تتميز الرسالة الملكية الموجهة لاجتماع القمة 27 للاتحاد الافريقي المنعقدة ب كيغالي عاصمة رواندا، بصراحة كبيرة في طرح وتشخيص القضايا الافريقية الحقيقية، وبموضوعية قل نظيرها في التحليل والمواجهة، وبجرأة في الخطاب وبقوة اقتراحية بناءة. فالرسالة الملكية التي أعلن من خلالها الملك عن قرار عودة المغرب إلى الاتحاد الافريقي، انطلقت من تشخيص دقيق للأسباب الموضوعية التي أدت بالمغرب إلى الانسحاب من منظمة الوحدة الافريقية سنة 1984 وذلك بعدما تم المساس بالوحدة الترابية للمملكة المغربية من خلال الاعتراف بكيان وهمي و"فرض أمر واقع لا أخلاقي، والانقلاب على الشرعية الدولية"، وهذا ما جعل من الاتحاد الافريقي " في وضعية تعارض واضح مع الشرعية الدولية ؟ فهذا الكيان المزعوم ليس عضوا لا في منظمة الأممالمتحدة، ولا في منظمة التعاون الإسلامي، ولا في جامعة الدول العربية، ولا في أي هيأة أخرى، سواء كانت شبه إقليمية أو إقليمية أو دولية". كما أن الرسالة الملكية التي اكدت على أن زمن الايديولوجيات قد ولى وانتهى، أكدت أيضا على أن "الرهان الذي يتعين على قارتنا ربحه اليوم، بعد مرور أكثر من عقد من الزمن على ميلاد الاتحاد الإفريقي، هو رهان الوحدة والتماسك بين أفراد عائلتنا الكبرى" و "الابتعاد عن التلاعب وتمويل النزعات الانفصالية، والتوقف عن دعم خلافات عفى عليها الزمن، وذلك بالتوجه لتدعيم خيار واحد، هو خيار التنمية البشرية والمستدامة، ومحاربة الفقر وسوء التغذية، والنهوض بصحة شعوبنا، وبتعليم أطفالنا، والرفع من مستوى عيش الجميع". وتتميز الرسالة الملكية بعمق كبير، وتحمل رسائل قوية وصريحة وواضحة ذات حمولة ومعاني ودلالات عميقة. ومن بين الرسائل المباشرة والقوية في الرسالة الملكية نذكرما يلي: الرسالة الأولى تتجلى في التأكيد على الدور التاريخي للمملكة المغربي في تحرر وبناء وتنمية القارة الافريقية من خلال الأدوار التي قام بها كل من الملكين الراحلين محمد الخامس والحسن الثاني، والأدوار الطلائعية الي يقوم بها الملك محمد السادس، وهذا ما يدل على استمرارية الالتزام المغربي بدعم افريقيا والانخراط في ايجاد حلول لمجموعة من النزعات والقضايا التي تعاني منها مجموعة من دول القارة الافريقية. الرسالة الثانية تتمثل في التأكيد على أن المغرب وإن غاب لمدة معينة ولأسباب موضوعية عن منظمة الوحدة الافريقية فإنه لم يفارق أبدا افريقيا حيث أن العلاقات السياسية والاقتصادية مع الدول الافريقية والاهتمام بالقضايا الافريقية تعد في صلب السياسة الخارجية للمغرب وعمله الدولي. والتوجه المغربي لإفريقيا كما أكد على ذلك جلالة الملك هو خيار استراتيجي لارجعة فيه لتعزيز التعاون جنوب -جنوب ولتحقيق التنمية والأمن والاستقرار في افريقيا. الرسالة الثالثة موجهة لبعض الدول الافريقية التي تروج لمعطيات مغلوطة عن معرفة وارتباط المملكة المغربية بإفريقيا وبالقضايا الافريقية وتحاول جاهدة تشويه سمعة المغرب. فالمغرب وعلى خلاف كل الادعاءات المغرضة ضده، له مكانة وشعبية كبيرة في القارة الافريقية والنتائج المحققة من طرف المغرب في افريقيا تتحدث عن نفسها ولاتحتاج إلى تعليق كما أكد على ذلك الملك. والحقيقة أن المغرب اصبح رقما أساسيا في معادلة الأمن والتنمية بإفريقيا وذلك بالنظر للخبرة والتراكم الذي حققه، والذي يعمل بشكل طوعي وفي إطار علاقاته الافريقية على نقله لمجموعة من الدول الافريقية مساهمة منه في تنمية واستقرار القارة الافريقية وضمان كرامة المواطنات والمواطنين بها. الرسالة الرابعة فيها تأكيد ملكي واضح وقوي على تشبت المغاربة بقضية وحدتهم الترابية واجماعهم حولها وعدم قبولهم لأي مساس أو انتهاك للوحدة الترابية ، وبرفضهم القاطع للخطأ التاريخي والجسيم الذي ارتكبته منظمة الوحدة الافريقية وذلك بالاعترافبكيان وهمي فاقد للسيادة والشرعية وذلك عن طريق التحايل والخداع وتحريف المساطر القانونية ومقتضيات ميثاق منظمة الوحدة الافريقية. الرسالة الخامسة فيها تأكيد على أن الرهان الحقيقي الذي يتعين على القارة الافريقية ربحه هو رهان الوحدة والتماسك وهذا ما من شأنه جعل القرة الافريقية تتحول من مجرد موضوع للعلاقات الدولية إلى فاعل رئيسي فيها جدير بالاحترام. الرسالة السادسة فيها دعوة صريحة للاتحاد الافريقي لتصحيح أخطاء الماضي وعدم مخالفة الشرعية الدولية فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية ، وعدم التنكر للتطور الذي تعرفه هذه القضية حيث أن مجموعة من الدول الافريقية لم تعترف مطلقا بهذا الكيان، ومجموعة من الدول الأخرى سحبت اعترافها بهذا الكيان الوهمي. كما أن مسار التسوية الذي يرعاه مجلس الأمن يؤكد بأن الاتحاد الافريقي يوجد في وضع متعارض مع أية امكانية لإيجاد حل سياسي دائم، هذا مع العلم أن مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب يتميز بالجدية والمصداقية ويستهدف الوصول لحل سياسي لا غالب فيه ولا مغلوب. ولهذا فالاتحاد الافريقي إذا لم تكن له الجرأة لدعم الشرعية الدولية والاعتراف بأهمية الحل السياسي الذي قدمه المغرب كحل للنزاع حول الصحراء المغربية فعلى الأقل يجب عليه التزام الحياد وعدم الاعتراف بكيان وهمي وعدم السماح لخصوم الوحدة الترابية للمملكة المغربية باستغلال الاتحاد الافريقي كمنظمة قارية في خلق نزاعات وهمية من شأنها التأثير السلبي على التنمية والأمن والاستقرار بالقارة الافريقية. الرسالة السابعة فيها تأكيد على أهمية العوامل التاريخية والجغرافية ، وعلى تولي زمن الايديولوجيات والتي غالبا ما تكون حساباتها السياسية ضيقة وبدون أفق استراتيجي. فالشعوب الافريقية كما أكدت على ذلك الرسالة الملكية في حاجة "للعمل الملموس". وبكل تأكيد فالعمل الملموس الذي من شأنه ضمان استقرار وأمن وتمية القارة الافريقية هو العمل الوحدوي والتعاون المشترك والبناء الجماعي، ولا يمكن بأي حال من الأحول أن يكون المساس بالوحدة الترابية للدول وبمصالحها العليا أساسا للأمن والتنمية. ولهذا فالمدخل الأساسي للتنمية والأمن بإفريقيا هو رفض كل المحاولات الانفصالية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتعزيز مجالات التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي بالشكل الذي سيساهم في ضمان كرامة وأمن المواطنات والمواطنين بإفريقيا. الرسالة الثامنة فيها تأكيد على القرار العقلاني للمغرب للعودة إلى أسرته المؤسسية واستعادته لمكانه الطبيعي والشرعي داخل الاتحاد الافريقي، وهذا القرار ستكون له قيمة مضافة بالنسبة لمجموع القارة الافريقية حيس سيساهم في تقوية الاتحاد الافريقي وتعزيز مصداقيته و"تخليصه من مخلفات الزمن البائد" . كما أن قرار العودة فيه تأكيد على مواصلة المغرب لالتزامه بخدمة مصالح القارة الافريقية، ووضع تجربة وخبرة المغرب في مجال التنمية والأمن ومحاربة الإرهاب رهن إشارة الدول الافريقية. الرسالة التاسعة مفادها أن قرار العودة للاتحاد الافريقي وللعائلة المؤسسية للمغرب، هو قرار جميع القوى الحية بالمغرب، وهو قرار عميق يعبر عن خيار استراتيجي يؤكد تشبت المغرب والمغاربة بانتمائهم لإفريقيا وبانخراطهم الايجابي والفعال في خدمة جميع القضايا العادلة بها وفي تحقيق تنميتها وأمنها واستقرارها، وفي تجاوز جميع الانقسامات والتوترات والاشكالات التي يمكن أن تحول دون وحدة ونماء وأمن القارة الافريقية. الرسالة العاشرة موجهة بشكل صريح للاتحاد الافريقي الذي يجب عليه أن يعمل على تصحيح أخطاء الماضي وإرجاع الأمور إلى نصابها، وهذا ما يجب أن يتم في إطار الاحترام الكامل والتام للشرعية الدولية ولمنطق التاريخ والجغرافيا. فالأقاليم الجنوبية الصحراوية هي جزء لا يتجزأ من التراب المغربي، ولا يمكن القبول بكل ما من شأنه المساس بالوحدة الترابية للمغرب. ولهذا فالاتحاد الافريقي مطالب بسحب الاعتراف بالكيان الوهمي وبدعم التسوية السياسية للنزاع في الصحراء ، وبالبحث عن سبل تعزيز التعاون وتحقيق التنمية والأمن والاستقرار بمجموع دول افريقيا. *أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية I كلية الحقوق - جامعة سيدي محمد بن عبد الله – فاس