في سياق تطوير المملكة لعلاقاتها الدبلوماسية، يمضي المغرب نحو توسيع علاقاته وترسيخها مع قوى عالمية جديدة، على رأسها روسيا الاتحادية وجمهورية الصين، دون أن يؤثر ذلك على علاقاته الإستراتيجية مع الدول التقليدية، وأساسا دول الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدةالأمريكية. فبعد الرحلة التي قادت الملك محمد السادس بداية مارس المنصرم إلى العاصمة الروسية موسكو، توجت بعقد قمة روسية مغربية جمعت الملك بالرئيس فلاديمير بوتين، وبتوقيع العديد من الاتفاقيات الثنائية، يستعد العاهل المغربي للقيام بزيارة إلى جمهورية الصين الشعبية يومي 11 و12 ماي المقبل، من المتوقع أن يجتمع خلالها مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، وتعرف التوقيع على عدد من الاتفاقيات الإستراتيجية بين البلدين. وقد كانت العاصمة السعودية على موعد مع أول قمة مغربية خليجية هي الأولى من نوعها، جمعت العاهل المغربي بقادة ورؤساء وفود دول مجلس التعاون الخليجي، ولا تزال زيارة الملك محمد السادس مستمرة إلى عدد من الدول الخليجية ضمن جولته الرسمية. إدريس لكريني، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض بمراكش، أكد أن هذا التوجه المغربي ليس جديدا، موضحا أن المغرب ومنذ سنوات بدأ ينوع من شركائه ويولي أهمية لدول ظلت، إلى وقت قريب، علاقاته السياسية بها فوقية لا غير، مستدلا على كلامه بعلاقات المغرب مع الدول الإفريقية جنوب -جنوب، مع كل الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية التي جمعت الطرفين. وأشار مدير مجموعة الأبحاث والدراسات لإدارة الأزمات، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أن المغرب طور علاقاته كذلك مع دول الخليج عبر توقيع اتفاقيات تدعم الشراكات الاقتصادية وتعزيز التعاون الأمني، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات على عدة مستويات، وهو ما عبّر عنه الطرفان معا على أعلى مستوى، مضيفا أن العلاقات التي تجمع المغرب بالولاياتالمتحدةالأمريكية ذات الجذور التاريخية توجت بالدخول في حوار استراتيجي والتوقيع على اتفاقية التبادل الحر وتطوير العلاقات التجارية بين البلدين. وبخصوص الصين، أفاد الأستاذ الجامعي بأن العلاقات المغربية الصينية لم تعرف أي نوع من التراجع منذ استقلال المغرب والثورة الشعبية الصينية، موضحا أن المغرب عازم على الاستفادة من اقتصادات الدول ذات المكانة الاقتصادية الوازنة، مشيرا إلى أن العلاقات المعززة اقتصاديا لا شك أنها ستعطي للعلاقات السياسية وزنا، ما سينعكس على قضايا المغرب المصيرية وعلى رأسها قضية الوحدة الوطنية. وأكد المتحدث أن المغرب نجح في الموازنة بين تعزيز علاقاته مع قوى دولية جديدة، وعلاقاته الإستراتيجية مع دول الاتحاد الأوروبي وعدم التفريط فيها، مشددا على أن العلاقات الجديدة لن تكون على حساب العلاقات التقليدية والإستراتيجية. من جهته، قال خالد الشيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة عبد المالك السعدي بوجدة، إن المغرب استطاع أن يُكون موقفا إيجابيا لقضيته الوطنية من داخل مجلس الأمن والدول العالمية الكبرى، في وقت تقود فيه الولاياتالمتحدةالأمريكية قطبا واحدا مع تواجد قوى صاعدة كالصينوروسيا والبرازيل والهند. وأوضح الأستاذ الجامعي، ضمن تصريح للجريدة، أن المغرب يعرف إشكالات اقتصادية مع منظومة الاتحاد الأوروبي باعتباره شريكا أساسيا وأول مستورد لخيرات المغرب، ف"تنويع الشراكات أمر يصعب الحديث عنه على الرغم من أن المغرب يحتفظ بعلاقات طيبة مع فرنسا واسبانيا، إلا أن الإشكال يظهر عند الحديث على قضية الصحراء؛ حيث يجد المغرب نفسه أمام حالة من الحيرة حين يريد الحفاظ على المستوى السياسي في ظل تبادل تجاري بنسبة مئوية منخفضة". ويرى أستاذ العلاقات الدولية أن المغرب، حاليا، يوسع علاقاته مع دول أخرى تهتم به اقتصاديا وسياسيا، داعيا إلى تنمية الشراكات والعلاقات الاقتصادية الجديدة بحذر شديد على اعتبار أنها غير مستقرة ولا مضمونة، مشيرا إلى عامل آخر يمكن أن يؤثر على هذه الاتفاقيات يتمثل في الشراكات الإستراتيجية التي تجمع الصينوروسيا بالجزائر، معتبرا أن المغرب لجأ إلى خيار مهم عبر تمتين العلاقات الاقتصادية والتجارية مع دول الخليج وجعلها في مستوى العلاقات السياسية المتينة نفسه.