالة والحرية والديمقراطية. وتماشيا مع منطق التاريخ الذي ينبئ بحتمية التغيير الذي يخضع الأنظمة المتشابهة لنفس المصير، و يجعل من أطروحة الاستثناء المغربي فرية عظمى وحيفا في حق الشعب المغربي، الذي يشهد له التاريخ القديم والحديث على جسارته وفرادته في صنع التحولات ورسم معالم تاريخه، والتي تجسدت في إرادته الجماعية في إطار وحدة هويته وتنوعها، وبما أننا لسنا في معزل عن جغرافيا الاستبداد التي عرفها العالم العربي، فإننا نعتبر أن أي شذوذ عن المطالبة بالتغيير المنشود، إنما ينم عن وعي شقي لطالما كرسته سياسات الاسترجاع التي مارسها المخزن في حق مثقفي بلادنا.
نعم لقد حانت اللحظة التاريخية لنعلن رفضنا لمغرب المجاز المرصود لذوي السلطة والنفوذ، وعن نضالنا ومسعانا نحو مغرب الحقيقة المنفتح على كل أفراد شعبه، والذي توطد فيه دولة الحق والقانون، وتشيد فيه دعائم دولة المؤسسات، وتكرس فيه العدالة الاجتماعية المبنية على الشفافية والكفاءة والإنتاجية.
إن انخراطنا في سيرورة المطالبة بالإصلاحات على جميع الصعد تتأسس على إيماننا القوي بأن الأوطان لا يبنيها غير شرفائها من جهة، وعلى قدرتنا على المشاركة بقوتنا الاقتراحية المسهمة في بلورة الأفكار والتصورات والبرامج التي تمكن من بناء مغرب أفضل، قادر على أن يجد له موضع قدم في الحضارة الإنسانية بين الأمم المتقدمة من جهة ثانية، وعلى وعينا بأننا جزء لا يتجزأ من هذا الشعب المغربي الأبي التواق إلى مغرب أفضل، والذي له علينا حق تبني قضاياه العادلة من جهة ثالثة.
وفيما يلي تصوراتنا المبدئية بخصوص قضاياه الكبرى:
في الإصلاحات الدستورية والسياسية
لقد عرف المغرب سياسات دستورية منذ أن عانق الاستقلال المنقوص، حينما خذل تطلعات الشهداء بمغرب ناهض وحر وديمقراطي، فتمت مصادرة سلطة الشعب، وتم تكريس الاستبداد من خلال دساتير ممنوحة لم ترق إلى تطلعات الشعب المغربي التي عبر عنها بأشكال مختلفة منذ الستينيات من القرن الماضي، عبر الانتفاضات الشعبية نذكر منها أحداث 1965، 1981، 1990...، والتي جوبهت بقمع الشعب وبالإعلان عن حالة الاستثناء، أو عبر النضالات السياسية التي أنتجت سنوات الرصاص في السبعينيات وبداية الثمانينيات.
كل ذلك لم يدفع إلى تبني إصلاحات هيكلية، بل أنتج تعديلات شكلية لا ترقى إلى حجم التطلعات الشعبية، وظل المغرب لم يبرح نقطة البداية الصحيحة للإصلاحات المنشودة.
واليوم تتاح الفرصة التاريخية للإصلاحات الدستورية والسياسية، باعتبار أن أطروحة الأنظمة الأبوية التي ترى أن الشعوب لم تنضج بعد لتقرر مصيرها، قد أسقطتها الثورات العربية التي أثبتت أن الشعوب العربية ليست أقل وعيا وتحضرا من شعوب الدول الديمقراطية.
إن هذا المعطى يدفعنا لاعتبار أن النقاش الجاري حول الإصلاحات الدستورية مكسبا يكرس سقوط الأنظمة الأبوية، فالشعب المغربي حين تظاهر في 20 فبراير وفي 20 مارس وفي 24 أبريل 2011 وفي محطات أخرى، أعلن عن مطلبه بالمعاملة القائمة على أساس أنه كامل المواطنة، وقادر على التعبير عن إرادته بشكل حضاري يكرس الدولة المدنية القائمة على الحق والقانون.
لذلك وتناغما مع هذه الدينامية التي أطلقتها تظاهرات 20 فبراير وما بعدها، فإننا نعتبر أن المطلب الأساسي الذي لا مراء عنه هو إعادة النظر في جملة من المداخل الضرورية للإصلاح الدستوري الذي نطمح إليه في تناغم مع تطلعات الشعب المغربي ونجملها في التالي:
1- إن دمقرطة الدستور ينطلق أساسا من دمقرطة مسطرة صياغته، فالدستور ليس صكا سياسيا ممنوحا، بل هو نتيجة لتعاقد اجتماعي مشروط بتحقيق تطلعات الشعب المغربي، في إطار يضمن كرامة المواطن ويكرس حقوقه الأساسية في المواطنة والديمقراطية والحداثة، على هذا الأساس فإننا نرفض تكليف لجنة معينة لمراجعة الدستور، لأن التعيين هو ضرب في صميم دمقرطة الدستور شكلا من حيث مسطرة صياغته، وعليه نقترح دسترة مؤسسة الحوار الوطني التي تضم ممثلي مختلف الهيئات السياسية والنقابية والحقوقية والجمعوية الوطنية، وفعاليات فكرية وعلمية يتم اقتراحها من لدن كل المؤسسات التشريعية والدستورية، وتكون بمثابة مؤسسة وطنية للتقييم والتقويم والحوار السنويين تختص بمدارسة القضايا الكبرى للدولة والمجتمع، ومن هذا المنطلق فهي معنية أيضا بالعمل على إصدار توصياتها فيما يخص تطوير متن الدستور ومراجعته الشاملة أو الجزئية؛
2- إن دمقرطة الدستور في المضمون يعني أن يتأطر ببعض المبادئ التوجيهية التي نجملها فيما يأتي ذكره:
• الملكية البرلمانية هي النظام السياسي الأنسب في المغرب لأنها هي التوليفة المثلى بين الملكية الوراثية والديمقراطية؛
• السلطة للأمة تمارسها مباشرة عبر الاستفتاء الديمقراطي، وبكيفية غير مباشرة عبر المؤسسات التمثيلية الدستورية والديمقراطية في إطار من التداول الفعلي على السلطة، عبر انتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية تضمن الحق في التنظيم والتعبير والتباري الديمقراطي المتكافئ؛
• سريان مبدأ المراقبة والمحاسبة لكل من له سلطة إذ لا سلطة بدون مسؤولية ولا مسؤولية بدون محاسبة؛
• فصل متوازن للسلط مع سمو السلطة القضائية واستقلاليتها؛
3- إن أي إصلاح دستوري لا يعكس مقومات دولة الحق والقانون يعتبر لاغيا وغير ذي جدوى، فكرامة الإنسان المغربي فوق كل اعتبار جهوي أو فئوي أو عرقي أو أي اعتبار آخر...كما أن أي إصلاح لا يحقق العدالة الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص يعتبر التفافا حول المطالب الأساسية للشعب المغربي؛
4- إن أي إصلاح دستوري ينبغي أن يفضي إلى إحداث مؤسسات وطنية وذات مصداقية لاجتثاث الفساد عبر قضاء مستقل ومؤسسات للرقابة القبلية والبعدية، تضمن تنافسية اقتصادية واجتماعية، وتعمم قيم الشفافية وتزكي القدرة على الإنتاج، وتمنع تحالف الثروة والسلطة؛
5- إن أي إصلاح دستوري ينبغي أن يضمن حرية الرأي والتعبير، ويوطد الحقوق الأساسية للمواطنين، ويمكن الإعلام من القيام بالدور المنوط به كسلطة رقابة جماهيرية، عوض الرهان على مخزنته وجعله أداة طيعة في يد ذوي النفوذ والسلطان، وتكون فيه التشريعات القانونية حافظة لهذه الحقوق الأساسية وضامنة لها؛
6- إن أي إصلاح دستوري لا يحترم التنوع الثقافي ولا يفضي إلى دسترة هذا التنوع في إطار وحدة القيم الكبرى المؤسسة لهوية المجتمع المغربي، هو إصلاح لا يستوعب اللحظة التاريخية، ولا يحقق النزوح نحو الديمقراطية التعددية كما هي متعارف عليها كونيا؛
7- إن أي إصلاح دستوري لا يعمل على دسترة صلاحيات الملك و دسترة و دمقرطة كل المؤسسات و اللجن الوطنية التي تشتغل من خارج المجال الدستوري، لهو تكريس لاستمرارية قيام المجاز الدستوري غير المكتوب الذي لا رقابة فيه ولا حساب؛
في وضعية التعليم
إننا نعتبر أن من مقتضيات الانخراط في سيرورة الإصلاحات السياسية والدستورية والمؤسساتية، إصلاح التعليم باعتباره أولوية الأولويات، التي بإمكانها تيسيير الانتقال نحو مغرب الديمقراطية والحرية والمساواة والعدالة... ذلك أن أي طموح نحو التقدم والنمو ينبغي أن يمر عبر المعرفة، لأن المدرسة هي المؤسسة الأقدر على إنتاج القيم السامية والحفاظ عليها وتنضيج شروط التحول الحقيقي الذي نطمح إليه.
-التعليم بالمغرب في التقارير الدولية
إن الوضعية التي يعيشها المغرب على مستوى التصنيف الدولي لا تبعث على الارتياح، بقدر ما تصيب بالإحباط كل متطلع نحو مغرب القرن الواحد والعشرين. فقد صنف تقرير ”اليونسكو” حول التعليم الصادر سنة 2010 المغرب في أواخر ترتيب الدول التي شملها التقرير وضمن البلدان ذات مستوى منخفض في مؤشر التعليم للجميع إلى جانب كل من موريتانيا واليمن وجيبوتي والعراق ، إذ حل في الرتبة 106 على مؤشر تطور التعليم من أصل 128 بلدا ، وكشف التقرير السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس حول التنافسية الشاملة للاقتصاد 2011-2010، رتبة متدنية في مجال جودة النظام التربوي بالمغرب، إذ احتل الرتبة 105 من أصل 139 دولة (الرتبة 112 في تقرير 2010-2009)، فيما تراجعت جودة التعليم الابتدائي إلى الرتبة 100 (الرتبة 99 في تقرير 2010-2009) ، واحتل الرتبة 99 من بين 136 دولة في نسبة التمدرس في التعليم الابتدائي، فيما كانت رتبته في نسبة التمدرس في التعليم الثانوي 110 من ضمن 139 دولة مصنفة، كما أكد التقرير الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية حول التنمية البشرية لسنة 2009 تراجع المغرب على المستوى العالمي ب 4 درجات إذ احتل الرتبة 130 من بين 182 دولة، بعدما كان يحتل المرتبة 126 في تقرير سنتي 2008-2007.
رصد لبعض الاختلالات في المنظومة التعليمية بالمغرب
إن مثل هذا الوضع يدفعنا للتساؤل حول التشخيص الممكن لهذه الكارثة، التي تستدعي منا ليس فقط وضع تصور حول إمكانية تجاوزها، بل ضرورة الذهاب أبعد من ذلك للدعوة إلى محاسبة ومحاكمة كل من ساهم في وصول منظومة التربية والتكوين إلى هذا المأزق البنيوي. وإذا كان تقرير المجلس الأعلى للتعليم قد سجل اختلالات أساسية وقائمة تعيق تنزيل مقتضيات ميثاق التربية والتكوين، فإننا نسجل بكل استغراب عدم ارتفاع أصوات القوى الحزبية والمدنية والنقابية للدعوة لمحاسبة المسؤولين عن تلك الجريمة في حق مستقبل أطفالنا وشبابنا وبلادنا، ذلك أن الفشل في سياسة اقتصادية أو اجتماعية معينة يمكن تداركه، لكن الفشل في السياسة التعليمية هو ضياع لفرص تاريخية نحو التقدم والرقي ببلادنا، ويعني من بين ما يعنيه، الإجرام في حق أجيال صاعدة باتت في عداد ضحايا السياسات المتبعة بشكل عام والسياسات التعليمية بشكل خاص، ومن الصعب تدارك ذلك التأخر التاريخي.
وحتى ما سمي بالمخطط الاستعجالي، الذي اعتبر إصلاحا للإصلاح. أضحى ضربا من ضروب تسريع وتعميم الفشل، باعتبار أن أي إصلاح لا ينطلق من رهانات مجتمعية حقيقية تنبع من السؤال الاجتماعي، ومن الواقع الفعلي لمستوى تطور بلادنا ومجتمعنا، ولا يكون هدفه هو إشراك الفئات المعنية، ولا ينطلق من رؤية واضحة لإنسان الغد وفق مشروع مجتمعي واضح، لن ينتج سوى مظاهر مشوهة للإصلاح تنعش الفساد والانتفاع وهذر المال العام. ويبدو ذلك جليا من خلال الاختلالات التي يعرفها المخطط الاستعجالي بالنظر إلى الرهانات التي أقام حولها مشروعه الإصلاحي، وحجم المقدرات التي رصدت لأجرأته.
لم يبق شك في أن هناك قوى خفية تريد لهذا البلد أن يبقى حبيس مكانه واقفة في وجه تطور التعليم و البحث العلمي وفي وجه تقدم وازدهار هذا الوطن، كما أن هجرة الأدمغة و تشغيل الأطر في غير مكانهم و فراغ المختبرات العلمية في الجامعات المغربية من الباحثين يجعل المغرب مستهلكا ورهينا لإنتاجيات الخارج.
مطالب وخلاصات على ضوء مآل وضعية التعليم بالمغرب
إن هذه الاختلالات تدفعنا للتأكيد على :
• ضرورة محاسبة كل المتسببين في هذر المال العام بالنظر لحجم الاختلالات المالية التي يعرفها القطاع، و نؤكد على ضرورة اعتماد آليات للمتابعة والمراقبة تعزيزا لمبدأ الشفافية والحكامة الجيدة ودرءا للسقوط في المخاطر والمنزلقات التي لا تخدم فلسفة الإصلاح؛
• وقف النزيف والدعوة إلى التدخل العاجل لتخليص المنظومة التربوية من أيدي المنتفعين والمستهترين بمصير أبنائنا وشبابنا؛ والإلحاح لإنجاح أي إصلاح على الإشراك الحقيقي والفعلي لكافة الفعاليات الاجتماعية والاقتصادية وتعبئة كل الطاقات لذلك، وعلى الخصوص ما يتوفر منها بالجماعات المحلية وبالمجالس المنتخبة؛
• وإذا كان من المفيد إدماج التعليم في محيطه الاقتصادي والسوسيوثقافي، فإن هذا المحيط بدوره في حاجة ماسة إلى تأهيل من نوع خاص يبتدئ من احتواء معضلة الأمية ومواصلة مجهود تعميم التعليم في البوادي والأرياف وتكريس المجانية في أوساط المتمدرسين وتحسين الولوج إلى المدارس لتدارك النقص المسجل في نسب التمدرس واحتواء ظاهرة الهذر المدرسي ومعالجة معضلة الاكتظاظ التي ترهن مستقبل عملية التكوين برمتها، وإقرار تدابير تحفيزية تحسن من إقبال العنصر البشري على الاشتغال في المناطق النائية، وضمان مناصب الشغل لخريجي الجامعات و المعاهد؛
• إعادة الاعتبار للجامعة المغربية ومختلف المراكز والمعاهد العليا حتى تنهض بأدوارها العلمية الجليلة والمجتمعية والتاريخية في تكوين وتأهيل ودعم القدرات البشرية وإبداع الأفكار والرؤى التي تعزز اختيارات بلادنا التنموية، والعمل على الربط التلازمي بين الميزانيات الفرعية المخصصة لكل جامعة وبين مردوديتها من حيث التكوين والبحث العلمي، على قاعدة التعاقد والمحاسبة؛
• إن أية أمة تحترم نفسها وتسعى إلى الرقي وتبوئ مكانة لها ضمن الأمم المتقدمة ، لن تجد موضع قدم لها من دون الحصة المخصصة للبحث العلمي من الناتج الوطني الخام، بما يمكن الباحثين من الوسائل الكفيلة بمواصلة الأبحاث في التخصصات الحيوية التي تحتاجها بلادنا وإيجاد الطرق الكفيلة بحماية هذه الأبحاث عبر التعاون بين كافة القطاعات المتدخلة؛
• لا يخفى على أحد أهمية البحث العلمي في ترشيد وعقلنة الفعل والتدبير العموميين، فلا نعتقد أن يتم تحديد المشاريع والتوجهات السياسية بدون سياسات استشرافية مبنية على البحث العلمي، فبناء الحاجيات المجتمعية، لن تتم إلا بالانفتاح على البحث العلمي، بناء على دراسات مبرمجة وممنهجة في اتجاه ترشيد الفعل العمومي وتوجيهه، وضبط مسارات التوجهات وانحرافاته إن اقتضى الأمر ذلك؛
• إعادة الاعتبار للتعليم العمومي من خلال الحفاظ على مقومات المدرسة العمومية ، والكف عن كل أشكال التمييع والانتقاص من شأن المؤسسات العمومية لصالح منح امتيازات للتعليم الخصوصي، الذي يزكي سياسات الانتفاع والتمايز الاجتماعي؛
إننا نعتبر أن المداخل التي عددتها الورقة كفيلة بإرساء نظام تعليمي حداثي ناهض، يلبي تطلعات كافة مكونات الشعب المغربي، ويشجع على اكتشاف الطاقات وتطويرها واحتضانها، ويكرس الاعتزاز بالذات والقيم المجتمعية الكبرى، وينفتح على الخبرة الحضارية الإنسانية، ويولي أهمية قصوى للبحث العلمي، وتصب جهوده لصالح قاطرة التنمية بمختلف أبعادها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والحضارية، ويعزز مبدأ المحاسبة لكل من له مسؤولية، وعليه فإن قضية التعليم هي قضية وطنية بحاجة إلى أن تكون ضمن أولويات الحوار الوطني الذي نقترح مأسسته ودسترته.
نحو اقتصاد التنمية
يبدو أن الأزمة الاقتصادية قد أثارت جدالا واسعا داخل مكونات المجتمع المغربي، جدال يتمحور حول كيفية إيجاد حل للمعادلة الصعبة: الحفاظ على التوازنات الماكرو- اقتصادية من جهة، ومواصلة وتيرة دعم النمو الاقتصادي، وتمويل القطاعات الاجتماعية لكي لا يحصل تفاقم في الاختلالات الاجتماعية من جهة ثانية، ومع ذلك فالسياسات المتبعة لازال أصحابها متشبثين بعدم الاعتراف بآثار الأزمة على الاقتصاد الوطني، فالمغرب على أبواب المنافسة الاقتصادية الكاسحة، باعتباره أحد المنتسبين “خطأ” لاتفاقية ( الغات)، في ظل اقتصاد غير مهيكل، وهيمنة أشكال من الفساد الاقتصادي والمالي، الذي يقوض مبدأ تراكم الرأسمال الوطني، والمقاولة الوطنية، القادرة على خوض رهان التنمية وإحداث فرص الشغل وإنعاش الدخل القومي. إن هذا الفساد هو نتيجة مباشرة لتحالف المال والسلطة، الذي أنتج ممارسات أخلت بالمبادئ الأساس للتنمية، ونذكر منها: استغلال النفوذ، التفويت غير المشروع لمقدرات الاقتصاد المغربي ضمن السياسات الفاشلة للخوصصة، غياب الشفافية والتنافسية التي قد تنتج رأسمالا وطنيا، قادرا على خوض غمار التنمية الاقتصادية، التوزيع غير العادل للثروات الذي أنتج اقتصادا للريع ونخبة اقتصادية مزيفة قائمة على أساس الانتفاع، احتكار النفوذ الاقتصادي جغرافيا لجهات على حساب أخرى، وتهميش مناطق ما يسمى بالمغرب الغير النافع.
إن المغرب المأمول الذي نسعى إلى تحقيقه، لن تقوم له قائمة إلا عبر اقتصاد قوي تنافسي شفاف، قادر على رفع رهان التنمية والتوزيع العادل للثروات.
من أجل كل ذلك فإن سعينا هو تكريس إرادة سياسية لمحاربة نظام الامتيازات والريع ومحاربة التهرب الضريبي، والوقوف الجدي على الملفات الكبرى للفساد، ومحاسبة كل المنتفعين من الكسب غير المشروع، كما ندعو إلى إعادة تأهيل الاقتصاد غير المهيكل، والتوجه نحو اقتصاد تضامني وتنافسي، وتكريس قيم الإنتاج بدل قيم الاستهلاك.
العدالة الاجتماعية أساس السلم الاجتماعي
لعل أبرز مظاهر الحيف الاجتماعي ببلدنا هو غياب تكافؤ الفرص، مما وسع هامش الفوارق الاجتماعية، وأحاط حزام البؤس بالعديد من المناطق المهمشة من المغرب العميق، نتيجة سياسات محاربة الفقر والهشاشة، التي كرست ثقافة التسول والاتكالية التي تمارسها العديد من المؤسسات الاجتماعية ( وكالات التنمية الاجتماعية، مؤسسة محمد الخامس، التعاون الوطني، وزارة الشؤون الاجتماعية...)، وهو ما يعطي الانطباع أننا أمام تضخم للمؤسسات والصناديق من دون جدوى، مما يسهم في هذر المال العام، وتكريس سياسة الامتيازات.
إن سوق الشغل في المغرب يعرف ارتفاعا في نسبة البطالة ونقصا في إحداث فرص الشغل، والمثير في هذه الظاهرة هو تفاقم بطالة الشباب، وخاصة حاملي الشهادات العليا منذ منتصف الثمانينات، يجري ذلك في ظل تقلص التوظيف بالقطاع العام، وإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني في أفق تأهيله للاندماج في اقتصاد العولمة، وإعداده لمواجهة إكراهات التنافسية، وآثار الأزمة العالمية والانفتاح، والاستفادة من الإمكانات التي ستتيحها الاتفاقيات التي أبرمها المغرب مع الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بخصوص إقامة مناطق للتبادل الحر، لذلك فبدون مؤازرة النمو بعناصر هيكلية واستراتيجية لسياسة شمولية ونشطة في مجال التشغيل، فإن هذا الاختلال سيظل مطروحا بشدة بل قد يتضخم مع اشتداد التنافسية وآثار الأزمة العالمية.
إن الحاجة ماسة إلى:
• تبني خطوات عملية واستعجالية في المجال الاجتماعي ومنها إدماج المعطلين حاملي الشهادات ضمن أسلاك الوظيفية العمومية؛
• القضاء على البطالة عموما؛
• سن سياسات اجتماعية وطنية تقضي بشكل بنيوي على الفوارق الاجتماعية والقضاء كذلك على الفوارق بين الجهات.
الهوية الثقافية رهان التعدد في الوحدة
إن غنى الهوية المغربية وتعدد مكوناتها (العربية الإسلامية، الأمازيغية، الأندلسية، الصحراوية، الإفريقية)، يعتبر عامل قوة وليس عامل ضعف. ولعل التشوهات التي تعتري الجسم الثقافي وتنخر كيانه، مردها إلى غياب الوعي الجماعي بغنى التعدد والاختلاف من جهة، وغياب الديمقراطية والحرية من جهة ثانية.
إن الرهان على التعدد الثقافي ينبغي أن يكون قناعة راسخة، ومعطى حيويا يغذي أي توجه لسياستنا الثقافية، فالفرصة سانحة من أجل إعادة الاعتبار للثقافي باعتباره يشكل عمق السياسي فكرا وممارسة، وإعادة تأهيله بما يخدم التوجه نحو إعادة الاعتبار للعديد من مكونات الهوية المغربية، سواء من خلال تدبير الشأن الثقافي أو الاختيارات المصاحبة والمدعمة لرهان “الكائن الثقافي المتعدد الهوية” الذي ندعو إليه من خلال المداخل التالية:
• باعتبار قطاع الثقافة شأنا وطنيا ويستهدف الجميع، يجب أن لا يخضع للتوازنات السياسية، التي قد تطاله عند الانتقال من طرف إلى طرف آخر؛
• إناطة مهمة التخطيط للثقافة إلى هيئة وطنية ممثلة لمختلف الحساسيات والاتجاهات السياسية والإيديولوجية واللغوية، ومختلف التمثيليات المجتمعية بمعايير واضحة ومحددة قانونا؛
• الكف عن التعامل مع مختلف التمظهرات والأشكال الثقافية المحلية كسلع وأدوات يقع تسخيرها للاستهلاك الدعائي (ملصقات، لوحات سياحية...) وتحويلها إلى مجرد “فلكلور” لا يخدم سوى توظيفات ظرفية و مناسباتية، قد تضعف مضمونه ومدلوله الثقافي، وقيمته الفنية والجمالية؛
• السعي إلى المحافظة على هذه الأشكال والتعابير وتشجيعها وترميمها، كما ترمم الأسوار والجدران، وصيانتها كقيمة إنسانية ذات دلالات ثقافية عريقة، وحفظها من الضياع والنسيان، فهي مهددة بالانقراض من جراء الاكتساح الثقافي الذي تمثله الآن مختلف الأنماط الثقافية العولمية.
كما أننا نعتقد أن أية سياسة ثقافية رسمية ينبغي أن تكون من أهدافها الرئيسة:
• العمل على نشر ثقافة الاختلاف والحوار والقبول بالمخالف، مع تعزيز قيم الوحدة الوطنية والاعتزاز بالوطن والقيم الكبرى للمجتمع؛
• تنمية ثقافة المطالعة والكتابة؛
• تركيز ثقافة الإنتاج والإبداع، ومناهضة الوعي التواكلي والاستهلاكي؛
• العمل على تنمية كل عوامل المناعة الثقافية والحضارية ضد كل ثقافة إقصائية أو تنميطية؛
• إشاعة ثقافة حقوقية تؤسس للوعي الراسخ بالديمقراطية والتداول على السلطة والمواطنة الحقة.
على أرضية مبادئ هذه الوثيقة ومطالبها نعلن نحن الموقعين على هذا البيان، انخراطنا في الدينامية التي انطلقت مع حركة الشعب المغربي في 20 فبراير، وسنعمل على تبليغ الرأي العام بالخطوات المقبلة لتحركاتنا. للتوقيع على البيان والاطلاع على لائحة الموقعين المرجو انقر على الرابط التالي: http://refglobale.voila.net


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.