موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    موتسيبي: كأس أمم إفريقيا للسيدات المغرب 2024 ستكون الأفضل والأنجح على الإطلاق    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    ضمنهم موظفين.. اعتقال 22 شخصاً متورطين في شبكة تزوير وثائق تعشير سيارات مسروقة    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المغرب        صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    وهبي: أزماتُ المحاماة تقوّي المهنة    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تأملات في حقيقة أولياء الله الصالحين !!
نشر في هسبريس يوم 08 - 07 - 2016

وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ ۚ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ (يونس/ الآية 18).
الدين نص وتأويل، هذا من عند الله، وذاك من صنع البشر. هذا ثابت، وذاك يختلف باختلاف الأفراد و المجتمعات والحقب. فإن كان النص ليس بالوسع تبديله، فكثيرا ما تحايل البشر عليه بتأويله حتى يوافق أهواءهم ونزعاتهم.
وقد أبى بعض مفكري اليونان وروما الأقدمين، مثل Pythagore و Numa Pompilius، أن يخلفوا نصوصا تكبل فكر التابعين، فأحرقوا قبيل وفاتهم ما كتبوا، أو أوصوا بأن تدفن كتاباتهم معهم، حتى يتيحوا لكل جيل من كل قطر أن يخرج بفكر يناسب عصره وبيئته. وقد يقال أن نبي الإسلام أيضا لم يأمر بجمع القران، بدليل أن الخليفة أبا بكر تردد حين عرض ابن الخطاب عليه الفكرة، قائلا لعمر أنه لا يستطيع أن يقدم على ما لم يقدم عليه النبي ولا أوصى به قبل وفاته. غير أن الافتراض السائد في الدين هو أن تعاليمه الواردة في النص المقدس صالحة للكافة في كل زمان ومكان.
بيد أن كثيرا ما كان البشر أضعف من أن يلزموا أنفسهم بأحكام النص، وأجبن من أن يثوروا، وأخبث من أن يعترفوا بعجزهم أو صدودهم. و إذ كانوا دائما في حاجة إلى عز اليقين الذي يوفره لهم الذين، لم يروا بأسا إزاء ضعفهم في أن يبقوا عليه مع تأويله تأويلا يريحهم، ويوهمهم في الوقت ذاته بأنهم مخلصون له.
الحاجة النفسية إلى الوسيط أو الشفيع
وقد كان أشق ما فرضته عليهم الأديان السماوية تجريد مفهوم الرب. فالعبادة في العالم القديم لم تكن بالتي يمكن تخيلها دون وثن أو صورة، وكانت آلهة الأقدمين دوما محسوسة ومجسدة، صنما كانت أو كوكبا أو ملكا أو ظاهرة طبيعية. فكان لابد إذن من مرور قرون طويلة حتى يرسخ هذا المفهوم الجديد للآلهة في الأذهان. غير أن الإحساس ظل قائما لدى عامة البشر بالفجوة الهائلة التي باتت تفصل بينهم وبين إلههم، حتى أن صور لهم هذا الإله على أنه أب لهم، أو أقرب إليهم من حبل الوريد. وكان أن نشأت لديهم حاجة ((وثنية)) ملحة إلى ملئ هذه الفجوة بأية وسيلة، أو اجتيازها بأية حيلة. وهي حاجة نفسية رأى بعض رجال الدين أن من الحكمة الاستجابة لها بقدر محدود، خشية أن تنصرف العامة عن الدين بأسره، أو حرصا على بقاء سلطانهم. وسرعان ما حلت التماثيل الدينية و الأيقونات مكان الوثن، وتقديس الأولياء محل عبادة الآلهة والملوك و الأسلاف.
وقد صحبت هذه الحاجة النفسية لدى العامة إلى المحسوس، حاجة أخرى -هي نفسية أيضا- إلى الشفيع أو الوسيط. إذ أنه مهما أصر الملوك والكبراء على فتح أبوابها للرعية، ومهما أكدت الديانات أنه لا وسيط بين العبد وربه، ستظل العامة تهولها فكرة الحضرة الملكية أو الإلهية، وتفضل توسيط من يرونه أدنى إليهم. و أشبه بهم فإذا هم يتحولون عن الدعاء الرب إلى دعاء نبيه، إلى حفيد نبيه، إلى سليل بعيد من أهل البيت، إلى ولي صالح في مدينة أو قرية، يطلبون شفاعته أو عونه، ويلجئون إليه وقت المحنة والضائقة.
ولا شك في أن الأديان السماوية قد أثرت تأثيرا عميقا في عقائد الشعوب التي اعتنقتها، وفي سلوكها وعاداتها و أنماط عيشها. غير أنه مما لاشك فيه كذلك أن الأفكار و المعتقدات القديمة التي جاءت هذه الأديان لاقتلاعها ولتحل مكانها، قد أفلحت في التسرب إلى الأديان، وفي تكييفها وفق الاحتياجات النفسية و الاجتماعية للشعوب.
وكثيرا ما امتزجت التعاليم الأساسية لدين معين بالعقائد المحلية امتزاجا أسفر عن نتائج ذي صورة جديدة يتعذر التعرف على التعاليم الأصلية فيها.
وقد كانت الشعوب دائما من الخبث، أو الذكاء، أو الضلال، بحيث أوجدت أساسا ((دينيا)) جديدا لاستمرار تمسكها بالمعتقدات القديمة، وصبغت عقائدها وطقوسها وعباداتها التي لا تنوي بأي حال من الأحوال أن تتخلى عنها، بصبغة الدين الجديد، وأدخلتها في إطاره. ونذكر على سبيل المثال استمرار كراهة الزواج بالأرامل في الهند حتى بعد دخول الإسلام فيها ومحاولة تفسيرها تفسيرا إسلاميا مع أنه من المؤكد أنها مخالفة لروح هذا الدين الحنيف. كما نذكر أن بعض القبائل الأفريقية التي كانت ديانتها الوثنية تحرم ذبح الديكة و أكل لحومها، استمرت بعد إسلامها تحرمها ولكن على أساس جديد هو أن الديكة هي التي توقظ النيام لصلاة الفجر، ومن ثم فهي طيور مقدسة.
تجاوز العقبات القائمة في سبيل تقديس الأولياء
غير أنه ما من وسيلة أتاحت الفرصة أمام الشعوب للإبقاء على بعض جوانب دياناتها القديمة ومعتقداتها قدر ما أتاحه تقديس الأولياء.
فإن كانت الشعوب التي اعتنقت المسيحية قد وجدت متنفسا في تقديس تماثيل مريم و المسيح و الأيقونات الدينية، فقد كان تقديس الأولياء المتنفس الرئيسي للرواسب القديمة لدى بعض من اعتنق الإسلام، إزاء التحريم القاطع الذي جاء به هذا الدين للأوثان.
وقد جابهت الشعوب الإسلامية عقبتان كبيرتان في سبيل محاولتها أن يكون لتقديس الأولياء مكان في إطار الدين الجديد، وأن ينسبوا المعجزات (أو الكرامات كما يسمونها) إلى هؤلاء الأولياء حتى يبرروا هذا التقديس:
العقبة الأولى هي أن الإسلام لا يعترف بوسيط بين الله والناس، ولا مكان فيه أصلا لمثل هذا التقديس، بل لقد استنكر القرآن صراحة تقديس اليهود والنصارى للأحبار والرهبان: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (سورة التوبة الآية 31)
و العقبة الثانية هي أن نبي الإسلام لم يدع لنفسه القدرة على خرق قوانين الطبيعة، ولا ادعى علم الغيب، ولا كان القدماء ينسبون إليه من المعجزات غير ما نص عليه القرآن، و إنما كانوا يكتفون ببيان أفضال الله عليه، ولا يرونه غير بشر كريم يوحى إليه. فكيف يمكن أن تنسب العامة للأولياء من المعجزات ما لم يقم النبي بمثله أو بما هو أغرب منه؟
قُل لَّا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ (سورة الأنعام الآية 50)
قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (سورة الأعراف الآية 188)
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا ۚ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ ۖ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ ( الأنعام الآية 109)
فأما العقبة الأولى، وهي مخالفة تقديس الأولياء لروح الإسلام، فقد تجاهلتها العامة تماما، ودارت حولها دون أن تزيلها، وغض معظم الفقهاء الطرف عن هذا التجاهل، ما لم يصل التقديس إلى درجة تناقض التوحيد تناقضا صارخا. بل لقد أيد تقديس الأولياء ثلاث نفر من مفكري الإسلام هم: ابن سينا في كتابه ((الإشارات))، و الغزالي في كتابه (( الإحياء))، و ابن خلدون في ((المقدمة)).
فإن كان البعض كالمعتزلة و الحنابلة ثم الوهابيين قد حاربوا هذه البدعة وغيرها من آثار الوثنية، واستندوا ضمن ما استندوا إليه في حربهم إلى قولة عمر بن الخطاب للحجر الأسود في الكعبة: والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك. فإن دعواتهم هذه ضاعت هباء مع العامة في أماكن كثيرة.
و أما العقبة الثانية فقد نشطت العامة للتصدي لها، ونجحت نجاحا ملحوظا في تجاوزها. رأت أن ليس بالإمكان نسبة معجزات الأولياء إلا بعد إدخال تغيير على المفهوم الإسلامي الخالص عن النبوة، و أنه ليس من اللائق ولا من الأدب الحديث عن كرامات للأولياء هي أعظم مما كان عندها للنبي. وكان السبيل السهل إلى التغلب على هذه العقبة أن تنسب إلى النبي مئات المعجزات، منها ما يتحدث عن إطعامه جيشا بأسره من صحفه ثمر، أو تفجيره عينا في الصحراء بغرس رمح في الرمال أو إبرائه أحد الصحابة من رمد بأن تفل في عينيه. وكلما ثار الفقهاء إذ تنسب إلى ولي من الأولياء معجزة لم يأت النبي بمثلها، بادرت العامة فنسبت إلى النبي ذاته معجزة تفوقها روعة.
من أمثلة ذلك ما ورد في ((تاريخ الخميس)) للديار بكري: عن أسماء بنت عميس (زوجة جعفر ابن أبي طالب) من طريقين أن النبي كان يوحى إليه (في خيبر) وهو في حجر علي، فلم يصلي (علي) العصر حتى غربت الشمس.
فقال له رسول الله: أصليت يا علي؟ قال: لا. فقال النبي: اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك، فأردد عليه الشمس. قالت أسماء: فرأيتها غربت ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت. وهذا حديث ثابت الرواية عن ثقات !!!
ثم اقتضى الأدب و الذوق إضفاء مثل هذه القدرات الخارقة على بعض كبار الصحابة، إمعانا في تمهيد السبيل لتقديس الأولياء: (( وتناول علي ابن أبي طالب باب حصن خيبر وكان من حديد، فقلعه وترس به عن نفسه ... فلم يزل في يده وهو يقاتل ... وقد حمله علي بعد ذلك على ظهره وجعله قنطرة حتى دخل المسلمون الحصن. ثم لما وضعت الحرب أوزارها، ألقى علي ذلك الباب الحديد وراء ظهره ثمانين شبرا... وروي عن ابن رافع أنه قال: فلقد رأيتني في سبعة نفر وأنا ثامنهم نجهد أن نقلب ذلك الباب فما نستطيع أن نقلبه. وفي (( المواهب أللدنية )): قلع علي باب خيبر ولم يحركه سبعون رجلا إلا بعد جهد. وفي رواية ابن إسحاق سبعة. وفي شرح المواقف: قلع علي باب خيبر بيده، وقال: ما قلعت الباب بقوة جسمانية ولكن بقوة إلهية... !! ((تاريخ الخميس)).
محاولة إيجاد سند قرآني لكرامات الأولياء
فما وجدت هذه المعجزات مكانها على صفحات الكتب، وخطب الوعاظ، وأذهان العامة، حتى كان الجسر المطلوب قد أقيم على الهوة الفاصلة بين الإلهي و البشري، وحتى بات الطريق مهيئا لنسبة المعجزات الإلهية إلى بشر سموا بالأولياء، وهو لفظ أورده القرآن وصفا للمتقين المقربين، دون أن يذكر شيئا من قدرات لهم خارقة: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ .( يونس/62-64)
وقد خيل لفقهاء العامة أن بوسعهم أن يجدوا سندا في القرآن لكرامات الأولياء. فقد تحدثت سورة آل عمران الآية 37، عن الرزق الذي كان الله يبعث به إلى مريم في المحراب: كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ.
كذلك تحدثت سورة النمل الآية 40 عن شخص لم تسمه أتى سليمان بعرش ملكة سبأ من بلادها قبل أن يرتد إلى سليمان طرفه. وإذ لم تكن مريم ولا كان صاحب سليمان هذا من الأنبياء، فمن الجائز إذن أن يهيئ الله لغير الأنبياء كرامات أشبه ما تكون بالمعجزات.
وقد حرص هؤلاء احتراما منهم للأنبياء على ألا يسموا معجزات الأولياء بالمعجزات أو الآيات، وإنما أسموها كرامات أو بركات. وقالوا أن الكرامة من خوارق العادة، وهي تختلف عن المعجزة التي هي أيضا من خوارق العادة في أن المعجزة غنما يريد الله بها أن يدلل على صدق دعوى الرسل، أما الكرامة فغير مقرونة برسالة، ولا من قبيل تحدي الكافرين. كذلك فهي تختلف عن المعونة في أن المعونة يتلقاها مسلم لم يخض تجربة خاصة، وتختلف عن الإرهاص الذي هو معجزة يريد بها الله أن يشعر النبي قبل تكليفه بالرسالة على أنه في سبيله إلى أن يكلف. وقالوا أن الولي قد يكون جاهلا بقدرته على الإتيان بالكرامات، بينما لا يملك النبي إلا أن يشعر بها، وأن على الولي أن يخفي كراماته وأن يهون من قيمتها قدر الإمكان، ويعتبرها اختبارا له لا هبة من الله، بينما الواجب على النبي أن يظهر المعجزات ويحيط قومه علما بها من قبيل التدليل على نبوته.
غير أن الواقع أن كرامات الأولياء (كما أوردتها الكتب والأحاديث العامة) لم تكن في أي وقت من الأوقات بدون معجزات الأنبياء شأنا:
فمالك بن دينار: بلغ من منزلته أنه ركب مع جماعة ذات مرة سفينة فضاع فيها جوهرة اتهموه بسرقتها. وإذ رفع رأسه إلى السماء خرج في الحال كل ما في البحر من السمك على الماء وقد أمسكت كل سمكة بفمها جوهرة. فأخذ مالك من كل ذلك جوهرة واحدة وأعطاها للجماعة، ووضع قدمه على الماء فسار عليه في يسر حتى وصل غلى الساحل.
وأبو العباس القصاب: قيل أن صبيا كان قد أمسك بزمام بعير يحمل حملا ثقيلا، فانزلقت رجل البعير ووقع وانكسرت رجله. واستغاث الصبي فقصده الناس. وغذ مر أبو العباس وعلم بما وقع. أمسك بزمام البعير واتجه إلى السماء فقال: اللهم اشف هذا البعير، وإذا لم تشأ أن تبرئه فلم أحرقت قلبي ببكاء هذا الصبي؟ !!!
وفي الحال نهض الجمل، ومضى صحيحا معافى. ( الأمثلة من كتاب /كشف المحجوب/ للهجويري).
وثنية أم إسلام
آراء الفقهاء و العلماء في الأمصار المختلفة كثيرا ما تتفق، فإن اختلفت فكثيرا ما يكون الاختلاف بينها طفيفا وغير ناتج عن اختلاف المصر. أما ديانات العامة فواضحة التباين بتباين البلدان، حتى إن كان الدين الرسمي فيها جميعا دينا واحدا. فالعامة لا تقرأ كتابات الفقهاء والعلماء ولا تتأثر بها، وباستطاعتها في اغلب الأحيان أن تتجاوز الحدود الدينية دون أن تقع تحت طائلة العقاب أو التقريع.
فإن نحن قلنا بعد كل هذا أن شطرا من العامة في صعيد مصر يرى أن الطواف سبع مرات بقبر الشيخ القناوي بقنا (وهو طواف يبادر إليه الكثيرون فور وصولهم إلى المدينة) فيه غناء عن أداء مناسك الحج إلى بيت الله الحرام، وإن قلنا أن عددا من الفقهاء قد أيد هذا الرأي استنكارا منه لفكرة أن يفقر البعض نفسه بتحمل نفقات حجه إلى مكة، ثم إن نحن افترضنا بعد ذلك أن هذا الشيخ أسطورة، وأن القبر أقيم على طلل معبد آلهة من آلهة قدماء المصريين، لوصلنا إذن إلى نتيجة غريبة، وهي أن العامة قد أحلت محل ركن من أركان الإسلام الخمسة طقسا وثنيا خالصا يرجع إلى زمن الفراعنة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.