منذ الساعات الأولى من الصباح أخذت أصواتُ "الطبّالين" تتعالى في أحياء مدينة سلا.. "السلام عليكم آلحباب.. عواشر مبروكة وعيد مبارك سعيد.."، يردّدُ أحدهم، قبل أنْ يصل إلى المقصود من طوافه على البيوت والشمس لم تطلع من مرقدها بعد: "ها النفّاخ... عْوين الطبّال".. وبيْن فيْنة وأخرى تفتح نافذة أو باب وتُمدُّ صدقة ل"النفاخ"، جزاءً له على إيقاظ الناس للسحور طيلة أيّام رمضان، وإن كانوا يُعوّلون على منبهات هواتفهم لإيقاظهم، في زمن التكنولوجيا الحديثة، أكثر ممّا يعوّلون على صوت مزماره. قبل الساعة السابعة صباحا بدأتْ أفواجٌ من المُصلّين تتقاطرُ على المُصلّى الكبير في حيّ كريمة بمدينة سلا، وكلّما تقدّمتْ عقارب الساعة نحوَ الوقت المحدّد لأداء صلاة العيد، تزداد الأفواج البشرية عددا، إلى أن امتلأ المصلّى، وهو في الأصل عبارة عنْ أرْض مُتربة. في الطريق إلى المُصلى، يُصادف المرْء مَن "لا عيد لهم"، ومنهم سيّدة تشتغل في الإنعاش الوطني وتعملُ على كنْس الشارع منذ الصباح الباكر.. نادلو المقاهي أيضا ودّعوا النظام الذي كانَ معمولا به في رمضان وبدؤوا نظاما جديدا مع أوّل أيام عيد الفطر. في مدخل المُصلّى تجمهر عشرات المستوّلين، من بينهم مهاجرون قادمون من جنوب الصحراء؛ كما وجد شبّان عملا لساعات بالبحث لأصحاب السيارات عنْ موقفٍ في إحدى الأزقة المتفرعة عن الشارع الرئيسي، مقابل دراهم. "حُمّى" تقاسُم لحظات العيد مع الأصدقاء على مواقع التواصل الاجتماعي، بما فيها ممارسة الشعائر الدينية، كانتْ جليّة داخلَ المُصلّى..كثير من المُصلّين وقفوا في أماكنهم وأخذوا هواتفهم المحمولة وشرعوا في تصوير الجمْع الغفير بالصوت والصورة. ولا تطال "حُمّى" التكنولوجيا الحديثة الشباب فقط، بل حتى الشيب، ومنهم شيخٌ يبدو من خلال هيئته أنّه في عقده السادس، سحب هاتفه وأخذ لنفسه "سيلفي" مع طفليْن يبدو أنهما حفيداه.. كانَ يصوّر ويردّدُ مع المُصلّين أذكارَ ما قبل صلاة العيد في آن. وبخلافِ السنة الماضية، إذ أدّى المصلون صلاة عيد الفطر في مُصلّى حي كريمة، يوم 18 يوليوز، تحت أشعّة شمسٍ حارقة، وهو ما دفع عددا منهم إلى المغادرة قبل إتمام الخطبة، كانَ الطقسُ رحيما بالناس هذه السنة، إذا ظلّت الشمس محتجبة خلفَ الضباب، وظلّ الجميع ملازما مكانه إلى نهاية الخطبة ورفْع الدعاء. في خُطبة امتدّتْ لأزيد من نصف ساعة، تحدّث الإمام عن فضائل شهر رمضان، وعن الحكمة من الأعياد الدينية في الإسلام، داعيا إلى استخلاص الدروس والعبر من "مدرسة الصيام"، قبل أن ينتقلَ إلى حثِّ الشباب على "العودة إلى الإسلام". وتوجّه الخطيب إلى الشباب بالقول: "أنتم يا شباب المسلمين، عودوا إلى الإسلام وعيشوا بالإسلام، فإنه من يعش بالإسلام يعِشْ كبيرا، واجعلوه يملأ قلوبكم وعقولكم وحياتكم، واجعلوا قضية أن يعيش هذا الدين كبيرا أهمَّ قضية في حياتكم، ولا تتركوا الساحة فارغة للذين هم على باطل ويعرفون كيف يروجون لهذا الباطل". خطيبُ صلاة العيد بمصلّى حيّ كريمة دعَا مسؤولي ودعاة وعلماء ومفكّري مدينة سلا إلى تحمّل المسؤولية الملقاة على عاتقهم، "لإصلاح الجيل الحالي وتوجيهه"، قائلا: "احذروا من التقصير، واحذروا كتمان ما أوتيتم، فأثر ذلك كبير. ووالله ما انتشر الانحراف بكل معانيه والانحلال بكل صوره وأشكاله إلا لإحجامكم عن تأدية الأمانة". وحرص الخطيبُ على توجيه "آخر رسائل" خطبته إلى النساء اللواتي حضرْنَ بكثافة إلى المصلّى، وخاطبهنّ قائلا: "أنتن أهمّ من كل ما في البيت، ولا أقول أهمّ من كل شيء، لأن المرأة إنسان وليست شيئا، وأنتنّ أهم من المجتمع، لأنّ المرة هي المحافظة على التوازن الأسري والمجتمعي". وختمَ "الفقيه" بتحذير النساء من التشبه ب"الكاسيات العاريات"، بقوله: "أذكركِ أختي بتقوى الله.. احرصي على حجباك وعفّتك، واقتدي بأمهات المؤمنين، واحفظي بيتك وصُونيه من العبث واللهو واللغو، واحفظي زوجك وأبناءك وبناتك وكوني قدوة لغيرك، في معاملاتك وأخلاقك، ولا تتشبهي بالكاسيات العاريات، المائلات المميلات، بائعات الهوى والفجور".