مجلس الجالية يشيد بتبسيط إجراءات توثيق الزواج وإيجاد حل بديل بشأن التوارث في حالات الزواج المختلط    نشرة انذارية.. تساقطات ثلجية على المرتفعات بعدد من مناطق المملكة    التفكك الأسري: من إصلاح مدونة الأحوال الشخصية إلى مستجدات مدونة الأسرة المغربية    قوات الأمن السورية تلقي القبض على "سفاح" سجن صيدنايا    قيادة "الجرار" تريد إيصال تعديلات مدونة الأسرة بسرعة إلى البرلمان بعد "اجتماع عاجل" مع أطراف الأغلبية    حصاد سنة 2024.. مبادرات ثقافية تعزز إشعاع المغرب على الخارطة العالمية    "زوجة الأسد تحتضر".. تقرير بريطاني يكشف تدهور حالتها الصحية    محكمة سلا تقضي بالحبس موقوف التنفيذ في حق 13 ناشطًا من الجبهة المغربية لدعم فلسطين بسبب احتجاجات    تحذير من ثلوج جبلية بدءا من السبت    المغرب يفاوض الصين لاقتناء طائرات L-15 Falcon الهجومية والتدريبية    أبناك تفتح الأبواب في نهاية الأسبوع    المحافظة العقارية تحقق نتائج غير مسبوقة وتساهم ب 6 ملايير درهم في ميزانية الدولة    330 مليون درهم لتأهيل ثلاث جماعات بإقليم الدريوش    سرقة مجوهرات تناهز قيمتها 300 ألف يورو من متجر كبير في باريس    نظام أساسي للشركة الجهوية بالشمال    المديرية العامة للضرائب تعلن فتح شبابيكها السبت والأحد    بيت الشعر ينعى محمد عنيبة الحمري    إياب ساخن في البطولة تبدأ أطواره وسط صراع محتدم على اللقب وتجنب الهبوط    غياب الطبيب النفسي المختص بمستشفى الجديدة يصل إلى قبة البرلمان    الدحمي خطاري – القلب النابض لفريق مستقبل المرسى    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    العام الثقافي قطر – المغرب 2024 : عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية    استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة    تعاونيات جمع وتسويق الحليب بدكالة تدق ناقوس الخطر.. أزيد من 80 ألف لتر من الحليب في اليوم معرضة للإتلاف    اكتشاف جثة امرأة بأحد ملاعب كأس العالم 2030 يثير الجدل    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"    "ال‬حسنية" تتجنب الانتقالات الشتوية    "الاتحاد المغربي للشغل": الخفض من عدد الإضرابات يتطلب معالجة أسباب اندلاعها وليس سن قانون تكبيلي    حلقة هذا الأسبوع من برنامج "ديرها غا زوينة.." تبث غدا الجمعة على الساعة العاشرة    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    صناعة الطيران: حوار مع مديرة صناعات الطيران والسكك الحديدية والسفن والطاقات المتجددة    هجوم على سفينة روسية قرب سواحل الجزائر    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    "التجديد الطلابي" تطالب برفع قيمة المنحة وتعميمها    الممثل هيو جرانت يصاب بنوبات هلع أثناء تصوير الأفلام    الثورة السورية والحكم العطائية..    اعتقال طالب آخر بتازة على خلفية احتجاجات "النقل الحضري"    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    الضرورات ‬القصوى ‬تقتضي ‬تحيين ‬الاستراتيجية ‬الوطنية ‬لتدبير ‬المخاطر    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    التوجه نحو ابتكار "الروبوتات البشرية".. عندما تتجاوز الآلة حدود التكنولوجيا    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إسلاميو المغرب.. مساحات الظل المسكوت عنها
نشر في أسيف يوم 26 - 08 - 2009

بعد تفجيرات 16 مايو 2003 في المغرب التي جاءت على حين غرة سقطت المسلمة السائدة حول "المملكة الآمنة المطمئنة"!! وتصاعدت وتيرة الأسئلة حول الاسلاميين لمغاربة: ماهيتهم، وأهدافهم، ووسائل اشتغالهم، وطرق تنظيمهم، وأساليب استقطابهم، وشبكة علاقاتهم، وبرامجهم، ومواقفهم؛ بل أصبح الموضوع مادة دسمة للإعلام ومراكز البحث والدراسات، والأكيد أن هذه الأسئلة ستتكرر وتتوالد أكثر كلما جد جديد مماثل، لا قدر الله، أو سطع نجم حركة إسلامية. قد قيل في الإجابة عن هذه الأسئلة الكثير، وليس هدفنا إعادة ما قيل، أو تكرار ما
كتب، أو استنساخ ما نشر، ولكن الملاحظ على الكثير مما سبق أن هناك من وضع الإسلاميين جميعا في سلة واحدة، وصنفهم في خانة وحيدة، ورتب على ذلك حكما وأسلوب عمل وتعامل.في هذا التحقيق نسلط الضوء على زاوية لم تحظ بالاهتمام بعد، ولا يهم إن كان بقصد أو بغير قصد، ويتعلق الأمر هنا بجوانب الاختلاف بين مكونات التيار الإسلامي، ولذلك يلزم أن نحقق في جوانب الاتفاق والاختلاف بين هؤلاء للإجابة عن سؤال: ماذا يفرق الإسلاميين المغاربة؟ أو بشكل أدق: حول ماذا يختلفون؟ويركز هذا الملف على مواقف إسلاميي المغرب من القضايا التالية:الإسلامي والمسلمأول ما يصادف القارئ هو ركام المفاهيم المستعملة في هذا الحقل المعرفي، حتى يخال له أنها كلها أسماء لمسمى واحد، ولابد من تحقيق النظر في هذا الأمر.المسلم هو الذي يعمل بالإسلام، والإسلامي يتجاوز العمل بالإسلام إلى العمل للإسلام.هذا ما يذهب إليه جل الباحثين والمهتمين بالتيارات الإسلامية، والذين يعملون للإسلام كثر منهم: أفراد وجماعات، ووعاظ وخطباء، ومفكرون ومثقفون، وجمعيات ثقافية وأحزاب سياسية، وزوايا صوفية ومؤسسات دينية.ولذلك فالإسلاميون لفظ عام يشمل كل العاملين للإسلام، والحركات الإسلامية، في شكلها المعاصر -كما عرفت- بعد تأسيس الإخوان المسلمين سنة 1928، ليست إلا جزءا من هذا الكل.للوهلة الأولى يتبادر إلى الذهن أن الإسلاميين كتلة واحدة منسجمة، ولكنهم في الحقيقة مكونات عديدة، لا يكاد أحيانا يجمعها إلا الاسم أو الهدف العام: الدعوة للإسلام.ماذا يفرق الإسلاميين؟ أو بالأحرى: حول ماذا يختلفون؟ سؤال حملناه إلى أكثر من باحث وطرحناه على أكثر من تيار فخلصنا إلى تباينات كثيرة نسوقها للقارئ في هذا التحقيق.النظرة للمجتمعكيف يرى الإسلاميون المجتمعات القائمة؟سؤال طرحناه على "العدل والإحسان"، باعتبارها أكثر التنظيمات الإسلامية انتشارا، وأكبرها عددا، فكان الجواب التالي "الفتنة هي أدق وصف يطلق على واقع المسلمين"، ولكن لماذا هذا التوصيف وما معناه؟ "هي مصطلح نبوي أوسع دلالة وأشمل مضمونا، وتشمل كذلك معاني التخلف والأزمة وعدم الاستقرار، كما تتضمن معاني الابتلاء والامتحان والاختبار".وعن سؤال ماذا يترتب على هذا التوصيف؟ تجيب "العدل والإحسان" بأن في هذا التوصيف "استبشار وحسن ظن بالأمة التي لا يعدم منها الخير؛ لأن الفتنة اختلاط الحق بالباطل، وفيها كذلك رحمة ورفق بالأمة"، من هذا المنطلق يأتي رفض "العدل والإحسان" للعنف ودعوتها لحقن الدماء وضبط النفس، وهو منطلق شرعي وسياسي وواقعي في الآن نفسه.توصيف قريب من "العدل والإحسان" تحمله حركة "التوحيد والإصلاح" التي تعتبر المغرب "مجتمعا مسلما، ولكن في أفراده ومؤسساته جوانب من التقصير والاختلال والضعف والتخلف"، ولذلك فهذه المظاهر غير الصحية تحتاج في نظر الحركة إلى "معالجة وإصلاح، كما تحتاج إلى تضافر الجهود، ومساهمة الجميع".بل إن إسلامية المغرب عند حركة التوحيد والإصلاح لا تقتصر فقط على الشعب، ولكن حتى الدولة "المغرب بلد مسلم دولة وشعبا، تلك حقيقة مقررة عند حركتنا، يؤكدها التاريخ والواقع (..) وهي حقيقة لا يؤثر فيها ولا ينقص منها ما يظهر من فتور وضعف واختلال في التدين الجماعي أو الفردي".لكن على عكس "العدل والإحسان" لا تحبذ "التوحيد والإصلاح" إطلاق لفظ محدد على طبيعة المجتمع "لسنا ملزمين أن نختار لفظا نحكم به على هذا الواقع، فالكلمات المتداولة تصف ما آل إليه حال الأمة باعتبارات مختلفة".وحسب "التوحيد والإصلاح" فإن في المجتمعات الإسلامية اليوم إسلام واستقامة وصلاح والتزام، وفيها أيضا كفر وفسوق وفساد وجهل وانحلال، يغلب هذا وذاك على مستوى الأفراد، ولكن الغالب على مستوى الأمة هو الصفات السلبية، مع بقاء الاستعداد كبيرا للاستجابة لجهود الإصلاح.ولتأكيد الاختلاف تنص الحركة في أدبياتها على أن كل من رصد واقع الأمة اختار مصطلحا واستعمله في وصف الحال، "فمنهم من اختار الجاهلية (..) ومنهم من اختار الفتنة (..) ومنهم من اختار لفظ الانحراف (..) ولا شك أن لكل مصطلح ما يصدقه في الواقع، ونحن نقول إن مجتمعاتنا الحالية مجتمعات إسلامية، وفيها فتن وانحراف".تردد في هذا الكلام لفظ الجاهلية، فمن يقول بجاهلية المجتمع؟ سؤال نقلناه إلى أكثر من باحث، والكل أحالنا إلى تيارات تكفيرية كانت نشأتها خارج المغرب، وبالضبط في مصر، وهي ما يطلق عليه "جماعة المسلمين" أو ما يصطلح عليه إعلاميا جماعة "التكفير والهجرة".في تسمية "جماعة المسلمين" احتكار للصفة الإسلامية، وإخراج لغير المنتمين للجماعة من الإسلام، ويترتب على ذلك التكفير هجران واستحلال للأموال والدماء، وعدم الاعتراف بالمجتمع وقوانينه وأعرافه وقيمه.التعامل مع الحكاممجال آخر من مجالات الاختلاف الذي يصل إلى حد التناقض بين الإسلاميين."السلفيون" تيار عريض في المجتمع ينصب اهتمامه، كما يؤكد أحد قادته الذين حاورناهم، "على العقيدة؛ بهدف تصفيتها مما علق بها من دخائل، وعلى الفقه؛ لتصفيته من الآراء الشاذة، والأحاديث النبوية؛ بهدف تخليصها من الأحاديث الضعيفة والموضوعة". سموا بالسلفيين؛ لأن نموذجهم السلف الصالح، أي من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين الذين ورد في حديث نبوي ذكر أفضليتهم "خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم "، يستغرقون عملهم في هذه الأمور، ولا يتدخلون في السياسة، وموقفهم السياسي الرسمي هو الولاء للحاكم السائد كيفما كان.زعيم هذا التيار، أو أبرز زعيم، هو محمد المغراوي رئيس جمعية "الدعوة إلى القرآن والسنة" التي أسسها في 1976 بمراكش يقول بأن "الاشتغال بالسياسة باب للفتنة"، ومما يؤثر عنه قوله "من السياسة ترك السياسة"، ويعقب على الجماعات الإسلامية الأخرى بأن لهم "استعداد مبدئي للاشتغال في السياسة، والانخراط في التوفيق العلمي؛ مما أحدث عندهم خللا في المنهج والعمل، ولذلك غاب عنهم المبدأ الموجه".المغراوي لا يكتفي بنقد خصومه الإسلاميين، ولكنه في مقابل ذلك لا يفتأ يشيد بالنظام القائم "لا شك أن جلالة الملك هو مظنة للعدل والإنصاف، بل هما عنوان دولته"، بل إنه يمنع أعضاء جمعيته من التعاطي مع السياسة إيجابا أو سلبا، ومن أن يكونوا ناخبين أو منتخبين، ولا يتردد حتى في التبليغ عن المخالف إلى دوائر الشرطة، وهذا ما قاد إلى تطبيع سياسي مع السلطة فتح له الباب ليؤسس عدة جمعيات، ويتحرك في مختلف المناطق في المغرب، حتى وصل عدد المراكز في مراكش وحدها إلى عشرة، ولكنه مقابل ذلك شن الحرب على الحركات الإسلامية الأخرى، وخصوصا "العدل والإحسان"، مركزا على الانحرافات الفقهية والعقائدية والسياسية والمعاملاتية التي تتخبط فيها، حسب رأيه. كما لا يتردد في استعمال سلاح التبديع، من البدعة، والتكفير تجاه هذه الحركات التي تتهمه، بالمقابل، بالعمالة للنظام القائم وتبعيته لأنظمة النفط، وتلقيه دعما ماديا ومعنويا منها يصل إلى حد حمايته، كما تتهمه بنشر أفكار الغلو والتشدد وسط الشباب، بل إنها تحمله، والدولة معه، مسئولية معنوية عن التفجيرات التي عرفها المغرب، والتي أودت بحياة العشرات من الأبرياء بدون مسوغ شرعي.أفكار هذا التيار شكلت عاملا وظف لإضعاف الحركات الإسلامية. ويكفي أن نستدل بأن حزب العدالة والتنمية، مثلا، لم يحصل على أي مقعد من المقاعد الثلاثة في الانتخابات التشريعية الأخيرة بمدينة مراكش؛ لأنه حرم من قاعدة انتخابية عريضة معبأة ضد العمل السياسي، والمشاركة في الانتخابات، والتفاعل مع الشأن العام.لهذا التيار زعماء كثر، وليس المغراوي إلا واحدا منهم، وإن كان انتهى به المطاف أن يصفه بيان للمجلس العلمي الأعلى بأنه "شخص معروف بالشغب والتشويش على ثوابت الأمة ومذهبها"، كرد على إباحته زواج ابنة تسع سنوات على غير ما تنص عليه مدونة الأسرة، ويمكن أن نطلق عليهم تجاوزا: "السلفية العقائدية"، أو "السلفية العلمية" لاهتمامهم فقط بموضوع العقيدة والحديث والفقه.ومسمى السلفية يجد جذوره في المدرسة النجدية ذات المذهب الحنبلي، أسسها الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولهذا ينعتها خصومها من الحركات الإسلامية، والزوايا الصوفية بالوهابية، وهي التسمية التي يرفضها المغراوي "مصطلح الوهابية من اختراع علماء السوء في كل مكان ممن يحقدون على دعوة التوحيد والسنة".هؤلاء يعتبرون أنفسهم حراس العقيدة الصحيحة، وممثلو الإسلام الصافي، والسمة المميزة لهؤلاء التركيز على المظهر (اللباس، واللحية، وعود الأراك...)، والتطاول والعداء للمخالف، والارتباط بالفتوى المشرقية – نسبة إلى بلدان المشرق، وخاصة السعودية.المرجعية الإسلاميةللوهلة الأولى يتبادر إلى الذهن أن المرجعية لا يمكن أن تكون مثار خلاف بين الإسلاميين، وهذا صحيح، لكن إن أمعنا النظر وطرحنا السؤال على كل مكون من مكونات التيار الإسلامي: أي إسلام تعني؟ سيتضح الفرق والاختلاف من خلال الجواب. هناك السلفيون الذين يجمدون على النص الديني على تجربة زمنية يصفونها بالذهبية، ومطمحهم نسخها شكلا ومضمونا، ويرفضون عصرنتها أو إخضاعها لمنطق التطور.وهناك دعاة الاجتهاد والتجديد بتفاوت، وفي هذا السياق يظهر رأي آخر وسط الحركات الإسلامية، إنه "البديل الحضاري" الذي يتحدث ناطقه الرسمي معرفا المرجعية الإسلامية: "بالنسبة لنا في حزب البديل الحضاري فإننا نقدر أنه ليس ثمة فصل بين شئون الدين وشئون الدنيا؛ لأننا نعتقد أن الإسلام هو المرجعية والإطار الضابط للتصورات والسلوك في كل مناحي الحياة على المستوى الفردي والجماعي؛ لأن سلوك المسلم، الفردي والجماعي، وفي كل المجالات هو تدين بالأساس.. أقول تدينا وليس دينا لأنه يعبر عن فهم وممارسة للدين وليس الدين نفسه مما ينفي عن هذا الوعي وهذه الممارسة أية قدسية"، ولا يفتأ الأمين الركالة يؤكد أن هذا الفهم يميز حزبه عن باقي التنظيمات الإسلامية المغربية التي "لا زالت تشتغل فكريا في مجال إعادة الإنتاج وأنا في هذه الحالة لا أستثني أي تنظيم، أما إذا كان الأمر يتعلق بمقارباتها ومعالجاتها للشأن اليومي فحقا هناك اختلاف كبير إن على مستوى التحليل أو مستوى المقاربة".يضيف الركالة أن إشكالية الحركات الإسلامية تكمن في أنها "حركات تقليدية، ولم تستطع أن تصبح حركات تجديدية"؛ وسبب ذلك، حسبه دائما، راجع إلى مجموعة من الأسباب هي "أن بداياتها ارتبطت بإشكالات فقهية أو تنظيمية، ولم ترتبط بإشكالات فلسفية وتصورية، وأنها بقيت رهينة السؤال التأسيسي لمدرسة الإخوان المسلمين المرتبط بالخلافة والحكم، وأنها بقيت رهينة الإشكالات التي طرحتها الأحزاب السياسية غداة الاستقلال، ولم تستطع إحداث القطيعة معها".وعن الاختلاف بينهم وبين العدالة والتنمية يقول "ننطلق من أرضية فلسفية لمقاربة إشكالات بلدنا وشعبنا، بينما ينطلق حزب العدالة والتنمية من أرضية فقهية".التوحيد والإصلاح" من جهتها تدعو إلى جعل الشريعة المصدر الأول والأسمى للتشريع بالمغرب، وهي في هذا لا تختلف عن غيرها من التنظيمات الإسلامية، ولكنها تتوسع في مفهوم الشريعة ليشمل "إصلاح العقيدة وإقامة العدل والتوزيع العادل للثروة، وإشاعة الاستقامة، وإشاعة الأمن، والإحسان للمخالفين من أهل الكتاب.. وكل ما استقر من معروف وخير عند عقلاء النوع البشري هو مما تأمر الشريعة بالأخذ به والعمل به"، وحتى الاقتداء بالسلف الذي تهدف الحركة إلى تحقيقه تدقق بأنه يختلف عن المنظور السلفي؛ حيث تؤكد أنه "دعوة إلى إعمال منهجهم لا إلى استنساخ تجربتهم"."العدل والإحسان" تجعل من مفهوم التجديد منطلق تفكيرها، وتعني به"اجتهادا لجمع شتات العلم والعمل في بناء نسقي يقودنا إلى وحدة جهاد، ووحدة سلوك، ووحدة تصور، ووحدة إرادة، ولابد من منهاج علم وعمل، يجمع الشتات ويوحد الجهود ويؤسس لرؤية مستقبلية"، ولذلك وضعت منهاجا نصت أنه "آلة العلم ومرشد العمل، وهو الجسر بين الحق في كتاب الله وبين حياة المسلمين، وهو اكتشاف جديد للمحجة البيضاء التي تركنا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو إذن فهم وعلم وعمل وطريق.العلاقة مع الغيريشكل هذا المحور، كذلك، مجالا آخر للاختلاف بين الإسلاميين، بين رافض لنسج علاقات تعاون مع المخالف، إلى متحفظ، وإلى مشترط لشروط، وإلى منفتح بدون شروط.يمثل السلفيون تيار الرفض، بينما يمثل "العدل والإحسان" التيار الذي يشترط شروطا لهذا
التعاون، مع اقتناعه بوجوب التعاون مع الغير: "لا ندعي أننا وحدنا على صواب، ولا نسعى إلى إلغاء غيرنا، وشعارنا الدائم "نتعاون فيما اتفقنا عليه ونتحاور فيما اختلفنا فيه"، وشغلنا الشاغل مد جسور الحوار مع غيرنا لتعميق التعارف والتعاون على الخير، وتبادل وجهات النظر والتجارب، لاقتناعنا بأنه ليس في إمكان أحد أيا كان بمفرده أن يوجد حلولا لما نعيشه من مشاكل، وما نتخبط فيه من مآس، مهما بلغت قوته وكفاءته".أما حركة "التوحيد والإصلاح" فترى أن "الأحزاب رغم ضعف تأطيرها السياسي للمواطنين تبقى من الأطراف المعتبرة في الواقع السياسي (...)، كما أن التوجهات العلمانية الضمنية لبعض الأحزاب لا تعني خلوها من مسلمين صالحين في أشخاصهم أو في تصوراتهم، ولذلك نرى أن على حركتنا الحرص على ربط علاقات مع الأحزاب المغربية".ولكن الحركة تتميز بدعوتها إلى جبهة دينية تجمع كل "العاملين في ساحة العمل الإسلامي من جمعيات وجماعات إسلامية ومتدينين وعلماء ومؤسسات دينية ورسمية أو شعبية...".وفي نفس هذه القضية ترى "العدل والإحسان" رأيا قريبا:"نجاحنا في الدعوة والدولة متوقف على قدرتنا وحكمتنا في تصريف الخلاف من خلال قنوات معارضة صادقة ومسئولة، وأملنا أن تكونَ لنا رابطتنا الإسلامية التي تضم تنظيمات الإسلاميين في جبهة إسلامية".ولكنها تختلف عنها بأن محور اشتغال هذه الجبهة ليس بالضرورة مواجهة التيار العلماني.لا يمكن أن نختم هذا المحور دون الحديث عن تجربة "البديل الحضاري" و"الحركة من أجل الأمة"؛ حيث سجلت خطوات عملية للتقارب مع اليسار تجلت في فتح حزب يساري مقره لهذين الحزبين لعقد مؤتمر تأسيسي لكل منهما.فحزب البديل الحضاري عقد مؤتمره تحت شعار "من أجل مواطنة حقيقية" يوم 20 نوفمبر 2004 بالمقر المركزي لحزب اليسار الاشتراكي الموحد بالدار البيضاء، بعدما منعته السلطة من استعمال قاعة عمومية. أما حزب الأمة فعقد مؤتمره التأسيسي بمقر الحزب الاشتراكي الموحد بالدار البيضاء يوم 30 يونيو2007.والجدير بالذكر أن كلا الحزبين عانى من رفض السلطات الترخيص له، فمثلا حزب البديل الحضاري تأسس سنة 2002، وحزب الأمة بدأ مسار تأسيسه منذ نوفمبر 2006، ورفضت السلطات التعامل معهما، وتشكلت هيئة للتضامن مع كل حزب على حدة، ولم يكن وراءها إلا فعاليات وتنظيمات وأحزاب يسارية إضافة إلى إسلاميين.كما أنه في يوم 11 يناير 2001 وجهت جمعية البديل الحضاري، لم تكن حزبا حينها، بمعية تنظيمات وفعاليات يسارية "نداء الديمقراطية"، وتوج هذا العمل يوم 24 مارس 2002 بتأسيس "القطب الديمقراطي" إلى جانب فعاليات من اليسار المغربي وفعاليات أمازيغية أغلبها ذات خلفيات يسارية، وغاب عن هذا القطب "العدالة والتنمية" و"العدل والإحسان"، بل إن حزب البديل الحضاري ذهب بعيدا في هذا التقارب مع اليسار حتى أثر ذلك على علاقاته مع الإسلاميين.الدعوي والسياسيفي هذا الإطار اختار "البديل الحضاري" مسارا مخالفا يقضي برفض "المزاوجة بين الدعوة والسياسة، ليس من منطق الفصل العلماني، بل من منطق التخصص والتكامل بين مكونات المجتمع المغربي"، ولذلك اختار "البديل الحضاري" منذ أن أصبح حزبا تجميد العمل في جمعية البديل الحضاري، والفصل هنا مطلق. على العكس من ذلك اختارت التوحيد والإصلاح واجهة مخالفة للعمل السياسي هي حزب "العدالة والتنمية"، على أن تبقى الحركة متخصصة في المجال الدعوي فقط، وتدعم بشكل غير مباشر مواقف الحزب وخطواته... ولم يسجل إلى الآن أنها اعترضت على موقف من مواقفه، والفصل هنا تنظيمي."العدل والإحسان" من جانبها اختارت أسلوبا آخر؛ حيث حافظت على نفس التنظيم، وأسست دائرة سياسية أوكلت لها التصدي لقضايا الشأن العام، بينما أبقت على مؤسسة وظيفية أخرى تتولى التصدي لقضايا الدعوة والتربية والتعليم. والفصل هنا وظيفي فقط؛ حيث الإشراف العام يجتمع في مجلس الإرشاد ومجلس الشورى الذي تتمثل فيه كل الأجهزة التخصصية.الموقف من الديمقراطيةهنا مربط الفرس، وربما هنا تصب وتتجمع كل نقط الخلاف والاختلاف، فالتيارات السلفية بمختلف تشكيلاتها ترفض الديمقراطية شكلا ومضمونا، أما "العدل والإحسان" فتقبل آليات الديمقراطية وترفض فلسفتها اللائكية وتؤكد"ليس لنا معها نزاع فيما أنتجته من دروس في تنظيم الخلاف، وترتيب تعددية الآراء في نظام تعددية الأحزاب، وفيما تقره من حق للمعارضة أن تكون ضدا أو رقيبا أو ناقدا أو بديلا، وفيما تقترحه من حرية للشعب في اختيار حكامه وإقالتهم، وفيما تخطه من ضوابط لحسن سير البلاد مثل فصل السلطات، واحترام حقوق الإنسان، وحرية تعبير، وسيادة قانون، وتداول على السلطة، فالديمقراطية في بعض أهدافها شطر مما نسعى إلى تحقيقه، وطلبنا الذي لا بديل عنه إلا الاستبداد".حركة "التوحيد والإصلاح" من جهتها تعتبر "الديمقراطية وحقوق الإنسان مكسبا للبشرية تبلور من خلال القيم الدينية الخالدة، ومن خلال كفاح الشعوب وزعمائها المصلحين ومفكريها المستنيرين، وهي ملتزمة بما تقرر منها في الإعلانات والمواثيق الدولية، باستثناء ما تعارض منها تعارضا بينا مع أحكام ديننا وشريعتنا".إذن هو نفس موقف العدل والإحسان، أو هو أقرب منه، وخاصة حين تؤكد الحركة بأن تمسكها بالديمقراطية لا يجعلها تقبل "أن يكون بلدنا وشعبنا مجرد مقلد ومستهلك، بل نحن مؤهلون (...) لكي نضفي على الديمقراطية وحقوق الإنسان من أصالتنا واجتهادنا ما يجعلها أكثر غنى وأكثر ملاءمة لنا"."البديل الحضاري"، و"الحركة من أجل الأمة" انخرطتا في مبادرة القطب الديمقراطي، ولا تبديان كثير تحفظ على الديمقراطية.وأخيراهل اكتملت الآن الصورة؟ أم ما زالت بعض أجزائها ناقصة؟ وهل اتضحت الفروق بين الإسلاميين المغاربة؟ وهل يجوز وضعهم جميعا في سلة واحدة؟لا شك أن ما رصدناه من نقاط الاختلاف ليس على سبيل الحصر، ولكن الأكيد أن هذه الاختلافات تلقي بثقلها على الإسلاميين، سواء على مستوى الخطاب والممارسة، أو التفكير والتقدير، أو البرامج والتدبير، أو المواقف والعلاقات.**كاتب وباحث مغربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.