بعد الزيارة التي قام بها الملك محمد السادس إلى روسيا منتصف شهر مارس الماضي، زار العاهل المغربي جمهورية الصين الشعبية يومي 11 و12 ماي الجاري، وهي الزيارة الثانية له لهذا البلد بعد الزيارة الأولى التي قام بها عام 2012. وتم خلال الزيارة التوقيع على ميثاق لبناء شراكة استراتيجية بين البلدين، بالإضافة إلى التوقيع على 15 اتفاقا ومذكرات تفاهم بين البلدين، تهدف إلى تعزيز الشراكة الاقتصادية بين البلدين وتعزيز التعاون فيما بينهما في شتى المجالات. السياق الزمني الدقيق لزيارة الملك محمد السادس
ولعل ما يعطي أهمية قصوى لهذه الزيارة هو السياق الزمني الذي جاءت فيه. فقد جاءت هذه الزيارة بعد شهرين من التوتر بين المغرب والأمانة العامة للأمم المتحدة بسبب انحراف الأمين العام للمنظمة، بان كي مون، عن حياده في نزاع الصحراء المغربية. كما تأتي هذه الزيارة بعد تجديد مجلس الأمن لولاية الأممالمتحدة في الصحراء، المعروفة بالمينورسو، لسنة إضافية إلى غاية شهر أبريل 2017، وفي ظل فتور غير مسبوق في العلاقات بين المغرب والولاياتالمتحدةالأمريكية، بسبب الموقف الأمريكي غير الداعم للمغرب في مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء.
كما تأتي هذه الزيارة في ظل الانفتاح الجديد للدبلوماسية المغربية في السنوات القليلة الماضية وانكبابها على إعادة رسم أولوياتها الخارجية وتنويع شراكاتها الاقتصادية والسياسية مع مختلف الدول المؤثرة في الساحة الدولية، بما فيها روسياوالصينالهند.
ولعل السياق الزمني والظروف الجيوستراتيجية التي جاءت فيها هذه الزيارة جعلتها تخلف ارتياحاً وحماساً كبيران في المغرب سواء على مستوى الرأي العام، أو على مستوى المراقبين أو على مستوى وسائل الإعلام. ولعل السمة الأساسية التي تظهر من خلال مختلف التعليقات والتحاليل التي تم نشرها بهذا الخصوص هو أن هذه الزيارة جاءت في الوقت المناسب، ومن شأنها أن تساعد المغرب على تعزيز الدور الريادي في مجال التعاون بين بلدان الجنوب، بالإضافة إلى وضع اللبنات الأساسية لبناء شراكة اقتصادية حقيقية مع العملاق الصيني بناءً على مبدأ رابح-رابح، وجعلها مدخلاً لتحقيق مكتسبات سياسية من قبيل كسب الدعم الصيني في مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء.
في ظل الحماس الذي واكب هذه الزيارة الملكية، ينبغي لنا الإجابة عن بعض الأسئلة التي من شأنها أن تساعدنا على فهم البعد الحقيقي للشراكة المغربية الصينية. فبعض النظر عن الفوائد الاقتصادية التي ستجلبها هذه الشراكة الاقتصادية، فما هي الأبعاد السياسية للزيارة الملكية وماذا يمكن لتعزيز العلاقات بين البلدين أن يقدم للمغرب على المستوى السياسي، خاصةً فيما يتعلق بالوحدة الترابية للبلد وسيادتها على الصحراء؟ هل من شأن تفعيل هذه الشراكة أن يدفع بالصين إلى لعب دور محوري في مجلس الأمن وجعله يتبنى مواقف داعمة للمغرب؟ وهل من شأن مستوى العلاقات التجارية بين البلدين أن يدفع بكين إلى الاصطفاف إلى جانب المغرب والابتعاد عن موقف الحياد الإيجابي الذي لعبته لحد الآن؟ وما مستوى المبادلات التجارية بين المغرب والصين إذا قارناه مع مستوى العلاقات الاقتصادية بين بكينوالجزائر، الخصم الأول للمغرب في قضية الصحراء؟
من المعلوم لدى المختصين بالشؤون الدولية أنه، خلافاً للدول الغربية مثل الولاياتالمتحدةوبريطانيا، فإن العقيدة السياسة للصين تنبذ الميل إلى تقسيم الدول وبناء دويلات صغيرة بناءً على المبدأ الضيق لتقرير المصير. فبحكم ماضيها مع الاحتلال الأجنبي لبعض أراضيها، مثل وهونكونغ التي استرجعتها من بريطانيا عام 1997وجزيرة ماكاو، التي استرجعتها من البرتغال عام 1999، بالإضافة إلى مواجهتها للانفصال في كل من طايوان وتيبت ومناطق أخرى، فإن الصين من الدول المؤثرة القلائل التي لا تؤيد مفهوم الحكم الذاتي التقليدي الذي تروج له بعض الجهات في الأممالمتحدة، كما أنها ليست من مناصري الانفصال. ويمكن اعتبار هذه العقيدة السياسية للصين من بين أهم الأسباب التي تجعلها تكتفي بدور الحياد الإيجابي في قضية الصحراء والابتعاد عن دعم انفصاليي البوليساريو.
غير أنه في أعراف العلاقات الدولية ما يؤثر على مواقف الدول ليس عقيدتها السياسية فحسب، بل المصالح الاقتصادية التي تجمعها مع شركائها. وهنا، ينبغي علينا تحليل الشراكة بين المغرب والصين بكثير من التبصر والتأني ووضعها في إطارها الإقليمي والدولي والابتعاد عن كل تسرع في القول بأن هذه الشراكة ستدفع بالصين إلى تبني مواقف داعمة للمغرب في نزاع الصحراء.
ومع ذلك، لعل أحسن طريقة تمكننا من استشراف التأثير الممكن للشراكة الاقتصادية بين الرباطوبكين هي وضعها في إطارها الإقليمي. وإذا قمنا بمقارنة دقيقة لقيمة العلاقات التجارية التي تجمع المغرب والصين والعلاقات الاقتصادية التي تجمع العملاق الآسيوي مع الجارة الجزائر، فسنتوصل إلى استنتاج سيبعثنا على التحلي بالكثير من الحذر وعدم الجزم بأن المغرب سيربح الرهان السياسي في المستقبل المنظور بمجرد التوقيع على العديد من الاتفاقيات مع هذا البلد.
فبينما لا تتعدى قيمة المبادلات التجارية بين المغرب والصين 2،3 مليار دولار، منها 2،1 مليار دولار عبارة عن صادرات صينية للمغرب، بلغت قيمة المبادلات التجارية بين الصينوالجزائر حتى عام 2013 8،6 مليار دولار، حسب آخر المعلومات المتاحة. وبحكم الارتفاع المضطرد لهذه المبادلات خلال الخمس عشرة سنة الماضية، حيث ارتفعت من 0،6 إلى 8،6 مليار دولار بين 2002 و2012، فلا شك أن قيمة هذه المبادلات قد ارتفعت بشكل أكبر خلال السنتين الماضيتين.
بالإضافة إلى ذلك، ففي الوقت التي تعتبر فيه الصين الشريك التجاري الثالث للمغرب بعد الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدةالأمريكية، فإنها أصبحت منذ عام 2013 المزود الأول للسوق الجزائري عوض فرنسا. كما أن الجزائر تعتبر أهم سوق بالنسبة للصين في المغرب الكبير، إذ تمثل 41% من مبادلاتها التجارية مع دول المنطقة. وفي نفس السياق، حصلت الصين خلال السنوات القليلة الماضية على عقود بقمية 20 مليار دولار لبناء العديد من المشاريع البنوية على رأسها جزء من الطريق السيار الرابط بين شرق الجزائر وغربها، والمسجد الكبير الذي يوجد في طور البناء في العاصمة الجزائر والمبنى الجديد لوزارة الخارجية الجزائرية، إلخ.
وبناءً على ذلك، وإذا تكلمنا بلغة الأرقام وبلغة المصالح، فإن المصالح الصينية مع الجزائر لا زالت تطغى على مصالحها مع المغرب. ومن ثم، فمن الصعب أن نتصور أن الصين ستتبنى مواقف مؤيدة للمغرب في ملف الصحراء بمجرد أن وقعت على اتفاقيات عديدة مع الرباط. ولعل ما يمكنه أن يؤيد هذا الطرح هو العلاقات التجارية القوية التي تجمعها مع دول أخرى تعتبر مواقفها معاديةً للمغرب على رأسها جنوب افريقيا ونيجيريا وأنغولا. فالصين تعتبر الشريك الاقتصادي الأول لجنوب افريقيا،حيث يصل حجم المبادلات بين البلدين 20 مليار دولار. كما تعتبر أول شريك اقتصادي لأنغولا، حيث وصل حجم المبادلات بين البلدين حسب آخر الإحصاءات المتوفرة إلى 36 مليار دولار سنويا، بينما تعتبر أول مصدر للواردات بالنسبة لنيجيريا، علماً أن قيمة المبادلات بين البلدين بلغت 14،9 مليار دولار العام الماضي. فإذا أخذنا هذه المعطيات بعين الاعتبار، فيبدو أنه سيكون من الصعوبة بمكان على المغرب استمالة الصين للموقف المغربي بخصوص الصحراء، على الأقل في المستقبل القريب.
التحالف المغربي الخليجي يلعب لصالح المغرب في علاقاته مع الصين
ومع ذلك، فهناك عامل بالغ الأهمية سيلعب لصالح المغرب ويعطي قيمة ومغزى كبيرين لهذا التقارب المغربي الصيني، بالإضافة إلى التحالفات الإقليمية الذي بدأ المغرب ينخرط فيها في الآونة الأخيرة. ويتجلى هذا العامل في التحالف الاستراتيجي الذي وضع أسسه المغرب في شهر أبريل الماضي مع دول مجلس التعاون الخليجي. إن ما يعطي مغزى ومعنى حقيقي لهذا التقارب المغربي الصيني هو متانة العلاقات الاقتصادية التي تجمع بين دول مجلس التعاون الخليجي والصين والمكانة الفريدة التي تحتلها هذه الدول بالنسبة للاقتصاد الصيني.
فعلى الرغم من قيمة المبادلات التجارية بين الصين وخصوم المغرب، الجزائروجنوب افريقيا ونيجيريا وأنغولا، فإنها لا ترقى إلى مستوى المبادلات التجارية بين بكين ودول الخليج. كما أن قيمة الدول الأربعة السالفة الذكر من وجهة نظر الاقتصاد الصيني لا تضاهي قيمة حلفاء المغرب الاستراتيجيين في الخليج العربي. فعلى الرغم من أن الجزائر ونيجيريا وأنغولا تعتبر إلى حد ما من بين المزودين للسوق الصينية بالنفط، إلا أن هذه الدول، بالإضافة إلى جنوب افريقيا، تعتبر بالدرجة الأولى سوقاً للسلع وللاستثمارات الصينية، وهو ما يظهر من خلال الميزان التجاري لهذه البلدان مع الصين، وليس مصدرا أساسيا للطاقة كما هو الحال بالنسبة لدول الخليج العربية.
على عكس ذلك، فإن دول الخليج ليست سوقاً للسلع الصينية فحسب، بل كذلك مصدراً أساسياً للطاقة التي تغذي الاقتصاد الصيني. فمنذ فرضت الصين نفسها من بين أعظم القوى الاقتصادية العالمية، لعبت دول الخليج دوراً محورياً في تزويد السوق الصينية باللبنة الأساسية لتغذية نمو الاقتصاد الصيني. فبينما تعتبر واردات الصين للنفط القادم من الجزائر ونيجيريا وأنغولا تكميلية (لم تتعدَّ صادرات الجزائر للنفط 37 ألف برميل يومياً في 2013)، فإن وارداتها من دول الخليج تعتبر الدعامة الأساسية التي يعتمد عليها الاقتصاد الصيني لتلبية حاجياته المتزايدة من الطاقة. وفي الوقت الراهن تمثل واردات الصين القادمة من دول الخليج 43 في المائة من مجموع وارداتها، مما يجعل هذه الدول المزود الذي لا مناص منه بالنسبة للاقتصاد الصيني. ومن بين دول الخليج، تعتبر المملكة العربية السعودية المزود الرئيسي للصين، إذ تمثل 17 في المائة من الواردات الصينية للنفط.
وفي نفس السياق، وفي الوقت الذي لا تتعدى قيمة المبادلات التجارية بين الصين والدول الإفريقية الأربعة المذكورة أعلاه 70 مليار دولار، فإن قيمة المبادلات التجارية بين بكين ودول الخليج تتعدى 250 مليار دولار. وحسب مكتب الدراسات الأمريكي McKinsey، فمن المتوقع أن تصل قيمة المبادلات التجارية بين الطرفين إلى 350 مليار دولار بحلول عام 2020. بالإضافة إلى ذلك، فإن القيمة المضافة لدول التعاون الخليجي بالنسبة للصين هي قدرة هذه الدول على ضخ استثمارات ضخمة في الاقتصاد الصيني في مجالات عدة على رأسها الصناعات البتروكيماوية والسياحة والعقار، وهو ما لا يوفره شركاء الصين الإفريقيون.
ولنعرف الأهمية التي توليها الصين للنفط وتأثير ذلك على قراراتها السياسية، يكفي التذكير بأنها عارضت لمدة أربع سنوات بين 2004 و2008 قيام مجلس الأمن باعتماد قرارات ملزمة على السودان بخصوص الأزمة في دارفور، حيث امتنعت عن التصويت عن معظم القرارات وعملت على إضعاف لغتها حتى لا تتضمن عقوبات أو إجراءات جذرية ضد السودان. فلعدة سنوات، عارضت بكين كل أعضاء مجلس الأمن وتجاهلت الضغط الدولي ضدها حفاظاً على مصالحها في السودان على رأسها ما يقارب ل250 برميل يومياً من النفط التي كانت تستوردها من هذا البلد.
بناءً على المعطيات السابقة، فعلى الرغم من أن الوضع الحالي للشراكة الاقتصادية بين المغرب والصين لا يؤهله لاستمالتها وجعلها تتبنى مواقف سياسية داعمة له بخصوص قضية الصحراء، إلا أن الأهمية الاستراتيجية التي يمثلها النفط الخليجي بالنسبة للصين،والتي ستزداد خلال العقدين القادمين،ومتانة العلاقات بين المغرب ودول التعاون الخليجي هي التي من شأنها أن تلعب لصالح المغرب وأن تؤدي بشكل تدريجي إلى تبني الصين لمواقف تتماشى مع موقف المغرب بخصوص الصحراء.
وهنا يجب الانتباه إلى رمزية المكان الذي أعلن فيه الملك محمد السادس عن الزيارة الرسيمة التي سيقوم بها للصين. فلم يأتِ قرار العاهل المغربي الإعلان عن ذلك خلال القمة الأولى بين المغرب ودول الخليج التي عُقدت في شهر أبريل الماضي في الرياض بمحض الصدفة، بل كان بمجرد رسالة من المغرب وحلفائه الخليجيين بأن الشراكة بين المغرب والصين تعتبر جزء من الشراكة بين هذه الأخيرة ودول الخليج. وبالتالي، فينبغي قراءة التقارب الجاري بين المغرب والعملاق الصيني بمثابة امتداد للتحالف الاستراتيجي بين المغرب وحلفائه الخليجيين.
بناءً على ما سبق، فينبغي التحلي بالحذر وتجنب الظن بأن تعزيز الشراكة الاقتصادية بين المغرب والصين في حد ذاته سيدفع هذه الأخيرة لتبني مواقف لصالح موقف المغرب في قضية الصحراء. فإذا توجب على المغرب الاعتماد على حجم مبادلاته التجارية مع هذا البلد، فقد يكون من الصعب تصور أن تضحي بكين بعلاقاتها التجارية مع الدول الداعمة للبوليساريو والاصطفاف لجانب المغرب. لكن وحدة المصير التي تجمع بين المغرب ودول الخليج العربي ودور هذه الدول في الاقتصاد الصيني يجعل من دعم الصين للمغرب احتمالا غير بعيد المنال على المديين المتوسط والبعيد. غير أنه حتى وإن أخذت الصين موقفاً متعاطفاً مع المغرب، فلن يتعدى ذلك الحفاظ على الوضع القائم وإحباط المحاولات التي قد تقوم بها الأطراف في المستقبل القريب للضغط على المغرب وإقبار مخططه للحكم الذاتي وإعادة النظر في العملية السياسية التي انطلقت عام 2007.