كخليّة نحل لا تهدأ فيها الحركة، بَدتْ مدينة إنزكان فجر أمس الأحد. زعيق منبهات حافلات المسافرين، وازدحام شديد، خاصّة في مدخل المدينة قرب المحطة الطرقية، حيث تُفرغ الحافلات أجوافها من الركاب القادمين من الدارالبيضاء والرباط وطنجة وغيرها من المدن التي تعيش بها أعداد كبيرة من أبناء سوس. في أحد أركان الشارع الرئيسي بمدينة إنزكان، ثمّة مصحّة طبية لا تفصلها عن المحطة الطرقية غير بضع عشرات من الأمتار. وبالرغم من وجود علامة تنبّه إلى أنّ استعمال منبه العربات ممنوع، حرصا على راحة المرضى، فإنّ لا أحد من سائقي الحافلات يكترث لذلك التنبيه، إذ يطلقون العنان لمنبهات حافلاتهم القوية بالليل والنهار. ويبدو أن مسؤولي المصحة لم يجدوا من حلّ سوى إغلاق النوافذ الزجاجية وإسدال الستائر، تقليصا لحجم الضجيج الذي يتناهى إلى أسماع المرضى. أما الشارع الرئيسي المحاذي ل"سوق الثلاثاء"، فكان غارقا في فوضى الحافلات والسيارات، لم تُفلح صافرة الشرطي الوحيد المكلف بتنظيم حركة المرور في التخفيف منها. الازدحام الشديد الذي تعرفه المحطة الطرقية بمدينة إنزكان في كلّ عيد أضحى مردّه إلى أنّ آلافا من أبناء سوس الذين يعودون إلى بلداتهم في هذه المناسبة يمرّون في هذه النقطة المركزية، التي تُعد صلة وصل طرقية بين الشمال والجنوب، وما يفاقم الازدحام أكثر هو أن المحطة الطرقية للحافلات تقع في قلب المدينة. في محطة سيارات الأجرة المجاورة للمحطة الطرقية، لا يختلف الوضع كثيرا: تقف سيارات أجرة كبيرة فيندفع إلى جوفها الناس دفقة واحدة، أما سائقوها فيفرضون تسعيرة حسب ما يمليه هواهم، والركاب لا يعارضون، وحتى إن احتجّ أحدهم فسرعان ما يستسلم للأمر الواقع، وإذا رفض فهناك من يستعدّ للدفع مكانه. في أيام عيد الأضحى، تتعطّل عملية التفاوض بين سائقي سيارات الأجرة في إنزكان وبين الزبناء حول تسعيرة النقل. هنا، لا مجال للحديث عمّا ينصّ عليه القانون، ما دام أنّ كل همّ أفراد "الجالية السوسية" العائدين من الدارالبيضاء والرباط وغيرهما هو الالتحاقببيوت ذويهم بعد ليلة مرهقة من السفر عبر الحافلات. يعدّ عيد الأضحى المناسبةَ التي تعود فيها غالبية أبناء سوس المقيمين في مدن الوسط والشمال إلى بلداتهم لصلة الرحم وقضاء العطلة السنوية، إذ إن نسبة كبيرة منهم يشتغلون في التجارة والمهن الحرة. وحين يسافرون تُغلق كثير من المحالّ التجارية والمطاعم الصغيرة في الدارالبيضاء والرباط وغيرهما أبوابها. يقول عبد الله، صاحب محل للبقالة بالرباط، الذي حتّمت عليه ظروف خاصة قضاء عيد الأضحى هذه السنة في العاصمة بدل بلدته نواحي تارودانت، إنّ عيد الأضحى في القرية له طَعم خاصّ يميّزه ويختلف جذريا عن العيد في المدينة: "هنا (في المدينة) كلشي سادّ على راسو النهار العيد، وفي البادية الديور كيبقاو مفتوحين، شي داخل شي خارج"، يقول عبد الله. في قرى سوس، تمرّ أجواء العيد في أجواء احتفالية خاصّة، تختلف كليًّا عمّا هو سائد في المدينة، إذ يحرص الناس على لمّ الشمل في هذه المناسبة الدينية، بدْءا من التوجّه إلى المُصلّى بشكل جماعي، وذبح الأضاحي أيضا بشكل جماعي يتعاون فيه الجميع، في فضاءات فسيحة، "بدل الازدحام في أسطح العمارات الضيقة"، كما يقول عبد الله. وبعد أداء صلاة العيد، وتناول الفطور الذي يكون عادة مكونا من "بولفاف" و"التقلية"، يحرص أهالي بعض القرى على تناول الغذاء بشكل جماعي في المسجد، حيث تأتي كلّ أسرة بما أعدّت من "طواجين" وخبز. وفي المساء، تنطلق دوريات كرة القدم، قبل أن تبدأ عملية "العْراضة"، حيث يجتمع الرجال في بيت أحدهم لتناول العشاء أو الغداء.. وهكذا دواليك طيلة أيام العيد الثلاثة.