كان الوقت صباحا ، والمقهى ممتلئة برواد ها الأوفياء مثل كل صباح ، وما إن ظهر شبح الحياني محدودب القفا ، حتى بدا وكأن طبيبا أخصائيا سيجري عملية مستعجلة على القلب ، قد أطل على عائلة تترقب الأمل في حياة معيلها..بعد طول انتظار . "" - هاهو الحيانننننييييييي جا.. قال خالد في توتر: - جيب لنا واحد المساء الله يخليك .. - راه الصباح هذا.. - خد درهم ديالك.. - توت سويت.. تسلل الحياني . بخفة ، مثل كلب اعور ، بعد أن لعق شفتيه ، وبصق ، تلك عادة دأب عليها منذ أن وطئت أقدامه الحي الجديد قادما إليه من احواز فاس اثر تعاقب سنوات عجاف، وانقذف قاصدا أقرب كشك في حومته . ظل خالد ورفاقه من المجازين العاطلين يترقبون عودة الحياني وقد وضعوا اجندة قراءة، احتل خالد فيها المرتبة الاولى ، ليس لانه من يدفع ، ولكن لانه الاول الذي اقتعد المقهى في انتظار بقية الاصدقاء ، وبما ان الكل سيقرا موضوعا واحدا في الجريدة هو عمود "شوف تشوف" ، ولا شان له بالمواد الاخرى ، فقد كان الاجراء ضروريا . في الطريق الى هدفه ، استرعى انتباه الحياني حشدا من الناس ، دفع به الفضول بعيدا ، تطفل لمعرفة الأمر ، وقبل ان يتاهب ، انزلقت رجله وسقط داخل بالوعة بها ماء من بقايا تساقطات ابريل الفارط ، سقط مثل خشبة نخر السوس عظامها .في مثل هذه المواقف ، لا تأتي سيارة الإسعاف مزغردة، فاكبر مستشفى بالمدينة لا يبعد سوى بعشرات الأمتار، لذلك ، أصبحت الممرات المؤدية الى مفترق الطرق بالحي الجديد محج العديد من الفضوليين، الحديقة التي استنزفت ملايين من الأمتار المكعبة من ماء المدينة العذب، تدوسها عجلات أخ برلماني الحي ، وسويت أعشابها بالأرض ، فيما تحول الجزء الخلفي المتاخم لمقهى التييرسي الذي ينبض بالحياة ليل نهار الى مرحاض عمومي ، لكن الحياني ورغم انفلاته الجسدي ، ظل حيويا ، زئبقيا ، زائغ النظرات ، وفي لحظة ما تذكر شيئا هاما ، عليه تنفيذه ، لذلك حدث نفسه بصوت مسموع: آآآآآه ، المساء ، الله ينعلها جرة ؟؟؟ - ما علينا- الأمر لن يتطلب أكثر من خمس دقائق..طلب من احد المارة مساعدته ،ثم صرخ " الي عندو شي شغل يمشي يقضيه...فرقو علينا هذ المجمع .. حزم ركبته بمنديل طابا لونه يشبه جدارا قديما ايلا للسقوط . تمطى ثم تثاءب ، ثم اسند جسمه الى شابة في كامل أناقتها ، استنشق رائحة عطرها كما لم يستنشق طول حياته ، ثم دب مثل سلحفاة حامل. أمام الكشك قال بصفاقة: - واحد المساء ...بالزربة الله يخليك.. -شبكة؟؟ -لالا..الجريدة.. - مالك عوتانتي على الزربة ، أتسنى اخويا نتيري هذ النسيخات ، وهانا معاك.. كان على الحياني أن ينتظر والألم يعصره زهاء 15 دقيقة الى حين انتهاء عبد الحي الشاب صاحب الكشك ذو اللحية المبعثرة المنفوشة مثل جحا ، من استنساخ عشرات النسخ من شبكة أبو سلمى ، فهو يعول عليها كثيرا في توفير مصاريف الطونير التي يعتبرها القلب النابض للآلة الناسخة ، التي تلتهم يوميا قرابة ألف ورقة نسخ... كان يدرك أن شبكة أبو سلمى للكلمات المسهمة هي الأولى في قائمة المبيعات..لذلك يبادر كل صباح الى انتقاء صفحة الخدمات..وطيها حتى تسهل استيعاب حجم الزجاجة الطابعة...وهو سلوك دأب عليه منذ أكثر من 10 سنوات ، و عادة يومية بامتياز نبهت الى خطورتها شركات توزيع الصحافة بالمغرب بواسطة مناشير ، في مختلف مناطق بيع الصحافة بالمغرب ،حتى أن جريدة الحزب تقلمت أظافرها جراء تكالب العديد من المثبطات ،اهمها ، الشبكة ، وانخفضت مبيعاتها الى درجة السكتة الصحفية. يتبع