دخلت العلاقة بين المغرب والاتحاد الإفريقي منعطفا جديدا، بعد أن اقتربت المنظمة الإفريقية من قضية الصحراء، التي كانت في الأصل السبب الرئيس في مغادرة المغرب لها قبل عقود. تصريحات صلاح الدين مزوار، وزير الشؤون الخارجية والتعاون، كانت قوية جدا بعد أن حادت مواقف الاتحاد الإفريقي عن سكة الحياد، وهو الأمر الذي يعني أن العلاقة المتشنجة بين الطرفين مرشحة للتصعيد في الأيام القليلة المقبلة. ما الذي حدث حتى يسير الاتحاد الإفريقي في اتجاه معاداة المغرب، من خلال إصدار مواقف مناهضة لملف الصحراء؟ في الظاهر يبدو أن القوة التي تتمتع بها كل من جنوب إفريقيا ونيجيرياوالجزائر داخل المنظمة الإفريقية تعد سببا واضحا لتبني مثل هاته المواقف، خاصة أن هذه الدول انخرطت في صراع تاريخي بسبب قضية الصحراء نفسها. لكن في العمق يمكن قراءة مواقف الاتحاد الإفريقي، في هذا التوقيت بالذات، بكونه يستبق التقرير الحاسم الذي سيعرضه كريستوفر روس أمام أنظار مجلس الأمن، خلال الأيام القليلة المقبلة. الجزائر، وهي الطرف الرئيس في النزاع حول الصحراء، تدرك أنها غير قادرة على التحرك على الجبهتين الفرنسية والإسبانية ولا داخل أروقة الاتحاد الأوربي، وبيان ذلك أن فرنسا عبرت عن موقف واضح من قضية الصحراء المغربية. لم يتبق إذن أمام الجزائر سوى الاتجاه نحو الوجهة الإفريقية مستغلة غياب المغرب عن المنظمة الإفريقية. تحركات كل من الجزائروجنوب إفريقيا نجحت، على نحو ما، في لفت الانتباه إلى قضية الصحراء المغربية على المستوى الإفريقي، رغم أن مواقف المنظمة الإفريقية ليست ملزمة لا على المستوى القانوني ولا هي تؤثر في المسار الأممي الذي تقوده بعثة المنورسو. مهما يكن من أمر، أعادت المواقف الأخيرة للمنظمة الإفريقية السؤال القديم الجديد: هل من المفيد التشبث بسياسة المقعد الشاغر داخل الاتحاد الإفريقي؟ وهل يكفي بناء علاقات اقتصادية متينة مع بعض البلدان الإفريقية لحشد دعم سياسي حول القضية الأولى للمغرب؟ قد يكون من المفهوم جدا أن يستمر المغرب في الخلاف مع المنظمة الإفريقية مادامت تتمسك بالاعتراف بجبهة البوليساريو، وهو الخط الأحمر في الدبلوماسية المغربية، لكن ما ليس مفهوما هو عدم رغبة المغرب في تغيير سياسته تجاه بعض الدول التي تعاديه داخل المنظمة الإفريقية. في السياسة ليس ثمة شيء ثابت. لقد تغيرت الظروف السياسية في نيجيريا وبدأ الحزب الحاكم في جنوب إفريقيا في تليين مواقفه. لقد نجح المغرب، خلال العقدين الماضيين، في فرض وجوده داخل مجموعة من بلدان الاتحاد الإفريقي، بل واستطاع أن يوجه استثماراته نحو بلدان إفريقية صاعدة، لاسيما في مجالات الاتصالات والعقار. وتزامن هذا المد الاستثماري المغربي مع نهج أعلى سلطة في البلاد سياسة التعاون جنوب-جنوب، مع ما تمثله من إعادة الاعتبار للبعد الاقتصادي في العلاقات بين الدول الإفريقية، خاصة أن العلاقات الدبلوماسية وحدها أصبحت متجاوزة ولا تلبي تطلعات الشعوب الإفريقية نحو التقدم والتنمية والازدهار. وإلى جانب البعد الاقتصادي بدا لافتا تركيز المغرب على الدبلوماسية الدينية، خاصة في بلدان جنوب الصحراء وغرب إفريقيا، خاصة بالتزامن مع تنامي الأخطار الأمنية وظهور خلايا متطرفة. ولئن كان تقرير بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة الموجه إلى مجلس الأمن الدولي، المنتظر نشره الأسبوع القادم، قد كشف عن تسجيل الرباط نقط في صراعها مع البوليساريو ومن ورائها الجزائروجنوب إفريقيا والاتحاد الإفريقي، بعد أن نوه بالخطوات الإيجابية للمغرب في مجال حقوق الإنسان، وأطاح بتوصية توسيع مهمة «المينورسو» وكذا إدراجه لأول مرة في الجزء المتعلق بالتوصيات، ضرورة تسجيل ساكنة مخيمات تندوف بالجزائر، فإن الواقع يشير إلى أن الدبلوماسية المغربية لازال ينقصها الكثير ولا تحسن استغلال العديد من الأوراق التي بيدها. صحيح أن الرباط حققت من خلال تقرير بان كي مون نصرا على خصومها وفي مقدمتهم البوليساريو والاتحاد الإفريقي، إلا أن أسئلة عدة تطرح في هذا الصدد من أبرزها: ما الذي ينقص الدبلوماسية المغربية لتحقيق اختراق في جدار الاتحاد الإفريقي؟ وهل مازالت سياسة الكرسي الشاغر صالحة بعد 30 سنة من مغادرة الرباط لمنظمة الوحدة الإفريقية، بعد اعترافها بجبهة البوليساريو؟
الدبلوماسية الاقتصادية والدينية والتنموية مفتاح المغرب نحو في إفريقيا الشيات: أمريكا تفكر جديا في جعل المغرب يلعب دورا رائدا في المنطقة المهدي السجاري خروج المغرب من منظمة الاتحاد الإفريقي، لم يمنعه من ربط علاقات متينة مع دول القارة. اليوم، المغرب حاضر في عدد مهم من الدول من خلال قطاعات حيوية، وعلى رأسها البنوك والمقاولات الخاصة وقطاع الطيران والمؤسسات الاستثمارية المغربية العمومية، ناهيك عن احتضان المملكة لأكثر من 7 آلاف طالب إفريقي سنويا. هذه العلاقات التاريخية تزداد متانة سنة بعد أخرى في ظل التوجه التنموي للمغرب نحو البلدان الإفريقية، وسياسة التعاون جنوب-جنوب التي برزت بشكل جلي في الزيارات التي قادت الملك محمد السادس إلى عدد من الدول الإفريقية. هذا التوجه يجعل من المغرب، بحكم موقعه الجغرافي، نقطة ربط بين أوربا والقارة السمراء، وأيضا مع الفاعلين العرب الذين يبقى حضورهم ضعيفا بالنظر إلى تنامي الحضور الآسيوي. خالد الشيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة وجدة، يرى أن تحليل الأرقام يشير إلى وجود تحسن في الأداء الاقتصادي للمغرب على مستوى القارة الإفريقية، سواء من حيث حجم التجارة الخارجية أو في حجم الاستثمارات المغربية في هذه القارة. بيد أن هذه المعطيات، وفق التحليل ذاته، لا تعني أن هذا التحسن مشجع أو كاف على الأقل لعكس طبيعة العلاقات التي يجب أن تجمع بين المغرب ودول القارة الإفريقية، «إذ هناك قطاعات لا يمكن أن نهنئ عليها أداء المغرب، وهي قطاعات رائدة اقتصاديا بالنسبة لنا من قبيل قطاع النسيج الذي لا يساهم به المغرب في إفريقيا سوى ب 0.2 بالمائة تقريبا، وتهيمن عليه الصناعات الصينية، وأيضا القطاع الفلاحي الذي لا تمثل إفريقيا في الصادرات المغربية سوى 1.5 بالمائة، أو الكيماويات التي يعتبر المغرب رائدا فيها والتي لا تستورد إفريقيا منه سوى أقل من واحد بالمائة». ويؤكد الخبير في العلاقات الدولية أن المصدرين والمستثمرين يتحججون بحجج معقولة من قبيل عدم المعرفة ببنود الاتفاقيات التجارية بين الجانبين، وصعوبة التكهن بالمجالات الضريبية في قارة غير منظمة قانونيا، حيث تتدخل الرسوم المتعددة في قيمة المنتوج النهائي، إضافة إشكالات بنيوية متعددة تتمثل بالأساس في المنافذ اللوجيستيكية. واعتبر أن «المقارنة يجب أن تتم مع الأقوياء ولاسيما الحضور الصيني المتزايد الذي يقلص مجالات التدخل الاقتصادي في القارة حتى بالنسبة للقوى الاقتصادية التقليدية، وهنا يجب أن نعلم جيدا أن الاقتصاد في إفريقيا يمر حتما عبر ما هو غير اقتصادي، وما هو سياسي بالأساس». وعليه فالحديث عن مكانة المغرب في إفريقيا، حسب الشيات، يمكن أن ينسج سياسة محدودة مع دول تربطه بها علاقات تقليدية متطورة، لكن باقي الدول تستدعي رؤية استراتيجية تمر حتما بالتشارك الفعال والمسؤول مع قوى تقليدية، سواء في أوربا أو الولاياتالمتحدةالأمريكية أو الصين. وأضاف أن الولاياتالمتحدة مازالت مؤهلة أكثر من غيرها لتكون شريكا ووسيطا مضمونا للمغرب لاعتبارات عدة، منها أن الشراكة التي تجمعها مع المغرب قائمة على الرأسمال الخاص، وهو عصب التحرك الاقتصادي. ومنها أن أمريكا تفكر جديا بجعل المغرب يلعب دورا رائدا في المنطقة، لاسيما عقب المؤتمر الأخير بمراكش الذي يعتبر محطة مهمة لرؤية استراتيجية على المغرب حسابها جيدا. هذه الدبلوماسية الاقتصادية، التي توفر للمغرب فضاء خصبا لتقوية علاقاته مع دول القارة وترسيخ حضوره كلاعب محوري في القارة السمراء، توازيها دبلوماسية دينية لا تقل أهمية عن الجانب الاقتصادي، الذي لا يمكن أن يحقق أي نمو في ظل نزعات التطرف والإرهاب. ويرى الشيات أن «إفريقيا اليوم هي محور أساسي في التنمية الاقتصادية، والمشاكل التي ترتبط بالإرهاب ليست سوى تعبير متخلف على عدم القدرة على الموازاة بين ما هو تنموي وما هو سياسي، إذ أنها تخطو ببطء شديد يجعل الإرهاب يحقق مكاسب متعددة». ويؤكد أنه بالقدر الذي تعتبر إفريقيا مهمة من الناحية الاقتصادية بالقدر الذي يجب النظر إليها باعتبارها تهديدا لهذه التنمية والتطور، ومشاكلها في جزء منها مرتبطة بمسألة التطرف الديني في بعده الإسلامي. ويوضح أن «المغرب يملك ذاكرة قوية في إفريقيا على هذا المستوى، ولم يفقد البوصلة الروحية مع العديد من القبائل والإثنيات والطوائف الموجودة بها، التي لازالت تنهل دينها من الرؤى المذهبية والطرقية المغربية التي أوصلت الدين الإسلامي إلى إفريقيا. ويضيف أن المغرب لا يسعى إلى الركوب على هذا المعطى للحصول على مكاسب اقتصادية مباشرة في إفريقيا، بل لكونه لازال يحوز على العهد الذي يحمله باعتباره حاميا لإمارة المؤمنين، وهذا أيضا يمكن أن يكون ركيزة لتمتين العلاقات مع دول إفريقية ويمكن أن يساهم في استقرارها وتنميتها التي لا محال ستكون لصالح المصالح المغربية أيضا. وأشار إلى أن المغرب لا يقوم بتصدير دين جديد لإفريقيا، بل يحافظ على وجوده الروحي وعلى استمرار الدين الإسلامي بهذه القارة، حيث نبه إلى أن «إيران اعتبرت القارة مجالا خصبا للتشييع وتغيير المذهب السني بنظيره الشيعي، وقد كان ذلك وبالا على هذه القارة التي لا يمكن أن تتغير مذهبيا إلا بتراكمات للعنف والمجابهة، وحتى داخل المنظومة السنية هناك تقاطبات متعددة تمتزج بالظاهرة القبلية، في حين أن المغرب لديه ذاكرة ويمكن أن يساعد على الاستقرار بما يعني بعث الدور التقليدي الروحي للمغرب بإفريقيا». سياسة المغرب التنموية تجاه القارة السمراء، وحضوره القوي والمتضامن في عدد من المحطات الحساسة، ومنها دعمه للبلدان الموبوءة بفيروس «إيبولا» وتأمينه للنقل الجوي، في الوقت الذي علقت عدد من الشركات رحلاتها، تؤكد بالملموس على ريادية الدور الذي يقوم به المغرب، بحضوره المستمر والتاريخي بغض النظر عن عدم عضويته في الاتحاد الإفريقي.
الحسيني: المغرب يؤدي ثمن الكرسي الفارغ قال إن الدبلوماسية المغربية مطالبة بالانفتاح أكثر على الدول المعنية باتخاذ قرار إفريقي في مستويات عليا حليمة بوتمارت يرى تاج الدين الحسيني، الخبير في العلاقات الدولية، أن الاتحاد الإفريقي، وقبله منظمة الوحدة الإفريقية، حسم موقفه بشكل نهائي فيما يتعلق بهذا النزاع، عندما قرر قبول البوليساريو ليس كحركة تحرير أو منظمة تمثل الصحراويين، ولكن كدولة تحمل اسم «الجمهورية الصحراوية»، مشيرا إلى أن أي تدخل من طرفه، اليوم، في إطار ملف الصحراء لن يكون إلا أداة للتشويش، وذريعة لعرقلة التوصل إلى أي اتفاق على المستوى الدولي، في إطار الحل السياسي الذي تطالب به، اليوم، حتى الأممالمتحدة. وأوضح الحسيني أن رسالة المغرب الموجهة إلى الأممالمتحدة ومجلس الأمن، بهذا الخصوص، ترتكز على أسس قانونية، على اعتبار أن الاتحاد الإفريقي ليس مؤهلا قانونيا للبت في أي نزاع يكون المغرب طرفا فيه، باعتباره لا يتوفر على الصفة القانونية للبت في ذلك. كيف تنظر إلى الموقف الذي عبر عنه المغرب في الرسالة الموجهة إلى بان كيمون، وهو الموقف الرافض بشكل قاطع لتدخل الاتحاد الإفريقي في ملف الصحراء؟ في اعتقادي أن هذا الموقف متطابق مع الشرعية الدولية والمنطق والاتجاه الموضوعي الذي صار عليه المغرب منذ أن استرجع أراضيه المغتصبة من إسبانيا وفق نفس المنهج الذي حقق به استقلاله منذ سنة 1956، ذلك أن التنظيمات الإقليمية التي تعمل في إطار منظومة الأممالمتحدة هي تنظيمات تشتغل في إطار ضوابط ميثاق الأممالمتحدة، ذلك أن هذا الميثاق لا يمنع هذه التنظيمات بأن تكون وسيلة لمعالجة قضايا السلم والتعاون الإقليمي ما دامت لا تتعارض مع مقاصد وضوابط الأممالمتحدة نفسها. ويظهر واضحا عندما نراجع بالخصوص الفصل الثاني من الميثاق، خاصة المادة 55، أن تلك التنظيمات، التي تولد وتتأسس من خلال اتفاق يوقع بين الحكومات، تقوم على أساس مبدأ المساواة في السيادة بين الدول الأعضاء. كما أنها لا تستمد شخصيتها المعنوية ووجودها القانوني إلا من خلال مساهمة الدول الأعضاء فيها. وتبعا لذلك، وانطلاقا من المسلمات، وباعتبار أن المغرب لم يعد بالتأكيد عضوا في منظمة الوحدة الإفريقية، التي عوضها الآن الاتحاد الإفريقي، منذ سنة 1984، فإن المنظمة الجديدة ليست بالتأكيد مؤهلة قانونيا للبت في أي نزاع يكون المغرب طرفا فيه، باعتبارها لا تتوفر على الصفة القانونية للبت في ذلك. وأعتقد أن هناك سببا آخر أكثر أهمية، وهو أن الاتحاد الإفريقي لم يعد يستحق في هذا الإطار صفة الحكم أو الوسيط أو حتى الطرف الذي يمكن أن يتدخل من أجل المساعي الحميدة. فالاتحاد الإفريقي، وقبله منظمة الوحدة الإفريقية، حسم موقفه بشكل نهائي فيما يتعلق بهذا النزاع، عندما قرر قبول البوليساريو ليس كحركة تحرير أو منظمة تمثل الصحراويين، ولكن كدولة تحمل اسم «الجمهورية الصحراوية»، وصنفها كدولة ذات سيادة، وبالتالي فأي تدخل من طرفه، اليوم، في إطار هذا النزاع المفترض لن يكون إلا أداة بطبيعة الحال للتشويش وذريعة لعرقلة التوصل إلى أي اتفاق على المستوى الدولي في إطار الحل السياسي الذي تطالب به، اليوم، حتى الأممالمتحدة من خلال أجهزتها المركزية، ولاسيما خلال المسلسل الذي يتم بواسطة مجلس الأمن، خاصة أن هذه الدولة التي يفترضها الاتحاد الإفريقي لم تكن تتوفر يوم انضمامها على مقومات مركزية لوجود الدولة، والتي هي معروفة في أدبيات القانون الدستوري. أكثر من هذا وذاك، أن الاتحاد الإفريقي، الذي يأتي اليوم في آخر لحظة ليتدخل في هذا النوع من النزاع، ليست له أي صفة قانونية للقيام بهذا التدخل، فأي طرف معني بالموضوع لم يطلب منه التدخل، ونحن نعلم أن أطراف النزاع المعنية هي التي تتدخل حتى أمام المحاكم الدولية للبت في النزاعات. كما أن مجلس الأمن، الذي هو الهيئة الوحيدة، التي لديها صلاحية إحالة ملف معين على المنظمات الإقليمية، لم يطلب منه ذلك، وبالتالي فجميع العناصر المسجلة التي تؤهل جهة معينة على الصعيد الدولي للبت في موضوع ما لم تفوض لهذا التنظيم الإقليمي أي صلاحية للقيام بذلك. لذا فإن رسالة المغرب الموجهة إلى الأممالمتحدة ومجلس الأمن بهذا الخصوص ترتكز على أسس قانونية. – في نظرك، ما هي دوافع تدخل الاتحاد الإفريقي في قضية الصحراء؟ أعتقد أن هذه الدوافع ترتبط بأسس تاريخية، لأن وجود البوليساريو داخل منظمة الوحدة الإفريقية ثم في الاتحاد الإفريقي نفسه يشكل في حد ذاته السبب المركزي، وهي أحد الدوافع للتدخل في قضية الصحراء من طرف هذه المنظمة، وأفسر أن وضع البوليساريو كدولة داخل الاتحاد، اليوم، هو أحد الأسباب الرئيسية للتدخل في ملف الصحراء، والكل يتذكر المناورة التي كان قد خاضها الأمين العام السابق لمنظمة الوحدة الإفريقية عندما بادر عن طريق الأغلبية البسيطة، وجمع بكيفية إدارية محضة 26 صوتا لأعضاء المنظمة، ليقول إن الأغلبية البسيطة تحققت لقبول العضوية، ورفض طلب المغرب الموضوعي الذي كان قد قدم في تاريخه، والذي يهدف إلى تفسير الميثاق الذي يتطلب أغلبية الثلثين، وطرح السؤال عما إذا كانت هذه الدولة الجديدة تتوفر على عناصر الدولة. إلا أنه أعرض عن طرح ذلك السؤال أمام مجلس الرؤساء وسارع فقط في إطار إداري محض لقبول عضويتها. اليوم، هذه الدولة لم تعد تحظى إلا باعتراف 22 دولة فقط داخل القارة الإفريقية، من بين 52 دولة، ومع ذلك تبقى محتلة لنفس المقعد داخل منظمة الاتحاد الإفريقي، وهذا في حد ذاته مفارقة غريبة. لكن أكثر من هذا وذاك، يمكن أن نلاحظ أن دوافع تدخل الاتحاد الإفريقي في هذه القضية تبقى مرتبطة بعدة مواقف، نلاحظها من خلال التطور، الذي عرفته آليات اتخاذ القرار حتى داخل الاتحاد الإفريقي، الذي حاولت عدة جهات مسيطرة، ابتداء من جنوب إفريقيا وليبيا في عهد القذافي ونيجريا والجزائر على وجه الخصوص، أن تخلق نوعا من الحلف داخله من أجل عرقلة جهود المغرب في تحقيق الوحدة الترابية. ألا تعتقد أن سياسة الكرسي الفارغ داخل الاتحاد الإفريقي لم تصب في مصلحة المغرب داخل القارة السمراء، وأن البراغماتية ومصالح المغرب تفرضان العودة إلى الاتحاد؟ إشكالية الكرسي الفارغ إشكالية جد معقدة. قد يتساءل متسائل عما إذا كان المغرب الآن سيتجاوز إشكالية الكرسي الفارغ ويعود إلى الاتحاد الإفريقي. وقد يطرح سؤال مضاد معناه: لماذا انسحب في أول يوم؟ ولماذا عليه أن يعود بعد ذلك؟ أعتقد أن المغرب سيكون جادا في إعطاء جواب واضح، وهو أنه لن يعود إلى الاتحاد الإفريقي إلا عندما تزول أسباب انسحابه لأول مرة. اليوم، بطبيعة الحالة الأسباب واضحة، هي وجود دولة لا تتوفر فيها عناصر الدولة، كما أنها تتناقض مع موقفه المبدئي وهو أن الصحراء مغربية وأن المغرب في صحرائه. وعندما نأخذ بعين الاعتبار التطورات التي حددت خلال السنوات والعقود الماضية، منذ سنة 1984 إلى الآن، قد نقول إن المغرب خسر بعض الأوراق حين غاب عن قلب المنظمة الإقليمية. وربما ارتكب بعض الأخطاء خارج إطار هذه المنظمة، لكن أوراقا أخرى لعبها خارج هذه المنظمة، إذ يمكن أن نعترف بأن علاقات المغرب الثنائية مع البلدان الإفريقية خلال المرحلة الحالية أصبحت أكثر قوة مما كانت عليه في الماضي. المغرب استطاع أن يوسع علاقاته الثنائية بين البلدان الأفريقية، والأكثر من ذلك استطاع أن ينسج علاقات عبر إقامة تنظيمات إقليمية جديدة، كما هو الشأن بالنسبة إلى منظمة البلدان الإفريقية المجاورة للمحيط الأطلسي، أو فيما يتعلق بالتعاون مع منظمة بلدان غرب إفريقيا، أو ما يتعلق بالتعاون مع إفريقيا جنوب الصحراء، وكذا ما يتعلق بالتعاون الثنائي مع مناطق التبادل الحر مع عدة دول إفريقية. وبالتالي، فالمغرب استطاع أن يعوض هذا التعاون من قلب المنظمة الإفريقية بعدة محاور، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاستراتيجي والعسكري وغير ذلك. هناك تطور ربما لاحظه الكثيرون، وهو أن مسألة الكرسي الفارغ طرحت خلال السنة الماضية، إذ قرر المغرب أن يحضر في المؤتمر 22 في أديس أبابا بكيفية غير مباشرة، وتساءل الكثيرون إن كان حضور وفد مغربي معناه أن المغرب قرر أن يتجاوز عدم الحضور ليحضر المؤتمر. لكن جاء التفسير فيما بعد، وهو أن حضوره لم يكن من أجل المؤتمر وإنما لإجراء لقاءات ثنائية مع ممثلي البلدان الصديقة المشاركة في المؤتمر في شتى المجالات. قد نقول إن المغرب، فعلا، يؤدي ثمن الكرسي الفارغ. لكن هناك بدائل يمكن من خلالها معالجة الوضع. أعتقد أن التقدم الذي حصل، اليوم، أن من بين 53 دولة في الاتحاد الإفريقي هناك 30 دولة إفريقية لم تعد لها علاقات دبلوماسية مع ما يسمى ب»الجمهورية الصحراوية». وتجميد العلاقات الدبلوماسية لا يعني في أدبيات هاته الدول القطيعة المطلقة، لكن نستطيع التأكيد على أن عدد البلدان التي تعترف بشكل رسمي بالجمهورية قد انخفض من 34 دولة إلى 22 دولة فقط. ورغم هذا الانخفاض لم يعد المغرب إلى حظيرة الاتحاد الإفريقي. – هل تعتقد أن الدبلوماسية المغربية فشلت في الاستفادة من وضع الجزائر بعد الربيع العربي، ولم تستطع تحقيق اختراق للمعسكر المؤيد للجارة الشرقية؟ ينبغي أن نعترف بأن مسألة التحالفات والمعسكرات المؤيدة لهذا الطرف أو ذاك لم تعد بنفس الصرامة التي كانت عليها إبان مرحلة الحرب الباردة. بالتأكيد تنصلت الجزائر بعد فترة من الزمن من التزاماتها ضمن الأحلاف المرتبطة بالاتحاد السوفياتي السابق وأوروبا الشرقية، وأصبحت بدورها تتجه نحو ربط تحالفات جديدة داخل أوروبا الغربية، وحتى داخل الولاياتالمتحدة. اليوم، يمكن القول بأنه لم تعد هناك أحلاف دائمة، بل أصبحت ترتبط بالمصالح، فالولاياتالمتحدة نفسها أصبحت توازن في علاقاتها بين علاقاتها التقليدية والإستراتيجية القائمة مع المغرب، ومصالحها الحيوية المرتبطة بالبترول والغاز الطبيعي واستثماراتها الكبرى في الجزائر، وهذا ما قد يعرقل في كثير من الأحيان مواقفها التقليدية مع المغرب، وهو ما يفسر موقف الولاياتالمتحدة خلال السنة الماضية داخل مجلس الأمن في قضية حقوق الإنسان واقتراحها توسيع صلاحيات «المينورسو» بهذا الخصوص. أما في ما يتعلق بوضعية الجزائر بعد فترة الربيع العربي، فأعتقد أنها ظلت في وضعية تتسم بنوع من الاستقرار مقارنة بباقي البلدان العربية، وهو استقرار لا يعود إلى سلامة النظام بقدر ما يعود إلى ما عاناه المواطن الجزائري خلال 10 سنوات من الحرب الأهلية، وما تعرفه وضعية أجهزة الأمن، فالمؤسسة العسكرية تهيمن على الوضع في البلاد بقوة لا مثيل لها في باقي البلدان العربية. وهنا أستطيع القول بأن استقرار الوضع في الجزائر يدين لظروف أخرى لا علاقة لها باستقرار المجتمع المدني، ظروف مرتبطة بآثار الحرب الأهلية، وقوة مؤسسة الشرطة والجيش، وكذلك التخوفات الدفينة لدى المواطن من عودة حالة عدم الاستقرار التي عاشها. وأعتقد أن المغرب ليست لديه، على كل حال، أي دوافع في ما يتعلق باختراق معسكر الجزائر في حال من الأحوال، فالمغرب يبحث فقط عن إمكانية استقرار في توازن القوى الإقليمية في هذه المنطقة من العالم، وأن يكون تحقيق هذا التوازن في مصلحة جميع الأطراف، بما فيها الجزائر، على أن يكون استقرار التوازن الإقليمي محققا للمصلحة المشتركة، ومتجها نحو بناء مغربي عربي منفتح على المجموعة الدولية، ومحققا للتنمية المستدامة لمواطنيه. – ما الذي ينقص الدبلوماسية المغربية في إفريقيا؟ أظن أن الدبلوماسية المغربية في إفريقيا من واجبها أن تتفتح أكثر على الدول الإفريقية الكبرى، التي هي معنية باتخاذ قرار إفريقي في مستويات عليا، وأخص بالذكر كلا من البلدان الإفريقية الأنجلوفونية، وخاصة جنوب إفريقيا ونيجيريا. وقد كانت المبادرة الأخيرة للعاهل المغربي بتهنئة رئيس نيجريا المنتخب بمناسبة نجاحه في الانتخابات، مبادرة جد إيجابية. ونتمنى جميعا أن تعرف هذه العلاقات منعطفا نحو التطور في المستقبل، وأعتقد أن جنوب إفريقيا تستحق منا اهتماما استثنائيا. ولا أظن أن هذا الاهتمام ينبغي أن يكون مقتصرا فقط على الدبلوماسية الرسمية، بل إن طريق الانفتاح نحو إفريقيا ينبغي أن ينطلق من الدبلوماسية الشعبية. فهناك روافد متعددة لخلق نوع من الروابط المتنوعة مع هذه الدول.
سعد الدين العثماني: تحركات الاتحاد انطلقت منذ وصول زوما إلى رئاسة المفوضية الإفريقية مصطفى الحجري كشف تقرير الأمين العام للأمم المتحدة عن نصر صغير للمغرب، لكنه سيكون بمثابة صفعة قوية بالنسبة لعدد من الأطراف، التي سعت جاهدة لاستباق جلسة مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء، بحملة تشويش عنوانها محاولة إقحام الاتحاد الإفريقي في الملف، في خطوة طرحت علامات استفهام كثيرة حول الخلفيات التي تتحكم فيها. وزير الخارجية السابق، سعد الدين العثماني، وفي قراءة لهذه المناورة التي تقف وراءها جهات معادية للمغرب، قال إن مثل هذه التحركات ليست جديدة، وإن «تاريخ المغرب والاتحاد الإفريقي معروف منذ قبلت منظمة الوحدة الإفريقية عضوية جمهورية وهمية ضدا على القانون الدولي، وميثاق الأممالمتحدة، وضدا على ميثاق المنظمة آنذاك». وأضاف العثماني «حينها انسحب المغرب من المنظمة، وكان هناك اتفاق داخلها على أن يترك مسار حل النزاع في الصحراء المغربية للأمم المتحدة ثم مجلس الأمن، وكان هذا ينسجم مع المنطق بحكم أن منظمة دولية تكفلت بالنزاع، ومادامت مكلفة بالوساطة للبحث عن حل، فإن تدخل منظمة الوحدة الإفريقية غير ذي موضوع». وكشف العثماني أن «الوضع بقي عاديا إلى حين وصول الجنوب إفريقية دولاميني زوما إلى رئاسة المفوضية الإفريقية، حيث سجلنا منذ ذلك الحين محاولات لإعادة الملف إلى جدول أعمال الاتحاد الإفريقي، ومحاولات إقحامه في هذا النزاع المفتعل». وعلاقة بتزامن خطوة الاتحاد الإفريقي مع تحركات أخرى لجهات معادية للوحدة الترابية قال العثماني إن «سؤال التوقيت يجب ألا يغيب معطى يتجسد في وجود محاولات مماثلة على امتداد ثلاث سنوات، قام فيها الاتحاد بضغط من زوما بمراسلة الأمين العام للأمم المتحدة، من أجل حشر نفسه في هذا الملف من خلال مطالبته لبان كي مون بأن يكون شريكا في تسوية النزاع». وبخصوص ما راج حول وجود مساع سابقة لعودة المغرب للاتحاد الإفريقي، وما يمكن أن يشكله هذا التطور من انتكاس، قال العثماني إن «ما يروج لا أساس له من الصحة، وأن الأمر مرتبط فقط برأي بعض الأصدقاء من الدول الإفريقية، التي اعتبرت أنه من الأفضل أن يعود المغرب للاتحاد حتى مع وجود الجمهورية الوهمية، وحينها يمكن أن يعمل من داخل الاتحاد على اكتساب مكانته، وأن يتم إعادة الشرعية من داخل الاتحاد للموضوع». وقال العثماني إن الاتحاد الإفريقي تأسس وأصبحت الجمهورية الوهمية عضوا مؤسسا فيه، وبالتالي فإن الاعتراف بكيان غير موجود على الأرض وبكيان لا يعترف به أي طرف دولي محترم، وذي مصداقية، وليس عضوا في أي منظمة دولية، يجعل من غير الممكن للمغرب الانضمام لهذا الاتحاد. وزاد وزير الخارجية السابق بأن هذا الأمر «لا علاقة له بما قام به الاتحاد الإفريقي، لأن ذلك مرتبط بتحركات انطلقت منذ وصول زوما إلى رئاسة المفوضية، من خلال محاولتها الضغط على الأمين العام والأممالمتحدة بهدف إشراك الاتحاد بشكل مباشر إما في المفاوضات، أو في حل النزاع، والمغرب رفض منذ البداية هذا المنحى ولا زال يرفضه». وربط العثماني هذا الرفض بأسباب عدة، أقلها أن الاتحاد الإفريقي ليس طرفا محايدا، منذ اعترافه بالجمهورية الوهمية، والى اليوم، وتساءل «كيف يمكن لطرف غير محايد ومنحاز أن يكون وسيطا في النزاع، وأن يكون طرفا ايجابيا في حله». وقلل العثماني من المحاولات الصادرة عن الاتحاد ومن أهمية تحركاته، وقال «لا أظن أن محاولة التدخل من قبل الاتحاد سيكون لها أي تأثير، لأن جميع قرارات الأممالمتحدة تحدد الأطراف المعنية، في إطار السعى إلى حل سياسي متوافق عليه، وبالتالي فإن إدخال أي طرف دون موافقة المغرب لن يكون ممكنا». كما اعتبر العثماني أن محاولة إقحام الاتحاد سينظر إليها حتى من داخل الأممالمتحدة على أنها عامل إرباك لمسلسل أممي وليس عامل إسناد، وبالتالي فإن «هذا التحرك ليس له أثر باستثناء التشويش الإعلامي الذي نراه باستمرار، والذي يستغله الانفصاليون من أجل إضفاء المزيد من التشويش على عدة مستويات». تحرك الاتحاد الإفريقي اليائس ليس مرتبطا فقط بمناورات ذات صلة بوصول زوما إلى رئاسة المفوضية الإفريقية، بل إن بصمات الجزائر حاضرة أيضا في هذا الأمر وفق العثماني، الذي أكد أن الجزائر عضو مؤسس ومؤثر في الاتحاد الإفريقي، ولاشك أن لها دورا في ما جرى رغم أن الدور الكبير يبقى لجنوب إفريقيا. إلى ذلك، فإن السعي لإقحام الاتحاد الإفريقي في ملف لا يعنيه، طرح أيضا علامات استفهام، بالنظر لتزامن ذلك مع الاختراق الذي حققه المغرب في العمق الإفريقي، من خلال تعزيز تعاونه الاقتصادي والاستراتيجي مع عدد من الدول، وهو ما تعكسه عشرات الاتفاقيات التي وقعت في الشهور الماضية وحجم الاستثمارات المقررة بين عدد من الدول. في هذا الصدد، قال العثماني إن المغرب خطا خطوات كبيرة على المستوى الإفريقي، وسيستمر في ذلك بحكم أنه مرتبط بواحد ضمن سلسلة من الجهود التي يتعين بذلها، مضيفا أن هذا السعي لن يتأثر بتحرك الاتحاد، بعد أن رفض المغرب محاولة إقحامه، وهو أمر قال العثماني إنه «كاف لإفشال هذه المناورة».
«البوليساريو».. الخطأ الذي لازم منظمة الاتحاد الإفريقي وأخرج المغرب خديجة عليموسى أعادت الأحداث الأخيرة المتعلقة برفض المغرب لأي دور للاتحاد الإفريقي في ملف الصحراء المغربية، إلى الواجهة الحديث عن المحطات والمراحل التي طبعت علاقة هذا الإطار بالمغرب، الذي لم يعد عضوا فيه بعد انسحابه من منظمة الوحدة الإفريقية سنة 1984 التي تحولت في ما بعد إلى منظمة الاتحاد الإفريقي سنة 2001 التي تضم في عضويتها 54 دولة. ويعتبر المغرب من بين 30 دولة إفريقية أسست هذه المنظمة، استنادا إلى مبادئ تتمثل في عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وفي احترام سيادتها، غير أن ذلك لم يتحقق على أرض الواقع، بعدما قامت هذه المنظمة بخرق ميثاقها المسطر بقبولها عضوية جبهة البوليساريو، مما أدى إلى انسحاب المغرب من منظمة الاتحاد الإفريقي احتجاجا على ما حصل بعد 21 سنة من التوقيع على ميثاق المنظمة خلال انعقاد أول قمة لها بأديس أبابا يوم 26 ماي من سنة 1963. قبول عضوية البوليساريو بمنظمة الوحدة الإفريقية، والذي سماه الملك الراحل الحسن الثاني «أكبر عملية تزوير في التاريخ المعاصر»، كان أول خرق قامت به هذه المنظمة تلتها خروقات ومناورات أخرى، آخرها القرار الأخير للاتحاد الإفريقي القاضي بتعيين ممثل خاص في ملف الصحراء، وهو ما يعتبر تدخلا في شؤون قضية تظل من اختصاص منظمة الأممالمتحدة، هذا القرار يستوجب من المغرب «التصدي له وللمناورات التي يسعى إليها الاتحاد الإفريقي بالرغم من أن المغرب غير معني بقراراته لأنه ليس عضوا فيه»، يقول لحسن بوقنطار، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، في تصريح ل»المساء»، والذي أوضح أن الاتحاد الإفريقي اعترف بالبوليساريو وكأنها دولة مستقلة، وهو بذلك انحاز إلى طرف وخرق شرعية المبادئ والأسس التي قام عليها. انسحاب المغرب من الاتحاد الإفريقي لم يمنعه من أن يظل فاعلا قويا داخل القارة السوداء، سواء من خلال مساهمته في استقرار وأمن عدد من الدول، أو المساعدات الإنسانية التي يبعث بها المغرب كلما تعرضت أي دولة من الدول الإفريقية إلى أزمة أو كارثة إنسانية، فضلا عن الشراكات والاستثمارات المتعددة والمتنوعة والتبادل الثقافي والاقتصادي الذي يجمع المغرب بعدد من الدول الإفريقية والعمل الدبلوماسي، إلى جانب الروابط الدينية التي ظلت لسنين طويلة تجمع بين مسلمي إفريقيا والمغرب، زيادة على الزيارات المكثفة التي قام بها الملك محمد السادس إلى عدد من الدول، ومنها الزيارة التي قام بها إلى الكوت ديفوار، حيث ألقى خطابا خلال شهر فبراير من السنة الماضية في افتتاح المنتدى الاقتصادي الإيفواري المغربي بإبيدجان، إذ ركز على أن «إفريقيا قارة كبيرة، بقواها الحية وبمواردها وإمكاناتها، فعليها أن تعتمد على إمكاناتها الذاتية، ذلك أنها لم تعد قارة مستعمرة. لذا، فإفريقيا مطالبة اليوم بأن تضع ثقتها في إفريقيا» يقول الملك محمد السادس، الذي أشار إلى أن «القرن الحادي والعشرين ينبغي أن يكون قرن انتصار الشعوب على آفات التخلف والفقر والإقصاء، ومواجهة العديد من التحديات التي تهدد الاستقرار السياسي في إفريقيا، وتعيق النمو الاقتصادي والاجتماعي بها، وذلك من خلال التعاون والتضامن بين الشعوب الإفريقية، واحترام سيادة الدول ووحدتها الترابية». وفي هذا الإطار، يؤكد أستاذ العلاقات الدولية أن للمغرب علاقات وطيدة ومتميزة مع عدد من الدول الإفريقية بغض النظر عن عضويته في الاتحاد الإفريقي، وإن كان وجوده في هذه المنظمة أفضل من عدمه، يقول بوقنطار، لكن لا يمكن له العودة إلا إذا رفع الضرر الذي بسببه خرج المغرب من المنظمة. عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي مشروطة بشروط، تتمثل أساسا في خروج البوليساريو، وهو ما سبق أن صرحت به امباركة بوعيدة، الوزيرة المنتدبة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون، حينما قالت «لن نعود بالشروط الموجودة حاليا، والتي يتم من خلالها إقحام البوليساريو، وبالتالي لا بد من خروج البوليساريو»، وهو الرأي ذاته الذي سبق أن أعلنه سعد الدين العثماني، وزير الشؤون الخارجية والتعاون السابق، عندما أكد أن المغرب يرغب في العودة إلى الاتحاد الإفريقي لكن لا يمكن له أن يعود إلى «منظمة تهدد سيادته ووحدته بطريقة غير منصفة». وتظل عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي مرتبطة بطبيعة المتغيرات، ومقيدة بشروط مشرفة، تتمثل أساسا في تجميد أو توقيف عضوية «البوليساريو» لأنه لا يمكن أن يجلس المغرب جنبا إلى جنب مع هؤلاء، يقول بوقنطار، وآنذاك يمكن للمغرب أن يبحث عن الصيغ القانونية للعودة إلى الاتحاد الإفريقي.