مدخل لفهم الموضوع دأبَت بعض التنظيمات الإسلامية على التعاطي مع العمل السياسي باعتباره رافدا من روافد العمل الدعوي ، بحيث تكون الممارسة السياسية تابعة للعمل الحركي بما يخلق حالة من الغموض والارتباك في هذه الممارسة التي تبقى رهينة القيادة الحركية وبما يؤدي أيضا لكثير من الأخطاء نتيجة الرؤية المُواكبة والمُوجّهة للفعل السياسي من بعيد ، وما حدث ويحدث لتجربة الإخوان المسلمين بمصر ربما هو نموذج لذاك التداخل المُلتبس ، حيث كان المُوجه الحركي /الدعوي حاسما في تطور مسار المشهد، (انظر انتقادات مؤسس حزب الوسط أبو العلا ماضي على سبيل المثال ). بخصوص العلاقة بين البعدين السياسي والدعوي عند بعض مكونات التجربة الإسلامية المغربية يمكن أن نسجل مايلي : في تجربة العدل والإحسان يتداخل البعدان كما في تجربة الإخوان المسلمين لحد التماهي، فنحن هنا أمام "جماعة" تعتبر السياسة بعض شأنها وليست كل الشأن ، ولربما كان هذا التداخل هو الذي يجعل الجماعة اليوم في حالة من الحيرة إزاء ما ينبغي فعله سياسيا و"حزبيا " نتيجة الخيارات الدعوية الحاسمة التي تم تسطيرها في الأدبيات المؤسسة للحركة والتي تمحورت أساسا حول فكرة مركزية هي فكرة "القومة " التي يصعب تحويرها بسهولة بالرغم من التحولات الجارية والضاغطة، وأقصى ما يمكن أن تفعله الجماعة هنا على صعوبته، هو تأسيس جناح سياسي حزبي بنفس تجربة "حزب الحرية والعدالة" الجناح الحزبي لحركة الإخوان المسلمين بمصر (يونيو 2011، )، وهذا خيار صعب لأنه يتطلب مراجعة جذرية لخط الجماعة ويتطلب النضال لانتزاع حق العمل الحزبي في واقع سلطوي لا يؤمن كثيرا باستقلالية القرار الحزبي حين يتعلق الأمر بالمكون ذي المرجعية الإسلامية. عند الإصلاح والتوحيد /العدالة والتنمية في هذه التجربة يُلاحظ أنها قامت أيضا على تماهي البعدين، ويلاحظ من جهة أخرى أن العلاقة بينهما أخذت شكلا معكوسا، حيث الأمر انقلب هنا وأصبح الجناح الدعوي الإصلاحي مُجرد تابع للجناح الحزبي بعد أن كان المقررُ عكسيا ، واستطاع السياسي أن يستوعب الدعوي الحركي بأن حوّله مجرد خزّان لمدّ الفعل الحزبي بالمناضلين في صيغة من الارتقاء التنظيمي والعبور من الدعوة إلى السياسة. في تجربة حزب البديل الحضاري وهي تجربة مازالت تعاني حظرا إداريا مُستداما، تمت معالجة العلاقة بشيء من الجرأة والوضوح حيث قطع الحزب منذ مؤتمره التأسيسي مع ازدواجية التنظيم واعتبر أن العمل الحزبي كيان قائم بذاته ومنفصل بأمره وليس من مهامه المباشرة العمل الدعوي، بل الأمر موكول لجمعيات ومؤسسات المجتمع الأهلي في استقلال عن التوجيه السياسي وللحزب أن يمارس فعله بشكل واضح فعلا يتداخل فيه البعد التنظيمي والفكري والتربوي. في تجربة الحركة من أجل الأمة لا يُلمس تجديد على مستوى الرؤية والفعل، بل هناك استمرار لخيار ازدواجية التنظيم مابين الدعوي الحركي من جهة والسياسي من جهة ثانية، ومن مظاهر هذا التداخل الاحتفاظ بنفس العنوان الحركي في مجال المشروع الحزبي.