بعد الانتخابات التشريعية وغيابه عن الحكومة "" أية خيارات أمام حزب العدالة والتنمية ؟؟ خلفت النتائج التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية في الاستحقاقات الأخيرة ردود أفعال متباينة، أعادت إلى الواجهة سؤال تميز هذا الحزب الذي خدمته ظروف المرحلة بنسبة كبيرة إلى أن استحوذ على النقاش السياسي في المغرب، وأضحى يصنف أقوى تنظيم حزبي وتوقع له الكثيرون اكتساح مجلس النواب، غير أن سوق الانتخابات أبى إلا أن يبعث إلى أتباع العثماني رسالة خلاصتها: أنتم أقوياء لكن غيروا من اختياراتكم. عودة للانتخابات: أهم ما يمكن استفادته من استحقاقات 7 شتنبر الماضي وعلى عكس ما ذهب إليه أغلب المحللين والمتتبعين لمسار حزب العدالة والتنمية، يمكن إجماله في استمرار تصدر الحزب لائحة الأحزاب أو لنقل "حطام" الأحزاب الوطنية، ف503 ألف و396 صوتا التي حصلت عليها لوائح المصباح ليس من السهل الظفر بها في مجتمع فاقد للثقة في الأحزاب وفي السياسة بشكل عام. بالإضافة إلى القوة التنظيمية المحكمة التي بدت واضحة في تسيير حملات مرشحي العدالة والتنمية رغم ما عرفه الحزب من هزات ومناوشات قبيل انطلاق الحملة الانتخابية واستقالة عدد لا يستهان به من المناضلين والقياديين، وهذا يؤكد أن الإسلاميين المغاربة المتبنين لطرح المشاركة لا يزالو ن على قدر مهم من الانضباط والتحكم في الحزب. وبالنسبة لعدم نيل السبعين مقعدا الموعود بها أو المتنبأ بها، فسببه لا يجب بأي حال من الأحوال، إرجاعه إلى ضعف في الحزب أو تفوق أحزاب أخرى عليه، كما أشار إلى ذلك عدد من المراقبين وحتى من قياديي الحزب الذين تسرعوا كالعادة في جلد حزبهم ومسؤوليه واعتبروا أن التوقعات الداخلية للحزب كانت خاطئة وأنه يجب الاعتراف بالخطأ والدخول في مسلسل من المراجعات مسلحين بحس نقدي يحارب ما وصفه عبد العالي حامي الدين عضو المجلس الوطني للعدالة والتنمية بالمجاملات النفاقية والسلوكيات المتملقة الهجينة (جريدة التجديد عدد 1722-13/9/2007). وعدم تمكن حزب العدالة والتنمية من الوصول إلى توقعاته الانتخابية، كان لعوامل متعددة يجب على المغاربة جميعهم التفكير في مواجهتها، ولعل أهمها عقلية الارتزاق من وراء الأصوات، وانتشار الولاء للمال في الانتخابات، هذا في صفوف المصوتين، أما من لم يدلوا بأصواتهم فأمرهم لا يعدو أن يكون لجهل وعدم مبالاة أو لموقف سياسي يجب التعبير عنه بجرأة أكبر، و كلا الحالتين هي تعبير صريح وشهادة بينة على فشل نخبتنا السياسية في بناء تنظيمات حزبية قادرة على تأطير المواطنين. إن ما حصل عليه حزب العدالة والتنمية من مقاعد وأصوات والتي خيبت آمال عدد من محبيه، لم تكشف عن خلل كبير في رؤية الحزب ولا في ورقته المذهبية وأرضيته التصورية، بقدر ما كشفت عن أزمة في القيادة والتواصل. حيث لم تفرق قيادة الحزب في خطابها الانتخابي سواء أثناء فترة الحملة الانتخابية أو ما سبقها من الأيام، بين ما يجب أن يقال للعموم عبر وسائل الإعلام في إطار التنافس ومحاولة التأثير في الآخر، وبين ما يجب أن يتم توضيحه لمناضلي الحزب خاصة فيما يتعلق بتقديرات عدد المقاعد. والنتيجة التي حصل عليها حزب سياسيي التوحيد والإصلاح أبانت كذلك عن عيب في التواصل، وأنه بات من الواجب التخلي عن الآليات المعتمدة منذ مدة وضرورة استبدالها بآليات أكثر فاعلية من خلال القرب والاحتكاك بالناس ويهمومهم الحقيقية وتجاوز الخطابات العامة المتعلقة بالهوية ومحاربة الفساد "شفويا". وبينت الانتخابات السابقة عن ضعف كبير للحزب بالعالم القروي، ليس لعدم وصول العمل الإسلامي إليه كما حاول أن يصورها أحد القيادات الإسلامية الصاعدة، لأن منطق السياسة والتصويت في القرى المغربية كما في الحواضر، لا يعترف كثيرا بالهيمنة الثقافية والفكرية لتيار معين، وإنما تتحكم فيه عوامل قبلية وأسرية ونفعية ذاتية، وهنا فشل العدالة والتنمية لأنه لم يستطع التكيف مع المنطق المشار إليه، ولم يحاول التغلغل في عمق العالم القروي وتناول مشاكله بدقة على الأقل على مستوى التشخيص، مادام لا يتحمل مسؤولية تسيير الشأن العام.
ماذا بعد الانتخابات وتعيين الحكومة الجديدة؟ بالنظر إلى الفارق بين ما توقعه الجميع لحزب العدالة والتنمية وبين ما حصل عليه من مقاعد، يبدو أن شعبية الحزب ستتراجع وأن اختلالات تنظيمية ستنقض عليه وبالتالي سيصبح كغيره من الأحزاب، ويتحول إلى هيكل فارغ. لكن مراجعة بدايات الحزب ومواقفه وأنشطته قبل أي محطة انتخابية وبعدها، تبين أنه حزب متميز ومن الصعب أن تؤثر فيه وفي جديته نتائج الانتخابات بما يجعله يتراجع عن الموقع الذي يحتله في المشهد السياسي الوطني. ولا يمكن الجزم بتحتمية تراجع حزب العدالة والتنمية إلا من خلال مسار واحد وهو استمراره على نفس النهج الذي عرف به خلال العشر سنوات الماضية، أي منذ ساند حكومة اليوسفي الأولى، ثم انتقاله إلى معارضة على المقاس مارسها نوابه البرلمانيون خلال الولايتين التشريعيتين الماضيتين كما لو كانت دورا ثمثيليا في مسرحية أو عمل سينمائي ! حيث لم ترق معارضته إلى المستوى المطلوب بتعرية الملفات الشائكة التي تقف أمام تحقيق العدالة التي ينشدها والتنمية التي يعد بها، فباستثناء الخرجات المحتشمة في عدد محدود من القضايا وأسئلة شفوية وكتابية لم تسمن ولم تغن من جوع، كان نواب العدالة والتنمية كغيرهم من النواب منهمكين في شؤون برلمانية "تشريعية" هي من صميم واجبهم كنواب أمة، لا تحتاج إلى مفاخرة ولا تعبر عن كبير تمايز. مسألة أخرى قد تدفع بشعبية حزب العدالة والتنمية وأدائه إلى الوراء تتمثل في تكرار أسطوانة المصلحة العليا للبلاد ومراعاة الظروف السياسية والمساهمة في الاستقرار والتدرج في تحمل المسؤولية وغيرها من مبررات العجز والاستسلام والخضوع لمهندسي الخريطة السياسية للمغرب. اليوم بات واضحا أن المواطنين المهتمين بالشأن العام لم يعد يقنعهم سوى رؤية الشعارات تنزل على أرض واقعهم، وهذا يفرض على قيادة العدالة والتنمية التعبير بقوة وبوضوح عن أية معارضة تريد أن يمارسها الحزب، وعن الجهة التي ستعارضها، هل الحكومة أم المؤسسة الملكية الفاعل الرئيسي في المغرب، وهذا أيضا يقود إلى طرح موضوع في غاية الحيوية والحساسية وهو موضوع الإصلاحات الدستورية، والذي أكدت الأيام –وما مخاض تعيين الحكومة الجديدة عنا ببعيد- أنه أمر ملح لمغرب جديد. إذ لم يعد ممكنا التفكير في إصلاحات سياسية بدون فرز وفصل جليان للصلاحيات والمسؤوليات، ليعرف كل ذي حق حقه وكل ذي واجب واجبه، ولكي تمارس الأغلبية أغلبيتها والمعارضة معارضتها في جو من التنافس السياسي الذي سيعيد الثقة بشكل تلقائي للمواطن في السياسة وفي مؤسسات الدولة. ولعل تغيير الحزب لإستراتيجيته في شقها المرتبط بالعلاقة مع الفرقاء السياسيين وأيضا مع المؤسسة الملكية، خاصة بعد تهميشه المقصود في مشاورات تشكيل حكومة عباس الفاسي رغم احتلاله للرتبة الثانية في الانتخابات، هو المخرج الذي سيعزز شعبية الحزب ويمكنه من الحفاظ على رصيده الشعبي في انتظار الانتخابات الجماعية المقبلة. أما إذا بقيت دار العدالة والتنمية على حالها، فالأكيد أننا سنشهد مسلسل اندحار ستبدأ أولى حلقاته عند مناضليه والمنتسبين إليه بالتشكيك في جدوى العمل السياسي الإسلامي، مادامت ممارستهم للعمل السياسي المباشر لم تؤت أكلها من حيث عدد المقاعد والمشاركة في الحكومة، وسيكتشفون -خصوصا مع محدودية الثقافة السياسية عند أغلبهم- أنهم أمام استنساخ للأنشطة والمعارك النضالية، وهنا طامة العدالة والتنمية لأنها ستتحول إلى مشكلة نفسية سيصعب تجاوزها، على الرغم من أن الذي يقود الحزب طبيب نفساني !! حسن حمورو [email protected]