سيتواصل الجدل والنقاش داخل حزب العدالة والتنمية إلى وقت غير معروف، قد يصل إلى انتخابات 2012. وسيحتاج الحزب ربما إلى معركة نضالية هامة تجمع شتات قياداته التي شطرتها 20 فبراير إلى قسمين، بحيث رأى فيها البعض مبتدأ لحراك سياسي صحي ومحطة للنضال من أجل الإصلاح إلى درجة نسب دستور 9 مارس إلى هذه الحركة بالحديث عن دستور 20 فبراير، والتي في نظري لم تكن أمه الشرعية فالأم لا ترفض أبناءها، فهذه الحركة ترفض تبني هذا الدستور ومضامينه، وقياسا على فتوى إذاعة القذافي حول التبني فنسب هذا الدستور إلى 20 فبراير حرام، و الأصح نسبه إلى أمه الحقيقية 9 مارس، أوليس "ادعوهم لآبائهم هو اقرب للتقوى". ويرى آخرون أن الحزب حدد طريقه في النضال ضد الفساد والاستبداد مند تأسيسه، انطلق مع الدكتور عبد الكريم الخطيب رحمه الله بداية التسعينات، واستمر تحت أشكال ووسائل وشعارات متعددة حسب الأزمنة والقضايا ومن داخل المؤسسات بما هو متاح. ومن تجليات هذا النضال، المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية وما تطلبته من مواجهة للضغوط والمساومات، وصولا إلى النضال ضد حصار الحزب إثر أحداث 16 ماي، ثم المعركة الشرسة مع الوافد الجديد ومواجهة سطوته على المجالس البلدية والجماعات المحلية. كل ذلك تم وفق أهداف نضالية مؤطرة بالمرجعية السياسية للحزب في ورقته المذهبية وبورقة النضال الديموقراطي التي خرج بها آخر مؤتمر للحزب في 2008. وهكذا يرى هؤلاء أن أهداف 20 فبراير وإن التقت مع الهدف العام للحزب حول الإصلاح، إلا أن سقفها ووسائلها غير واضحة المعالم، وقد تصل إلى حد التناقض مع مبادئ الحزب وطرحه النضالي. وذلك لكون الحركة المسماة 20 فبراير تجتمع فيها تيارات، بينها وبين الحزب خلافات جوهرية في الأهداف وفي البرامج والمواقف من الثوابت والمقدسات والنظام الملكي، ولا يمكن الالتقاء معها بشكل من الأشكال حتى ولو مرحليا أو تكتيكيا في ظل تلك القناعات. ويسوق هذا الطرف مبرراته التي تكتسي طابعا منطقيا إلى حد ما من بينها: - كون 20 فبراير تحاول نزع المشروعية عن كل المؤسسات بدأ بالحكومة إلى البرلمان إلى الدستور بل قد تصل حتى إلى المؤسسة الملكية. وأي مشاركة للحزب أو قياداته في مثل هذه المظاهرات وفي ظل هذه الشعارات تعتبر تناقضا مع مواقف الحزب ومبادئه، وهو الحزب المشارك في البرلمان وفي جلساته وفي صياغة قوانينه التي تصدر عنه بغض النظر عن موقف الحزب من هذه القوانين، كما إنه يشارك في رئاسة هذه المؤسسة التشريعية وقياداته ترأس لجانا برلمانية أيضا. - إن هذه الحكومة التي يدعى إلى إسقاطها، يتعامل معها الحزب ومع وزيرها الأول أيضا، وما فتئ الحزب يقدم وجهة نظره لها بما هو متاح من خلال المؤسسات. كما أنه ليست للحزب مشكلة مع الحكومة في أشخاصها كما تصور التظاهرات، وإنما مشكلته مع سياساتها وطريقة تعاطيها مع بعض القضايا. وقد دعا الحزب غير ما مرة إلى ضرورة استقالتها، مع الفارق الكبير بين السياقين، سياق المعارضة المؤسساتية وسياق من يطرح بدائل أخرى خارج المؤسسات. إن هذه التظاهرات ترفض الأحزاب والنقابات وتطعن في شرعيتها، فهل يعقل أن ينخرط حزب سياسي يحترم نفسه في التظاهر ضد نفسه. أما الطرف المشارك فيسوق تبريراته للمشاركة تحت هذه المبررات: - داعي التثمين: من خلال التعبير عن تفاعل الشارع الإيجابي مع مشروع الإصلاح وإن هذه المشاركة هي مساندة هذا الخطاب التاريخي ورفع مضامينه الرئيسية والكثيرة في اللافتات وترديدها في شكل شعارات حماسية. الرد على هذا المبرر يأتي من كون الأطراف الغالبة على 20 فبراير غير معترفة بمشروع الإصلاح من أساسه، واعتبرته مجرد وعود ولم تشر من قريب أو من بعيد إلى أي ايجابية فيه، ولم ترفع أية لافتة تشيد به ولا بمضامينه، مما يبين أن أرضية الخطاب التي يمكن ان يلتقي حولها الحزب وهذه المكونات غير موجودة أصلا، كما أن الشعارات المرفوعة مثل "الشعب يريد دستورا جديدا "، و"لا نريد مقدسات نريد حريات" و"يسقط الفصل 19" تؤكد هذا الاتجاه، بمعنى أن ما قدم من خلال مشروع 9 مارس لم ير فيه هؤلاء أية نقطة إيجابية، وبالتالي لا يمكن الالتقاء معهم على أي أساس. داعي الحراسة: بمعنى ضرورة حماية مشروع الإصلاح من الارتداد ومن محاولة إفراغه من مضمونه، فحراسة السقف الذي رسمه الخطاب الملكي يستوجب المزيد من الضغط الشعبي. وفي نفس الوقت حراسة شباب حركة 20 فبراير حتى لا ينزلقوا وراء التوجهات المتطرفة. حماية مشروع الإصلاح تتجلى في مشاركة الحزب في لجنة التتبع التي يرأسها مستشار الملك، وفي حضور الحزب في لقاءات وزارة الداخلية حول نفس الموضوع، ومع الوزير الأول ورؤساء الأحزاب الأخرى أيضا في نفس الاتجاه. فحماية الإصلاح تتجلى في القنوات المفتوحة بين الحزب والملك وليس في التظاهر. أما داعي حراسة الشباب حتى لا ينحرف عن الاهداف النبيلة ويقع في حضن الجهات المتطرفة التي ستحاول الركوب على الشباب لتحقيق مأربها، فالمشاركون ليسوا شبابا فيسبوكيا مستقلا عن أي توجه سياسي كما يتوهم البعض وانما جزء كبير منهم من العدل والاحسان والنهج الديموقراطي وحركات غير منظمة، وهم من يسيطر على هذه الحركة وهم من يسهر على التنظيم بشكل خلف فرزا واضحا في بعض المدن التي سيطرت فيها هذه الأطراف من خلال رفع شعارات الدستور الجديد، وملك لا يحكم وشعارات ضد المقدسات وفصل الدين عن الدولة الخ، في حين رفعت مسيرات أخرى شعارات إسقاط الفساد ومطالب اجتماعية عادية، فكيف سيتم تأطير هذا الخليط وحماية الشباب الذين يرفضون أصلا الأحزاب، وينزعون عنها صفة الشرعية الشعبية محاولين إحلال التظاهرات محلها، أو ليست الأحزاب جزءا من هذا الشعب، وإن قصرت في القيام بواجبها، ثم أو ليست الأحزاب مؤسسات سياسية كغيرها من الحركات التي شاركت في 20 فبراير، أم إنه الفرز بين من هو مع المؤسسات الشرعية ويريد أن يشتغل في إطارها، وبين من لا يعترف بهذه المؤسسات ويرى في الطرف الآخر عدوا أو عميلا للمخزن في أحسن الأحوال. فهل يمكن أن يشكل التظاهر وسيلة للالتقاء مع من لا يعترف بوجودك في الأصل، أو فضاء صحيا لحماية هؤلاء الشباب الفيسبوكيين المفترضين. داعي الاحتجاج: ويتعلق الأمر بكل الذين لهم موقف سلبي من سقف الخطاب أو بعض القضايا التي ضرب عنها صفحا أو الملفات التي لم تتم تسويتها، كإعلان لحسن النوايا. إن الذين لهم موقف سلبي من الخطاب لن يغيروا مواقفهم، وهم حكموا على المشروع مند البداية من خلال تأكيدهم على أن المخزن رمى كل أوراقه وليس عنده شيء آخر يقدمه، فهذا السقف المحدد في الخطاب غير سقف هؤلاء، لذلك فهم يرون ضرورة مواصلة الاحتجاج على الأقل لإحراج النظام أو جره إلى العنف مع المتظاهرين. والاحتجاج مستوى نضالي أول تعقبه مستويات أخرى أقوى، فهل قادة الحزب هؤلاء قادرون على السير في الأشكال النضالية المستقبلية مع هذه القوى إلى نهايتها أم سيضطرون للانسحاب في حالة التصعيد، والذي سيتخذ في قادم الأيام إشكالا كاحتلال بعض الساحات العمومية والاعتصامات واحتلال ربما بعض المرافق العمومية. هل ستكون هذه القيادات قادرة على الاستمرار في هذا المسار؟ أم هي مجرد دعوة للاحتجاج لتحديد موقع وحضور على الشارع خوفا على شعبية الحزب ومن فقدان جماهيره. إن استصغار الحزب إلى هذه الدرجة يشكل غبشا في الفهم السياسي لمشروع الحزب وهو الذي ليس في حاجة إلى استعراض عضلاته في الشارع، لأنه يمتلك البدائل الكثيرة، عكس غيره ممن لا يملكون غير الشارع، إن قوة وأثر الحزب في الجامعة وفي النقابة وفي مجال الدعوة وفي الثقافة وفي العمل الاجتماعي والنسوي وفي المجال الاقتصادي وفي كل المجالات المختلفة حيث يوجد تنظيم مواز يشتغل على نفس أهداف الحزب من خلال الإيمان الراسخ بالعمل من داخل المؤسسات. فكيف يتم استبدال هذا النضال وهذا الحضور الدائم والمستمر بحضور محدود في الزمان والمكان. إن فكرة الاحتجاج توحي كأن المغرب بحاجة إلى تمرين وتعليم ثقافة الاحتجاج أو كحق انتزعته 20 فبراير يجب تثبيته حتى لا يتم الارتداد به إلى زمن المنع والقمع المعهود. و بدون مبالغة يمكن القول إن عدد الاحتجاجات التي شهدها المغرب في العهد الجديد لا يعد ولا يحصى، وان شهدت طريقة التعامل معها مدا وجزرا، إلا أنها لم تكن بدعة جديدة، إن تكريس الأخلاق الديمقراطية والدولة المدنية ينطلق من قيام الاحزاب بواجبها من خلال استعمال كل الوسائل القانونية المتاحة من أجل محاسبة ومتابعة كل من يتجاوز القانون. كما أن المشكلة ليست في عدم وجود القوانين، وإنما في تفعليها، وعملية التفعيل تتم من خلال محاربة العقلية السلبية للمواطن تجاه هذه القوانين واسقاط حقه في انتزاعها، وهذا هو السلوك الذي يجب تعميمه وليس سلوك الاحتجاج. وفي هذا المجال هناك حركات كثيرة تستحق المساعدة والتشجيع ترفع شعارات أجدر بالالتفاف حولها (ما مفكينش) (ما تقيش حريتي، ما تقيش حقي) الخ. وتجدر الإشارة إن التعديل الدستور لن يضيف شيئا جديدا للحياة السياسية من الناحية الشكلية، وإنما يجب أن يكون تتويجا لحزمة كبيرة من الإصلاحات على جميع الأصعدة، فحتى وان وسعت سلطات الوزير الأول وكفلت الحريات وفصلت السلط نظريا، فالأمر مرتبط بالممارسة والتفعيل. وهذا الأمر أيضا مرتبط بشكل كبير بنضج الطبقة السياسية والمجتمع المدني، فالإصلاح لا يمكن تجزئته، والنظام ليس وحده المسؤول عن الوضع. وخلاصة الكلام إن بعض قيادات حزب العدالة والتنمية لم تستطع التموقع سياسيا بشكل واضح تجاه 20 فبراير، فهي لا تريد أن تخسر مكانتها إلى جانب النظام، وفي نفس الوقت تفضل الصلاة وراء دعاة الاحتجاج في الشوارع. فإما أن هذه القيادات اختارت الحزب الخطأ أو إن الحزب هو الذي اختار الطريق الخطأ. ملحوظة: تم الاستناد إلى موقفي كل من عبد العزيز رباح والحبيب الشوباني مع التصرف.