اختتمت فعاليات القمة الإفريقية ال25، أمس الاثنين، «بجوهانسبرغ» جنوب إفريقيا، التي كانت تحت شعار «عام تمكين المرأة والتنمية»، إذ شدد الاتحاد الإفريقي على أهمية ريادة المرأة في كافة أنشطة التنمية، في سعي من إفريقيا لتحقيق التكامل والازدهار والسلم، في إطار أجندتها 2063. وناقش الرؤساء الأفارقة مجموعة من الإشكاليات المتعلقة بالإرهاب والتطرف والهجرة ومعاداة الأجانب، كما درس الاتحاد الإفريقي تقارير تتعلق بالقضية الصحراوية، الملف الذي كان سببا في انسحاب المغرب من الاتحاد الإفريقي عام 1984، رغم دور المغرب المتميز في تأسيس هذا الاتحاد. الاتحاد الإفريقي .. دواعي التأسيس تعد قارة إفريقيا من أكثر مناطق العالم فقرا وبؤسا، إذ لعب الاستعمار الأوروبي دورا كبيراً في شرذمة شعوبها بتأجيج الصراعات التي لا تكاد تنتهي فيما بينها، لكن رغم كل الصعوبات سعت دول القارة إلى تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وتم الإعلان عنها في 25 مايو 1963 بمشاركة 30 دولة. المغرب كان واحدا من الدول المؤسسة لمنظمة الوحدة الإفريقية التي أصبحت تسمى منظمة الاتحاد الإفريقي، والتي حاولت منذ نشأتها حلّ مشاكل القارة، الإقليمية والعالمية، والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث لعبت دوراً حاسماً وقيماً في تحرير القارة وتأكيد الهوية المشتركة وعملية تحقيق وحدة قارتنا، كما هيأت إطاراً فريداً لعملنا الجماعي في إفريقيا وفى علاقاتنا مع بقية العالم. وقد انبنى الاتحاد الإفريقي على مجموعة من الشروط، وحدد ميثاقه المؤسس ارتكازا على عدة مبادئ، من أهمها مبدأ المساواة والترابط بين الدول الأعضاء في الاتحاد، احترام الحدود القائمة عند نيل الاستقلال، التعايش السلمي بين الدول الأعضاء في الاتحاد وحقها في العيش في سلام وأمن، وعدم تدخل أي دولة عضو في الشؤون الداخلية لدولة أخرى. المغرب خارج الاتحاد الإفريقي مما لا شك فيه أن المغرب كان من الدول المؤسسة لمنظمة الوحدة الإفريقية التي أصبحت تسمى منظمة الاتحاد الإفريقي، الميثاق المؤسس كان ينص على عدم التدخل في شؤون الدول الداخلية واحترام سيادة الدول الأعضاء في المنظمة وحرمة حدودها، وعندما ثبت للمغرب أن هذه البنود قد تم خرقها، قرر الانسحاب منها في العام 1984 إثر قبول المنظمة عضوية البوليساريو في ظروف إقليمية ودولية غاية في الاستقطاب الإيديولوجي والسياسي. إذ كان الاعتبار الأول لانسحاب المملكة هو قبول عضوية البوليساريو تحت ضغوطات الجزائر، بالرغم من أنها لا تمتلك مقومات دولة كاملة الأركان من حدود وحكومة وشعب، والاعتبار الثاني هو تدخل عضو داخل المنظمة في شؤون المغرب الداخلية، بتبني أطروحة انفصالية، الاعتبار الثالث هو عدم احترام سيادة المغرب فوق أراضيه ومساهمة عضو من الاتحاد الإفريقي في خلق كيان وهمي ودعمه سياسيا ولوجيستيا وماديا فوق أراض مغربية. وبالتالي يأتي انسحاب المغرب من المنظمة تماشيا مع المنطق السياسي والقانوني، بعدما شنت عليه الخصوم حروبا شرسة إثر استرجاعه لصحرائه في سنة 1975، وكان طبيعيا ألا يستجيب لحروب دول بعينها ضد وحدته وسيادته طيلة الأربعة عقود الأخيرة، دون احتساب ما بعد حرب الرمال في العام 1963، الحرب التي استثمر فيها الخصوم كل إمكاناتهم لإخراج المغرب من القارة الإفريقية سياسيا ودبلوماسيا وتجاريا، وحصر أدواره داخل التجمعات الإقليمية ومن ضمنها منظمة الاتحاد الإفريقي. المملكة المغربية رغم هذه الضغوطات والانسحاب من هياكل الاتحاد الإفريقي كانت متابعة لكل ما يحدث داخل القارة، ومساهما أساسيا في خدمة الأمن والسلم وشاركت القوات المسلحة في العديد من المبادرات والتدخلات ذات الطابع الإنساني، تحقيقا للأمن والاستقرار في العديد من الدول الإفريقية، ومن ضمنها دولة مالي. أحد البنود الأساسية في الميثاق المؤسس للمنظمة الإفريقية يقول بأن الدول الأعضاء هي «الدول المستقلة التي تمارس سيادتها على أراضيها»، ولكي يعود المغرب إلى عضوية منظمة الاتحاد الأفريقي ضروري أن يتم تفعيل هذا البند وإعطاؤه القوة الإجرائية لطرد البوليساريو، لأنه لا يتحقق فيها هذا البند. ويرى الباحثون أن الاتحاد الإفريقي مطالب الآن وقبل أي وقت أن تغير دوله منهجية تعاطيها مع تحديات القرن الاقتصادية والسياسية والتكنولوجيا، وأن تحكم تحركاته رؤية استراتيجية بعيدة المدى، خدمة للفرد والجماعة الإفريقية في كل مكان، بدل الركون إلى إيديولوجيات ومقولات عفا عنها الزمن، إذ أن البوليساريو أضحت شريكا مرهقا لإفريقيا أكثر مما مضى، ومشاكلها لا تنتهي وانتهاكاتها لحقوق المغاربة المحتجزين في تندوف أكثر من أن تعد وتحصى، بالإضافة إلى التقارير المعتبرة، التي تؤكد ضلوع أقطابها في الإرهاب والفساد والاتجار في البشر والممنوعات. بالمقابل، تجد أن المغرب قد ذهب بعيدا في ربطه تنمية الأرض بتقدم الفرد والمجتمع المغربي، خصوصا بالأقاليم الجنوبية التي تشملها أيادي العناية والتنمية في المجالات المختلفة، حتى أضحت قطبا يعتد به وبوابة تجارية واقتصادية وسياحية لإفريقيا. دوافع التدخل في قضية الصحراء يفسر المهتمون دوافع تدخل الاتحاد الإفريقي في قضية الصحراء بأنها دوافع ترتبط بأسس تاريخية، لأن وجود البوليساريو داخل منظمة الوحدة الإفريقية ثم في الاتحاد الإفريقي نفسه يشكل في حد ذاته السبب المركزي، وهي أحد الدوافع للتدخل في قضية الصحراء من طرف هذه المنظمة، ويؤكد الباحثون أن وضع البوليساريو كدولة داخل الاتحاد، اليوم، هو أحد الأسباب الرئيسية للتدخل في ملف الصحراء، والكل يتذكر المناورة التي كان قد خاضها الأمين العام السابق لمنظمة الوحدة الإفريقية، عندما بادر عن طريق الأغلبية البسيطة، وجمع بكيفية إدارية محضة 26 صوتا لأعضاء المنظمة، ليقول إن الأغلبية البسيطة تحققت لقبول العضوية، ورفض طلب المغرب الموضوعي الذي كان قد قدم في تاريخه، والذي يهدف إلى تفسير الميثاق الذي يتطلب أغلبية الثلثين، وطرح السؤال عما إذا كانت هذه الدولة الجديدة تتوفر على عناصر الدولة. إلا أنه أعرض عن طرح ذلك السؤال أمام مجلس الرؤساء، وسارع فقط في إطار إداري محض لقبول عضويتها. اليوم، هذه الدولة لم تعد تحظى إلا باعتراف 22 دولة فقط داخل القارة الإفريقية، من بين 52 دولة، ومع ذلك تبقى محتلة لنفس المقعد داخل منظمة الاتحاد الإفريقي، وهذا في حد ذاته مفارقة غريبة. لكن أكثر من هذا وذاك، يمكن أن نلاحظ أن دوافع تدخل الاتحاد الإفريقي في هذه القضية تبقى مرتبطة بعدة مواقف، نلاحظها من خلال التطور، الذي عرفته آليات اتخاذ القرار حتى داخل الاتحاد الإفريقي، الذي حاولت عدة جهات مسيطرة، ابتداء من جنوب إفريقيا وليبيا في عهد القذافي ونيجريا والجزائر على وجه الخصوص، أن تخلق نوعا من الحلف داخله من أجل عرقلة جهود المغرب في تحقيق الوحدة الترابية. تقوية العلاقات وتفعيل المشاريع خروج المغرب من منظمة الاتحاد الإفريقي، لم يمنعه من ربط علاقات متينة مع دول القارة. فالمغرب اليوم حاضر في عدد مهم من الدول، من خلال قطاعات حيوية، وعلى رأسها البنوك والمقاولات الخاصة وقطاع الطيران والمؤسسات الاستثمارية المغربية العمومية، ناهيك عن احتضان المملكة لأكثر من 7 آلاف طالب إفريقي سنويا. هذه العلاقات التاريخية تزداد متانة سنة بعد أخرى، في ظل التوجه التنموي للمغرب نحو البلدان الإفريقية، وسياسة التعاون جنوب-جنوب التي برزت بشكل جلي في الزيارات التي قادت الملك محمد السادس إلى عدد من الدول الإفريقية. هذا التوجه يجعل من المغرب، بحكم موقعه الجغرافي، نقطة ربط بين أوربا والقارة السمراء، وأيضا مع الفاعلين العرب، الذين يبقى حضورهم ضعيفا بالنظر إلى تنامي الحضور الآسيوي. إذ يرى الخبراء أن تحليل الأرقام يشير إلى وجود تحسن في الأداء الاقتصادي للمغرب على مستوى القارة الإفريقية، سواء من حيث حجم التجارة الخارجية أو في حجم الاستثمارات المغربية في هذه القارة. وحسب المحللين، فإن كل هذه المعطيات تبرز أن عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي باتت وشيكة؛ وخاصة إذا تمكن هذا الأخير من تعديل ميثاق يحصر فيه العضوية على الأطراف التي تتوافر لها المقومات القانونية والسيادية للدولة، مشيدين بمُبادرة المغرب المتمثِّلة في طرح مشروع الحكم الذاتي، الذي يشكل صورة من صور تقرير المصير لارتكازه على التفاوض ومشاركة السكان في تدبير شؤونهم من خلال مؤسسات محلية مستقلة وذات صلاحيات كبرى؛ و مؤكدين على ضرورة تقديم المغرب لمقترحه بنفسه أمام الدول الإفريقية؛ خصوصا أن هذا المشروع لقي استحسانا من قبل السكان وأسهم في عودة عدد من قيادات البوليساريو للمغرب؛ كما لقي استحسانا من قبل مجلس الأمن وعدد من القوى الدولية.
مناورات مرفوضة بعد معرفة منها أن قمة الاتحاد الإفريقي الحالية تضع ضمن برنامجها مناقشة تقارير هامة حول الصحراء المغربية، أكدت وزارة الشؤون الخارجية المغربية أن الدولة ترفض بشكل قاطع أي دور أو تدخل للاتحاد الإفريقي في قضية الصحراء المغربية، إذ يأتي الموقف متناغما مع المواقف المغربية السابقة من الاتحاد الإفريقي الذي يُتهم بالانحياز إلى جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر. وكانت لجنة تابعة للاتحاد الإفريقي قد أرسلت مذكرة إلى الأمين العام للأمم المتحدة حول قضية الصحراء المغربية. وقال صلاح الدين مزوار، وزير الشؤون الخارجية، في رسالة وجهها إلى أمين عام الأممالمتحدة بان كي مون: «إن المملكة المغربية ترفض بشكل قاطع أي دور أو تدخل، كيفما كان شكله، للاتحاد الإفريقي في هذا الملف». وأكد في الرسالة أنه «تم توضيح الموقف الثابت للمغرب ضد المحاولات المتكررة لتدخل الاتحاد الإفريقي في قضية الصحراء المغربية عبر الرسالة التي بعثها إليكم الملك محمد السادس في يونيو/حزيران 2013»، إضافة إلى الموقف الذي عبر عنه المغرب في أروقة الأممالمتحدة. واعتبر الوزير المغربي أن «المناورة الأخيرة للاتحاد الإفريقي والتي تروم تحقيق تفاعل بين «مبعوثه الخاص» جواكيم شيسانو مع مجلس الأمن، أمر غير مقبول بتاتا بالنسبة إلى المملكة المغربية». موقف اعتبره المحللون متطابقا مع الشرعية الدولية والمنطق والاتجاه الموضوعي الذي صار عليه المغرب منذ أن استرجع أراضيه المغتصبة من إسبانيا، وفق نفس المنهج الذي حقق به استقلاله منذ سنة 1956، ذلك أن التنظيمات الإقليمية التي تعمل في إطار منظومة الأممالمتحدة هي تنظيمات تشتغل في إطار ضوابط ميثاق الأممالمتحدة، وأن هذا الميثاق لا يمنع هذه التنظيمات من أن تكون وسيلة لمعالجة قضايا السلم والتعاون الإقليمي ما دامت لا تتعارض مع مقاصد وضوابط الأممالمتحدة نفسها. ويظهر واضحا عندما نراجع بالخصوص الفصل الثاني من الميثاق، خاصة المادة 55، أن تلك التنظيمات، التي تولد وتتأسس من خلال اتفاق يوقع بين الحكومات، تقوم على أساس مبدأ المساواة في السيادة بين الدول الأعضاء. كما أنها لا تستمد شخصيتها المعنوية ووجودها القانوني إلا من خلال مساهمة الدول الأعضاء فيها. وتبعا لذلك، وانطلاقا من المسلمات، وباعتبار أن المغرب لم يعد بالتأكيد عضوا في منظمة الوحدة الإفريقية، التي عوضها الآن الاتحاد الإفريقي، منذ سنة 1984، فإن المنظمة الجديدة ليست بالتأكيد مؤهلة قانونيا للبت في أي نزاع يكون المغرب طرفا فيه، باعتبارها لا تتوفر على الصفة القانونية للبت في ذلك.