إن مشاكل الأشخاص المكفوفين و ضعاف البصر لا تزال جاثمة على صدورهم و بادية للعيان , رغم مرور وقت غير يسير على مجموعة من الإجتماعات, والمؤتمرات, والتظاهرات و الندوات المناسباتية على قلتها طبعا و التي كانت تستهدف دراسة و تحليل و بحث قضايا الكفيف, وإيجاد الحلول الناجعة من شأنها إعطاءه مع يستحقه من إعتناء . ويكفي إلقاء نظرة عن حالة المكفوفين و ضعاف البصر للتأكد من أن قضاياهم سواءا تلك التي تتعلق بالتعليم أو التكوين أو الصحة أو التشغيل. وحتى التي ترجع إلى إعانة العجزة المعوزين و المتسولين من المكفوفين لم يزدها الزمان إلا تعقيدا و تأزما , حيث إختلطت الأمور و ضاع المكفوفون بين إتخاذ القرارات و تطبيقها و فهمها و كيفية تطبيقها ومن سيطبقها , ولعل السبب يرجع في ذلك إلى الحلول التنقيحية المقترحة و الرامية إلى تحقيق الإدماج أو ما يسمى بالإدماج لم تأخذ بعين الإعتبار, كما أن مشاريع النصوص القانونية التي أعدت بهذا الشكل لم يصادق عليها حتى الآن , ولهذا كله و غيره كثير تسربت اليأس و الخيبة إلى نفوس الأشخاص المكفوفين و ضعاف البصر بعدما كانوا قد استبشروا خيرا بقرب صدور مجموعة من القرارات و التوصيات التي بقيت رهينة الرفوف إلى حد الآن. هذه القرارات التي اعتبرت في وقت بعيد بمثابة برهان على اهتمام المجتمع و الدولة بمشاكل المكفوفين و قد كان بإمكان حلها لو تمت المصادقة على هذه المشاريع و النصوص المذكورة على قلتها , و التي تتجلى أهميتها في حماية أشخاص المكفوفين وضعاف البصر من الوصاية و الحيف و الظلم و الإقصاء و التهميش و الأحكام القبلية التي تلحق بهم في كل المجالات الإجتماعية و التربوية و الثقافية و الرياضية و الفكرية و الإنسانية نظرا لإنعدام التواصل بينه و بين المجتمع و نظرا لعدم معرفة المجتمع لقدراته و إمكاناته و مواهبه. ولذا فإن هذه المشاريع على الأقل تذكر بحقوق الكفيف في الصحة و التعليم و التكوين و التشغيل و الإدماج حالما تتوفر النية لذلك و يتوفر العزم على الإستفادة من القدرات الهائلة لهؤلاء المكفوفين. وقد يقال ألا حاجة لإعتماد هذه النصوص و القوانين الخاصة للمكفوفين و ضعاف البصر التي من المفروض أن يتمتع بها كل كفيف كباقي المواطنين دون تمييز أو إقصاء أو تهميش كباقي الدول الراقية الديموقراطية التي لها تجربة واسعة في مجال الأشخاص المكفوفين و ضعاف البصر. لا يكاد يختلف إثنان على أن هناك عراقيل كثيرة متنوعة تحول دون تمتع أشخاص المكفوفين و ضعاف البصر بجميع حقوقهم الإجتماعية و المدنية و الوظيفية بالرغم من توفره على جميع الشروط و المؤهلات الفكرية و الثقافية و القانونية , باستثناء شرط واحد لم يكن لهم فيه ذنب ألا وهو اللياقة البدنية والتي تعتبر في حد ذاتها حيفا و ظلما. وبالرغم من مؤهلات التي أظهرتها التجربة من خلال الملاحظة و الممارسة للحياة اليومية فإنها تعطينا أمثلة حية على أن الكفيف قادر على العمل و العطاء بالموازاة مع المبصر إذا ما توفر له ما يسمى بمجال تكافئ الفرص. وقد نسوق هناك مثال لإستغراب فقد نجد كفيفا يتحصل على شهادة جامعية غير أنه يلاقي معاناة كثيرة أمام توظيفه و تشغيله تحت طائلة المكفوف أو أعمى أو (( بصير)) مع خطأ فادح في الفهم , إذ أن البصير هو الذي يرى و ليس هو الكفيف , فيبقى معرضا للبطالة و الضياع حيث يظل يتردد على جميع الإدارات و المؤسسات التي تحيله على المنظمة العلوية للرعاية المكفوفين بالمغرب ,ناسية أو متناسية بأن هذه الأخيرة ليست إلا جمعية و ليست لها العصا السحرية المرتقبة , و ليس الحل و العقد بيدها. والحقيقة أن هذا كله تملص من المسؤولية و تماطل مسوف وقد تجد كفيفا متحصلا على شهادة في التربية الخاصة أو الحقوق أو الآداب أو الترجمة أو الإعلاميات أو التاريخ أو الموسيقى أو الفلسفة أو الترويض الطبي , ويطرق أبوابا عديدة فيلاقي الصد و الرد أمام قولة موجعة للكفيف مفادها " ما قراوش , أو ما خدموش , حتى لي عينيهم , عاد يخدم العمى " و يا عجباه لصاحب هذه القولة الذي لم ينتبه إلى عطاءات كثيرة لأشخاص مكفوفين الذي نعجز عن حصرهم في هذا المقال كالدكتور طه حسين و الإعلامي رشيد الصباحي و الدكتور حماد الصقلي و الموسيقارعبد السلام عامر و و الدكتور سعيد الدغيمر , المربية هيلين كيلير ..... وغيرهم الكثير. إن مشاريع النصوص القانونية التي أعدت لا تزيد عن كونها تذكر بحقوق المكفوفين كمواطنين و تحصنهم من القرارات الجائرة المتخذة ضدهم حتى لا يقال له مستقبلا " ليس لك الحق في التوظيف و التشغيل و التمريض" , وإن هذه المشاريع لا تنص على حقوق خاصة للكفيف التي قد تجعل منه فرد مواطنا له نفس الحقوق و عليه نفس الواجبات و إن قضاياهم ستبقى معلقة طالما لم يصادق على هذه المشاريع و إخراجها إلى حيز الوجود و طالما بقي مجتمع مديرا وجهه لهذه الفئة الفاعلة من أشخاص المعاقين الذين يحضون برعاية سامية من طرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله . • ألم يئن الأوان بعد لفك طلاسم هذا اللغز و إدراج هؤلاء الأشخاص المكفوفين و ضعاف البصر ضمن قائمة المنتجين بعيدا عن التشرد و التسول و الإقصاء و التهميش؟ *الإخصائي التربوي في تعدد الإعاقات