يسجل يوم الجمعة 13 ماي 2016 شوطا آخر من أشواط المواجهة بين المملكة المغربية والتنظيمات التكفيرية، وعلى رأسهم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروف إعلاميا ب"داعش"، فيما يشبه تحديّا جديدا للأجهزة الأمنية ومدى صمودها أمام المحاولات المتكررة للاختراق وزعزعة استقرار الأمن القومي المغربي الذي لازال يعلن تفوقه وعلو كعبه في حربه الاستباقية على التنظيمات التكفيرية ولا أقول الجهادية. ودون الرجوع إلى السياسة الأمنية للمملكة في مواجهة هاته التنظيمات من خلال استراتيجية أمنية برأسين: مقاربة أمنية صرفة ذات أبعاد تكتيكية على المستوى القريب من خلال اليقظة والحذر والسبق للوصول إلى المعلومة الأمنية عن طريق وسائل الاستخبار والإخبار وتتبع خيوط هاته التنظيمات، منجهة، وكذا تكتيك أمني، أعتبره شجاعا، من خلال انخراط المغرب في الحرب على هذا التنظيم ومحاولة القضاء عليه في معقله، ومن تم يمكن تفسير الحلف العسكري مع دول الخليج والذي يبقى على رأس أولوياته القضاء على هذا التنظيم الإرهابي لداعش. وفي هذا السياق، فرضت تكتيكات التنظيمات التكفيرية وتغييرها لاستراتيجيتها الحربية، إلى إعادة بلورة استراتيجية أمنية تروم بالأساس مواجهة التغيرات الجذرية في أساليب المواجهة عند هاته المجموعات الإرهابية. هذه الأخيرة عملت منذ سنين على تجاوز البنية الهرمية الصلبة التي كانت تميزها سابقا مع التركيز على مركزية القرار من أجل ضبط والتحكّم في تحركات باقي التنظيمات الفرعية، إلى الاشتغال بطريقة عنقودية والاعتماد على تنظيمات لامركزية تقوم بالتهييء لعمليات محدودة مع العمل على تضخيمها إعلاميا من أجل إنهاك الأنظمة المستهدفة من خلال هاته العمليات النكائية ومحاولة ضربها في عمقها الأمني مما يكون له عادة انعكاسات اقتصادية واجتماعية يصعب على بعض البلدان تجاوزها. إن بسط استراتيجية المواجهة يفرض، قبل كل شيء، فهم آليات التحرك عند هاته التنظيمات من خلال البحث في كتب التنظير التي تعتبر، بحق، المرجع الحركي للتنظيمات التكفرية. وهنا سنحاول تقديم قراءة استراتيجية لأحد المراجع الحركية لتظيم داعش والذي تجاوزت من خلاله باقي التنظيمات الإرهابية والذي، بالإضافة إلى شرعنته للأعمال البربرية للتنظيم، فإنه يضع المملكة المغربية من بين الأهداف المسطّرة لتنظيم داعش. ومن هذا المنطلق، يعتبر كتاب "إدارة التوحش" من أخطر الكتب التي تم استغلالها لإيجاد المصوغات الشرعية لجرائم الذبح والحرق والقتل وسفك الدماء بدم بارد. صاحب الكتاب هو المدعو أبو بكر ناجي والذي حاول من خلاله المؤلف وضع التأصيل الفقهي للأعمال الإجرامية البشعة، ويعتقد أن اسمه الحقيقي محمد خليل الحكايمة الذي كان يشتغل في إذاعة طهران وكان وراء فكرة تفجير حقول النفط في المملكة العربية السعودية. هذا الكتاب الخطير قام مركز مكافحة الإرهاب في كلية (ويست بوينت) العسكرية الشهيرة بترجمته إلى الإنجليزية بعنوان «إدارة الوحشية» وتم توزيعه على المسؤولين في الدوائر السياسية للحكومة الأميركية،والمسؤولين في وزارة الدفاع (البنتاغون)خصوصا. وفي هذا السياق يقول مؤلف الكتاب: "إدارة التوحش هي المرحلة القادمة التي ستمر بها الأمة، وتُعد أخطر مرحلة فإذا نجحنا في إدارة هذا التوحش ستكون تلك المرحلة - بإذن الله - هي المعبر لدولة الإسلام المنتظرة منذ سقوط الخلافة، وإذا أخفقنا أعاذنا الله من ذلك لا يعني ذلك انتهاء الأمر ولكن هذا الإخفاق سيؤدي لمزيد من التوحش". و ينطلق المؤلف لشرح القوى التي من الممكن منطقيا أن تحدث التغيير فيقول: "القوى التي يمكن أن ترجع الحكم لقيم وعقيدة المجتمع" : الأولى : قوة الشعوب وهذه تم تدجينها وتغييب وعيها بآلاف من الملهيات سواءً جانب شهوات الفرج والبطن أو اللهاث خلف لقمة العيش أو اللهاث لجمع المال، فضلاً عن الهالات الإعلامية الكاذبة في اتجاهات شتى، ونشر الفكر الجبري والصوفي والإرجائي بين شرائحها. الثانية : القوة الثانية التي يمكن من خلالها إرجاع المجتمع إلى العدل وإلى عقيدته وقيمه هي قوة الجيوش وهذه تم إغداق الأموال المنهوبة عليها وشراؤها حتى لا تقوم بهذا الدور بل تقوم بنقيضه. و تبقى مركزية القوى العظمى بين القوة العسكرية الجبارة والهالة الإعلامية الكاذبة. و يشير الكاتب إلى استراتيجية استنزاف الأنظمة من خلال محاولة إنهاكها عن طريق توسيع مساحات العمليات الانتحارية حيث يؤكد أنه "كلما انتشرت قوات (العدو) على أكبر رقعة من الأرض كلما فقدت فعاليتها وسهلت مواجهتها، ولعل هذا الشطر هو أكثر القواعد التي يسير عليها أهل الوعي من شباب الجهاد في عصرنا هذا". و يعتبر المؤلف أن الوصول إلى السلطة يمر عبر ثلاثة مراحل أساسية وهي: -مرحلة شوكة النكاية والإنهاك - مرحلة إدارة التوحش - مرحلة شوكة التمكين (قيام الدولة) وتجدر الإشارة إلى أن الدول التي يرشحها منظر التنظيمات الجهادية لتكون منطلق العمليات تظم على الخصوص: "... المناطق الرئيسية وهي مناطق الدول الآتية: الأردن و بلاد المغرب ونيجيريا وباكستان و بلاد الحرمين و اليمن" (إدارة التوحش ص 16). وبالرجوع إلى الأساس العقدي للعمليات الوحشية التي يقوم بها مقاتلوا داعش، ومنها ولا شك عملية نجة، يؤكد أبو بكر ناجي أن "......من مارس الجهاد من قبل علم أن الإجهاد ما هو إلا شدة و غلظة و إرهاب و تشريد و إثخان ...... وسواء استعملنا الشدة أو اللين فلن يرحمنا أعداؤنا إذا تمكنوا منا، فأجدر بنا أن نجعلهم يفكرون ألف مرة قبل أن يحاربونا". ويضيف المؤلف في التوصيف الدموي للمعارك ".... إن كتب التأريخ تحدثنا عن الفروق بين بعض الحركات الجهادية الإصلاحية والصالحين من الطالبيين كالنفس الزكية وغيره وبين حركة العباسيين أن من ضمن الفروق وأسباب نجاح العباسيين وفشل الآخرين هو الشدة من العباسيين والرخاوة واتقاء الدماء من الآخرين حتى إن النفس الزكية كان يطلب من قادة جيشه - وقد كان يمكن أن ينتصر - أن يتقوا الدماء ما أمكن ، وكان قادة جيشه يتعجبون كيف يطلب الملك ويكون ذلك أسلوبه ، نعم كان النفس الزكية وغيره من المصلحين على قدر من الصواب في ذلك لكونهم يقاتلون مسلمين وأحكام قتال البغاة تختلف ، إلا أننا والحمد لله نواجه أهل الصليب وأعوانهم من المرتدين وجندهم فلا مانع لدينا من إراقة دمائهم بل نرى ذلك من أوجب الواجبات ما لم يتوبوا ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويكون الدين كله لله" (ص 31). وبهذا يقول المؤلف "...فهم الصحابة رضي الله عنهم أمر الشدة ، وهم خير من فهم السنن بعد الأنبياء ، حيت أن الصّدّيق وعلي بن أب طالب رضي الله عنهما مارسا التحريق بالنار على الرغم ما فيه من كراهة لعرفتهم بأثر الشدة الغلظة ف بعض الوقات عند الاجة ، ل يقوما بذلك وينفذه قادتم وجندهم من باب شهوة القتل وأنم قوم غلظ كل والله فما أرق قلوبهم ، وهم أرحم الخلق بالخلق بعد النبياء عليهم السلام ولكن المر هو فهمهم لطبيعة الكفر وأهله وطبيعة حاجة كل موقف من الشدة واللين...." . و حيث أنه لا يسع المجال لذكر جل الطروحات التكفيرية و الدموية التي حملها الكتاب و الذي يعتبر بحق إعادة للتأصيل الشرعي لسياسات جنكيز خان بالمنطقة لما فيه من دموية تفسر إلى حد بعيد الممارسات اللاإنسانية لمقاتلي تنظيم داعش، قلنا سنحاول أن نرصد أحد الأفكار التي تحيل على المغرب كمنطقة داخلة ضمن الأهداف الاستراتيجية للتنظيم. وهنا يقول المؤلف (المجهول) "....وهنا نقطة هامة أن أفضل من يقوم بعمليات دفع الثمن هم المجموعات الأخرى في المناطق الأخرى ، والتي لا يقع عليها العدوان ، وفي ذلك فوائد عدة سنتوسع فيها في الفصل الخاص بالشوكة من أهمها إشعار العدو أنه محاصر ومصالحه مكشوفة ، فلو قام العدو بعمل عدائي على منطقة في جزيرة العرب أو في العراق فتم الرد عليه في المغرب أو نيجيريا أو أندونيسيا سيؤدي ذلك إلى إرباك العدو خاصة إذا كانت المنطقة التي تتم فيها عملية دفع الثمن تضع لسيطرة أنظمة الكفر أو أنظمة الردة فلن يجد مجالً جيدا للرد عليها ، وستعمل تلك العملية كذلك على رفع معنويات من وقع عليهم العدوان وإيصال رسالة عملية للمسلمين في كل مكان بأننا أمة واحدة وأن واجب النصرة لا ينقطع بحدود." (ص 34). وفي إشارة أخرى للمملكة المغربية يسرد أبو بكر ناجي"...ولا يقتصر دفع الثمن في الصورة السابقة على العدو الصليبي، فعلى سبيل المثال إذا قام النظام المصري المرتد بعمل قام فيه بقتل وأسر مجموعة من المجاهدين، يمكن أن يقوم شباب الجهاد في الجزيرة أو المغرب بتوجيه ضربة للسفارة المصرية مع بيان تبريري لها أو القيام بخطف دبلوماسيين مصريين كرهائن حتى يتم الإفراج عن مجموعة من المجاهدين مثلً ونحو ذلك، مع اتباع سياسة الشدة بحيث إذا لم يتم تنفيذ الطالب يتم تصفية الرهائن بصورة مروعة تقذف الرعب في قلوب العدو وأعوانه." من جهة أخرى، فإن القراءة الاستراتيجية لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، تجعل من المغرب من الدول التي تبقى دائما هدفا لعملياته التخريبية، على اعتبار أن المغرب تتوفر فيه العديد من الشروط التي يضعها التنظيم كأساس لتحديد الدول التي يجب على التنظيم استهدافها ويصوغها تحت مسمى "مقومات الترشيح"، وهي: * وجود عمق جغرافي وتضاريس تسمح في كل دولة على حدة بإقامة مناطق بها تدار بنظام إدارة التوحش. * ضعف النظام الحاكم وضعف مركزية قواته على أطراف المناطق في نطاق دولته بل وعلى مناطق داخلية أحيانا خاصة المكتظة. * وجود مد إسلامي جهادي مبشر في هذه المناطق. * طبيعة الناس في هذه المناطق، فهذا أمر فضل الله به بقاعاً على بقاع. * كذلك انتشار السلاح بأيدي الناس فيها. ص 16. ويمكن أن يُستشفّ من هذا الرسم الاستراتيجي، أن المغرب يبقى من الدول التي تتوفر فيها بعض الشروط الذاتية والموضوعية التي يرى التنظيم أنها تسمح له ببناء مناطق للتوحش داخل المملكة ومنها: * شساعة الحدود الجغرافية التي قد تسمح باختراق أفراد تابعين لهاته التنظيمات إلى داخل العمق المغربي خصوصا في ظل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية مع تأكد ارتباط مرتزقة البوليزاريو ببعض الحركات الموالين لداعش وخاصة تنظيم جند الخلافة وكتيبة الموقعون بالدماء بزعامة مختار بلمختار (Mr Malrboro) * وجود قاعدة مادية من المغاربة الذين يظلون مخترقين عقديا بفعل اعتماد التنظيمات التكفيرية على تأصيلات فقهية مشتقة من صميم التراث الإسلامي وخصوصا مدرسة أهل الحديث القديمة (كتابات ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب)، ومدرسة أهل الحديث الحديثة من خلال كتب السيد إمام الشريف (الجامع في طلب العلم الشريف والعمدة في إعداد العدة للجهاد في سبيل الله تعالى) وكتب أبي محمد المقدسي (ملة ابراهيم) وكتب أبو عبد الله المهاجر بعد هذا التأصيل، وارتباطا بحادث اليوم المرتبط بالقبض على مواطن تشادي بمدينة طنجة وهو يحاول التخطيط للقيام بعمليات تخريبية، نطرح بعض علامات الاستفهام التي تبقى الأجهزة الأمنية هي الكفيلة بالإجابة عنها على ضوء نتائج التحقيقات التي يباشرها المكتب المركزي للتحقيقات القضائية: - هل يعتبر اللجوء إلى شخصية من تشاد هو بمثابة عجز التنظيم على تهييء شخصيات انتحارية من داخل التراب المغربي؟ - هل حجز مجموعة من المعدات والأدوات للقيام بالعمليات التخربية يبقى دليلا على أن التهييء المادي للعملية تم من داخل المملكة المغربية؟ خاصة إذا ما علمنا أن المواطن تشادي لم يدخل إلى المملكة إلى الأسبوع الماضي عبر النقطة الحدودية لمطار محمد الخامس؟ - ضلوع المواطن التشادي، هل يمكن أن يكون دليلا على التنسيق بين الحركات التكفيرية التي تنشط جنوبالجزائر وليبيا والتي تبقى من المعاقل النشيطة لتنظيم داعش؟ أسئلة عديدة لاشك أن مكتب الخيام سينجح في فك شفراتها على اعتبار التجارب التي راكمها المكتب المركزي في مواجهة هاته التنظيمات. ويبقى الأساس هو استمرار المغرب في تبني استراتيجية متعددة الأبعاد من أجل القضاء على انتشار العقيدة التكفيرية من أجل تبني ما يعرف باستراتيجية الأمن القومي الشامل والتي نتمنى أن نبسطها في القادم من التحاليل التي تخص بالأساس مواجهة ظاهرة التنظيمات التكفيرية.