معلوم عند المتتبع للشأن الديني في المغرب أن الفقيه محمد المغراوي يتبنى الخطاب السلفي التقليدي، الخطاب الذي وظف في حقبة زمنية لأسباب سياسية و لايزال ساريا في هذه الأوساط بعد إفراغه من محتواه السياسي و وظيفته الإيديولوجية، و إذا أردنا اختزال موقف السلفية التقليدية مما يحدث في الوطن الإسلامي فلن نعدو الحق إذا قلنا أنهم ضد التغيير من منطلق "درء الفتنة". و إذا أخذنا بعين الاعتبار هذا الموقف السلفي فأكيد سنستغرب من عودة الفقيه المغراوي إلى المغرب في هذه الظروف التي تستعر فيها نار الفتن حسب المرجعية السلفية المناوئة للتغيير، ففي هذه الملابسات عادة ما يلزم السلفيون بيوتهم، فالقاعد عندهم خير من القائم، و القائم خير من الماشي، و الماشي خير من الساعي، فلماذا إذا عودة الفقيه المغراوي؟ ثم كيف نقرأ إطلاق الدولة لسراح المعتقلين السياسيين الإسلاميين منهم خاصة؟ لاشك أننا نؤمن بأن الوطن يتسع للجميع، و لسنا ضد طرد مواطن مغربي أيا كان فكره و معتقده من وطنه الأم، و لا مع الاعتقالات السياسية التي تكون نتيجة لإدلاء بآراء تنم عن اقتناع فكري، و كل تجمع من أجل الحوار و النقاش كما هو الشأن في المنتديات السياسية أو في غيرها من الأماكن العمومية ينبغي أن يظل مشروعا دون قيد، و حظره يعد خرقا سافرا للحريات العامة، من هنا فنحن مبدئيا لسنا ضد إغلاق دور القرآن التابعة للفقيه، فالقاعدة الدينية تقول "لا تزر وازرة وزر أخرى"، هذا مع أن الموضوعية تملي علينا أن نقول بأنه إن صح أن المغراوي أفتى بجواز زواج الطفلة فسنكون أمام مهزلة كبرى تنم عن جهل بالواقع، و أعتقد أنه رغم التقية التي مارسها الفقيه المغراوي عندما بدّل جلدته بين عشية و ضحاها و أعلن براءته من الفتوى فإن المغراوي مع زواج الطفلة إن كان لها قدرة على النكاح كما صرح بذلك، فالمعيار إذا هنا ليس النضج العقلي، و إنما حجم المقعرات و المحدبات في تضاريس جسد الطفلة، و هذا يعني في آخر المطاف أن المغراوي و أتباعه ضد انخراط المرأة في المشروع الذي يرومه أبناء الشعب المغربي، المتمثل في إشراك المرأة في العمل للدفع بعجلة التنمية إلى الأمام، بل إنهم لا يرون في المرأة إلا متاعا يفرغون فيها مكبوتاتهم الجنسية، هذا هو لسان حالهم رغم المكياج الذي يضعونه على وجوههم، و الذي لا يمنع من اكتشاف ملامحهم الحقيقية.
لنعد إلى سؤالنا المحوري : لماذا عودة المغراوي؟ و لم إطلاق سراح الإسلاميين؟ الجواب عن السؤالين يبدو واضحا كوضوح الشمس في رابعة النهار بعد التصريحات التي أدلى بها المغراوي و الفيزازي، فالمغراوي استدعي من قبل السلطة من أجل مواصلة "نضالاته" التي بدأها في مطلع التسعينات ضد جماعة العدل و الإحسان، خاصة و أننا نعلم بأن الجماعة تشكل رافدا مهما من روافد 20 فبراير، و فعلا فإنه مع أول حوار مع الفقيه المغراوي أعلن تبعا للفقه السلطاني الذي اقتبسه من فقهاء السلاطين السعوديين بأن التظاهرات في بلاد الإسلام حرام، و لابد أن نشير إلى أن المغراوي إذ يهادن السلطة و يتقرب إليها بمواقفه السياسية المخزية، فإنه يغلو في التبديع و التكفير، فهو كثيرا ما صرح بأن المجتمع المغربي بلا دين و لا عقيدة، لذلك حذر من نزعته التكفيرية الكثير من السلفيين كالشيخ ربيع المدخلي و بعض تلامذة الشيخ الألباني المرموقين كعلي حسن الحلبي. إن ما ينبغي أن نعيه جيدا أن الدولة لا تقدم شيئا بالمجان، فعودة المغراوي كانت بإيعاز من السلطات في المغرب، و هذا ما أكدته يومية "أخبار اليوم" في العدد 423 من يوم الأربعاء 20 أبريل. و يبدو أن بعض تلامذة المغراوي قد استشعروا هذا الأمر فبادروا إلى طرح السؤال مباشرة للفقيه حول خلفيات عودته من أجل ما سموه "اختصار المسافات"، و نحن نقول لتلاميذه و أتباعه بأننا لا نثق في تصريحات المغراوي لأنها غير شفافة و فيها الكثير من التقية، و لا نريد أن نطنب في تقديم الأمثلة التي تؤكد ذلك، و إلا فيكفينا السؤال الذي وجهه له المحاور حول معتقلي السلفية الجهادية في 2003، فالفقيه كعادته في عدم تقديم أجوبة مباشرة عن الأسئلة فضل أن يتبرأ من الظلم فرارا من السؤال، مع أنه قام بوظيفة "الغرّاق" في هذا الملف، و وصم بعض الشيوخ بالتكفير، لذلك كان رد الفيزازي على المغراوي في كتابه "عملاء لا علماء". يبقى أن نجيب حول سؤال آخر حول الفقعات التي يطلقها أنصار الفقيه المغراوي حول إرادته للتغيير و إدارته للأزمة، جاعلين منه بطلا و رمزا من رموز التغيير في الوطن و كأننا أمام أحد من رجال النهضة الكبار كالكواكبي أو عبده أو علي عبد الرازق.. هذه المسألة يجيب عنها الفقيه بنفسه في حوار أجرته معه جريدة "السبيل" - التي بالمناسبة صارت تصدر كل 15 يوما بدل شهر في أعقاب الحملة التي شنتها الصحافة في المغرب عل المغراوي على خلفية إصداره لفتوى زواج الصغيرة-، الفقيه يقول بالحرف بأن الإصلاح عنده هو " تجديد المطالبة بإعادة فتح دور القرآن، هذا الفتح الذي نعتقد أنه سيمثل عربونا على صدق نوايا الإصلاح عند الدولة" (جريدة السبيل، العدد 98 جمادى الأولى 1432 الموافق 16 أبريل 2011)، و لأن الجريدة لم تجد شريحة في الشعب المغربي ترفع هذا المطلب الغريب، فإن الخيال جنح بها إلى إبداع صورة يحملها طفل مكتوب فيها "فتح دور القرآن قبل التعديلات الدستورية". يبقى أن نجيب عن خلفيات إطلاق سراح الإسلاميين. لاشك نحن نهنئهم على معانقة الحرية، و لكن هذا لا يمنعنا من القول بأن الدولة أطلقت سراح الإسلاميين من أجل خلق نوع من "التوازن" في الساحة، فالسلطات لاحظت أن معظم أنصار 20 فبراير من اللادينيين و الملحدين لذلك تكريسا منها لسياسية "فرّق تسود" أطلقت سراح الإسلاميين، لذلك دعا الفيزازي في أول تصريح إلى تطهير الحركة من الملحدين و الادينيين، و هو بتصريحه هذا يكون قد أرسى أول لبنة في صرح الصراع الديني-اللاديني المفتعل في هذه اللحظة. سيخطئ من يعتقد أن من ينتقد فقهاء السلاطين يعادي الدين، فنحن جميعا مسلمين، لكننا لا نقبل بمن يتاجر بالدين على حساب إخوانه الذين ينادون بالإصلاح و التغيير، و هذا التاريخ قاض بيننا، فإنه سيجل مواقف الجميع. مدونة الكاتب www.adiltahiri.maktoobblog.com