يكاد المشهد لا يختلف في المحطة الطرقية اولاد زيان في الدارالبيضاء أياما قليلة على الاحتفال بعيد الأضحى عن السنوات السابقة، فالاكتظاظ والفوضى وأصوات «الكورتية» تغطي على المشهد العام، حيث تحولت المحطة الطرقية اولاد زيان إلى قبلة لكل الراغبين في قضاء هذه المناسبة بعيدا عن صخب العاصمة الاقتصادية. مواطنون من أعمار مختلفة، نساء ورجال هدفهم الوحيد هو الحصول على تذكرة والسفر في ظروف ممتعة، هذه الرغبة تتحول في الكثير من الأحيان إلى حلم يستحيل تحقيقه على الأقل هذه الأيام. «راني باغي نمشي شوية بكري للدار باش نشري الحولي، لأن الواليد مات، وأنا هو اللي خدام على الدار»، هذه الكلمات ليست لمتسول يريد استمالة عطف وحنان المواطنين في حافلة عمومية أو أمام أبواب المساجد في هذه الأيام، ولكنها لشاب في محطة اولاد زيان في العاصمة الاقتصادية، وخوفا من سقوطه في مصيدة الازدحام الشديد على جميع وسائل النقل، سواء قطارات أو حافلات أو طاكسيات من الحجم الكبير من الدارالبيضاء إلى المدن الأخرى، فضل السفر أياما قليلة على الاحتفال بالعيد. الصخب المتزايد رغم أن هذا المسافر جمع حقائبه مبكرا، إلا أن ذلك لم يسعفه في إيجاد حافلة بطريقة سهلة، حيث ظل ينتظر لحظات طويلة قبل أن تصل الحافلة التي ستقله إلى وجهته، «راني باغي نسافر بكري ولكن الحافلة باقى مجاتش»، يقول هذا الشاب، ويضيف والابتسامة تكاد لا تفارق محياه «التذكرة هاهية والحافلة فين هية». الأجواء داخل محطة اولاد زيان خلال الأيام السابقة لعيد الأضحى لم تختلف عن الأعوام السابقة، علما أن مجموعة من المواطنين فضلوا هذه السنة السفر قبل الدخول في الوقت بدل الضائع، حيث يصبح السفر بمثابة العذاب. وإذا كنت تبحث عن لحظات من الهدوء فحتما لن تختار المحطة الطرقية، إذ أصوات «كروتيات» تعلو جميع الأصوات، وقد تعتقد منذ الوهلة الأولى أن الحافلات متوفرة بشكل كبير نظرا للإلحاح الشديد لهؤلاء «الكورتية»، لكن تكتشف في النهاية أن الأمر ليس بالسهولة التي تعتقد ويتطلب الأمر منك صبر «أيوب». أصبح الكثير من المسافرين معتادين على المشاكل التي تعرفها المحطة في مثل هذه المناسبات، حيث يكون الإقبال كبيرا على السفر، ما يجعل الأسطول المتوفر غير كاف للاستجابة للطلب المتزايد على حافلات النقل العمومي، ويقول أحد المسافرين «مسألة عادية أن يكون هناك ازدحام على الحافلات، فكل شخص غريب عن الدارالبيضاء يسعى إلى قضاء أيام العيد بين أحضان أسرته وفي مدينته الأصلية، وهذا أمر عاد جدا»، وأكد أن الدافع وراء السفر مبكرا يرجع إلى الوضعية الاجتماعية لكل مسافر على حدة، فهناك من يتكلف بشراء أضحية العيد لأسرته وهناك من يفضل الذهاب مبكرا تفاديا للازدحام. الحدث الاستثنائي من خلال الأجواء خارج محطة اولاد زيان تدرك أن هناك أمورا كثيرة مختلفة عن الأيام العادية، فعيد الأضحى يعتبر حدثا استثنائيا داخل هذه المحطة، حيث يكون الجميع على أبهة الاستعداد لاستقبال الآلاف من المواطنين الراغبين في قضاء العيد بعيدا عن صخب المدينة. «مراكش، الرباط، سلا، تطوان» تكاد أصوات «الكورتية» لا تتوقف في المناداة في بأسماء هذه المدن وغيرها، إذ بمجرد ما تقترب من المحطة حتى تبدأ في سماع أصوات هذه المدن، المسألة وإن كانت تبدو عادية، لأن الأمر يتعلق بمحطة طرقية، فإن الكثير من المراقبين ينتقدون هذه الطريقة، مؤكدين أن ذلك يساعد على شيوع حالة من الفوضى، لأن من المفروض أن يتوجه المسافر نحو الشباك من أجل الحصول على التذكرة، سيما أن جميع الشبابيك تعلن عن أسماء المدن. الفرق بين العيدين حينما أعدت «المساء» استطلاعا عن المحطة الطرقية اولاد زيان خلال عيد الفطر، أكد أحد المواطنين، الذي اعتاد قضاء العيد خارج الدارالبيضاء أن حجم الرواج الذي تعرفه المحطة في عيد الفطر عاد جدا، على اعتبار أن الإقبال الكبير يكون خلال أيام عيد الأضحى، وقال «خلال أيام عيد الأضحى يكثر الإقبال على المحطات الطرقية، لأن الكثير من المواطنين يرغبون في قضاء هذا العيد بمعية أسرهم، عكس أيام عيد الفطر، فهناك من يغض الطرف عن السفر في هذه المناسبة ويؤجل ذلك إلى عيد الأضحى»، ويضيف «لا يمكن بأي حال المقارنة بين العيدين، حيث الإقبال على المحطة الطرقية في عيد الأضحى يبدأ أسبوعا قبل الاحتفال بهذا العيد، لأن مجموعة من المواطنين يرغبون في قضاء هذا العيد مع عائلاتهم»، تصريحات هذا المواطن وقفت على حقيقتها «المساء» فحجم الرواج يختلف كليا بين العيدين، فهناك رغبة لدى الآلاف من المواطنين للسفر، وهو ما ينعكس بطريقة آلية على الرواج الاقتصادي في المدينة، حيث تكاد الدارالبيضاء تصاب بحالة شلل، ولا تستأنف نشاطها إلا بعد مرور 10 أيام تقريبا. «دوخة» الزيارة إذا كنت تزور محطة اولاد زيان لأول مرة، فبدون شك أنك ستصاب بالدوخة، ولن تعرف أي وجهة ستتجه إليها، فهناك حافلات لم يرغب سائقوها في الدخول إلى المحطة، وهناك حافلات أخرى توجد في شارع اولاد زيان، وهذا الأمر كان في السنوات الأولى من تدشين محطة اولاد زيان أمرا ممنوعا، لأنه من المفروض أن تدخل جميع الحافلات إلى داخل المحطة الطرقية، وهو الأمر الذي جعل نائب العمدة أحمد بريجة خلال دورة الجهة يطالب الوالي محمد بوسعيد بضرورة تنظيم الأجواء في محطة اولاد زيان. «باقي ما كاينش الزحام بزاف»، بهذه العبارة رد أحد المسافرين على سؤال «المساء» حول الإقبال على السفر أياما قليلة قبل عيد الأضحى، مؤكدا أن معدل السفر سوف يزداد مع توالي الأيام: «راه القضية غاديا تسخن في الأيام المقبلة، ولكن الحمد لله، راه كلشي تيدوز بخير وعلى ألف خير»، وأوضح المتحدث ذاته أنه في أحيان كثيرة يتسبب المواطنون في وقوع حالات الاكتظاظ بسبب سفرهم في الوقت نفسه. وعن أثمنة تذكرة الحافلات، أكد مسافر آخر أنها مسألة عادية أن يرتفع ثمن التذاكر كما هو الحال في السنوات السابقة، وقال ل «المساء» سيتضاعف الثمن بشكل كبير، ويمكن زيادة حوالي 80 درهما عن الثمن الحقيقي أو أكثر، لأن هناك إقبالا كبيرا على السفر في هذه الأيام. السيناريو المتكرر عادة ما تشكل الأيام السابقة لعيد الأضحى المقياس الذي ستكون عليه حال الحافلات في اليومين السابقين على العيد، حيث يؤكد مجموعة من المسافرين أن الإقبال على الحافلات هذه السنة لن يختلف عن السنوات الأخرى، لأن الأمور متشابهة ولا شيء جديدا في هذه القضية، بل هناك من يقول إن الصرامة التي من المفروض أن تتعامل بها السلطات مع الحافلات على مستوى حالتها الميكانيكية يمكن أن يحول دون استعمال بعضها، ويقول «شوف خاص تكون هناك حملة في هذا الإطار على الحافلات التي تكون حالتها الميكانيكية سيئة، لأننا لا نطيق سماع خبر حادثة سير في هذه المنطقة أو تلك بمناسبة عيد الأضحى، فالأمر يحتاج إلى الكثير من الصرامة». في إحدى زوايا المحطة الطرقية فضلت سيدة أن تستسلم للنوم، في حين فضلت أخرى أن تبقى في حالة يقظة خوفا من أي طارئ مفاجئ، فاللصوص يستغلون أي غفلة أو هفوة للسرقة والنهب، وهو الأمر الذي جعل هاتين السيدتين والعديد من المسافرين الآخرين يضعون حقائبهم بين أرجلهم أثناء انتظارهم للحالات التي ستقلهم إلى وجهاتهم، فالمسألة تحتاج إلى الكثير من اليقظة واتخاذ جميع التدابير حتى لا يقع أي مكروه، سيما أن الكثير من اللصوص يستغلون مثل هذه المناسبات من أجل السرقة، مستغلين انشغال المسافرين في بعض الأمور أو البحث عن الحافلات. المحطة تحت الأضواء لا يبدو أنه يكترث لما يدور حوله، إنه منشغل بتنظيف المحطة، اعتاد على الضجيج الذي تعرفه هذه المحطة في مناسبات كعيد الأضحى، إنه عامل النظافة، فهناك حرص كبير على أن تحتفظ محطة اولاد زيان بنظافتها، وهو الأمر الذي يجعل هذا العامل يحاول أن يحسن واجهة هذه المحطة، التي تعاني الكثير من المشاكل على مستوى التنظيم، فحينما تم تأسيس هذه المحطة تم الاعتقاد أنه أخيرا ستصبح الدارالبيضاء تتوفر على محطة تليق بالمكانة الاقتصادية للمدينة في المملكة، لكن ظهر بعد سنوات على إحداثها أنها انضافت هي الأخرى للمشاكل الكثيرة التي تعانيها، ما جعل الكثير من الأصوات تطالب بضرورة فتح هذا الملف بصفة جدية، لأنه لا يعقل أن تستمر حالات الفوضى العارمة داخلها وخارجها. ومن بين الأشياء الدالة على الفوضى داخل المحطة الطرقية في الدارالبيضاء انتشار الباعة المتجولين، فهذه الفئة تفضل بيع سلعها داخل المحطة وفي الحافلات، وهم بائعو النظارات الشمسية ومناديل الورق، وتشكل فرصة العيد بالنسبة إليهم فرصة لكسب المزيد من الأموال، لأن الإقبال على السفر يزداد في هذه المناسبة. يقول أحد هؤلاء الباعة» راه الرواج شوية مزيان، وأنت تتشوف بعينيك، واش باغي تكتب عليهم»، ويرسم هذا البائع ابتسامة عريضة على محياه، ويغادر في صمت غير مهتم بما يجري حوله، لأن كل ما يشغل باله هو بيع سلعته وعدم تفويت الفرصة التي لا تأتي إلا مرتين في السنة. دعوة إلى اليقظة وعن الأسباب التي تجعل محطة اولاد زيان تعيش على إيقاع الفوضى خلال كل عيد، قال مصطفى الكيحل، الكاتب العام للفيدرالية الوطنية لمهنيي النقل الطرقي، في تصريح سابق ل«المساء»: «في كل سنة يعيش قطاع نقل المسافرين بكل أصنافه مشكلا في توفير وسائل النقل، وكذلك التعريفة المتعلقة بنقل المسافرين أو في قطاع سيارات الأجرة الرابطة بين المدن، فبالنسبة للمحطات الطرقية لنقل المسافرين، أكدنا في عدة مناسبات مع الحكومات السابقة على أنه يجب العمل على تنظيم هذه المحطات بجميع مرافقها، وحماية المواطنين والعمل على محاربة التسيب داخل المحطات وخارجها، لا بالنسبة لاحترام معايير تسعيرة التذاكر، ولا بالنسبة للظروف المناسبة لوسائل النقل». وأضاف أن التراخيص الاستثنائية التي توفرها وزارة النقل في هذه المناسبات ليست هي الحل لهذه الأزمة، وكذلك التدابير المرتبطة باللجنة المتكونة من سلطات محلية، والإدارة العامة للأمن الوطني، وإدارة المحطات الطرقية، والمديريات الجهوية أو الإقليمية للتجهيز والنقل، وأوضح أن محاربة كل ظواهر التسيب والاختلالات الحاصلة في هذا القطاع يجب أن تكون من خلال العمل ببرنامج عمل على مدار السنة وبمشاركة تمثيليات أرباب النقل والسائقين. وقال في التصريح ذاته إن «قطاع نقل المسافرين من القطاعات المهمة في بلدنا، والذي يحمل عبئا كبيرا في توفير خدمات للمواطنين وغالبيتهم من الطبقات الفقيرة، وللأسف الدولة لا تولي اهتماما لهذا القطاع والدليل هو أننا ما زلنا نعيش عهد عبودية اقتصادية الريع في هذا القطاع، لتوفر بعض المسؤولين في هذا البلد على (الكريمات) بالجملة، والضريبة يؤديها المواطن البسيط والسائق المهني على حد سواء، في الآونة الأخيرة عشنا تحولات في المجال الاقتصادي انعكست سلبا على القدرة الشرائية للمواطن الضعيف، فالزيادات الأخيرة في المواد الاستهلاكية ومن بينها الزيادة في المحروقات، كانت من أهم المشاكل المباشرة التي خلقت توترا بين المهنيين والمواطنين في التسعيرة، لأن برنامج الدولة في هذا الشأن يجب ألا يغفل هذا الأمر ومراعاته للقدرة الشرائية للجميع، وفرض ضرائب مهمة على المستفيدين من الكريمات وخيرات هذا البلد، إذا كنا نريد توازنا عادلا والخروج من الأزمة فلا بد من مقاربة تشاركية حقيقية». المشهد العام بالمحطة الطرقية عنوانه البارز هذه الأيام الاكتظاظ على شبابيك التذاكر، والتسابق من أجل الحصول على هذه التذكرة بأقل الخسائر الممكنة، وذلك في ظل الدعوة إلى ضرورة التحلي بنوع من الصبر والحكمة، وانخراط مجموعة من جمعيات المجتمع المدني للتحذير من خطورة الطريق وعدم تكرار المآسي اليومية، المتعلقة بحوادث السير والمخلفة لضحايا كثر لا ذنب لهم سوى أنهم وضعوا ثقتهم في حافلات لا ترحم.
لجنة الوقاية من حوادث السير تدخل على الخط حينما تزور المحطة الطرقية اولاد زيان يثير انتباهك مجموعة من الشباب يرتدون صدريات يوزعون بعض المناشير، تحمل اسم اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير وتتعلق بحقوق المسافر وواجباته. وتحدد هذه المناشير حقوق المسافر في التنقل بواسطة حافلات توفر السلامة والأمان وشروط الصحة والنظافة في حدود عدد المقاعد المسموح به قانونيا، وأن تتوفر الحافلة على حالة ميكانيكية جيدة وخاصة تجهيزات السلامة بها كالعجلات والحصارات والإنارة والنوابض، وأن يحترم سائق الحافلة جميع قواعد السير، يتجنب كل سلوك قد يعرض سلامة الراكبين للخطر، خاصة السير بسرعة تفوق السرعة المحددة والمناورات غير السليمة كالتجاوز المعيب، وأن يتم احترام مواعيد الانطلاق والوصول والتوافقات القانونية، وألا يتجاوز عدد الركاب العدد المحدد قانونيا، وألا تنقل الحافلة بداخلها أو على سطحها أو بصناديق الأمتعة مواد خطيرة من شأنها الإضرار بصحة المسافرين أو سلامتهم، وأن يتسلم عند أداء واجب السفر تذكرة تحمل رقم تسلسلها واسم شركة النقل وخط سيرها والمبلغ المؤدى وتاريخ وساعة الانطلاق. أما بخصوص واجبات المسافر فحددها منشور اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير في ثماني نقاط، وهي أن يحضر (الحديث هنا عن المسافر) نصف ساعة على الأقل قبل موعد السفر، وأن يسحب تذكرة السفر من الشبابيك المخصصة لذلك بالمحطات الطرقية ورفض التذكرة التي تحمل عبارة «جميع الجهات»، ألا يقوم بأي سلوكات أو تصرفات من شأنها إزعاج باقي المسافرين، وألا يحمل مواد من شأنها أن تؤثر على سلامة المسافرين أو تزعج راحتهم، أن يرفض ركوب الحافلة عند تجاوز عدد المسافرين المرخص به، وأن ينبه وديا السائق إلى أي سلوك من شأنه أن يعرض سلامة المسافرين للخطر، وأن يتقدم بشكاية عن التصرفات غير اللائقة لبعض السائقين أو حول الحالة الميكانيكية للحافلة عند أول نقطة للمراقبة الطرقية أو لدى السلطات المختصة، وأن يمتنع عن التدخين داخل الحافلة.