تعتبر الثقافة الدينية بالمغرب عموما والثقافة الإسلامية خصوصا، ثقافة راسخة في المجتمع المغربي الأمازيغي.(1) هذا بالرغم من مظاهر التحديث المجتمعي الذي بدأته الدولة المغربية الحديثة مباشرة بعد الاستقلال الشكلي للمغرب سنة 1956 ، وهي المظاهر التي تعتبر في نظر بعض الحركات الإسلامية انحراف عن المعالم الإسلامية الحقيقية. انطلاقا من هذا المنظور فان الثقافة الإسلامية بالمغرب تحتل موقعا متميزا داخل المنظومة الفكرية للمغاربة، كما أن العلاقات الاجتماعية، بل والاقتصادية أيضا، تتحكم فيها بشكل كبير المنظومة الدينية، سواء على المستوى الشعبي أو الرسمي، حيث أن الإسلام هو دين الدولة وفق ما تنص عليه ديباجة الدستور. هذا بالإضافة إلى وجود وزارة خاصة للشؤون الدينية، وهي وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، كما يتم أيضا تدريس المواد الدينية(التربية الإسلامية) في المدارس العمومية وفي مختلف الأسلاك والمستويات التعليمية، كما أن المناسبات الدينية تحترم بشكل رسمي ( عطل رسمية). وبالرغم من كل مظاهر التحديث التي باشرتها الدولة المغربية إبان حصولها على الاستقلال الشكلي سنة 1956، كما اشرنا إلى ذلك أعلاه، وبالرغم كذلك من التطور الهائل في التكنولوجية الحديثة بشكل عام، وخاصة في وسائل الاتصال والتواصل ( الانترنيت والفضائيات ..). حيث تتيح هذه التقنيات إمكانيات هائلة جدا للاطلاع على ثقافة وسلوك وحياة شعوب وأمم أخرى.(2) كل هذه التطورات المتلاحقة في المشهد المغربي والدولي، على حد سواء، على امتداد العقود الماضية من تاريخ المغرب المعاصر، ظل الشعب المغربي الأمازيغي من بين أكثر الشعوب تشبثا بالدين( الإسلام) وفق بعض الدراسات التي أنجزت في هذا المجال. وعلى ضوء هذه الحقائق والمعطيات الموضوعية فان مسالة احترام الدين، بل والعمل في نفس الوقت على تطويره وحمايته من الاستغلال السياسي لا يعتبر واجب ديني وحضاري فقط، وإنما يعتبر أيضا واجب نضالي بالنسبة للقوى الديمقراطية التقدمية بشكل عام، والحركة الأمازيغية بشكل خاص، ونحن عندما نقول واجب نضالي فإننا نعى وندرك جيدا الاعتبارات السياسية والاجتماعية والتاريخية والحضارية التي تتحكم في موقفنا هذا، خاصة إذا استحضرنا الدور الخطير الذي لعبه الدين، والإسلام تحديدا، في الغزو العربي لشمال إفريقيا، حيث كان هذا الغزو تحت ذريعة نشر الإسلام(3). هذا من جهة ومن جهة أخرى كثير ما يتم الخلط بين الإسلام والعروبة كلما تم طرح المطالب الأمازيغية على بساط النقاش السياسي والحوار الاجتماعي. ومن هذا المنطلق، نرى أن مسالة الخوض في الأمور الدينية تعتبر مسالة مهمة وضرورية في اعتقادنا، خاصة أن الحركة الأمازيغية تسعى إلى إعادة كتابة التاريخ الوطني؛ وهذا المشروع، أي مشروع إعادة كتابة التاريخ الوطني، سوف لن يتحقق إذا لم يتم الفصل بين الإسلام كدين الهي مقدس، وبين العروبة كفكر قومي عربي يسعى إلى تمجيد وسيادة الأمة العربية فيما يسمى تعسفا بالوطن العربي. وعندما نقول يجب على إمازيغين، ونشدد على ذلك، العمل على تطوير وحماية الدين، والإسلام تحديدا، لا نقول ذلك فقط باعتبار أن الإسلام هو دين الجميع، حيث يعتبر ( أي الإسلام) القاسم المشترك بين أغلبية المغاربة، وإنما نقول ذلك أيضا انطلاقا من إحساسنا وشعورنا بالمسؤولية التاريخية تجاه المواطنين في عملية التوجيه الثقافي/ الديني وما يتطلب ذلك من الدفاع ونشر القيم الفكرية والأخلاقية (مثل التعدد والاختلاف والتعاون والحوار ..) التي يزخر بها الإسلام من جهة، وبأهمية الفصل بين العمل الديني الدعوى وبين العمل السياسي. أو بصيغة أخرى فصل الدين عن الدولة التي يؤكدها ويقرها الإسلام كما يقول المفكر الإسلامي حسن حنفي(4). كما إننا نقول ذلك انطلاقا من قناعتنا وإيماننا الراسخ بإمكانية وقدرة القوى الديمقراطية التقدمية، ومنها الحركة الأمازيغية، في فضح وقطع الطريق على القوى الإسلامية التي تسعى إلى الحكم باسم الإسلام.(5) ومن ناحية أخرى نرى انه لا يمكن بناء دولة ديمقراطية وحداثية دون فصل الدين عن الدولة، ليس باعتبار أن الإسلام مجرد دين ، وليس دين ودولة كما يعتقد الإسلاميون(6) وإنما هي ضرورة سياسية وحضارية وقانونية. فلا يمكن على سبيل المثال وليس الحصر، أن يتم الحديث عن الحرية الفردية، ويتم في نفس الوقت تطبيق الفصل 28 من القانون الجنائي الخاص بعقوبة اعتماد أكل رمضان!!. هذا يتناقض طولا وعرضا مع الحرية الفردية. وليس منطقيا كذلك أن يعارض حزب الأصالة والمعاصرة والأحرار وغيرهم من الأحزاب استغلال الدين من طرف حزب العدالة والتنمية بينما أن الملك وفق الدستور المغربي هو أمير المؤمنين، وهو الحاكم الفعلي في البلاد. (7) كما أن مسالة فصل الدين عن الدولة، أو بصيغة أخرى تطبيق النظام العلماني، الذي نقصد به حياد الدولة الايجابي تجاه العمل السياسي( وباقي المجالات) هو الإطار القانوني والفكري الوحيد الذي يمكن أن يحتوي جميع الاختلافات الدينية والعرقية واللغوية والثقافية القائمة في بلادنا، وبالتالي يضمن التعايش السلمي بين مكونات الشعب المغربي على اختلافاته العرقية والدينية واللغوية، وذلك على أساس المواطنة للجميع وليس على أساس اللغة، وعلى أساسا المصلحة المشتركة وليس على أساسا الدين. ويمكن اعتبار هولندا في هذا المجال نموذجا، حيث أن حي شعبي بسيط على سبيل المثال وليس الحصر، تعيش فيه أزيد من 36 جنسية من مختلف إرجاء المعمورة، ومن مختلف اللغات والديانات والثقافات دون أن يطرح ذلك أي أشكال يذكر على مستوى الحقوق والمساواة. كما انه ليس معقولا ومنطقيا أن يتساوى المغاربة في الواجبات وعلى رأسها دفع الضرائب ولا يتساوون في الحقوق!!. فالامازيغ لا وجود لهم على مستوى قوانين الدولة، وهو نفس المصير بالنسبة لليهود المغاربة والأجانب المقيمين بالمغرب. ومن جانب أخر، نعتقد أيضا، انه يجب على الحركة الأمازيغية أن تمتلك تصورا شاملا ومتكاملا حول المسالة الدينية في المغرب، وخاصة حول الإسلام، وحول كل القضايا التي تهم الإنسان الأمازيغي في حياته اليومية. عزيزي القارئ، بعد هذا التوضيح الضروري في اعتقادنا لمعرفة أهمية الخوض في القضايا الدينية، نعود إلى مناقشة مواقف الإسلاميين المغاربة من القضية الأمازيغية، ولو باختصار شديد؛ نقصد هنا بالإسلاميين جميع الحركات السياسية التي تستعمل الدين الإسلامي كإيديولوجية فكرية وسياسية للوصول إلى الحكم أو ما يسمى في الأدبيات المتداولة بالحركات الإسلام السياسي التي تعتبر أن الإسلام دين ودولة. الحركة الأمازيغية والإسلام السياسي: قبل التطرق إلى هذا المحور الأساسي في معالجتنا لعلاقة إمازيغين بالإسلام نود أولا توضيح أربعة نقط أساسية في هذا المحور، وهي نقط تعتبر مهمة للغاية في نظرنا فيما نحن مقبولون على مناقشته في السطور القادمة من هذه المقالة المتواضعة: النقطة الأول : وهي أن الإسلام في اعتقادنا المتواضع هو دين فقط وليس دين ودولة، مما يعني أن الإسلام لم يحوى في نصوصه القرآنية آيات واضحة ومحددة حول شكل وطبيعة الدولة ( النظام السياسي) التي يجب إتباعه، ولا على طريقة الحكم، ولا على كيفية اختيار الحاكم، أو على كيفية تدبير شؤون الناس. وهذا ما ساهم بشكل كبير جدا في اندلاع الخلافات السياسية حول الخلافة مباشرة بعد وفاة النبي محمد( ص ) في اجتماع السقيفة الذي كان خلاف سياسي بامتياز وليس خلافا دينيا /عقائديا.(8) هذا من جهة ومن جهة أخرى، تكمن أهمية الدين؛ أي دين، في تنظم علاقة الإنسان المؤمن ( المؤمن بوجود الله) بربه عبر ممارسة مجموعة من الطقوس ( الصلاة ، الحج...) والقوانين والتشريعات ( الحرام والحلال) وهي تشريعات ثابتة ونهائية لمن يعتقد بها، بينما أن العلاقات الإنسانية – الإنسانية في مجمل المجالات الحياتية تتحكم فيها القوانين الوضعية القابلة للتغيير والتجديد حسب ظروف وتطور كل مجتمع على حد. النقطة الثانية: نحن لا نناقش في هذه الورقة الإسلام في حدا ذاته باعتباره دين الهي مقدس، أو بمعنى أخر لا نناقش هنا وجود الله أو حقيقة القرآن، أو حقيقة النبي محمد (ص)، بل إننا لا نناقش هنا حتى التاريخ الإسلامي الذي أنتجه الإنسان، وإنما نناقش هنا موقف الجماعات الإسلامية التي تسعى إلى الحكم عبر توظيفها للدين الإسلامي تجاه المطالب الأمازيغية، وهي مواقف سياسية وليست دينية إطلاقا، والاختلاف معها لا يعتبر جريمة أو خروجا عن الإسلام أو معاداة للإسلام. أو شيء من هذا القبيل. النقطة الثالثة: الحركة الإسلامية موجودة بقوة داخل المجتمع المغربي كما هي موجودة في المجتمعات الأوربية التي تتواجد بها الجالية المغربية، لهذا فليس من المعقول الاستهتار بقوتها أو التنقيص من حجمها. النقطة الرابعة: يتمحور الاختلاف القائم بين الحركة الأمازيغية والحركة الإسلامية حول المرجعيات والمصالح ( البرنامج) وليس حول العقيدة. تشكل السلفية الدينية الوهابية احد الركائز الأساسية لدى الجماعات الإسلامية بالمغرب، وتاريخيا تعتمد معظم الجماعات الإسلام السياسي بالمغرب على جماعة الأخوان المسلمين بمصر، التي تعتمد هي بدورها على الشيح أبو الأعلى المودودي وابن تيمية وغيرهم من الفقهاء، بينما تعتمد الحركة الأمازيغية على الدراسات الإنسانية الحديثة والمواثيق والمعاهدات الدولية. يتحكم في تعامل ومواقف الإسلاميين المغاربة تجاه مطالب الحركة الأمازيغية نزوعين الأول ديني، يربط بين القرآن واللغة العربية وهو موقف الشيخ عبد السلام ياسين. والثاني موقف سياسي/ إيديولوجي يستعمل ما يسمى بالظهير البربري لضرب مصداقية الحركة الأمازيغية وبالتالي تشويه صورتها وحقيقتها النضالية. هناك موقفين مختلفين ومتباينين لدى الحركة الإسلامية بالمغرب من القضية الأمازيغية، موقف إيديولوجي رافض ومتنكر لحق إمازيغين في الوجود بهويته التاريخية الأصلية وهو موقف جماعة العدل والإحسان على سبيل المثال ، وهناك موقف محاور ومنفتح وهو موقف العدالة والتنمية. يستمد الإسلاميون المغاربة موقفهم من الأمازيغية، وهو موقف سياسي وانتهازي محض، من القومية العربية التي انطلقت في بلادنا مباشرة بعد اجتماعات شكيب أرسلان في طنجة وتطوان سنة 1930، وليس من الدين الإسلامي، حيث أن الإسلام واضح وصريح جدا في مسالة التعدد اللغوي والثقافي والعرقي. نعم نحن مسلمون ولكن ماذا بعد ؟. ربما ليس هناك باحث أو كاتب أو فاعل أمازيغي لم يسمع خلال مسيرته النضالية، ومن اقرب الناس إليه، الجملة التالية ” ولكن نحن مسلمون” . هذه الكلمة كثير ما تتردد وتتكرر على مسامعنا كلما شرعنا في الحديث عن الأمازيغية، وخاصة عندما يتم الحديث عن دسترة اللغة الأمازيغية في الدستور، كأن الحديث عن دسترة الأمازيغية تعني الخروج عن الإسلام. وعندما يحاول احد ما تقديم توضيحات حول الموضوع، نسمع كلام أخر مفاده أن ” اللغة العربية لغة القرآن ” وكأننا نقول العكس، هذا بالرغم أن القرآن لم ينزل باللغة العربية وإنما كتب باللغة العربية فقط، وبين هذه وتلك هناك فرق شاسع جدا. والحكاية كما هي معروفة لدى الجميع أن القرآن لم ينزل دفعة واحدة في شكل كتاب أو صحيفة ما كما هو الشأن مع المسيحية مثلا، وإنما نزل وحيا ( أي كلاما) وفي مراحل زمنية متباعدة، امتدت على مدى 23 سنة. ومن هذا المنطلق فان القرآن لم يحدث ( يخلق) اللغة العربية وإنما اللغة العربية كانت قائمة قبل نزول القرآن، قائمة يتحدث بها العرب. أما بعض الآيات القرآنية التي تشير وتتناول الموضوع كقوله تعالي” انأ أنزلناه قرانا عربيا” أو الآية الكريمة التي تقول ” أنزلناه بلسان عربي”. هذه الآيات لا تفيد أفضلية اللغة العربية على اللغات الأخرى. كما أن الأمر طبيعي ومنطقي لان النبي محمد(ص) إنسان عربي. عندما يشتدد النقاش في بعض الأحيان نسمع كلاما أخر، كلام لا أساس له من الصحة، كلام فحواه أن الله تعالى سوف يحاسب عباده يوم القيامة ” باللغة العربية”، وهو كلام عجيب وغريب في نفس الوقت، و هو الكلام الذي يجعلنا نطرح التساؤلات التالية:. أولا : من قال أن الله يتكلم مثل البشر حتى نقول أن الحساب يوم القيامة سيكون باللغة العربية؟ ثانيا: من قال أن الله سبحانه وتعالى يتحدث باللغة العربية وليس بلغة أخرى؟ ثالثا: إذا كان الله يتحدث باللغة العربية ” فقط” فبماذا خاطب الأنبياء الذين سبقوا محمد (ص)؟. رابعا: إذا كان الله يتحدث اللغة العربية ” فقط” فهذا يعني أن المسلمون من غير العرب وكذلك النصارى واليهود وباقي البشر سوف لا يحاسبهم الله لأنهم لا يتكلمون اللغة العربية ؟. هذا النوع من الردود والتعاليق التي كثيرا ما نسمعها من المواطنين العاديين، بل وكذلك حتى من بعض المثقفين، لا علاقة لها بالمنطق والحقائق الدينية والتاريخية. على أية حال نحن نعرف كما يعرف غيرنا أن مثل هذا الكلام يخلق التباسا وغموضا في مواقف الحركة الأمازيغية. ومن اجل إزالة هذا الغموض الذي ليس في مصلحة الحركة الأمازيغية ولا في مصلحة المواطنين كذلك، سنحاول في السطور القادمة من هذه المقالة، تقديم بعض الأجوبة على الملاحظات والتساؤلات التي يطرحها الكثيرون، لعل بدلك سنساهم في إزالة الضباب على عقول الذين يطرحون مثل هذه الأسئلة. أولا: الإسلام ليس ضد التعدد اللغوي والثقافي الذي يزخر به العالم الإسلامي، بل العكس هو الصحيح، الإسلام يعترف بالتعدد اللغوي والثقافي وبالخصوصيات المحلية لكل شعب. كما أن الإسلام الحقيقي والجوهري ضد الانكماش على الذات والانعزال بل انه يدعو صراحة إلى التعارف والحوار . ومن ناحية أخرى، اللغة العربية لا تعتبر بأي شكل من الإشكال ركن من أركان الإسلام ولا ركن من أركان الأيمان حتى يتم الالتزام بها وتقديسها. ثانيا: ما نعرفه هو أن الله انزل جميع كتبه بالغة القوم الذي يقصده الوحي في انسجام تام مع رسائله. لهذا فان الله كلاما موسى بالغته وليس بالعربية، ومن هذا المنطلق فان الله منسجم مع نفسه حينما أنزال القرآن باللغة العربية لان الرسول عربي. ثالثا: اللغة العربية تاريخيا كانت موجودة قبل نزول القرآن فلا داعي لتقديسها وتعظيمها وتفضيلها. اللغة ظاهرة تاريخية وليست ظاهرة دينية. رابعا: لا يوجد أي نص قراني أو حديث صحيح متفق عليه يؤكد بان لغة الجنة هي اللغة العربية. خامسا: الإسلام دين الله وليس دين البشر. وبالتالي الإسلام كدين كوني وأنساني يتجاوز الحدود الجغرافية والعرقية ” وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” . والمقياس الوحيد عند الله في تفضيل البشر هو التقوى ” لا فرق بين عربي وعجمي إلا بالتقوى”( حديث صحيح) . وحتى إذا أردنا الحديث عن التفضيل عند الله في عباده فان الله فضل الشعب اليهودي وليس المسلمين” يأبني إسرائيل إني فضلتكم عن العالمين”. سادسا: يجب التفريق والتمييز بين الإسلام كدين سماوي وعالمي أو بصيغة أخرى هو كلام الله، الذي يحتوى على العديد من الشعائر والطقوس التعبودية (العبادات ) من جهة، ويحتوي من جهة ثانية على مجموعة من القيم والتصورات والمواقف والسلوك العامة (المعاملات). وبين التاريخ الإسلامي الذي هو تاريخ بشري يحتمل الصواب والخطاء وبالتالي فهو ليس مقدس باي شكل من الإشكال. سابعا: يجب علينا كذلك التمييز بين الإسلام كدين يحتوي على ما ذكرناه سابقا وبين الإسلام السياسي الذي يسعى أصحابه إلى الحكم والسيطرة باسم الدين. فالحركة الأمازيغية ليست ضد الدين الإسلامي، ولا ضد أي دين أخر ، بقدر ما أنها ضد الاستغلال السياسي للدين. وبعد هذه التوضيحات الأولية والضرورية لفهم نظرة إمازيغن تجاه الإسلام، ننتقل للحديث عن ردود الأفعال التي تصدر عن أهل الفكر والسياسية في بلادنا لنرى كيف يتعاملون مع مواقف ومطالب الحركة الأمازيغية التي هي مطالب ديمقراطية ومشروعة. ومن المفيد الإشارة في هذا السياق إلى أن النقطة الوحيدة التي تذوب كل الفوارق الإيديولوجية والفكرية القائمة أو المفترضة، بين كل التيارات والاتجاهات الفكرية والسياسية الموجودة في البلاد، هي موضوع الأمازيغية، فباستثناء بعض المفكرين المستقلون (لا منتمون) قد لا نجد موقف ايجابي من القضية الأمازيغية. أن الفرق بين خطاب الحركة الأمازيغية في مجمله هو خطاب ديمقراطي علمي وموضوعي، الذي يعتمد على العلوم الحديثة والمواثيق الدولية بالدرجة الأولى. ومن هذا المعطى فان الخطاب الأمازيغي تجاه الإسلام هو خطاب نقدي علمي تاريخي بينما أن خطابات الآخرين حول الإسلام خطاب سياسي وإيديولوجي محض. وخاصة خطاب الدولة، والحركات الإسلامية. وتجدر الإشارة أيضا إلى أن التواصل بين النخبة الأمازيغية والآخرين لا تتم بنفس الوتيرة والحماس، بحيث تقوم النخبة الأمازيغية بمجهدات جبارة لفهم خطابات الآخرين بينما يقتصر مفكرو ومنظرو الخطابات الأخرى، بشكل عام، وخطابات القوميين والإسلاميين بوجه خاص على التعبير عن الانفعال والحذر، والتعبير عن الخوف والانزعاج أحيانا. إذا استحضرنا مواقف المفكرين والسياسيين المغاربة سيصيبنا نوع من الاندهاش والذعر. قد لا نجد اختلاف ما في موضوع الأمازيغية، ماعدا بعض المواقف الايجابية المشروطة. غير ذلك فمعظم المفكرون والسياسيون المغاربة يضعون الأمازيغية في مقابل “الطائفية”، “المؤامرة”، “والانفصال”. وأكثر من ذلك يقوم البعض منهم بوضع اللغة الأمازيغية مقابل اللغة العربية، والشعب الأمازيغي مقابل الشعب العربي كان الصراع الحضاري الذي تخوضه الحركة الأمازيغية هو صراع لغوي وعرقي موجه ضد الشعب العربي، بينما أن صراعنا يتمحور حول طبيعة ونوعية الدولة القائمة في بلادنا، وهي دولة غير ديمقراطية بكل المقاييس. محمود بلحاج فاعل أمازيغي من هولندا بعض هوامش هذه المقالة: 1: انظر الدين والمجتمع: دراسة سوسيولوجية للتدين بالمغرب” للدكتور عبد الغني منديب – أفريقيا الشرق – المطبعة الأول 2006 . 2: انظر كتاب ” حوار التواصل : من أجل مجتمع معرفي عادل” للدكتور المهدي المنجرة 3: انظر في هذا الصد كتاب الباحث الدكتور الحسين الإدريسي ” الأمازيغية: الدين والحداثة بحث في حدود العلاقة ” منشورات جمعية الشبكة الأمازيغية من اجل المواطنة. انظر في هذا الصدد أيضا مجلة الهوية العدد 15 . 4: انظر الحوار الذي أجراه السيد التجاني بولعوالي مع الدكتور حسن حنفي المنشور في كتاب ” الإسلام- فوبيا: صناعة صهيونية تسوق في الغرب ” للكاتب التجاني بولعوالي. 5: هناك العديد من الكتب في هذا الصدد انظر على سبيل المثال كتاب ” الإسلام السياسي والحداثة ” للمؤلف إبراهيم أعرب – انظر أيضا ” كتاب ” الملكية والإسلام السياسي في المغرب ” للمؤلف محمد الطوزي – انظر أيضا كناب ” الإسلام السياسي” للمستشار محمد سعيد العشماوي- يمكن أيضا مراجعة كتاب ” جماعة العدل والإحسان من العصيان المدني إلى التطرف للكاتب والصحفي السيد لحضر فراط أو كتاب ” جماعة العدل والإحسان : قراءة في المسارات ” للدكتور محمد ضريف. 6: انظر المراجع المذكورة سابقا 7: انظر كتاب ” الدين والسياسة في المغرب” للدكتور محمد ضريف. 8: انظر الكتاب القيم للمستشار محمد سعيد العشماوي ” الخلافة الإسلامية” منشورات مؤسسة الانتشار العربي.