بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط، اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله    المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرات اعتقال بحق رئيس حكومة إسرائيل ووزير دفاعه السابق    البطولة الوطنية الاحترافية لأندية القسم الأول لكرة القدم (الدورة 11): "ديربي صامت" بدون حضور الجماهير بين الرجاء والوداد!    الحزب الحاكم في البرازيل يعلن دعم المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    تنسيقية الصحافة الرياضية تدين التجاوزات وتلوّح بالتصعيد    الجديدة: توقيف 18 مرشحا للهجرة السرية        "ديربي الشمال"... مباراة المتناقضات بين طنجة الباحث عن مواصلة النتائج الإيجابية وتطوان الطامح لاستعادة التوازن    دراسة: تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    جمعويون يصدرون تقريرا بأرقام ومعطيات مقلقة عن سوق الأدوية    اسبانيا تسعى للتنازل عن المجال الجوي في الصحراء لصالح المغرب    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى        أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    "لابيجي" تحقق مع موظفي شرطة بابن جرير يشتبه تورطهما في قضية ارتشاء    نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    الحكومة الأمريكية تشتكي ممارسات شركة "غوغل" إلى القضاء    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    المركز السينمائي المغربي يدعم إنشاء القاعات السينمائية ب12 مليون درهم    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    البابا فرنسيس يتخلى عن عُرف استمر لقرون يخص جنازته ومكان دفنه    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل        جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية        تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    "من المسافة صفر".. 22 قصّة تخاطب العالم عن صمود المخيمات في غزة    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحركة الإسلامية المغربية: ما الذي تغيّر؟

يتحدث المفكر والباحث المغربي إدريس هاني في هذا الحوار عن الحركة الإسلامية المغربية وهل تملك إيديولوجية خاصة بها،كما يقارن بينحزب العدالة والتنمية وحركة العدل والإحسان ،وأشياء أخرى تهم الحركة الإسلامية المغربية،تكتشفونها في هذا الحوار الذي أجراه الزميل مصطفى الثابتيمدير نشرجريدة "الرباطي".
س : كيف تقيّمون الحركة الإسلامية في المغرب؟
ج : نشأت الحركة الإسلامية المغربية في ظروف مختلفة تماما عن نظيراتها في المشرق العربي حتى وإن تحدثنا عن أنها في نهاية المطاف هي إحدى امتداداتها الطبيعية. ولذا كانت النشأة نوعا ما ملتبسة لأنها لم تستحضر الخصوصية المغربية في هذا المجال. ولا نقصد بالخصوصية هنا أمرا غامضا للاستهلاك بل نقصد به أن دواعي نشأة الحركة الإسلامية وطبيعة الخطاب وظروف التوتر الذي عرفته في بعض بلاد المشرق لم يكن يتناسب مع ظروف نشأتها في المغرب. إذا كان مثلا مؤسسو الحركة الإسلامية في مصر خصوما للنظام النّاصري يومئذ ، فقد كانوا أصدقاء لرموز من الحركة الوطنية المغربية وبعضهم مثل الشاوي كان مستشارا للملك محمد الخامس رحمه الله. وهذا ما اعتبرته واقع نشأة الحركة الإسلامية في صورتها الجديدة والشبيهة بالماء في الماء. كان من الضروري أن تبحث لها عن هوية ضمن محنة ومرجعيات خارجية ، ومن هنا بدأت حكاية ارتباكها الهوياتي. ونسي هؤلاء قبل أن يتمثلوا محنة الإخوان المسلمين في ليمان طرة والسجن الحربي أن الملك محمد الخامس وكذا قادة الحركة الوطنية مثل علال الفاسي احتجّوا على قرار إعدام سيد قطب . ولا زالت الحركة الإسلامية في المغرب رهينة ارتباك مستمر بسبب بحثها المستديم عن هويتها في ظل تناقضات المشهد وغياب الإرادات التاريخية. فمن جهة كيف تثبت شرعيتها الإسلامية من خلال كل آرائها ومواقفها وصفقاتها من جهة أخرى كيف تثبت وطنيتها من خلال أدائها السياسي. لا تستطيع هذه الحركة أن تثبت هويتها الأولى لأنها ستجد دائما اعتراضات من قبل تعبيرات إسلامية أخرى، كما لا تستطيع إثبات هويتها الوطنية لأنها لم تستطع حتى الآن أن تبلور مشروعها الوطني بالتمام والكمال. ومع العجز عن إثبات الهويتين سيظل أداؤها حتى إشعار آخر يتأرجح بإعلان مواقف موسمية تتعلق بمزايدات دينية أو وطنية عند كل مناسبة؛ أي لا يوجد هناك سوى البوليميك السياسوي للاستهلاك لن يكون أفضل حالا من البوليميك السياسوي الذي عرفه المشهد خلال عقود. والسبب وراء هذا الحصر يتجلّى في أن الحركة الإسلامية المغربية تمثلت شعارات المراجعات ولكنها لم تمارس مراجعات جذرية . وليس المطلوب أن تكون مراجعات تتعلق بأفكارها بل المطلوب مراجعات تتصالح بها مع تاريخها. ولأنها لم تنجح في التصالح مع تاريخها، أي لم تستطع حتى اليوم ربط نفسها بموروث الحركة الوطنية والخطاب الإصلاحي الوطني الذي تبناه علماء كبار قبل وأثناء وبعد الحماية، فإنها ستظل تقدم شهادات حسن سيرة في كل محطة من محطات الاستحقاق. السؤال الذي لم تطرحه الحركة الإسلامية في المغرب على نفسها هو أن المنتظر منها ليس خطابا مراوغا وتباكيا سياسيا ، المطلوب منها أن تقدم فكرة أفضل وبرنامجا ناجعا وتصورا يتقدم بالمجتمع ويحميه في الوقت نفسه خارج التضخيم المرضي لمشكلات تطرح عادة من دون حلّ أو حلول تقدم ولكن لا موضوع لها. الواقعية السياسية التي افتقدتها الحركة الإسلامية دائما في المغرب اليوم يبدو أنها تمارسها ليس كاختيار بل كلعبة سياسية. وفرق كبير بين الواقعية السياسية واللعبة السياسية. فالذي تمارسه الحركة الإسلامية في المغرب هو اللعبة السياسية وليس الواقعية السياسية. من ناحية أخرى نلاحظ أن تشرذم الحركة الإسلامية في المغرب ظاهرة بلا معنى و لا موضوع ، لأنه في تقديري يقوم على حسابات ساذجة. فإذا كانوا جميعهم يتوحدون في المسيرات الشعبية تضامنا مع فلسطين، فما الذي يفرقهم ما دام لا يوجد لديهم برنامج إضافي غير نصرة فلسطين التي يتضامن معها كل المغاربة بحماس أكبر ومن دون استثناء. أي أنهم يفكرون تفكيرا مشابها ويعملون بالمزاج نفسه والذوق نفسه. هذا التشرذم يؤكد على أن الاختلال بدأ مع نشأة هذه التجربة مما جعلنا أمام وضع تتحكم فيه الانتهازية الحزبية التي انتقلت بالعدوى إلى جسم الحركة الإسلامية المغربية ومكّنت لشكل خطير يتهدد الدين والسياسة معا ، ألا وهو المفيوزية الدينية. تقوم هذه الأخير في نظري على الحسابات السياسية نفسها التي يعاني منها المشهد الحزبي في بلادنا ولكنها تمارسها مع شيء من "الحوقلة" السياسية. هذا الأمر يبدو اليوم بسيطا ببساطة المرحلة والتجربة لكنه سيتضخم مع الوقت لندرك أن التهديد لا يأتي دائما من السياسة بل قد يأتي مع تجارب دينية. لقد دخلت الحركة الإسلامية المغربية مرحلة قطف الثمار وتوزيع الكعكة قبل أن تحقق نجاحات النموذج الإسلامي الذي تتحدث عنه فيما تتمثل نهجا سبقها إليه غيرها. هل الأمر يتعلق بقطف ثمار مرحلة والرمي بالتجربة في البحر أم أن المطلوب هو النضال من أجل نظافة النموذج ونجاعته. لقد خرجت الحركة الإسلامية مائلة من الخيمة منذ البداية وهي اليوم في أمسّ الحاجة إلى عملية "فورمتاج" في الفكر والوعي ، من دونه لا ينفعها الضوضاء السياسوي والإصرار على الخطأ . إن نجاح الحركة الإسلامية لا يقاس بحجم حضورها في لحظة عزوف سياسي للمجتمع أو في محطات استثنائية للأمة أو اكتساح انتخابوي مؤقت، المسألة أبعد من ذلك بكثير وأعمق من ذلك بكثير. نعم ، ما هو موجود لا يشكل الصيغة المثالية. هذه صيغة فرضها الواقع وهي مثل نظيراتها من المكونات السياسية الأخرى يجري عليها ما يجري على الأخرى. نحن إذن أمام المزاج نفسه والعوامل نفسها التي تفسر ضعف الأحزاب المغربية عموما واختلالاتها.
س: هل يمكن الحديث عن إيديولوجيا معينة خاصة بالحركة الإسلامية المغربية؟
ج : لا توجد للحركة الإسلامية المغربية أيديولوجية خاصة بها ، وإنما توجد تمثلات و أصباغ ينقشع لونها تحت الشمس. هل سمعت بحكاية صبّاغي الحمير. إن الأمر يتعلق بهذا الفن الذي أتقنه بعض سماسرة تجارة الحمير في بعض المناطق. يصبغون الحمار الأشهب كبير السن بالسواد لكي يبدو للزبائن في وضعية صغير السن. منذ وجدت الحركة الإسلامية المغربية وهي عالة على آراء خارجية فكرا وفقها. أتحدث عن حالة من ال copiage سائرة على قدم وساق. لا يحتاج الأمر إلا أن نتطلع إلى منتوج هذه الحركة الفكري؛ إنها لا تمتلك ببليوغرافيا مغربية خاصة ولو استثنينا بعض أعمال السيد يسين بالنسبة إلى العدل والإحسان فإن غيرها يعيش كسادا في التنظير خارج لعبة ال "copiage". بل إنها طمست تراثا من المساهمة الإسلامية الحقيقية التي أنتجها رموز إسلاميون مغاربة كبار خلال صعود حركة الإصلاح الوطنية. لم تعتمد هذه الحركات في تأطير أبنائها على تراث أعلام النهضة والإصلاح الوطني . لم يتربّ أبناء الحركة الإسلامية في نشأتها الأخيرة على النقد الذاتي أو الحركات الاستقلالية وغيرها لعلال الفاسي أو مظاهر اليقظة المغربية للفقيه المنوني أو غيرها من الأعمال . لقد ألف الكثير من العلماء المغاربة أعمالا مهمة في التجديد الديني والفقهي مثل الحجوي في الفكر السامي أو علال الفاسي في المقاصد وأعمال الكتاني في الدولة والساسية والتربية الروحية... ولكنهم بالمقابل تربّوا على " جند الله ثقافة وأخلاقا" و "المدخل إلى دعوة الإخوان المسلمين" وغيرها من أعمال سعيد حوى ، وعلى "جاهلية القرن العشرين" لمحمد قطب و"معالم في الطريق" لسيد قطب .. هذا هو السقف التربوي الأعلى . هكذا تربوا على ما هو أجنبي دون التفات إلى ما هو داخلي . ومن الغريب أن هؤلاء الرواد في الحركة الوطنية المغربية كانوا أضرابا في زمانهم وأصدقاء لمؤسسي تلك الحركات . كانوا أصدقاء لسيد قطب والمودودي والندوي وغيرهم . و قبل نشأة الحركة الإسلامية بمفهومها التنظيمي اليوم ، كان علال الفاسي صديقا لسيد قطب وكان المانوني صديقا للمودودي الذي زار المغرب في 1952م ليلقي في نقابة المحامين بمراكش محاضرة حول تدوين الدستور ، وكانت بينه والفقيه المنوني مراسلات وقد أفاد منه كثيرا هذا الأخير في أثناء التحضير لأول دستور مغربي يوم كلف الفقيه بالإشراف على تلك اللجنة يوم كان مناضلا في صفوف حزب الشورى والاستقلال قبل أن يترك هذه المهمة. مثلما زار الندوي المغربي.. العلماء المغاربة كانوا على صلة برموز الحركة الإصلاحية والعمل الوطني في المشرق.. منذ محمد عبده ورشيد رضا وشكيب أرسلان ... ومع ذلك لا تجد داخل الحركة الإسلامية من استدمج هذه الرموز وهذه الانجازات في البرامج التأطيرية والتربوية لأبناء هذه الحركة. من هنا أعتقد أنه على مستوى الايديواوجيا لا توجد أي خصوصية للحركة الإسلامية المغربية ، بل بالمقارنة، هناك نكوص وتردد كبير ناتج عن الأزمة التي يعيشها الخطاب المرجعي للحركة الإسلامية المغربية التي تنكرت لكل هذا التراث واختارت أن تؤسس مشروعها على تجارب خارجية جاهزة للتمثل. كان أولى لها أن تعلن نفسها تلميذة للحجوي الثعالبي أو لأحد من آل بن الصديق أو آل الكتاني أو علال الفاسي أو ممن هم أحياء بيننا لا تسلط عليهم الأضواء ، بدل أن تصغّر من شأنها وتخرج عن منهجيتها الوطنية لتعلن نفسها تلميذة للقرضاوي وترجّح مراجيحه. فمع وجود الماء ترتفع الحاجة إلى التيمم. ربما فطن بعضهم لأهمية الاتصال بهذا التراث فقط في سياق إثبات الهوية الوطنية ، لكن لا توجد آثار لمثل هذا الربط في صورة برنامج تربوي لأبناء الحركة الإسلامية المغربية لتكريس هذا التراث وتدارسه والاستفادة منه وهو بالتأكيد كبير ومهم وعميق.
س: ما هي في نظرك الشريحة الأقوى والأوسع، هل هي العدالة والتنمية أم العدل والإحسان؟
ج : القياس هنا غير ممكن ، لأن وضع الجماعيتن مختلف تماما. هناك حزب يتحرك ضمن اللعبة السياسية وثمة جماعة تتحرك ضمن معادلة الحراك الشعبي خارج اللعبة. فالسؤال الحقيقي هل كنّا سنقف على أي قاعدة شعبية لحزب العدالة والتنمية فيما لو اختار أن يظل جماعة سلفية مهووسة بانتزاع شرعيتها من الحركة الإسلامية الأمّ. يجب أن نتذكر دائما الصفقة الخطيبية التي تحولت من خلالها إحدى الجمعيات الإسلامية الصغيرة من عمل دعوي محدود إلى حزب واسع تورم سياسيا لكنه لا يزال في الأطوار الأولى من إنماء رؤيته الكلية. وهو لا يزال يمثل صوتا داخل حركة إسلامية يلعب وحده في الساحة في غياب المكونات الأخرى للحركة الإسلامية. ولا ننسى أن العدل والإحسان وبموجب العمل بأخف الضررين وانصر أخاك ظالما أو مظلوما ، ظل طيلة الانتخابات يتصدق بأصواته للعدالة والتنمية، فماذا لو دخل اللعبة السياسية واحتفظ لنفسه بأصواته؟! في تقديري أن حزب العدالة والتنمية ليس حزبا صغيرا ولكنه أيضا ليس كبيرا إلا من حيث أنه فتح دكانه السياسي لمن لا مأوى له. وهذا طبيعي في اللعبة السياسية التي أتقنها هذا الأخير حتى الآن لكن بأي ثمن عائد على جسم الحركة الإسلامية حدث ذلك؟ أريد أن أقول: لا يكفي لربح الرهان أن نعلن بين الفينة والأخرى أننا لسنا متطرفين. ليس نبذ التطرف هو وحده المطلوب من حركة إسلامية تهتم بالشأن العام؛ المطلوب هو جودة التدبير وعمق الرؤية وتحقيق النموذج الناجع. وفي تصوري أن هذا الوضع آخذ في التغيّر لأن الكثير من العناصر الجديدة ستطرأ على المعادلة؛ لن تظل العدل والإحسان خارج السرب طال الزمان أو قصر ولن تظل المكونات الإسلامية الأخرى خارج منطق السياسية ومغرياتها . التاريخ هنا يحتفظ بكلمته . فدوام الحال من المحال. لذا أقول أن مسألة العدد والنفوذ هي مسألة نسبية تتحكم فيها شروط موضوعية كثيرة.
س : اليوم توجد حركة إسلامية في البرلمان ، ما الذي تغيّر ، وهل هناك قيمة مضافة لهذه الحركة على مستوى المغرب وعلى مستوى العالم العربي؟
ج : دعنا من القيمة المضافة على صعيد العالم العربي ، لأن الحركة الإسلامية في نشأتها الثانية في العصر الحديث في بلادنا كما ذكرنا قبل قليل لم تنتج أعلاما امتد تأثيرهم خارج حدود المملكة. ولكن على صعيد المغرب هناك تغير شكلي ، أي بدل أن نترك الحركة الإسلامية تنام في الشارع فتحنا لها قبة البرلمان لتمارس البوليميك داخل المؤسسة التشريعية لا في الأزقة. والحال إنني أعتقد أننا أدخلنا إلى قبة البرلمان القسم الأضعف من الحركة الإسلامية واعتقدنا خطأ أننا احتويانا الحركة الإسلامية المغربية. ومفعول هذه "الصناعة الخطيبية" سيعرف انفجارا في المستقبل المنظور ، لأن السّبات على هذه الصفقة السياسية لن يحل مشكلة الحركة الإسلامية في المغرب كما لا يمكنه أن يساهم في الاستقرار. المشكلة في المحتوى لا في الشكل. هناك ردود فعل إسلامية أخرى ستقوم ضد الأداء الذي تقوم به هذه الصيغة من صيغ الحركة الإسلامية في المغرب. اليوم بالفعل لا توجد قيمة مضافة. لأن الاستقرار الذي تتحدث عنه بعض الفصائل ليس أكثر من مغالطة سياسية. فالمغرب مستقر ولم يكن يعيش مشكلة حقيقية من قبل الإسلاميين حتى في الأوقات التي ظن البعض أن هناك ماردا إسلاميا يتهدد استقرار البلاد. اليوم كذلك نجد العدل والإحسان هي خارج اللعبة السياسية وهي تساهم بشكل من الأشكال في الاستقرار الروحي أكثر من نظيرتها العدالة والتنمية ومن دون ثمن أو مزايدة. لأنها لم تجعل نبذ العنف من منهجيتها مرتهنا بالقبول بها فاعلا ضمن شروط اللعبة. وقد يكون من الغريب أن نجعل من الاستقرار ابتزازا سياسيا. الفتوى والخطاب والترشيد بالنسبة للعدل والإحسان هو صناعة مغربية داخلية في الأعم الأغلب أيّا كان تأثر شيخها بتجارب أخرى، لكنه لم يلغ تجارب وطنية تحدث عنها وألف حولها. أريد القول هنا أن السيد عبد السلام نجح في اجتياز مسألة المرجعية بشكل ما ، حيث غطّت كارزماه عند جماعته على كل مرجعية حركية أخرى في الداخل أو الخارج. وبالنسبة لغيرهم مثلا يبدو الخطاب والفتوى صناعة خارجية وأحيانا يتم ذلك بتغيير الرموز وتزوير الإشارات. مثلا أحد في العدالة والتنمية يملك خيارا أمام فتوى الريسوني. وهذا الأخير لا يملك خيارا أمام فتوى القرضاوي. نحن بالبرهان غير المباشر نجدنا أمام جماعة اعتمدت القرضاوي مرجعيتها بصورة تبدو أحيانا معلنة. فأنا أيضا أسأل: ما هي هذه القيمة المضافة في الفكر والثقافة والسياسة والمواقف والمكتسبات. يكفي أن تجد معظمهم لا يملك جوابا على سؤال أزلي يطرح عليهم في كل مناسبة: ما هو برنامجكم؟ ففي اعتقادي أن هذه الحركة سيكون لها شأن مهم فقط وفقط ، حينما تملك أن تجيب على هذا السؤال من دون حرج وأن تفرض بنجاعة أجوبتها ومبادراتها عدم جدوى تكرار مثل هذا السؤال عليها في كل مناسبة؛ جوابا للإقناع لا جوابا للاستهلاك.
س: عرف المغرب تناسل أحزاب صغيرة بمرجعية إسلامية ، في نظرك ما هي موقع هذه الأحزاب من الخريطة السياسية والدينية في المغرب وهل لها مستقبل؟
ج: بعض من هذه التجارب لا يزال يفكر بعقلية العهد القديم ويريد أن يفوز بالمباركة و" تحت الإشراف" أو بإعلان المزايدة بالولاء. هؤلاء في ظنّي لم يستطيعوا استيعاب التحولات التي يعرفها المغرب. أعتقد أن المرجعية الإسلامية ليست مسألة سهلة . ولا يمكن أن يتمثلها حزب مهما حاول أن يلعب بهذه الصفة. هذه مسألة عميقة في الوجدان. والحقيقة أننا حتى اليوم لسنا إلا أمام نماذج محدودة بعضها متشقق عن جسم الحركة الإسلامية مثل حزب البديل الحضاري وحزب الأمة وقد تم حلّ الأول وعدم الاعتراف بالثاني للأسباب المعروفة، وهناك حزب النهضة والفضيلة الذي هو حزب يضم إسلاميين ويحمل تصورا برنامجيا إسلاميا ويعبر بالبيانات المتكررة عن نهجه ومواقفه ذات الطابع الإسلامي ، لكنه حتى الآن لم يستطع إقناع الحركة الإسلامية بإسلاميته . إنه يبدو حزبا إسلاميا مع وقف التنفيذ. ولا أحد يعلم ما السبب.
س : دائما يجري الكلام عن ضعف الأحزاب وقضية الفساد في التدبير . هل قدمت العدالة والتنمية نموذجا بمنأى عن هذا الوضع؟
ج: بالفعل استطاع هذا الحزب أن يتفادى الكثير من الظواهر التي اشتكت منها الأحزاب الوطنية الأخرى. وقد أظهر الكثير من الحيوية والحراك السياسي والنشاط الاجتماعي. وهذا معطى طبيعي بالنسبة للحركة الإسلامية التي حققت تفوقا ونجاحا كبيرا في العمل الاجتماعي. غير أن المطلوب من الحزب هو أكثر من العمل الاجتماعي الذي يمكن أن تنهض به جمعيات المجتمع المدني. هذا الحزب يملك نفسا جديدا في معركة لها أشواط وتنتظرها صيرورة كاملة. وقد تفعل المنشطات مفعولها الاستثنائي بما يوحي أننا أمام نموذج معافى مما تعانيه وضعية المشهد الحزبي برمته. وفي هذا الإطار يمكننا قراءة المشهد بالأرقام وبلغة المؤشرات؛ أي إننا أمام حالة من العزوف السياسي أضرّ بالمشهد خلال الانتخابات التشريعية في أوج الحديث عن اكتساح مرتقب لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات. وحصل أن تراجع الحزب خلف الاستقلال والتجمع الوطني للأحرار فضلا عن تراجع في منسوب الأصوات في انتخابات 2007م. أي أن العزوف شمل الحزب نفسه ويتهدده أكثر حينما ينتهي مفعول التصويت العقابي ويعرف المشهد تغييرا جديدا ، وهو ما تحقق جزئيا مع دخول (البّام ) على الخط. استفاد الحزب المذكور من الفراغ والضعف وانصراف الناس عن السياسة بسبب اليأس من وعود الأحزاب وأيضا من حيويته واندفاعه السياسي . لكن علينا أن نقرأ المشهد بصورة مختلفة. فمعايير الجودة تتعلق هنا بالأداء في مستوياته الثلاثة؛ أي في الأداء الحزبي والتنظيمي وثانيا في الأداء الانتخابي وثالثا في التدبير الجماعي والتشريعي. هناك فقط يجب أن نمتحن الحزب المذكور؛ إلى أي حدّ نجح في تقديم نموذج ناجح في الأداء الحزبي؟ الجواب على هذا التساؤل يتطلب بعض التّأمل. هناك لا شك محاولة لتخطي كل معضلات الأحزاب السياسية من هذه الناحية والتي تتلخص في دمقرطة الأحزاب وتشبيبها. وطبيعي أن تبدو التجربة الأخيرة خارج هذه الأزمة لأنها تجربة حديثة قادتها جماعة من قيادات شابة. ولأنه في غياب أي كاريزما مطلقة تتمتع بمشروعية تاريخية متميزة مثل الذي يجري داخل بعض الأحزاب السياسية ذات التاريخ الوطني العريق ، فإن غياب ذلك يجعل المواقع دولة بين الأضراب والأقران مما يوحي بالديمقراطية التنظيمية. والحال أن الأمر كذلك حينما تتساوي الأكتاف، ولأن الحزب المذكور يفتقر إلى الشرعية التاريخية والوطنية لأن تاريخه يبدأ من "الصفقة الخطيبية" ولا يستدمج ما قبلها بخيره وشره. لكن هذا المأزق بدأ يرخي بظلاله التنظيمية على الحزب المذكور. وعلى الرغم من أنه يسعى لإخفاء مشاكله الداخلية وعدم نشر غسيله على السطح إلا أن ثمة توترات واحتقانات تعد بانفجار الوضع التنظيمي في المدى المنظور. فثقافة استبعاد الجيل الجديد داء ليس الحزب الإسلامي بمعزل عنه. فداخل التنظيم بدأت تتكرس حالة الديناصورات التي تعتاش على الشرعية التاريخية على الرغم من أن مطيع نفسه في كل تصريحاته لا يفتأ يذكّر بأن الأمر يتعلق بدخلاء وغلمان لا يتمتعون بهذه الشرعية. فالنزول قليلا إلى كواليس هذا التنظيم السياسي يوقفنا على مظاهر هذا الاحتقان وبأننا في ظرفية ما سنشهد انفراط العقد وتشتت عش الزنانير. أما على صعيد الأداء الانتخابي فنحن لسنا أمام ممارسة انتخابية معافاة من مرض الانتخابوية التي تستغل فيها جميع الأوراق من لعبة الأعيان إلى استعطاف دعم البارونات التي قال عنها بعضهم بأنه آن الأوان أن نشملهم بشعار الوطن غفور رحيم ، وانتهاء بالديماغوجية والشعبوية واستغلال العواطف الدينية لحزب قلّ فيه الدّيانون جراء فتنة السياسة على الأقل كما نعاهم أو ربما زايد عليهم شخص منهم إسمه فريد الأنصاري في كناشه " الإسلاميون والأخطاء الستة" . مع أنني أعتقد أن ثمة أخطاء تفوق الخيال وإن لم توجد بينها تلك الأخطاء الستة تحديدا أو بالضرورة. هذا إضافة إلى مسألة التدبير الجماعي ، حيث نلاحظ دينامية جديدة لكنها لا تحجب بعض الاختلالات والتجاوزات . علينا أن نقف عند بعض الصفقات التي تجري وفق منطق القرابة والزبونية . هناك فيما تناهى إليّ وجود صفقات في إحدى الجماعات تمرر لصالح شركات معينة بسبب وجود بنات رؤساء بعض الجماعات المحلية من الحزب نفسه على رأسها : بتعبير آخر (خيرنا لا يروح لغيرنا). وهناك تجاوزات أخرى تتم بحذر شديد لكنها تعد بمستقبل لا يبشر بخير إن لم يتم استدراكها لأن الرقابة لا تستثني أحدا. ومن هنا كان عتابي أن هذا الحزب لم يعاقب أحد من أولاده على أساس المخالفات والتجاوزات التي تضرّ بالصالح العام. وعموما لا جديد حتى الآن يعود لوجود حزب العدالة والتنمية داخل اللعبة السياسية. لا يزال ضعيفا من الناحية الأيديولوجية وإن اكتسب خبرة كبيرة في التكتيك السياسي. لأن الجديد هو أن الدولة فكرت يوما في تجديد المشهد الحزبي بالقبول بالصفقة الخطيبية ، في انتظار انفراج الوضع بالنسبة للباقية المتبقية ، وفي طليعتها العدل والإحسان. وهذا يتطلب أن لا ننسى أن المسألة لا تتعلق بأداء تتحمل العدالة والتنمية فيه المسؤولية وحدها ؛ هذا هو أفق ما لدينا من إمكانات الحركة الإسلامية المغربية ، لا تجوز فيها المزايدة بين مكوناتها وتعبيراتها. ولكن لا بد من ذكر هذه الحقيقة من باب النقد الجذري ، حيث المعول عليه اليوم هو انتظار الجيل القادم من الحركة الإسلامية ، ربما سيكون أكثر نضجا من شيوخها المؤسسين ؛ وهذا منبع الأمل.
س:يعتبر حزب العدالة والتنمية نفسه في الكثير من خطابات زعمائه بأنه ضحية الدولة ، كيف تنظرون إلى ذلك؟
ج: يبدو أننا تجاوزنا منطق الاستناد إلى المحنة . هل نحتاج دائما إلى تفعيل هذه التراجيديا لكي نبرر أخطاءنا. بالفعل، نلاحظ أن العدالة والتنمية في الوقت الذي تصف فيه العدل والإحسان باعتماد منهجية المحنة إلا أنها تمارسها كلما وقعت في مصائد السياسة. خطاب المظلومية هو خطاب الجماعات المفلسة والفاشلة. وهنا يتساءل المراقبون عن أي مظلومية يجري الحديث بخصوص تجربة حزبية مخملية لم تتحقق بخيل ولا رجاف. هذا ليس مكتسب سنوات نضال. قلت سابقا أن الأمر يتعلق بصفقة استفاد منها القسم الأضعف من الحركة الإسلامية المغربية لا أعتقد أنها ستتكرر بالشكل نفسه. أعضاء هذه التجربة ليسوا خريجي سجون ولا ضحايا سنوات الرصاص ولا ضحية نضال من أجل الديمقراطية. دعك من كل هذه الشعارات ، فلو أن الغلبة صارت لخطاب ضد الديمقراطية لرأيت تموقفات من جنس آخر. نحن في سوق من المزايدات، مرة أخرى إنها السياسوية والكذب السياسي. هذا الحزب ربح أكثر مما كان يحلم به يوم كان عبارة عن مجموعة من الدراويش الدعوية. لقد ربحوا مواقع ووظائف وثروات في هذه التجارة السياسية الرابحة. ثروات بالتأكيد لا يمكن أن اكتسابها في ظرفية وجيزة من مناصب وزارة التعليم .. كيف يكون ضحية للدولة من خرج من ضيق الأكواخ إلى سعة الفلل والقصور.. ومن درّاجات الموبيليت إلى سيارات المرسيدس وأضرابها ..ومن محنة التّحلق حول القصاع في الجلسات التربوي في بيوتات تفوح منها الرطوبة في المدن العتيقة إلى الممارسة السفسطائية داخل البرلمان والتطلع إلى الحكومة التي لم يكن يتطلع إليها حتى أحزاب الكتلة. كفى أن نكذب على الرأي العام وعلى عموم الحركة الإسلامية ونتاجر بالمظلموية. دخل هؤلاء الإخوة إلى العمل السياسي والحزبي و البرلمان وهم يجرّون وراءهم الكثير من الفقر وقلة الحاجة ؛ واليوم نتحدث عن ميزانية مليارية.
س: ما هو الفرق بين حزب العدالة والتنمية المغربي وحزب العدالة والتنمية التركي؟
ج : تطابق الإسم هنا مضلل بعض الشيء. حينما أدرك الحزب الأول أهمية وسطوع نجم الحزب التركي ، بدأ في لعبة التمثلات. في البداية تم الترويج لنوع من العلاقات الخاصة بين الحزبين بادعاء أن حزب العدالة التركي استفاد من تجربة حزب العدالة المغربي. ومثل هذا يحدث دائما بالنسبة للعمل الجماعي والتنظيمي الذي يحتاج دائما إلى البروباغوندا ويتسامح في الدعاية. حدث هذا قبل أن يجيب اورغان مرة في ندوة صحفية في إحدى الجامعات الأمريكية، بأنه لا يعرف حزبا بهذا الاسم في المغرب. ولا ندري ما الذي سيستفيده حزب إسلامي تقوده نخبة سياسية مخضرمة تعيش تحديات حقيقية وخاضت نضالات حقيقية من أجل تعزيز موقفها. الفرق هنا أن حزب العدالة والتنمية التركي الذي كان اردغان أيضا من مؤسسيه قبل أن يكون رئيسه والذي أكد على أنه لا يعرف شيئا اسمه حزب العدالة والتنمية في المغرب ، شخصية ناجحة قدمت لتركيا أفكارا جيدة وحلولا ناجعة وبرنامجا دقيقا. لقد أمّن لتركيا خروجا من تبعات الانقلاب العسكري والأتاتوريكية الجذرية لصالح خيارات أكثر براغماتية وانفتاحا. لقد حل مشكلة اليونان والأرمن وحتى الأتراك وارتقى بالدخل الفردي التركي وعزز الاستقرار والاستثمارات الخارجية وأعاد إلى تركيا مكانتها في الداخل والخراج. المقايسة هنا لا تجوز إطلاقا. وحزب العدالة والتنمية التركي هو اليوم مدرسة يجب أن تتلمذ عليها الحركة الإسلامية المغربية وتكف عن النفخ في نموذجه الذي لم يولد بعد.
س: من الملاحظ أن العدل والإحسان رفضت الدخول في اللعبة السياسية ومع ذلك نتساءل ما هي القيمة المضافة للحركة الإسلامية سواء أقبلت باللعبة أم رفضتها؟
ج : الاختلاف هنا في مستوى الموقف من شروط اللعبة السياسية. فالعدل والإحسان يقبل بالنظام لكنه يرفع من قائمة الشروط بينما تمضي العدالة والتنمية على كل الشروط لأنها مهتمة بالسياسة شأنها شأن كل الأحزاب التي تريد أن تمارس السياسة. ترى العدل والإحسان أنها ربحت على مستوى تربية أبنائها وتعزيز حالتهم الدينية ومواقفهم الجماعية الصلبة التي تبدو حادّة بعض الشيء بالمقارنة مع نظيرتها العدالة والتنمية. والسبب الموضوعي واضح. الممارس للسياسة يختلف عن المتحرك خارج خطوطها. ولكن كما قلت لك إننا نراهن على مستقبل الحركة الإسلامية لا على راهنها. إنها تعاني برمتها من مظاهر الحصر النفسي والأيديولوجي. وهذا لا صلة له بوجود المخلصين منها أو حالات شاذة من مثقفيها ، لأن الحديث هنا عن التيار العام وعن الوضعية الراهنة وعن الأداء الجمعي. وقد قلت دائما وبموجب ما سميته بالتبني الحضاري والتجديد الجذري أنك تستطيع أن تدخل الجنة بإخلاصك الشخصي وتحقق النجاة الروحية لنفسك لكنك لن تستطيع بالضرورة أن تقدم فكرة أفضل ، فكرة حضارية يتحقق بها النجاة الجماعي والخروج من جحيم التخلف برسم السبق في الوجود والتقدم والازدهار الحضاريين.
س: في نظرك هل توجد أجندة مشتركة بين العدل والإحسان والعدالة والتنمية؟
ج: في حدود معرفتي لا توجد إلا خطوط تماس ضئيلة تفرضها الظروف الراهنة في سياق تنامي العداء للحركة الإسلامية، مما يولد شكلا من التعاطف بين مكونات الحركة الإسلامية. وحيث أن الحركة الإسلامية لم تتجاوز رؤيتها التقليدية اتضح أن خصومها أيضا لم يفعلوا الأمر نفسه. وهذا ساهم في تأخر المشهد برمته. نعم ، يمكننا الحديث عن دعم انتخابي لبعض أفراد العدل والإحسان في الانتخابات التشريعية والجماعية لصالح العدالة والتنمية. لا ندري هل يحدث ذلك بتنسيق وقرار من القيادة أم المسألة متروكة لمزاج الأفراد وضمن حالات خاصة ؛ يمكننا الحديث عن تعاون على مستوى المسيرات التضامنية حول فلسطين مثلا ، يمكننا الحديث عن شكل من أشكال التقاطعات الطبيعة لكنها لا تصل إلى الأجندة المشتركة في القضايا الكبرى التي تتعلق بطبيعة نظرة العدل والإحسان للعمل السياسي أو فيما يتعلق بالمنظومة التربوية والعقدية لهذه الجماعة. فالعدل والإحسان هي حركة ترفض القبول بالعمل السياسي وفق شروط اللعبة السياسية فيما نجد العدالة والتنمية تقبل بذلك. كما أن العدالة والتنمية هي سليلة جمعية سلفية بينما جماعة العدل والإحسان هي جماعة صوفية. وحتى لا أنسى يجب التذكير بأنني سبق في مناسبة أخرى أن تحدثت عن أن الخلاف بين الحركتين هو خلاف حقيقي وموضوعي وهو وحده الذي يستحق أن يكون خلافا. وهذا لا يناقض رأيي بأن ما تبقى في الأعم الأغلب لا يستحق أن يكون خلافا إلا عرضيا. وكل هذا لا يمنع من التحالف إن اقتضى الأمر ذلك. وطبعا للقاعدة هنا بعض الاستثناءات.
س: ما هو الموقف الحقيقي للحركة الإسلامية المغربية من العنف الذي تبنته السلفية الجهادية؟
ج : إذا كنت تتحدث عن العنف بمعناه المادي ، فما عدا ما حدث في 16 ماي وما تبنته السلفية الجهادية لا توجد بواعث لممارسة العنف لدى عموم الإسلاميين في المغرب. ومهما بلغ التناقض والجدل فإن المسار الذي يسلك عليه الاجتماع السياسي المغربي يتجه نحو لا جدوى العنف السياسي. إن بواعث العنف ودواعيه وشروطه في حالة انقراض تدريجي. وهذا ما كنا اعتبرناه الوضعية الخاصة للحركة الإسلامية في المغرب. أما ما نعتبره من الشقاوة الدينية لبعض المكونات الشاذة في المشهد الإسلامي المغربي، يكفي أن تتأمل طرائقها ليتأكد لك أن الأمر يتعلق بحالات شاذة بالفعل ولا يمكن أن تجد لها أنصارا وعمقا اجتماعيا. غير أن هذا لا يعني أن نوعا آخر من العنف الرمزي تمارسه هذه الحركات الإسلامية بما فيها التي تدعي الاعتدال. إنه عنف ضد الآخر المختلف. فهي لم تتدرب بعد تربويا على القبول بالمختلف قبولا سمحا لا قبول ضرورة ونفاق. هذا فضلا عن أن هذه الجماعات لم تقطع مع نصوص مؤسسة للعنف الرمزي والتي ليس من الضروري أن ترقى بها إلى مستوى المرجعية التي يقوم عليها خطابها الباطني أو العلني. إن الحركة الإسلامية المغربية لا سيما ذات النزعة السلفية تحتفظ ببنية فوقية تقليدية هي نفسها البنية الفوقية للحركات العنفية. بتعبير آخر ؛ لا زالت لابن تيمية بفتاويه الكبرى حظوة لا تضاهى عند الحركة الإسلامية وقوله هو الراجح من بين كل الآراء.
س: نلاحظ أن الحركة الإسلامية المغربية تقوم بمسيرات تضامنية مع فلسطين والعراق ولكنها لا تقوم بمثل هذه المسيرات التضامنية لصالح قضايا وطنية ؟
ج : القضية الفلسطينية هي قضية جميع المغاربة. ولو أتيح للمغاربة أن يملئوا أسطول الحرية لفعلوا وزادوا. هذا أمر واضح. والإسلاميون متعاطفون مع القضية الفلسطينية بشكل لا يميزهم عن باقي الشعب المغربي. ولكن لا شك أن هناك شكل من أشكال المزايدة والسياسوية تمارس هنا. أنا شخصيا لا أدري أين تلجأ هذه العنترية حينما كانت العدالة والتنمية تبعث لمن يهمهم الأمر في إدارة بوش الأكثر رعونة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية برسائل تطمين من نهجها الديمقراطي فيما لو وصلت إلى الحكومة. حصل هذا قبل 2007 م . ودائما كان خط الرباط واشنطن ينشطه إسلاميونا الذين استقووا في كثير من المرات على بلادهم بأمريكا تارة وبفرنسا تارة أخرى. برامج التدريب على الديمقراطية نفسه استمر إلى حين. جاءت تسيفي ليفني إلى المغرب ولم تنطلق تلك المسيرات على الرغم من ارتفاع الأصوات. قانون الإرهاب صوّت عليه نواب العدالة والتنمية . نعم ، هذا لا يعني أن هذه الجماعات لا تحمل عاطفة تجاه القضية الفلسطينية، لكنها مستعدة أن لا تمشي خطوة تضامنية فيما لو تعرضت للمنع. إن بعضهم يستغل اندفاع الجماهير المغربية وتسامح الدولة مع تعبيرات الجمهور التضامنية ، فيكون لهؤلاء فقط شرف التأطير حتى لا تعم الفوضى. وهذه خدمة تقدمها هذه الحركة للدولة لا للقضية الفلسطينية.
س: تفجر موضوع الحركة الإسلامية والفن وصدرت فتاوى وتصريحات تندد بمهرجان موازين كما اعترضت العدالة والتنمية عن استقبال إلتون جون في المهرجان . ما رأيك في ذلك؟
ج: بدوري أتساءل، أين هو الوعي السياسي خلف هذا الموقف؟ أعتقد أن النتيجة كانت كالتالي: تماما مثلما حدث مع ليفني التي دخلت رغما عن اعتراضات الحزب المذكور ، جاء إلتون جون ودخل إلى المغرب وغنّى. ما الذي حصل. أكدت هذه الحركة بأنها لا تملك نفوذا كبيرا يجعلها قادرة أن تقنع كل المجتمع بموقفها. هذا يحفزها لاعتبار نفسها تتقاسم الوجود مع أذواق وتوجهات أخرى. وما يؤكّد أن مسألة الاحتجاج خضعت لتكتيك سياسي أن هذا السؤال عن جون وحده انفلت من بين الأسئلة الكثيرة التي سئل عنها القرضاوي الذي كان في ضيافتهم . لقد استنطقوه في كل شيء إلا في حديث الساعة: إلتون جون ، وذلك انتقاء منهم وحماية له من التورط في فتوى من هذا القبيل داخل المغرب. ومع أنه جاءهم يوصفه مرجعهم الديني إلا أنه بدأ يحدثهم عن واجبهم في حماية الأمن الروحي فجعل نفسه ابن الدار ، محملا الجماعة أمانة هذا الأمن الروحي مع أنه ظل في ضيافتها ولم يكن في ضيافة الهيئات العلمائية المغربية . لقد ألقى إلتون جون عرضا استغرق مدة ساعتين وربع ، أي زيادة عن الوقت المخصص له بطلب من الجمهور تعاطفا أو ربما نكاية في الجماعة. وقد بلغني خبر حضور إعلامي لهذه الجماعة تحت ذريعة التغطية لكنهم حضروا كل القطع الموسيقية لإلتون جون وسفقوا له مع المسفقين وبعضهم استمتع وقيل لي من مصادر موثوقة أن بعضهم رقص أيضا. لقد قاموا بدعاية كبيرة مجانية لشخص لم يكن أحد من المغاربة يعرف أنه شاذ في بلاده التي تسمح لهم بذلك. ولكن شهد الناس شخصا يلبس لباسا محتشما ولم يقف من كرسيه خلف البيانو وعزف أرقى المعزوفات وقدم احتراما خاصا للمغاربة. بالمقابل كان نجوم ونجمات الأغنية العربية والشرقية يتقافزون ويستعرضون فنهم بأسلوب غير محتشم ، لكن مع ذلك لا أحد من هؤلاء تحدث عنهم. القضية إذن في نظري تتعلق بموقف عام وملتبس من الشأن العام والعمل السياسي في مجتمع متعدد الحساسية والثقافات والأذواق. وهذه بكل حياد إنها مشكلة ثقافية بالدرجة الأولى وليست مشكلة العدالة والتنمية وحدها. إنها قضية لم يتم الحسم فيها مهما قيل عن حسمها ، لأن فتاوى الريسوني هنا لا تكفي في موضوع مركب وموضوع ثقافي معقد. لأن مسألة الغناء هنا أضحت مسألة معقدة وهناك تخوم بين أجناس فنية تسم الفن الحديث فضلا عن علاقة الأمر بالسياحة والسياسة. هناك إذن مشكلة الارتجال في الفتوى والارتجال في السياسة. وهذه هي آفة الحركة الإسلامية المغربية. وطبعا قس على ذلك عموم الفتاوى المتعلقة بسائر النوازل المستجدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.