ليس في السياسة عداوة دائمة ولا حلف دائم، المصلحة العليا للوطن قبل مصلحة الأحزاب، الضرورات تبيح المحظورات. مبررات من بين أخرى تجعل طرح فكرة اصطفاف حزبي الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية اللدودين، بجانب بعضهما البعض، فكرة قابلة للطرح والمناقشة بغض النظر عن الطبيعة الصدامية والشائكة للعلاقة بين الحزبين. النتيجة التي أسفر عنها المؤتمر الوطني الأخير لحزب الأصالة والمعاصرة، والمتمثلة في صعود دينامو الحزب ورجله القوي، إلياس العماري، إلى منصب الأمين العام، أعادت إلى الواجهة فصولا طويلة من سنوات الصراع والتطاحن والضرب المكشوف والخفي بين هذا الريفي المثير للجدل، وبين إسلاميين يمثّلهم بالدرجة الأولى زعيم العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران. «لكن ما يدريكم، فربّما يأتي التوافق، ليس بمعنى التحالف والانسجام بل بمعنى التوافق على تطبيع الصراع، على يد إلياس العماري وفي عهده»، يقول وجه قيادي بارز في حزب الجرار في حديث ل«اليوم24». ورغم طبول الحرب التي تدقّ باستمرار بين المصباح والجرار، فإن إشارات جسّ النبض وانتظار مؤشّر التهدئة لم تغب عن كواليس هذه العلاقة التي عنوانها «إما أنا أو هو». «خلافنا مع تيّار معيّن داخل حزب الأصالة والمعاصرة، أما الباقون فهم مواطنون مغاربة لا مشكلة لدينا معهم»، يقول بنكيران، «لو أنهم فهموا الإشارة ونظّموا مؤتمرهم وأعطونا شخصا أفضل من بنكيران لما غيّرنا بكوري، ولما اخترنا صعود إلياس العماري إلى قيادة المواجهة»، يقول مصدر قيادي من داخل الدائرة المقربة من زعيم حزب الجرار. حوار غير مباشر يُجمع المراقبون والمتتبعون على أن حسمه لن يتمّ قبل معركة 7 أكتوبر المقبل، والشهور الثمانية المقبلة لن تشهد «تفاوضا» غير مباشر بين الغريمين العنيدين، بقدر ما توحي بوادرها بفصول معركة وجودية لن يتردّد أي من الجانبين في بلوغ درجة كسر العظام أثناء خوض غمارها. «هناك بالفعل فريق ذو صوت خافت داخل الحزب يرفض استمرار منطق المواجهة بالشكل الحالي ويعتبره غير مجدٍ، وهؤلاء ينطلقون من فكرة مفادها أن البام إذا كان حزبا للدولة فنحن لا مشكلة لدينا مع الدولة، وبالتالي، يجب تطبيع العلاقة والاشتغال معا إن اقتضى الحال»، يقول مصدر قيادي في حزب العدالة والتنمية، مضيفا أن «هذا الصوت لا وزن له في الحقيقة داخل الحزب، ومنطق الأمور يقتضي أن التيار الذي ناصبنا العداء، في السرّ وفي العلن، بات اليوم مكشوفا بصعود إلياس العماري إلى قيادة حزب الأصالة والمعاصرة، والاحتكام أصبح لقواعد التنافس والصراع الديمقراطي، وبالتالي، يجب مواجهة هذا الخصم بكل قوة، وحسم المعركة معه دون تردّد»، يضيف المصدر نفسه. معركة وجودية أحد أعضاء الأمانة العامة لحزب المصباح، خالد الرحموني، يبدي ميله الواضح إلى منطق المواجهة، معتبرا أن حزب الأصالة والمعاصرة يتكون من ائتلاف ثلاث مجموعات رئيسة، «استمرت على امتداد زمن قريب في تحالف وثيق وفي ظل تدبير سلطوي للشأن العام، وحّدها التحكم، ويوحّدها اليوم الحنين إلى إعادة استنساخه من جديد». وتتكون المجموعة الأولى، حسب الرحموني، من الآلة الاستقطابية والتجميعية لقوى الأعيان الانتخابية «التي تتحصل على خزان للزبناء، ولها رصيد معتبر من الأسهم في بورصة المزاد الانتخابي»، أما المجموعة الثانية فتتشكل، برأي الرحموني، من شريحة يسميها رأس المال السياسي الفاسد، «الذي استفاد أصحابه من امتيازات المرحلة السابقة، وهي فئة بنت نفوذها الاعتباري وجاهها الامتيازي على مراكمة المنافع والتحصل على الصفقات، حيث شكلت ظهيرا مؤيدا للهيمنة باستمرار مع بقية الفئات النافذة». فيما تتمثل الفئة الثالثة، والتي يبدو أن المعني بها التيار الذي صعد أخيرا إلى قيادة حزب الجرار، في التيار اليساري، «وهو جزء من التيار الاستئصالي الذي دشن تجربة التخندق مع القوى السلطوية المتسللة لكيان بعض مؤسسات الدولة منذ المراحل الأولى للانتقال السياسي بداية من 2000، حيث تم وضع استراتيجية جديدة تقوم على أولوية التحالف مع السلطة السياسية وحشد القوى الاستبدادية لمقاومة المد الأصولي، حسب تقديرهم، كعدو مشترك». «جينا نساهمو في مواجهة الإسلاميين ودفاعا عن المسلمين، لأن المغرب بلد مسلم، وسبق لنا أن قلنا عند تأسيس الحزب حذار من خوصصة المشترك، وقلنا إن عدم الفصل بين السياسة والدين سيؤدي لشي حوايج خايبة»، يقول إلياس العماري في أول كلمة له بعدما أصبح أمينا عاما لحزب الجرار. حديث وإن عاد العماري إلى التخفيف منه قبيل اجتماع المجلس الوطني لانتخاب المكتب السياسي، بتوضيحه أن المقصود بذلك هم الإسلاميون المتطرفون أمثال الدواعش. ورغم توالي التفسيرات الخاصة بهذا التصريح في الميل نحو اعتباره موجها إلى «إسلاميي» جماعة العدل والإحسان، إلا أن أصداءه تردّدت داخل الأوساط القيادية لحزب المصباح «على إلياس العماري أن يعلم أن المغرب خطا خطوات كبيرة على درب الإصلاح السياسي والديمقراطي، بكل أطيافه وفعالياته الوازنة التي تهمها مصلحته ومستقبله ومستقبل استقراره، والجميع اليوم يعرف حقيقة العماري وحقيقة حزبه»، يقول رئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، عبد الله بوانو. وفي اللحظات الأولى التي أعقبت إعلان العماري أمينا عاما لحزب الجرار، كان زعيم شبيبة العدالة والتنمية، خالد البوقرعي، يقصفه في تجمع خطابي بمدينة ورزازات، معتبرا أن حزبا معينا «جعل على رأسه أحد الأشخاص المسجلين خطرا على هذا البلد…. وهذا الشخص ليس خطرا على حزب العدالة والتنمية، بل هو خطر على المغرب ومؤسساته». معطيات تنضاف إلى مسار طويل من الصراع، لكنّها لا تعني استمرارية حتمية المواجهة والتطاحن. «هذه أمور عادية في السياسة، وتذكروا فقط ما قاله حزب العدالة والتنمية في صلاح الدين مزوار، والحروب التي كانت تظهر أي تقارب بين الحزبين مستحيلا. ورغم كل ما صدر من انفعالات بعد انتخاب إلياس العماري، لكن، ما يدريكم؟ فقد يحدث التطبيع والانتقال إلى مرحلة من الصراع السياسي المحتكم إلى قواعد عادية على عكس ما تعتقدون»، يقول مصدر قيادي في حزب الجرار. قيادة حزب الأصالة والمعاصرة الجديدة، ممثلة في المكتب السياسي الذي انتُخب نهاية الأسبوع الماضي، خرجت من أول اجتماعاتها، الذي انعقد يوم الثلاثاء الماضي، بأول قرار يقضي بالتزام الصمت في انتظار «توحيد الخطاب»، بتعبير مصدر من داخل هذه القيادة. والمصادر التي تحدّثت إلى «أخبار اليوم» طلبت عدم كشف هويتها، خاصة في ارتباط بموضوع العلاقة مع حزب العدالة والتنمية. عودة «العقلاء» «أولا، يمكنكم ملاحظة عودة العديد من الوجوه المؤسسة للحزب، والتي ظل عبد الإله بنكيران نفسه يصفها بالعقلاء الذين انسحبوا من الحزب»، يقول مصدر قيادي آخر، موضحا أن «هذه العودة قد تفسّر على أنها التحاق بتيار معين محسوب على إلياس العماري، لكن لماذا لا تقرؤونها من خلال معطيات الواقع، وذلك حين ترون كيف أن إلياس نفسه ابتعد عن منطق المواجهة والصراع الكلامي منذ شهور، ولم يعد يردّ على هجمات بنكيران، وركّز، في المقابل، على العمل الميداني وسرعان ما ظهرت ثمار هذا المنطق في الانتخابات المحلية الأخيرة. نحن نسير نحو توافق أكبر حول اعتبار هذا الصراع الشخصاني والمتنطع غير منتج سواء بالنسبة للحزبين أو للمغرب، وهناك بالفعل إمكانية للتوافق ليس بمعنى التحالف، بل بمعنى تطبيع الصراع نفسه ليصبح إيجابيا». سيناريو توافق الغريمين التقليديين واصطفافهما في ائتلاف حكومي بعد انتخابات 7 أكتوبر المقبل، يجمع المراقبون على وضعه في سياق احتمال واحد، يتمثل في احتفاظ حزب العدالة والتنمية بالرتبة الأولى، وظهور معطيات استثنائية تستدعي التعبير عن وحدة الصف الداخلي للمغرب. «في تقديري، فإن سيناريو وجود الحزبين معا داخل حكومة واحدة بعد اتضاح نتائج الانتخابات التشريعية المقبلة أمر مستبعد. وبالنسبة إلى حزب العدالة والتنمية، فهو مكلف، من ناحية، ما يمكن تسميته الالتزام السياسي والأخلاقي»، يقول الباحث المغربي المقيم في العاصمة القطرية الدوحة، كمال القصير، مضيفا أن «قراءة الحزب للتحولات الأخيرة في صفوف المعارضة، وبالضبط حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، تشير إلى طبيعة حلفائه المحتملين والأقرب في تشكيل الحكومة في حال فوزه. أما في حال فشله في الانتخابات، فسوف يعود إلى المعارضة التي لن يجد حرجا في الانخراط فيها، لأنه سيكون محتاجا إلى استراحة المحارب لالتقاط أنفاسه». قصير يضيف أنه «وفي حال فوز حزب الأصالة والمعاصرة فإنه لن يجد أي صعوبة في تشكيل الحكومة، لكن بعيدا عن حزب العدالة والتنمية. وبخلاف العدالة والتنمية، سوف تكون أمامه خيارات لا حصر لها من الأحزاب السياسية المستعدة، بدءا من حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، وصولا إلى أصدقائه الطبيعيين من الأحرار وغيرهم. وسيكون حزب التقدم والاشتراكية هو الأكثر تضررا في هذا السيناريو». وبينما يدافع أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة مراكش، محسن الأحمادي، عن حظوظ قيام مثل هذا التحالف من منطلق البراغماتية السياسية وانعدام المستحيلات في السياسة، يقرّ الخبير المخضرم مصطفى السحيمي بعدم جواز استبعاد هذا الاحتمال، لكنّه يحصره في سيناريو مشاركة محدودة لمحسوبين على حزب الأصالة والمعاصرة في حكومة مقبلة للعدالة والتنمية، من خلال بعض تقنوقراطييه. «حزب العدالة والتنمية لم يعد في منطق انتخابات 2011، حينها كان حزبا آتيا من المعارضة، واستفاد من موجة التغيير الجارفة، أما الآن فهو مسؤول عن حكومة، ولديه حصيلة بإيجابياتها وسلبياتها، وقام بإصلاحات»، يقول السحيمي، مضيفا أن أعضاء هذا الحزب تعلّموا خلال هذه الفترة أمورا أساسية، «تعلموا تدبير الشأن العام، وتعلموا التعامل مع الدولة وإكراهات التوافق، والتعاطي مع شبكات المصالح، وبالتالي، المقاومات، كما طوّروا وسائل خوض الحملات الانتخابية، ومن تمرين انتخابات 2015، حيث تحوّل الحزب بدوره إلى آلة انتخابية، وحظي بتعاطف واسع يقوم على مقولة "هادو على الأقل ما يشفروش"». أما حزب الأصالة والمعاصرة، فيردّ السحيمي على زعيمه الجديد، معتبرا أنه «عندما يقول إلياس العماري إن حزبه لم يضع انتخابات 2011 ضمن أهدافه منذ لحظة التأسيس في 2009، فإن عليه أن يجيبنا لماذا حقّق في الانتخابات المحلية ل2009 أكثر من 20% من المقاعد؟ حزب الأصالة والمعاصرة تعرّض للعقاب في انتخابات 2011، وجزء من ناخبي العدالة والتنمية كانوا فئة رافضة لمشروع الأصالة والمعاصرة وتحالف G8. أما في 2016 فهناك متغيّر أساس وهو بروفيل الزعيم الجديد للحزب، إلياس العماري، الذي يختلف كثيرا عن بروفيل الشيخ بيد الله عام 2011. إلياس ليس شخصا توافقيا consensuel، بل هناك من يدافع عنه بقوة، وهناك من ما كايحملش فيه الشعرة»، أما ثاني المتغيرات الخاصة بحزب الجرار، فيتمثل، برأي السحيمي، في أن 2016 ستعرف حضورا قويا للمال، «وربما دعم الإدارة من خلال الحياد السلبي. ثم إنهم في 2011 كانوا ينوون الحصول على الرتبة الأولى عبر تحالف g8، أما اليوم فإنهم يعرفون أنهم لن يحصلوا عليها لأن هناك جوكيرا مركزيا هو العدالة والتنمية، وهم لا يواجهون اليوم حزبا إسلاميا معارضا يمكن وصفه بالظلامية بكل سهولة، بل حزبا يقود حكومة، ويعمل إلى جانب الملك في إطار الشرعية والقانون». وزير إسلامي في ضيافة الجرار الباحث المغربي بمركز «كارنغي» والمتخصص في الحركات الإسلامية، محمد مصباح، يرى أن هناك أربعة محددات لعلاقة حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة تعيق أي تقارب بين الطرفين. «أولا هناك ما يمكن تسميته بعقدة التأسيس، فقيادات في حزب العدالة والتنمية تعتقد أن تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة كان بهدف تسييج الإسلاميين، وخلق غريم يواجه تنامي نفوذه. ثانيا، هناك اختلاف ملموس على مستوى التصورات السياسية بينهما، رغم أن الممارسة السياسية في المغرب عودتنا على أن الإيديولوجيا ليست محددا في التحالفات السياسية، إلا أن الاختلاف الإيديولوجي بين الطرفين قد يكون عنصرا يبعدهما أكثر فأكثر. ثالثا: التوازنات السياسية بالبلد تدفع في اتجاه الدفع بالعلاقة على هذا المنوال بهدف ضبط الميزان السياسي. رابعا: التغير على مستوى قيادة حزب الأصالة والمعاصرة في المؤتمر الأخير سيجعل من التقارب أمرا صعبا». ويشدّد مصباح على أن الجميع يعرف أن إلياس العماري هو المنافس الأول بالنسبة إلى عبد الإله بنكيران، «وبالتالي، فإن صعوده على رأس الحزب قد يجعل من التقارب أمرا مستبعدا في المرحلة المقبلة، ولكن، مع ذلك، فإن المحددات التي سبق ذكرها أيضا لها ثقلها في استبعاد الأمر». ندّية تجسّدت عشية موعد انعقاد المؤتمر الوطني الأخير لحزب الأصالة والمعاصرة، حيث قال مصدر مقرب من رئيس الحكومة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، إن هذا الأخير لن يحضر الجلسة الافتتاحية لمؤتمر حزب الأصالة والمعاصرة. المصدر أضاف أنه «من غير المقبول أن يحضر بعد كل ما جرى في السنوات الأخيرة، وإلا سينطبق عليه مثل: للي حرث الجمل دكو». مصدر آخر عاد بعيد انتهاء المؤتمر ليؤكد عدم وجود أي نية عند قيادة المصباح لتهنئة العماري. «كيفاش غادي نديرو الصواب، حتى إذا فكرنا بهذه الطريقة، مع شخص أصبح رمزا للتحكّم في البلاد؟». موقف لم يمنع هذه القيادة نفسها من اختيار قيادي كبير من صفوفها، ومن رتبة وزير هو لحسن الداودي، كي يمثّلها في الجلسة الافتتاحية لأشغال المؤتمر. هذا الأخير استقبل بحفاوة بقاعة الضيوف الكبار للمؤتمر رفقة المستشار البرلماني نبيل الشيخي. «حضوري هذا المؤتمر هو حضور سياسي… لجميع الأحزاب السياسية حق الوجود وحق التعبير عن المواقف»، يقول الداودي وسط جمع كبير من الصحافيين الذين تحلقوا حوله وهو يتقدم رفقة قياديي حزب الجرار. «حزب الأصالة والمعاصرة خط أحمر في التحالفات وليس في السياسة»، يضيف الداودي وهو يقترب من مقعد جلوسه في الصف الأمامي للقاعة الكبرى للمؤتمر. لكن حساسية العلاقة بين الحزبين سرعان ما قفزت إلى الواجهة، حين نسيت مسيّرة الجلسة أن ترحب بالداودي ضمن لائحة الزعماء والأمناء العامين الحاضرين. سهو سرعان ما نبّهتها إليه عضو المكتب السياسي للحزب، سهيلة الريكي، لتستدرك المنشطة: «مرحبا بالسيد الداودي من حزب العدالة والتنمية». استدراك لم يفِ بالغرض، حيث تم تنبيه المنشطة لتعود من حديد بعد دقائق، وتخاطب الداودي بالقول: «السيد لحسن الداودي، أنت أكبر من أن تُنسى أو تبقى إلى آخر اللائحة». إلياس في مقابل بقاء بنكيران مصدر قيادي في حزب الجرار قال ل«اليوم24» إن «خطوة إعلان تنظيم المؤتمر في هذا التاريخ، أي قبل موعد الانتخابات، كانت رسالة موجهة إلى الأحزاب الأخرى، وبالدرجة الأولى حزب العدالة والتنمية». وعن طبيعة الرسالة التي حاول البعض إبلاغها من خلال عقد المؤتمر، يوضح المصدر نفسه أن «المنتظر بعد هذه الخطوة، لو أن نيتهم كانت بالفعل سليمة وتميل إلى إنهاء الصراع، أن يبادروا أيضا إلى عقد مؤتمرهم، ويعطونا بالتالي شخصا أفضل من عبد الإله بنكيران، وبما أنهم هربوا من هذه المعركة، فإلياس هو رجل المرحلة بالنسبة إلينا». مصدر آخر من معسكر مؤسسي الحزب، الذين دافعوا عن بقاء مصطفى بكوري أمينا عاما لحزب الجرار، ردّ على هذا الحديث بالقول إن «العبرة بخواتيم الأمور وليس ببداياتها. السي إلياس نفسه حين تسأله: ما الذي تريده أنت ورفاقك من المرحلة المقبلة؟ يقول إنه يريد الفوز بالانتخابات ودخول الحكومة المقبلة». المصدر أضاف أن «الأمر يحتاج إلى مراجعة وتجاوز الحزازات الشخصية، فعدد من قياديي الحزب يتمتعون بعلاقات طيّبة مع قياديين في حزب العدالة والتنمية، بمن فيهم من يوصفون بالصقور. وتغليب المصلحة العامة يقتضي تجاوز الحواجز النفسية». أحاديث لا يبدو أن الأمين العام الجديد لحزب الأصالة والمعاصرة يستحضرها ضمن أولوياته الحالية. إلياس العماري وضع الحزب، فور انتهاء المؤتمر، في منطق استمرار نهجه السابق حين كان نائبا للأمين العام ومسؤولا عن الانتخابات، وأعلن نيته التفرغ لمواصلة العمل الميداني. «بعد انتخابات 2009، أصدرنا بلاغا نقول فيه إن انتخابات 2012 لا تهمنا، عكس ما يقوله البعض من أننا تراجعنا»، يقول العماري في معرض تأكيده أن انتخابات 2016 هي الهدف الأصلي للحزب. العماري قال، في معرض إلقائه خطابا لتهدئة أعضاء المجلس الوطني في اجتماعهم الأول وإقناعهم بالتصويت على اللائحة الوحيدة التي تقدمت برسم المكتب السياسي للحزب: «نحن مقبلون على استحقاقات انتخابية، وأنا لدي ثلاثة أهداف؛ الأول هو خلق بنية استقبالية حزبية للمنخرطين أولا، وعددهم 110 آلاف، وللمواطنات والمواطنين، أي على الأقل مقر في كل لجنة محلية، يكون فيه مناضل أو مناضلة يستقبلان الناس ويتكلمان معهم، وأينما كانت رئاسة جماعة سيكون هناك مقر للحزب، أي 300 مقر يجب إحداثها». أما الهدف الثاني لإلياس العماري فهو إحداث بنية تنظيمية، «نحن مقبلون على خطة انتخابية لإعادة هيكلة الأمانات الجهوية والمحلية للحزب، أما الغاية الثالثة فهي أن منتخبينا للي نجحوا في الانتخابات الجماعية سنضع لهم برامج في الجماعات التي نسيرها أو نشارك في تسييرها، أو التي نحن فيها في المعارضة، وسنحدث مؤسسة مادية وأدبية، وفي منتصف الولاية الجماعاتية سنقول للمواطنين ها للي درنا». ممكن ولكن المحلل المغربي المستشار لدى مراكز دولية، كمال القصير، يعتبر أن ضمن الاتجاه الغالب بداخل الحزبين «لا يوجد حتى اللحظة من يدفع نحو إيجاد مساحة مشتركة ولو بدرجة قليلة، وعلى مستوى المكونات والأطر لم نسمع بوجود تيارات أو قيادات سياسية لديها ميل إلى التفاهم بين الحزبين في الاتجاهين معا، وفي تصوري أن الصيغة الأمثل، لكنها الأعقد بالنسبة إلى مستقبل الاستقرار السياسي، تتمثل في حدوث تقارب في وجهات النظر بين الحزبين». تقارب قال القصير إنه يحتاج إلى جهد من طرف القيادات، «وعندما تتفاهم القيادات السياسية فإن القواعد سوف تتقبل ذلك وتتفهمه أيضا. وبالنسبة إلى العدالة والتنمية يمكن القول إن موقف السيد عبد الإله بنكيران حاسم إزاء أي تفاهم في المستقبل. في المقابل، هنالك حاجة إلى الانتظار للتأكد إلى أي مدى سوف ينجح السيد إلياس العماري في ضبط إيقاع حزبه والمكونات بداخله، وفي أي اتجاه سيأخذ رفاقه». من جانبه، قال الباحث في مركز «كارنغي»، محمد مصباح، إن هناك ثلاثة سيناريوهات ممكنة لعلاقات الحزبين. «أولا: حالة التعاون والتكامل بين الطرفين، وهو سيناريو بعيد التحقق لأسباب داخلية وخارجية. هناك حالة وحيدة، وهي احتمال ضعيف أيضا، تتعلق بحصول أزمة سياسية حادة في البلد تضطر الحزبين إلى التعاون للخروج من هذا الوضع. ماعدا ذلك لا أظن أن هناك إمكانية لتحقق هذا الوضع. السيناريو الثاني هو حالة القطيعة التامة والصراع الصفري النتيجة، وهو أيضا غير ممكن، لأن ممارسة السياسة في المغرب تقتضي نوعا من البراغماتية، وأيضا لأن هناك مؤشرات تفند هذا التوجه، أبرزها حضور قيادات من حزب العدالة والتنمية في المؤتمر الأخير للأصالة والمعاصرة، وأيضا حالات (معزولة) من التحالف الانتخابي في عدد من القرى والمدن مثل تطوان وغيرها. السيناريو الأخير هو سيناريو اللاتعاون والتنافس، وهي حالة تقتضي عدم المبادرة إلى التعاون بسبب وجود اختلافات كبيرة، ولكن في الوقت نفسه يتم الاحتفاظ بشعرة معاوية بين الطرفين يتم اللجوء إليها أحيانا». مصباح عاد ليتوقّع استمرار الوضع الحالي لهذه العلاقة، «أي علاقة اللاتعاون والتنافس، وربما قد تتدهور نحو المواجهة «الكلامية» نظرا إلى التغير على مستوى قيادة حزب الأصالة والمعاصرة، وأيضا بسبب اقتراب مواعيد الاستحقاقات الانتخابية. هناك عامل آخر خارجي لا يقل أهمية لتعزيز هذا الطرح، ويرتبط أساسا بالتوازنات السياسية الكبرى للبلد. فلكي يضمن النظام استمرارية اشتغاله ولتفادي اختلال التوازن، فإنه من الضروري وجود منافسة على المستوى الحزبي، خصوصا بين البيجيدي والبام، وبالتالي، فمن الراجح جدا أن يكون أحدهما داخل الحكومة المقبلة والآخر خارجها، إلا إذا حصل أمر غير متوقع».