رقم قياسي .. أول ناد في العالم تتخطى عائداته المالية مليار أورو في موسم واحد    سيفعل كل شيء.. سان جيرمان يريد نجم ليفربول بشدة    توقعات أحوال الطقس في العديد من مناطق المملكة اليوم الجمعة    تضارب في الأرقام حول التسوية الطوعية الضريبية    اتفاق مغربي موريتاني يفتح آفاق التعاون في قطاع الطاقة    رغم تراجع سعر النفط عالميا.. أسعار المحروقات تواصل التحليق بالمغرب    ما هو سر استمتاع الموظفين بالعمل والحياة معا في الدنمارك؟    "جثامين آلاف القتلى" لا تزال مفقودة تحت ركام المنازل في غزة، وذخائر غير منفجرة تمثل خطورة شديدة    ترامب يسعى لفرض "ضغوط قصوى" على إيران، فكيف ستبدو مع وجود الصين والمشهد الجيوسياسي المتغير؟        بسبب "التحرش".. حموشي يوقف شرطيا بالدار البيضاء عن العمل    تألق نهضة بركان يقلق الجزائر    نهضة بركان يسقط في فخ التعادل القاتل أمام أولمبيك آسفي    بالأسماء.. تعيينات جديدة في مناصب عليا    الأزمي: تصريحات وهبي حول مدونة الأسرة تفتقر للوقار    شرطة فاس تعتقل ثلاثيني بسبب التزوير وانتحال صفة محامي    توقعات مديرية الأرصاد لطقس يوم الجمعة بالمغرب    جوائز "الراتزي": "أوسكار" أسوأ الأفلام    الحكومة تحمل "المعلومات المضللة" مسؤولية انتشار "بوحمرون"    افتتاح السنة القضائية بمحكمة الاستئناف ببني ملال    خط بحري كهربائي بالكامل بين طريفة وطنجة    نكسة جديدة للجزائر ودميتها البوليساريو .. مجلس الشيوخ الشيلي ينتصر لمغربية الصحراء    رئيس برلمان المجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا يطلع على الزخم التنموي بجهة العيون    عبد الصادق: مواجهة طنجة للنسيان    مفكرون يدرسون متن الجراري .. طلائعيٌّ وسّع مفهوم الأدب المغربي    السكوري: تقوية التمثيليات الاجتماعية غاية.. ومناقشة "الترحال النقابي" قريبة    الاتحاد الأوربي يدين اعتقال الجزائر للكاتب بوعلام صنصال ويطالب بإطلاقه    شخص يقتل زوجته بسبب رفضها للتعدد    السيمو يحاول تدارك ضجة وصفه في البرلمان الكوفية الفلسطينية ب"شرويطة"    شركة "باليراريا" تطلق أول خط بحري كهربائي بين إسبانيا والمغرب    طنجة المتوسط يعزز ريادته في المتوسط ويتخطى حاجز 10 ملايين حاوية خلال سنة 2024    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    ترويج مؤهلات جهة طنجة في معرض "فيتور 2025" بمدريد    "الكوديم" يفرض التعادل على الجيش    الحكومة تكشف حصيلة "مخالفات السوق" وتطمئن المغاربة بشأن التموين في رمضان    الديون العامة المغربية: هل هي مستدامة؟    الجزائر تسلم 36 مغربيا عبر معبر "زوج بغال" بينهم شباب من الناظور    المغرب يستعد لاستضافة قرعة كأس أمم إفريقيا 2025 وسط أجواء احتفالية    المغرب يتألق في اليونسكو خلال مشاركته باليوم العالمي للثقافة الإفريقية    حركة "حماس" تنشر أهم النقاط التالية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    هناء الإدريسي تطرح "مكملة بالنية" من ألحان رضوان الديري -فيديو-    مصرع طفل مغربي في هجوم نفذه أفغاني بألمانيا    الدوحة..انطلاق النسخة الرابعة لمهرجان (كتارا) لآلة العود بمشاركة مغربية    تفشي فيروس الحصبة يطلق مطالبة بإعلان "الطوارئ الصحية" في المغرب    مانشستر سيتي يتعاقد مع المصري عمر مرموش حتى 2029    هل فبركت المخابرات الجزائرية عملية اختطاف السائح الإسباني؟    مدارس طنجة تتعافى من بوحمرون وسط دعوات بالإقبال على التلقيح    تعرف على فيروس داء الحصبة "بوحمرون" الذي ينتشر في المغرب    ترامب يعيد تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية    أخطار صحية بالجملة تتربص بالمشتغلين في الفترة الليلية    إوجين يُونيسكُو ومسرح اللاّمَعقُول هل كان كاتباً عبثيّاً حقّاً ؟    الأشعري يدعو إلى "المصالحة اللغوية" عند التنصيب عضواً بالأكاديمية    حادثة مروعة بمسنانة: مصرع شاب وإيقاف سائق سيارة حاول الفرار    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السؤال والجواب والأخذ بالأسباب
نشر في هسبريس يوم 16 - 06 - 2016

من أين جئت؟ لماذا لون السماء أزرق؟ أين تذهب الشمس عندما تغيب؟ هاته عينة من الأسئلة والملاحظات، وكثيرة ما هي، التي يقصفنا بها صغارنا ليلا نهارا. نجيبهم على قدر المستطاع أحيانا أو مرارا. لكننا مرات عديدة نقف حيارى، أو ربما نتذمر من قلة الحيلة، أو نرتكب خطآ فديحا فنزجرهم على العودة إلى مثل هذا. قد تبدو من أول وهلة أنها مجرد أسئلة الطفولة البريئة. لكنها في العمق هي أسئلة في الصميم ومنها أسئلة وجودية لازالت تبهر الكثير منا إلى حد الآن. ثم نتسائل كيف بصغارنا ذوي العقول الصغيرة، أو هذا على الأقل ما نعتقده ، يطرحون مثل هاته الأسئلة، والوجودية أحيانا؟ ولربما هذا هو منبع خطئنا. نعتقد بما أن صغارنا صغيري حجم وحديثي سن، فلا بد و أن يكونوا صغار عقل كذلك. لكنهم يفاجؤوننا مرارا وتكرارا بمنطقهم السليم.
إنها هبة وهبها الله لنا للبحث، أساسها ألا تناقض. فلكل سؤال جواب. ويحدد الجواب في اتباع منطق عدم التناقض، أو على الأقل هذا هو الإتجاه الذي يجب اتباعه عند البحث عن الأجوبة لأسئلة لا حصر لها. قد تبدو أسئلة الأطفال أنها مجرد صبيانيات، لكن الكثير منها والبحث عن جوابها وهذا الفضول الطفولي الفطري هو ما يجب الحفاظ عليه طوال حياتنا. يحكى مثلا أن السؤال”لماذا تسقط التفاحة إلى الأرض ولا تبقى معلقة في السماء؟“ هو الذي أدى بصاحبه نيوتن للبحث والجواب عليه وكان أن اكتشف قانون الجاذبية. إن طرح السؤال والمحاولة الجادة للإجابة عليه، بوضع آليات لذلك، هو ما جعل شركات ومعامل تقاوم الزمان وتتطور؛ وأخرى ترجع القهقري وتعلن إفلاسها بعد حين. طرح السؤال عن كيفية تطوير، وتحسين، وتسريع منتجاتها من طرف الجهات المعنية بالبحث والتنقيب هو ما جعل شركات وبلدان شامخة وأخرى تتقزم إلى أن تفنى.
السؤال والجواب المتواصلان والأخذ بأسبابهما هو ما جعل بلدانا تتقدم في السنين الأخيرة وأخرى تتأخر أو قد يفوتها الركب. هناك عدد من البلدان، في إفريقيا مثلا، التي اتخذت من اللغة الإنجليزية أو الفرنسية لغة للتدريس معتقدة بأنها بهذا الإختيار ستلحق بالدول الغربية علميا و تقنيا. لكن ذلك لم يحصل. فمن أهم العوامل في هذا الفشل هو عدم انتهاج سبيل السؤال والجواب والأخذ بأسبابها في التربية والتعليم. بينما هناك بلدان آسيوية لم تتخذ أية لغة غربية كلغة تعليم واكتفت بلغة محلية. لكنها اتخذت من السؤال والجواب والأخذ بأسبابهما منهاجا في التربية والتعليم؛ فلحقت بالركب في وقت وجيز. إنها ليست بمعجزة بمعنى أنها لايمكن لأيٍّ تكرارها أو نسخها. ما هنالك هو الأخذ بعوامل النجاح والعمل بها. ومن أهم العوامل السؤال والجواب والأخذ بأسبابهما. فنُربي الطفل ونُنشؤه على ذلك.
نريد مجتمعا يخلق ويبتكر ويطور؛ فعلينا إذن ألا نقمع صغارنا وكبارنا على السؤال. علينا بالأخذ بأسباب السؤال والجواب في تربية صغارنا وتعليمهم وفي إنشاء المختبرات والمنتديات للكبار. في تشجيعهم على ذلك. نتعلم جميعا إن أخطؤوا ونستفد جميعا إن أصابوا. لو لم يكن السؤال والجواب والأخذ بالأسباب لكان الإنسان لا زال يستعمل الدواب في نقله وعمله بدرجة أولى ولما اخترع السيارات والطائرات وطور الآلات.
وتستوقفني هنا قصة الخلق في القرآن الكريم حين يخبر الله عز وجل ملائكته بما سيقوم به. فتتسائل الملائكة مندهشة عن السبب في ذلك. لكن الله سبحانه وتعالى لم يزجرهم على سؤالهم الذي الذي يحمل في طياته استنكارا أكثر منه سؤالا. لكنهم سيصلون إلى الجواب عن طريق تجربتهم الشخصية. لنقرأ سورة البقرة:30-31 ”وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿30﴾ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿31﴾ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴿32﴾ قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ﴿33﴾“.
بل إن الله جل وعلا أمهل إبليس المهلة الكافية ليختبر طرقه مع بني آدم ”قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴿36﴾ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ ﴿37﴾ إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ﴿38﴾ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴿39﴾ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴿40﴾“ الحجر:36-40.
وتحضرني أيضا قصة نبي الله إبراهيم عند بحثه في الوجود وخالق الوجود وتوصله إلى الله جل وعلا ”وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ۖ إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴿74﴾ وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ﴿75﴾ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ﴿76﴾ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ﴿77﴾ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ﴿78﴾ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿79﴾“ الأنعام:74-79.
بل إنه ذهب إلى حد أن طلب من الله الدليل عن كيفية الخلق؛ ونلاحظ هنا أن الله سبحانه وتعالى لم ينهره عن سؤاله هذا بل حقق له أمنيته وجعله يختبر بنفسه ”وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿260﴾“ البقرة:260.
الآن وقد اكتسب إبراهيم هذه المهارات في السؤال والجواب والأخذ بأسبابهما، أصبح يقارع قومه في معتقداتهم بالحجة والدليل ”وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ ۚ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ ۚ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا ۗ وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ۗ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ﴿80﴾ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ۚ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿81﴾“ الأنعام:80-81.
وذهب إبراهيم بعيدا حيث جعل قومه يتوصلون بالتجربة إلى أن ما يعبدون لا يمكنهم حتى التخاطب ”وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ﴿51﴾ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَٰذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ﴿52﴾ قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ ﴿53﴾ قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴿54﴾ قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ ﴿55﴾ قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَىٰ ذَٰلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ ﴿56﴾ وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ ﴿57﴾ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ ﴿58﴾ قَالُوا مَن فَعَلَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ ﴿59﴾ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴿60﴾ قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ ﴿61﴾ قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ ﴿62﴾ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ ﴿63﴾ فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ ﴿64﴾ ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَٰؤُلَاءِ يَنطِقُونَ ﴿65﴾ قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ ﴿66﴾“ الأنبياء:51-66.
واقرأ كذلك ”وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ ﴿69﴾ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ ﴿70﴾ قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ ﴿71﴾ قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ ﴿72﴾ أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ ﴿73﴾ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ ﴿74﴾“ الشعراء:69-74.
ونرى إبراهيم يحاجج بسلاسة الذي آتاه الله الملك فلم يردَّ إبراهيم على مزعمه بأنه يستطيع أن يحيي ويميت؛ إذ لم يكن منه إلا أن يزعم أنه له مَلَكة في قتل الناس أو تركهم على حياة. وإنما استعمل إبراهيم حجة أخرى ”أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿258﴾“ البقرة:258 .
أما حال من لم يسأل وإن سأل لم يُتعب نفسه في البحث عن الجواب فتصبح شخصيته ومبادئه هشة لا يقدر على مواجهة الرأي الآخر. فهو لا حجة له وهذا ما قد يؤدي به إلى الإنفصام في الشخصية؛ لأنه يؤمن بشيء ومتأكد منه غير أن الواقع يُشهده على شيء آخر ومعاكس له. هذا الحال قد يتصاعد فيصل بصاحبه إلى درجة محاولة إقصاء الآخر أو التخلص منه؛ وهذا ما قام قوم إبراهيم بفعله معه، لكنهم باؤوا بالخسران في نهاية المطاف ”قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ ﴿66﴾ أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴿67﴾ قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ﴿68﴾ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ ﴿69﴾ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ ﴿70﴾ وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ﴿71﴾ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ ﴿72﴾“ الأنبياء:66-72.
وإقرأ كذلك ”وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا ﴿41﴾ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا ﴿42﴾ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ﴿43﴾ يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيًّا ﴿44﴾ يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ﴿45﴾ قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ۖ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ﴿46﴾ قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ ۖ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ۖ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ﴿47﴾ وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىٰ أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا ﴿48﴾ فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا ﴿49﴾ وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ﴿50﴾“ مريم:41-50.
إن بقينا نرفض مراجعة أنفسنا، بما فيه معتقداتنا بل ونصد من يفعل ذلك منا، فسنخسر لا محالة بعد أن يعتزلنا من انتهج سبيل السؤال والجواب والأخذ بالأسباب كما كان قد اعتزل إبراهيم قومَه. ولربما قد يكون هذا من الأسباب الرئيسية في هجرة الأدمغة من البلدان.
فهل سنحذو حذو نبي الله إبراهيم فنحتضن بيننا، أفرادا وأسرا ومجتمعا، السؤال والجواب والأخذ بالأسباب؟ أوهل سنحذو حذو أبيه آزر فنقمع أبناءنا وأنفسنا في حق السؤال والجواب والأخذ بالأسباب؟ إن نحن إقتدينا بإبراهيم فسيكون لدينا مجتمع أفراده أقل نفاقا وأقل انفصاما في الشخصية. لأنه ليس مقموعا عن الأسئلة بل ولقد وُفرت لديه الأدوات والآليات من كتب، علماء، منتديات، ومختبرات لكي يطرح ويحاول الإجابة على الأسئلة. وهذا ما سيساعدنا على تخطي العقبات واللحاق بركب الأمم التي سبقتنا ونصبح أحسن إن نحن حافظنا على التوازن بين ما هو مادي وماهو روحي. وإن نحن نهجنا نهج أبيه آزر وقومه فسيكون مصيرنا هو الخسران كما سبق ذكره.
هل عُملتنا الرئيسية في الحجة هي ”هذا ما وجدنا عليه آبائنا وأسلافنا“؟ هل سيصبح مجتمعنا كالمجتمع الذي ترعرع فيه إبراهيم لا يقبل أن تحطم أصنامه؟ هل سنصبح أناسا يسألون نادرا ولا يتركون من يسأل ولا من يجيب لأننا خائفون أن نتزعزع عن معتقداتنا التي بنيناها لا عن قناعة وإنما على هذا ما وجدنا عليه آباءنا وأسلافنا؟ ”وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴿170﴾“ البقرة:170.
هل سنظل نقمع بعضنا البعض ونأمر صغارنا بالسكوت لأننا نعتقد أنهم لا يعرفون شيئا وأن ما عليهم إلا بالأكل والشرب والإنصات وعدم الكلام؟ هل أقصى ما سنُعلمهم هو الجلوس ثم الجلوس وعدم زعزعة أدنى شيء في رتابتنا وإن كان ذلك أقل أثاث في بيوتنا لا قيمة له مقارنة مع ما سيتعلمونه إن تركناهم يفعلون؟ هل نسينا أن التجربة هي من أساسيات التعلم خصوصا عند الصغار؟ هل سنضغط على كبارنا ولا نسمح لهم بأن يدلوا بدلوهم في مراجعة أنفسهم وأنفسنا ومجتمعنا حتى يضطر البعض منهم إلى اعتزالنا؟
الأمر بين أيدينا وعلينا أن نختار بين السؤال والجواب والأخذ بالأسباب أو عدمه. اختيارنا هذا هو من يحدد لنا إلى أين نحن سائرون.
*أستاذ وباحث جامعي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.