في مثل مجتمعاتنا التي تقتات على فطريات الإشاعة؛ وتنمو على ثقافة الأخبار عوض ثقافة الرؤى والأفكار ؛ وتتمط جاهزية الأحكام عوض تشغيل ملكات التحري والبحث والاستفسار عن السياقات ، وتتسع دوائر التعتيم حول ضبابية الاختلافات ؛ يقدم لنا المشهد السياسي في ظل هذه التبيئة الملغومة ، عنصرين من تفاصيله الهامة في أفق الانتخابات التشريعية 2016 معطيين ؛ أولاهما فورة النقاش حول " اللائحة الوطنية للشباب " بكثير من التحوير والتحامل والتدجين والنفخ والانزلاق لجعل مرد القضية صراع بين النساء والشباب حول " وزيعة ما" تهم ''مكاسب ريعية''؛ هذا النقاش الذي كانت جل المنابرالإعلامية تشكل صرحا له تغيب عنه السؤال الذي لم يطرحه أي ناقل(بحسن نية أو سوء نية) للمعلومة المسربة من المشروع الذي تقدمت به وزارة الداخلية والذي يفيد اسقاط اللائحة المتعلقة بالشباب. ويعاد اجترار هاته الدفوعات في جدوى الإلغاء، النقاش الذي صاحب إقرار اللائحة الوطنية للشباب في استحقاقات 2011 من لدن بعض الفاعلين السياسيين ، مفادها أن النظام الحصص غير دستوري لأنه يضر بمبدأ المساواة بين الناس كما هو منصوص عليه في الدستور، كما أن تأسيس حصة للشباب قد يقود إلى اختيار غير الأكفاء على حساب المرشحين الآخرين، ويؤكد أن الخيارات يجب أن تكون على أساس الكفاءة، وأن الحل الأنجح حسب رأيهم هو مساندة الشباب عن طريق تعزيز العملية الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية. واخذا بعين الاعتبار هاته الطروحات ،بيد أن السؤال المحوري ذو الصلة بالإلغاء الذي يستوجب الإضاءة، من المستفيد الأول من حذف هذا المكتسب القانوني الذي تؤسس له التضمينات الدستورية في الفصل 33 ؟! هل المستفيد الدولة ؟ أم الشعب ؟ أم الأحزاب الوطنية ؟ أم الأحزاب التي لا تستطيع أن تصل العتبة فكيف لها أن تصل إلى إضافة مقاعد من اللائحة الوطنية ؟! اللائحة الوطنية للشباب ليست معركة للتموقع كما يحاول الكثير التبخيس من منتوج أدائها التشريعي وأدوارها الجوهرية في تجويد ذلك ؛ والحالة هنا تقيس جل البرلمانيين الشباب من جل الفرق البرلمانية ؛ كما يشير إلى ذلك جل المتتبعين والباحثين في المجال ... إنها معركة بين تقاطبي الديمقراطية وبين اللاديمقراطية تحاول قوى تحكمية وأخرى تلعب دور الفزاعات البئيسة ترهبها مواقع الشباب وترافعاتها لأجل دمقرطة مفاصل السياسات العمومية في الغرفة التشريعية ؛ على اعتبار أنها لائحة غير متحكم فيها ؛ وإن وجودها هو تقوية للأدوار الرقابية والتشريعية والتمثيلية وان حذفها هو اضعاف للديمقراطية وللوسائط الديمقراطية و لدمقرطة المجتمع المغربي ... واما المعطى الثاني فيتعلق الأمر ب " العتبة " ولعل تفكيك السؤال الاول بمنهجية سليمة يرتبط بما قد تقدمه الاجوبة الحقيقية عن : لما تدافع الأحزاب المصنعة لبلقنة المشهد الحزبي عن إسقاط العتبة ؟! إنه نفس البناء ولنفس الدوافع تحاول استنبات آليات وقائية قصد مزيد من التفتيت للخريطة الحزبية بعيدا عن أي تقاطب إيديولوجي وسياسي يمكن أن تفرزه الاستحقاقات الانتخابية ؛ ليؤدي الشعب والمجتمع فاتورة التعطيل التنموي في مشاهد البلقنة المفرزة ؛ حكومة هجينة ومعارضة متباينة ؛ تستنزف الزمن السياسي في التوافق حول المنهجيات عوض تحمل المسؤوليات في استكمال المشروع المجتمعي الذي يستحق انتظارات المغاربة !!! إن مسألة طمس مكتسبات الشباب تشوبها مجموعة من المجازفات ، خصوصا وأن قضية الشباب اكتسبت أبعادا متداخلة يتقاطع فيها الإجتماعي بالثقافي والسياسي بالتنموي، حيث تصبح مقاربة قضية الشباب المغربي والمشاركة بشكل أفقي في هذه المجالات المذكورة آنفا، مدخلا قد يتيح إمكانية فهم مدى تموقع الشباب في المشاركة في تدبيرالسياسات العمومية . إذا كان تشبيب القيادات السياسية والأحزاب، يعتبر إحدى رهانات تأهيل الحياة السياسية المغربية، فإن تراكم الأزمنة التنظيمية والأجيال داخل الأحزاب، وضعف تداول النخب والتوجس من فئة الشباب المتسمة بالسرعة في قيادة التغيير والتمرد ، تجعل من رهان التشبيب رهانا صعبا، رغم الإرادات المعلنة ، اتجاه تمثيلية الشباب، ورغم ما يبدو إجماعا من الناحية الشكلية في خطابات الفاعلين الحزبيين حول وظائف والادوار التي يمكن للشباب أن يقودها لأجل تجويد الآداء الحزبي والنيابي. إن تمكين الشباب من اليات التميز الإيجابي(نظام الحصص أو الكوطا) تعد أحد أهم ميكانيزمات دينامية التغيير السياسي والحركية التنموية عموما في المجتمعات التي تتميز ببنية ديموغرافية شابة كالمغرب،حيث شكل الشباب مؤهلا ثمينا بالنسبة للبلاد وفرصتها نحو المستقبل، ذلك أنه ما سبق أن كان ارتباط المستقبل بالشباب أكثر دلالة وبعدا كما هو الحال عليه الآن بالمغرب. *باحثة في قضايا الشباب والمجتمع المدني