لم تمر ليلة "الانقلاب الفاشل" ضد حكم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عصيبة على الأتراك وحدهم، ممن نزلوا بالألوف إلى الشوارع والساحات استجابة لنداء الرئيس؛ بل كانت كذلك على عدد من المغاربة الذين تواجدوا في تركيا لغاية سياحية أو علمية، حتى وجدوا أنفسهم في ساحة الأحداث دون سابق إنذار. هسبريس تنقل إحدى الشهادات الحية التي واكبت الدقائق الأولى من ليلة الانقلاب الفاشل من وسط ساحة "تقسيم" الشهيرة بإسطنبول، والتي رواها الداعية والناشط السلفي المغربي عادل رفوش، لتواجده في مسرح الأحداث ليلة الجمعة الماضية.. "بدأت القصة على الساعة الثامنة..حين جلست في مقهى لمحتُ في وجوه الأتراك وهم ينظرون إلى التلفزيون التركي ملامح الاستغراب والتساؤل..نظرت في التلفاز فلم أفهم شيئا لا من الصور ولا من الكتابة، ثم خرجتُ ماشياً فرأيتُ صاحبَ بطيخ شامي (..) فسألته؟ فقال: الطرق تغلق لعل هناك قنبلة!!"، يقول رفوش. ويضيف رفوش، ضمن الشهادة التي عنونها ب"أنعم بالسلطان أردوغان"، أن تواجده في تقسيم كان لغاية سياحية بعد ارتباط علمي وعملي، موردا: "نظرت أسفل الجسر فإذا بالطرق تُسد والنَّاس يرجعون عكس السير في حالةٍ من الاضطراب، ثم ذهبت إلى الطرف الثاني من الساحة (حوالي 1000 متر) فوجدت بعض العرب وهم يتحدثون لا عن قنبلة، بل عن انقلابٍ!؛ قبل أن أفكر في العودة إلى فندق الذي أنزل فيه على جسر "البوسفور"، حيث معترك الأحداث". بعد تخليه عن فكرة سيارة الأجرة، التي قال إن سائقها رفع السعر إلى ألف دولار عوض 5 إلى 10 دولارات، تابع رفوش: "فجأة وجدت نفسي في ساحة بلا سيارات، فذهبت إلى الضفة الأخرى ثانية، فإذا بي أجد مدرعتين مع جنود مدججين بالسلاح، وبسيارات الشرطة الخاصة، وجهاز المخابرات التركية MIT يملأ الطرقات!"، مشيرا إلى حلول موعد منتصف الليل بتوقيت إسطنبول، الذي تبدل معه الحال في المنطقة.. "الأمكنة التي كانت تعج بالباعة والتسوق والمطاعم صارت فارغة إلا من الفوضى وصامتةً إلا من طلقات الرصاص وطواف الحوامات في السماء"، يزيد رفوش. "بعد وقت قصير من ذلك، ألمحت تجمع الأتراك في الساحة رافعين هتافات لم أفهم منها إلا أنهم مع أردوغان، وأنهم يفدون السلطان أردوغان بأرواحهم وبكل ما يملكون"، يورد الداعية نفسه، مضيفا: "تخيلتُ عن كل ممكن وأنا في شوارع مظلمة وبين طرق لا أهتدي إلى شيء، مع لباسي العربي الظاهر الذي قد يكون سبباً لاستهدافي أو اختطافي، قبل أن أهتدي إلى شراء قنينة، كسلاح لدواعي الضرورة". "بعد حوالي أربع ساعات من المشي والتوقف والترقب والتخوف والرجوع؛ وجدتُ طريقاً مستقيماً إلى ناحية الفندق، لكنني فوق الجسر، حيث دبابات الانقلابيين تغلق الطريق وتشهر السلاح"؛ يستطرد رفوش في شهادته، وزاد: "توقفت عند مدخل عمارة، ومرت درجات نارية مسرعة، وطلقات الرصاص والانفجارات تسمع بين الفينة والأخرى، قبل أن أطلب من شاب خرج من العمارة تبادل شارات "واي فاي"، فأرسلت بعض الرسائل تذكيرا لإخواني، وكلمتُ الوالدين والأولاد طمأنة لهم". ولم تنته مغامرة الداعية المغربي عند هذا الحد، إذ تابع قائلا: "ما هي إلا لحظات حتى وجدت فئات من الناس يتوجهون إلى الطريق العام المغلق ويتجمهرون حول سيارات كانت تغلقه، ثم حاصروا أربع سيارات إطفاء كبيرة؛ وأنزلوا من فيها واعتقلوهم، وبدؤوا يكبرون، ثم انطلق من بعض المساجد التي حولي التكبير في المكبرات"؛ موضحا أن "تلك المآذن في اسطنبول كانت ترفع كلمات من القرآن الكريم: سيهزم الجمع ويولون الدبر". وفي خلاصة شهادته، يقول عادل رفوش إن ما عاشه كان ليلة سوداء، مضيفا: "كما عشتُ مع إخواننا الأتراك ليلة من الأتراح؛ ها نحن نعيش معهم الأفراح؛ فكل شوارع اسطنبول تلهج بالتكبير وتجهر بِالتَّحْمِيدِ؛ في تجمهرات تفوق الوصف في كل مكانٍ، ومن كل الشرائح والأعمار"، وزاد: "التظاهر يفرض الحق ويسقط انقلابا ظالما.. لولا آلية التظاهر على ما فيها؛ لما كان من نافذة للعدل في مثل هذه الأوضاع التي حاول فيها إرهابيون عملاء الخروج على ولي الأمر في تركيا، والقفز على الشرعية والانقلاب على الرئيس والحكومة المنتخبين".