أنعشت الانتخابات التشريعية المقررة في السابع من أكتوبر المقبل رواج التخمينات والسيناريوهات السياسية المختلفة بشأن التشكيلة الحكومية الجديدة التي ستخلف الفريق الذي يقوده عبد الإله بنكيران؛ وذلك بعد انصرام ولايتها التي امتدت على مدار 5 سنوات، وانطلقت منذ رياح "الربيع العربي". ويمنح السيناريو الأول حزب العدالة والتنمية الصدارة في الانتخابات البرلمانية، وبالتالي يترأس الحكومة في ولاية ثانية محتملة، يقودها بنكيران مرة ثانية، في حالة ما تم احترام "منطق التعيين" في انتخابات سابقة، حيث يختار الملك زعيم الحزب الفائز لتشكيل الحكومة. ويقول أصحاب السيناريو الثاني لنتائج الانتخابات المقبلة إن حزب الأصالة والمعاصرة، الخصم اللدود لحزب العدالة والتنمية، سيحل في المركز الأول يوم السابع من أكتوبر، وبالتالي سيخلف إلياس العماري، الأمين العام لحزب "الجرار"، بنكيران على رأس الحكومة، وخروج "المصباح" إلى المعارضة. وهناك سيناريو ثالث يفيد بفوز حزب آخر غير حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، بصدارة نتائج الانتخابات التشريعية المقبلة، حيث يمكن أن يكون الحزب الفائز إما حزب الاستقلال، وحينها قد يتحالف مع حزب العدالة والتنمية لتشكيل الحكومة، أو حزب "الأحرار" الذي سيميل نحو "الجرار". وبين هذه السيناريوهات الرائجة يطل سيناريو آخر مختلف، ويتمثل في فوز حزب العماري بالرتبة الأولى، وتحالفه مع حزب بنكيران، أو فوز "المصباح" ودفعه دفعا نحو التحالف مع الجرار، في محاولة لاستنساخ التجربة التونسية التي جمعت بين حزب "نداء تونس" بقيادة الباجي السبسي، وحركة النهضة الإسلامية بزعامة الشيخ راشد الغنوشي. ويفيد السيناريو المذكور بأن المغرب قد يسير نحو تحقيق السيناريو التونسي خلال الانتخابات المقبلة، ويقبر بذلك نتائج "الربيع العربي"، بدخول حزبي بنكيران والعماري ضمن ائتلاف حكومي "قسري"، مثلما حصل "نداء تونس" على المرتبة الأولى بتقدم صغير على حركة النهضة. استعصاء سياسي ويعلق الكاتب والباحث السياسي كمال القصير على السيناريو الأخير، الذي يتمثل في استنساخ النموذج التونسي، بالقول إن "استنساخ التجربة التونسية الذي عرف تفاهما لتشكيل الحكومة بين حزبي النهضة ونداء تونس يواجه تعقيدات كبيرة جدا بالنسبة إلى الحالة المغربية بين كل من حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة". واعتبر القصير، في حديث مع "هسبريس"، أن السيناريو الأمثل والمفضل سياسيا بالنسبة إلى الدولة، بالرغم من استحالته في الوقت الحالي، هو أن يقع نوع من التفاهم بين هذين الحزبين؛ وهو سيناريو يأتي عقب فشل سيناريوهات أخرى، نتيجة حالة الاستعصاء السياسي التي يمثلها حزب العدالة والتنمية. ويشرح القصير بأنه "في الحالة التونسية لعبت شخصيتا الشيخ راشد الغنوشي والباجي قايد السبسي الدور المحوري للتفاهم الذي حصل بين الجانبين، واستطاع الرجلان إقناع الباقي بصواب هذا الخيار؛ وهو أمر غير متحقق في الحالة المغربية، ذلك أن بنكيران والعماري على درجة متقدمة جدا من الخلاف السياسي". ولا يقف الأمر عند هذا الحد، يضيف القصير، حيث إن الخلاف السياسي يمتد ليشمل قيادات الصف الأول بشكل كامل بالنسبة إلى حزب العدالة والتنمية، بينما حزب الأصالة والمعاصرة ليست لديه نفس درجة الرفض لإمكانية التفاهم مع عبد الإله بنكيران وفرقائه في حزب "المصباح". علاقات معقدة واسترسل المحلل ذاته بأن "أي سيناريو للتفاهم بين الحزبين من الناحية التحليلية يعني تضرر حزب العدالة والتنمية لما يمكن أن يحدث من خلاف داخله حول هذه القضية، والموقف من الأصالة والمعاصرة الذي تأسست على قاعدة الصراع معه رؤى وأفكار سياسية، وحواجز كبيرة اختلط فيها السياسي بالنفسي". وأكمل القصير بالقول إنه "إذا كان حزب الأصالة والمعاصرة ينظر إلى سيناريو التفاهم من الناحية البراغماتية، فإنه بحسبه سيحتاج إلى خطوات هائلة ربما لا يطيقها سياسيا، بدءا من إعادة النظر في طبيعته التحكمية، وانتهاء بطبيعة قياداته السياسية التي بإمكانها خوض هذه التجربة الافتراضية إلى حدود اليوم". وذهب القصير إلى أن "خطورة وضع العلاقة بين الحزبين وتأثيراتها تتمثل في ما بعد انتخابات أكتوبر المقبل؛ ذلك أن فوز العدالة والتنمية يعني بالضرورة غياب الأصالة والمعاصرة عن التشكيلة الحكومية"، مردفا أن "هذا أمر يصعب على هذا الحزب الذي لم يخلق للمعارضة". وتابع المحلل ذاته بأنه "في المقابل يعني فوز حزب الأصالة والمعاصرة خروج حزب العدالة والتنمية إلى المعارضة. وهذا - بلا شك - إشكال كبير للنسق السياسي المغربي الذي لا يتحمل خروج حزب يقود المدن والطبقة الوسطى إلى المعارضة"، قبل أن يؤكد أنه "في السياسة لا توجد صور ومواقف نهائية وثابتة".