يعد رجب طيب أردوغان نموذجا للإنسان الكادح الذي كان يتوجب عليه أن يشق طريقه بنفسه بين حقل من الألغام والحفر والعوائق الممتدة على طول دربه في الحياة حتى يصل إلى ما وصل إليه اليوم. فهو من بيئة ملتزمة دينيًّا، وأسرة فقيرة ومتواضعة، وعلى الرغم من ذلك، لم يثنه هذا الحال عن تحقيق طموحه. و يقال إنّ أردوغان كان يبيع حلقات الكعك بالسمسم المعروفة في تركيا باسم “سميت” في حي قاسم باشا في إسطنبول والأحياء المجاورة، ثم أصبح يعتمد على تحصيل دخله من خلال لعبة كرة القدم عندما أصبح لاعبًا في شبابه. ويصف عدد ممن التقوا أردوغان بأنّه شخصية كاريزمية، شعبيّة، سريع البديهة،جدي الى اقصى الحدود ، حاد الطباع، يمكن استفزازه بسرعة، شديد القرب من نبض الشارع. طباعه هذه هي في جزء منها نتاج الطريق الصعب الذي سلكه في حياته، والمحطات المهمّة والمفصليّة التي أثّرت به عندما كان شابًا، وعندما أصبح رئيسًا لبلدية إسطنبول (1994-1998) وعندما سُجن بسبب قصيدة ألقاها في العام 1998. شخصية اردوغان وان كانت تحمل تناقضات متعددة و تحتمل أوجها كثيرة إلا أنها تستطيع أن يجتمع عليها و حولها كل الفرقاء السياسيين ألمختلفي المشارب والاديولوجيات باعتباره “الزعيم الداهية “والمحنك اللبيب ،والسياسي العظيم ، و الجونتلمان الراقي….. إلا أن ما سمي بمحاولة الانقلاب الفاشلة فتحت الباب متسعا لمجموعة من التساؤلات، فقد عاشت تركيا ليلة الجمعة على السبت 16 يوليو محاولة انقلاب فاشلة، انتهت باعتقال العسكريين الانقلابين في مختلف أنحاء البلاد، إلى جانب مقتل العشرات. في انقلاب رقم خمسة في تاريخ الانقلابات التي شهدتها تركيا منذ 1960، حاول إسقاط نظام حكم الرئيس رجب طيب أردوغان مساء 15 يوليوز 2016، لكن خروج الشعب إلى الساحات والمطارات والشوارع، ورفض القيادات العسكرية له، والتفاف المعارضة حول الحكومة التي بقيت تمارس عملها، كل ذلك سارع بطي صفحة الانقلاب وإعلان فشله، والشروع في اعتقال من يقف خلفه. البداية.. حكاية المحاولة الانقلابية بتركيا خرجت إلى العلن تقريبا مع الساعة ال11 ليلا من مساء يوم 15 يوليوز 2016 بتوقيت مكةالمكرمة، عندما أغلقت عناصر من الجيش التركي الخط المتجه من الشق الآسيوي إلى الأوروبي على جسر البوسفور، بينما سارع رئيس الوزراء بن علي يلدرم إلى وصف ما جرى بأنه محاولة انقلابية. بعدها تناقلت وكالات الأنباء أخبارا عن وجود مروحيات عسكرية تحلق في سماء أنقرة، ونقلت عن شهود سماعهم أصوات إطلاق ناربالعاصمة، تلاها تحذير أطلقه رئيس الوزراء من أن المحاولة الانقلابية فاشلة لا محالة، وأنه تم استدعاء كافة عناصر الشرطة، معلنا في تصريحات لمحطة (إن.تي.في) التلفزيونية الخاصة “بعض الأشخاص نفذوا أفعالا غير قانونية خارج إطار تسلسل القيادة.. الحكومة المنتخبة من الشعب لا تزال في موقع السلطة. هذه الحكومة لن ترحل إلا حين يقول الشعب ذلك”. إثر ذلك بدقائق، نقلت وسائل إعلامية تركية أن جماعة فتح الله غولن هي من تقف وراء المحاولة الانقلابية، بينما سيطر انقلابيون على القناة التركية الرسمية “تي.آر.تي” وأجبروا العاملين فيه على بث بيان تحدث عن تولي السلطة “للحفاظ على الديمقراطية” وأن جميع العلاقات الخارجية للدولة ستستمر وأن “السلطة الجديدة” ملتزمة بجميع المواثيق والالتزامات الرسمية. كما تعهد بإخراج دستور جديد في أٌقرب وقت. بعد ذلك أعلن مصدر بالرئاسة أن البيان الذي صدر باسم القوات المسلحة لم يكن مصرحا به من قيادة الجيش. نداء أردوغان بتزامن مع بث بيان الحركة الانقلابية، وقع حدث مفصلي تمثل في خروج الرئيس على إحدى الفضائيات عبر تطبيق بالتواصل الاجتماعي دعا أبناء شعبه للنزول إلى الشوارع والميادين والمطارات رفضا للانقلاب العسكري ومؤكدا “لن نسمح لأحد أن يُثني عزمنا”. وطالب أردوغان القوات المسلحة والجنرالات الشرفاء إلى الوقوف بصلابة وشرف أمام من باع ضميره من الضباط الآخرين الذين ستتم معاقبتهم في أقرب وقت. وفي الوقت الذي كان الانقلابيون يعلنون نجاحهم في السيطرة على مفاصل الدولة، تناقلت وسائل الإعلام الدولية تصريحات لمسؤولين أتراك يؤكدون فيها أن الرئيس والحكومة المنتخبين ديمقراطيا لا يزالان على رأس السلطة. بعدها خرج الرئيس السابق عبد الله غل -في تصريح لقناة فضائية تركية عبر تطبيق للتواصل الاجتماعي وُصف بالقوي- أكد فيه بلهجة صارمة أنه لا يمكن القبول بأي محاولة انقلابية، مشيرا إلى أن الحركة الانقلابية لم تحدث ضمن التسلسل الهرمي للجيش، ودعا للعودة سريعا إلى الديمقراطية. وتابع غل أن تركيا ليست بلدا في أفريقيا، وليس من السهل تنفيذ انقلاب عسكري فيها، ويجب على من قام بهذه المحاولة العودة فورا، وطالب الشعب باتخاذ موقف سريع ضد التحرك الانقلابي، وأضاف أن على الجميع أن يكون واعيا إزاء هذا الخطر الذي يحدق بالبلاد. وطالب المتظاهرون في ميدان تقسيم بإسطنبول بعودة الجيش إلى ثكناته، مؤكدين أن زمن الانقلابات قد ولى. ورفع المتظاهرون صور أردوغان ورئيس الوزراء بن علي يلدرم، وخرجت مظاهرة ضخمة في الساحة الرئيسية بالعاصمة أنقرة رفضا لمحاولة الانقلاب ودعما للرئيس. كما خرجت مظاهرة حاشدة في منطقة سلطان غازي وشارع وطن بإسطنبول رفضا للمحاولة الانقلابية.الشعب يستجيب جماهير الشعب التركي لم تتأخر في الخروج إلى الشوارع والمطارات استجابة لنداء أردوغان لحماية الديمقراطية وإفشال الانقلاب، فانطلقت مظاهرات حاشدة في ميادين إسطنبولوأنقرة ومدن عدة رافضة لمحاولة الانقلاب العسكري. وخرجت مظاهرات رافضة لمحاولة الانقلاب في مدينتي غازي عنتاب وأنطاكيا جنوبتركيا. وصدرت تكبيرات ودعوات من مآذن المساجد في إسطنبول، كما صدرت دعوات من مساجد منطقة مجيدي كوي للمواطنين بالخروج إلى الشوارع رفضا لمحاولة الانقلاب. ومع بدء خروج الناس إلى الميادين والمطارات، بدأت تتوارد أنباء عن استخدام الانقلابيين قنابل يدوية وإطلاق رصاص ضد المدنيين ورجال القوات الخاصة، وسمعت انفجارات بالعاصمة، كما سمع صوت إطلاق نار في المجمع الرئاسي بأنقرة. وتأكد أن مروحيات فتحت النار على فندق كان يقيم فيه الرئيس أردوغان في قضاء مرمريس بولاية موغلا غربي البلاد بعد فترة من مغادرته له فجر السبت، اليوم الموالي لبدء محاولة الانقلاب الفاشلة. وبقيت المروحيات لفترة تحلق فوق المكان ثم نزل منها ما بين عشرة و15 ملثما مدججين بالأسلحة، وفرضوا طوقا على الفندق. كما ألقت طائرة قنبلة قرب القصر الرئاسي، وأظهرت مشاهد بثتها قنوات التلفزة السبت سحابة من الدخان تتصاعد فوق المكان. ووقع الحادث فوق حي بيستيبي في ضاحية أنقرة حيث يقع المجمع الرئاسي لأردوغان الذي كان موجودا بإسطنبول لحظة وقوع الانفجار وقبل الإعلان عن فشل الانقلاب. إجماع سياسي وكان لافتا التفاف القوى السياسية التركية المعارضة حول الحكومة في رفضها للانقلاب. وعلى سبيل المثال، ذكر زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض كليجدار أوغلو أن تركيا عانت من الانقلابات “وسندافع عن الديمقراطية”. كما دعا رئيس البرلمان التركي الجميع الوقوف صفا واحدا للدفاع عن الديمقراطية، وقال “إن كثيرا من النواب معي الآن وهم يدافعون عن الديمقراطية”. إجماع التيارات السياسية المعارضة والحكومة والقيادات العسكرية على ضرورة احترام الشرعية، ورفض الانقلاب، وخروج الآلاف من المواطنين إلى الشوارع والساحات والمطارات، عجل بإفشال المحاولة الانقلابية، حيث خرج يلدرم من جديد ليؤكد أن الانقلاب فشل، وأن الاعتقالات جارية في صفوف العناصر الانقلابيين جنودا وضباطا، بينهم ذوو رتب عالية. كما أعلن رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو أن السلطة عادت إلى قبضة قوات الأمن الشرعية، واتهم جماعة غولن بالوقوف خلف المحاولة الانقلابية. وعاودت قناة “تي.آر.تي” الرسمية التركية بثها بعد انقطاع دام ساعات أثناء محاولة الانقلاب، وظهرت مذيعة القناة الصحفية تيجين كاراش أمام كاميرات الصحفيين لتعلن أنها اضطرت لقراءة البيان العسكري الانقلابي لأنها كانت تحت تهديد السلاح. وشكل وصول الرئيس أردوغان إلى إسطنبول فجر يوم 16 يوليوز 2016 طيا لصفحة الانقلاب، حيث تجمع حوله الآلاف في المطار، وقال في مؤتمر صحفي بمطار أتاتورك إن منفذي المحاولة الانقلابية مجموعة ممن يكرهون تركيا ويتلقون أوامرهم من بنسلفانيا، في إشارة إلى زعيم الجماعة فتح الله غولن المقيم هنالك. وأكد أن المحاولة الانقلابية جاءت قبيل اجتماع لمجلس الشورى العسكري الذي كان مقرَّرًا أن يتخذ عددا من القرارات الحاسمة. وينعقد اجتماع مجلس الشورى العسكري مرتين سنويا، ويختص في الفصل بالترقيات والعزل في الجيش، وكانت تسريبات أشارت إلى أن الاجتماع سيعمل على عزل نحو أربعمئة ضابط متوسط الرتبة وإحالتهم إلى التقاعد. كما أُعلن عن تحرير رئيس الأركان خلوصي آكار من قبضة الانقلابيين الذين اعتقلوه مع بداية الانقلاب. استسلام واعتقالات وتتالت الأنباء التي تؤكد استسلام عشرات الجنود المشاركين بالانقلاب للأجهزة الأمنية، وظهرت صور ومقاطع فيديو تبرز ذلك بوضوح. وظهر يلدرم في مؤتمر صحفي أكد فيه أن الوضع بات تحت السيطرة، وتوعد بمحاسبة الانقلابيين، ودعا الشعب إلى البقاء بالشوارع حتى الانتهاء من إفشال الانقلاب بشكل كامل. بينما أكد رئيس أركان الجيش بالوكالة الجنرال أوميت دوندار -الذي عين بهذا المنصب بعد فقدان الاتصال برئيس الأركان خلوصي الذي اعتقله الانقلابيون، صباح اليوم الموالي للانقلاب، في مؤتمر صحفي بإسطنبول- أن المحاولة الانقلابية التي استهدفت الإطاحة بالنظام السياسي في البلاد أحبِطت, وأكد أن صفحة الانقلابات العسكرية بتركيا طُويت إلى الأبد, مشيرا إلى أن المحاولة نفذتها قوات من سلاح الجو وبعض قوات الأمن و”عناصر مدرعة”. وأضاف أن من بين من شاركوا في المحاولة عسكريين من الجيش الأول -الذي يقوده دوندار- وأكد أن الانقلابيين اختطفوا عددا من الضباط ووضعوهم في مكان غير معلوم. وما لبثت أن بدأت حملة اعتقالات بحق المشاركين في الانقلاب، حيث تم اعتقال حوالي ثلاثة آلاف عسكري بينهم ذوو رتب رفيعة، وذلك حتى ظهر السبت الموالي للانقلاب. كما تم إصدار مذكرة توقيف بحق قائد اللواء 55 مشاة الجنرال بكر كوجاك، وأقيل خمس جنرالات و34 ضابطا رفيعا من وزارة الداخلية بأمر من الوزير أفكان علي. كما أعلنت وسائل إعلام تركية أن أجهزة القضاء عزلت 2745 قاضيا، بينما تم اعتقال نحو مئة عسكري بقاعدة جوية بديار بكر على خلفية المحاولة الانقلابية. وأعلن محافظ ملاطيا غداة المحاولة الانقلابية إلقاء القبض على 39 طيارا عسكريا كانوا على متن سبع طائرات عسكرية. وحتى ظهر السبت 16 يوليوز 2016، كانت المحاولة الانقلابية قد أسفرت عن مقتل 161 شخصا، وإصابة حوالي 1440، مقابل نحو عشرين قتيلا وثلاثين مصابا من الانقلابيين. هذا كله لايشكل سوى وجه العملة الظاهر اما الجانب الخفي من الحقيقة هو ما قد نسميه بسيناريو اردوغاني محبوك بدقة مخرج سياسي يؤطر للمستقبل البعيد و ينوع أدواته السياسية من التقليدية إلى أدوات أكثر عصرنة و حداثة و جدة و غير بعيد عن مقولة لميكيافيليي صاحب الامير “إذا أردت أن تقضي على الخونة وأن تبرز قوتك للجميع اخلق انقلابا وقم بالقضاء عليه”… ميكافيلي. اذن و دون أي تعليق ….الامر يتعلق بمسرحية مسماة جزافا ” انقلاب” ،لم يكن لاشبح خير الدين بربروسا ، ولاسليمان القانوني ، ولامحمد الفاتح ، ولا اوغلو ،ولا اردوغان .. الذي انتصر وجنب تركيا السقوط في بحر ..امواجه هدير السلاح ، وصخوره القمع والاجهاز على الحريات هو التعليم ومنسوب الوعي المرتفع ..اما الباقي فمجرد اشاعات ان كان لديك خيارين كلاهما مر ( الجيش – الاخوان) عليك اختيار الاقل مرارة حسب ابي فراس الحمداني قال اصيحابي الفرار ام الردى قلت هما امران احلاهما مر. الحدث التركي اذن “سيناريو أردوغاني” يهدف لدعم موقف رئيس النظام التركي رجب طيب اردوغان عبر القضاء على معارضيه في الجيش وكسب تأييد شعبي لمشاريعه المستقبلية. ولفت به الانتباه اليه “جاء في الوقت الذي يعاني فيه اردوغان من عزلة داخلية وخارجية بسبب سياساته المعروفة”. حتى يزيد من شعبيته في هذا الوقت الصعب على صعيد السياستين الداخلية والخارجية. وقال اورطايلي في تغريدات على موقع تويتر “إن المحاولة الانقلابية تمثيلية بسيطة استطاع من خلالها أردوغان أن يدفع بالجماهير الى الشوارع وهو ما سيستفيد منه في تغيير النظام الى رئاسي وليصبح الحاكم المطلق للبلاد والى الأبد بعد ان يقضي على من تبقى من معارضيه في الجيش. وحتى بعيدا عن مسالة الانقلاب لنحلل الصورة التي تو تداولها في الاعلام الدولي حول هذا المسمى انقلاب فالانقلاب هو إزاحة مفاجئة للحكومة بفعل مجموعة تنتمي إلى مؤسسة الدولة -عادة ما تكون الجيش- وتنصيب سلطة غيرها مدنية أو عسكرية. يعدّ الانقلاب ناجحا إذا تمكّن الانقلابيون من فرض هيمنتهم، فإذا لم يتمكنوا فإن الحرب الأهلية تكون واردة. و هو الطرح المفاهيمي البعيد عن مسالة الحدث التركي .مما يجعلنا امام طرح اخر لان اردوغان الداهية يجب ان يمتطي صهوة واقعة صغيرة ليلبسها رداء الظاهرة الكبيرة و هو الطرح الذي يمكن ان نضعه في خانة التمرد و العصيان على اعتبار انه هو رفض تنفيذ الأوامر. ويمكن تعريفه بأنه مجموعة من أنماط السلوك الاجتماعي الموجَّه إلى أشكال السلطة المختلفة ومظاهر النفوذ، للخروج عليها وإعادة بنيتها وسمات مظاهرها بالشكل الذي يخدم الفاعلين، ويحقِّق أهدافهم ويعيد إليهم قدراً من السلطة والنفوذ. وهو يختلف عن الثورة في شرعيته الاجتماعية ومقدار تقبل الناس له وانخراطهم فيه، وتبدأ كل ثورة اجتماعية بعملية تمرُّد تقوم به جماعة من الأفراد ثم تستقطب مجموعات أخرى من الناس حتى تعم أغلب الفاعلين الاجتماعيين وتنظم تمردهم. ولنترك للمحللين فرصة النقاش المفتوح و لنتطلع للمستقبل فمن المؤكد ان اردوغان بدا بالقضاء ثم الجيش وبعده سوف يمر للدستور ثم المعارضة ليبسط سيطرته على كل مناحي الحياة السياسية التركية ليبقى كوجيطو الشك مفتوحا من الفاعل و المفعول به.. محلل سياسي دولي، خريج جامعة بروكسل الدولي