في أول دراسة من نوعها تهم موقف الإسلاميين المغاربة من الأحداث الجارية بمصر، نشر معهد "العربية للدراسات"، أخيرا، ورقة بحثية للكاتب والباحث المغربي في الحركات الإسلامية، إدريس الكنبوري، تتطرق إلى تعاطي إسلاميي المغرب مع اعتلاء جماعة "الإخوان المسلمون" سدة الحكم في بلاد النيل، ثم إلى المتغيرات التي طرأت بُعيْد "اندحار" الجماعة عقب الإطاحة بحكم الرئيس محمد مرسي. وأوردت الدراسة، الموسومة بعنوان "إسلاميو المغرب وعام من حكم الإخوان بمصر"، أن أتباع الحركات الإسلامية بمنطقة المغرب العربي ظلوا ينظرون، مدة عقود من الزمن، إلى جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها نموذجا للتقليد، والمدرسة الأولى التي فتحت الطريق أمام تشكيلات الإسلام السياسي في المنطقة. إسلاميو المغرب يهنئون "الإخوان" وعادت دراسة إدريس الكنبوري إلى ما تلا فوز مرسي بالانتخابات، في أول انتصار انتخابي تحققه هذه الجماعة منذ تأسيسها العام 1928 على يد حسن البنا، إثر ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، حيث بادر الإسلاميون المغاربة بأغلب أطيافها إلى تهنئة جماعة الإخوان المصرية. وسرد الباحث المغربي أمثلة من مواقف إسلاميين مغاربة، وعلى رأسهم جماعة العدل والإحسان، وحزب العدالة والتنمية، وحركة التوحيد والإصلاح، حيث اتفق جميعهم على تهنئة "الإخوان"، ورأوا أن مصر "تتنفس الصعداء، وتحتاج إلى فترة تستجمع الأنفاس وتتأهب لخوض شوط حاسم ضد أعداء الشعب ومشروع الانعتاق". وسجل الكنبوري ملاحظة لافتة تتمثل في كون جماعة العدل والإحسان التي سارعت إلى تهنئة مرسي بالفوز في الانتخابات، لم تفعل الأمر نفسه مع عبد الإله بنكيران لدى فوز حزبه العدالة والتنمية بالرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية التي أجريت يوم 25 نونبر 2011، على الرغم من تقاسم الطرفين معا الانتماء إلى المرجعية الإسلامية. علاقة أم فك ارتباط وفي محور ثان من ذات الدراسة، التي نشرها معهد العربية للدراسات، أفرد الكنبوري حيزا للقضية التي أثارها فوز حزب تابع لجماعة الإخوان المسلمين في مصر بالانتخابات الرئاسية، وتتجلى في العلاقة بين إسلاميي حزب العدالة والتنمية، ومعه حركة التوحيد والإصلاح، بالجماعة المصرية. وزاد الباحث "بالرغم من أن جماعة الإخوان المسلمين ظلت باستمرار بمثابة "الجماعة الأم" لإسلاميي المغرب، كما كانت أدبياتها الزاد الدعوي المغذي لأتباعها وجزء من الأدبيات التي تتم مدارستها داخل جلساتها التربوية، إلا أن مرحلة ما بعد الثورة في مصر وصعود جماعة الإخوان المسلمين في مصر بالموازاة مع فوز حزب العدالة والتنمية في المغرب، أعادت السؤال حول تلك العلاقة إلى نقطة البداية. وذهب المحلل إلى أن حزب العدالة والتنمية، وجناحه الدعوي المتمثل في حركة التوحيد والإصلاح، وجد في فوز الإخوان المسلمين في الشهور الأولى عنصر دعم سياسي قوي له، واعتبره عاملا يزيد في شرعيته السياسية داخل البلاد، حيث حاول الحزب استثمار فوز الإخوان لكي يقدم نفسه كفصيل إسلامي يعود له الفضل في تجنيب النظام المغربي المواجهة المباشرة مع الشارع". ونظرا لتطور الأوضاع في اتجاه سياسي مفاجئ بمصر، خاصة بعد اقتراف الإخوان لمجموعة من الأخطاء في أدائهم السياسي، فإن حزب العدالة والتنمية أضحى يميل إلى نفي أي علاقة له بالجماعة المصرية، وذلك ردا على بعض أصوات المعارضة في الداخل التي أخذت تتهمه بالتبعية للجماعة المصرية. ولاحظ الكنبوري أن نفس الأمر قامت به حركة التوحيد والإصلاح، عندما نفت أي علاقة لها بجماعة الإخوان المسلمين، أو التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، وقد تزايد التأكيد على عدم الارتباط هذا خاصة بعد عزل محمد مرسي". ارتباك وسقوط وذهب الباحث في الشأن الديني إلى أن ما حصل في مصر، يوم 3 يوليوز، أوقع إسلاميي المغرب، خاصة حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح، باعتبارهما الطرفان المعنيان بالتجربة الحكومية الحالية بالبلاد، في نوع من الارتباك بخصوص الموقف الواجب اتخاذه. وتأسيسا على هذا التحليل، اعتبر الكنبوري أن العدالة والتنمية المغرب وجد نفسه في مأزق بين الحاجة إلى "طمأنة" قواعده بأنه لم يغير مواقفه السابقة وهويته الإسلامية ، وبين الحاجة إلى تلافي التعرض لانتقادات المعارضة بدعوى أن الحزب مجرد فرع تابع لجماعة الإخوان المسلمين، وأن الانتماء إلى الخط الإخواني يسبق لديه الانتماء الوطني. وخلص الكنبوري إلى أن إسلاميي المغرب وإن لم يكونوا تنظيميا تابعين لجماعة الإخوان المسلمين المصرية إلا أنهم يعتبرون أنفسهم امتدادا دعويا وفكريا للجماعة بالمملكة، فالغالبية العظمى من الجيل الذي يقود هذه الحركات اليوم تربى ثقافيا على أدبيات الجماعة وكتابات مؤسسها حسن البنا، ومؤلفات سيد قطب، ولذلك ظلت الجماعة تسكن مخيال هذه القيادات التي نقلت تلك الأفكار إلى الجيلين اللاحقين. وذهب المحلل ذاته إلى أن الإسلاميين المغاربة يعتبرون أن مشروعيتهم في الدفاع عن "الخيار الإسلامي" ترتكز بشكل أساسي على مشروعية الجماعة في مصر"، مردفا أن "ردود الفعل التي نتجت عقب التحولات التي حصلت في أرض الكنانة وضعت إسلاميي المغرب وربما لأول مرة أمام اختبار صعب، يتعلق بالولاء السياسي"..