ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النكت حول الجماني انتقاد للنظام من تحت الجلباب
نشر في هسبريس يوم 19 - 10 - 2007


الصحافي محمد باهي ل "المشعل " ""
الجماني كان يضحك كثيرا للنكات التي كانت تحكى عنه
يؤكد الزميل محمد باهي في هذا الحوار، أنه لا علاقة إطلاقا للشخصية الحقيقية لخطري ولد سعيد الجماني، بتلك المئات من النكات التي نسجتها حوله الألسنة الشعبية، قال بأنه كان شيخ قبيلة صحراوية كبيرة هي الركيبات، وأن من أهم صفات تسنم هذا المنصب الرفيع أن يكون صاحبها ذو عقل راجح وأخلاق حميدة.
كما أشار أيضا إلى كثير من الحيثيات السياسية والشخصية التي عايشها "الجماني" ومنها مثلا اختلافه مع قادة جيش التحرير أواخر خمسينات القرن الماضي، وبالتالي هربه وهو متنكر في زي نسائي ليفلت من الموت... ثم عن خصوصيات علاقته بالحسن الثاني وتفاصيل أخرى كثيرة يرويها الزميل باهي بكثير من الدقة، لأنه كان واحدا من أكثر الناس قربا من الرَّجل الذي خصصنا ل "أسطورته" ملف هذا العدد.
- ألفت أستاذ باهي كتابا عن خطري ولد سعيد الجماني، ما هي خطوطه العريضة؟
+ الكتاب يحمل عنوان " خطري ولد سعيد الجماني الأسد الجريح أنقذ الصحراء مرتين 1957 و 1975 "، وقد ألفته لأن هناك عددا كبيرا من الناس الذين يتعاطون لقضية الصحراء، لا يعرفون عنها الشيء الكثير، سواء تعلق الأمر برجال السياسة أو الإعلاميين ناهيك عن عامة الناس.
خطري ولد سعيد الجماني كان عضوا في جيش التحرير سنة 1957 وحدث أن وقعت خلافات داخل قيادة الجيش المذكور، وكان الجماني مهددا حينها بالاغتيال والاختطاف من طرف قيادة جيش التحرير.
- مَن بالتحديد؟
+ إدريس بن بوبكر وبنحمو وآيت يدر وغيرهم، كانت قد حدثت بعض المتغيرات داخل جيش التحرير لم يستطع الصحراويون فهمها، لذا لم يتعاطفوا مع بعض الأفكار التي دعا إليها أولئك القادة، ولذا فقد تعرض العديد من الصحراويين للإختطاف، لذلك فحينما وصلت الأخبار لخطري ولد سعيد الجماني بأنه مُعرض للاختطاف والاغتيال، ارتدى لباس النساء وركب ناقته وخرج من بين الجنود الذين كانوا مكلفين بحراسته، ثم دخل إلى المنطقة التي كانت تحت سيطرة الجيش الاسباني، وطلب اللجوء السياسي من الحكومة الاسبانية، فكان أن تبنته هذه الأخيرة ووفرت له الحماية، وبذلك أنقذ نفسه من موت محقق في كَلميم، كما وفر للمغرب أفضل شخص صحراوي يُمكنه أن يدافع عن قضية الصحراء أمام الاسبانيين، لدرجة أنه لو كان هناك شخص آخر ذهب للحديث عن قضية الصحراء معهم لما توفق في ذلك، كان وفاؤه للسلاطين المغاربة صادقا، وبقي على وفائه وتعلقه بالعرش حتى وفاته، التقيتُه شخصيا في مدينة العيون سنة 1974 حيث سلمني حينها رسالة إلى الملك الحسن الثاني، قال فيها: " نحن ما زلنا على العهد وننتظر الإشارة من جلالتك"، وحينها لم أفهم بما كان يتعلق الأمر، حيث لم أفهم ماذا كان يعني بكلمتي "الإشارة" ولا "العهد"، كانت تلك رسالة سرية، وفهمت فيما بعد أن ولد خطري الجماني كان متفقا مع الحسن الثاني أن يتلقى إشارة منه في يوم ما.
- هل كان الأمر يتعلق بالمسيرة الخضراء؟
+ نعم، وعندما أعطى صاحب الجلالة للجماني الإشارة عاد إلى المغرب. في سنة 1975 كان خطري ولد سعيد الجماني عضوا في مجلس النواب الاسباني (الكورطيس)، وقد كان الاسبانيون مستعدون لمنحه الحكم على إمارة الصحراء، غير انه فضل أن يأتي للمغرب ويجدد البيعة لصاحب الجلالة الحسن الثاني، وتخلى بذلك عن كل الامتيازات التي كانت لديه، وكذلك الوضعية الاعتبارية والمادية التي كانت تنوي الحكومة الاسبانية منحها له، وأعلن مغربية الصحراء وقبائلها.
- من أين جاءت كل تلك الهالة القبلية لخطري ولد سعيد الجماني؟
+ كان شيخ قبيلة الركَيبات وهذه الأخيرة كما تعلمون هي كبرى القبائل الصحراوية، بدون منازع، وهي موجودة في موريتانيا والجزائر والمغرب ومالي.. إنها منتشرة بشكل واسع وعدد أناسها كثيرون جدا، وهم محاربون أشداء قاتلوا فرنسا وإسبانيا، وكانوا ضمن جيش التحرير، وليس من المبالغة القول إنه لا يُمكن أن تقوم للصحراء قائمة بدون قبيلة الركَيبات، إن الجماني كان شيخ هذه القبيلة ورمز وجودها واستمراريتها، وقد لعب الجزائريون لعبتهم ضدا على المغرب بتبني قضية الركَيبات، ذلك لأن 90 بالمائة من قيادة البوليساريو في الجزائر ينحدرون من الركَيبات، فمثلا الوالي مصطفى السيد ومحمد عبد العزيز المراكشي وأيوب الحبيب و إبراهيم الغالي وغيرهم كلهم ينتمون لهذه القبيلة. إننا في المغرب لا نريد أن نفهم بأن هناك عقدة قبلية كبيرة في الصحراء، مثلما هناك قبلية وحساسيات عرقية في كل أنحاء المغرب، فهذا هو الواقع، إن ثمانين بالمائة من جنود البوليساريو هم كذلك من الركَيبيات، كما أن القيادة العسكرية تنتمي لهذه القبيلة، إن هذه هي الحقيقة التي لا نريد أن نفهمها.
- أنت التقيت خطري ولد سعيد الجماني غير ما مرة، كيف كنت تجد مميزاته الشخصية؟
+ أولا خطري ولد سعيد الجماني، يتميز كغيره من شيوخ القبائل الصحراوية بالحكمة، وقد كنتُ دائما أقارن شخصية الجماني بشخصية الشيخ زايد أمير الإمارات رحمهما الله، فكلاهما لم يكونا جامعيان ولا متعلمان لكنهما كانا شيخا قبيلتين كبيرتين، ولديهما حكمة الشيوخ العميقة، وبعد النظر، والترفع عن السفاسف وصغائر الأمور. لقد كان الجماني يحظى باحترام جميع الناس، وكان احتراما نابعا من عدله بينهم ومعاملتهم بالتي هي أحسن، كما لم يكن يفرق بينهم سواء كانوا أغنياء أو فقراء، وكان يحل مشاكل الناس مع الحرص على مساعدة الضعفاء منهم.
- هل ورث الجماني مشيخته لقبيلة الركَيبات أبا عن جد؟
+ نعم، إن خطري هو وريث أبيه سعيد، وأبوه أيضا كان قد ورثها عن أبيه الجماني، إنها عائلة كبيرة ورثت زعامتها القبلية أبا عن جد.
- الزعامة تكون عن علم أو حرب أو تدين، فمن أين أتت لآل الجماني؟
+ في الصحراء لا بد من إجماع أفراد القبيلة على شخص ما حتى يُولوه أمرهم، ويكون متصفا بالحكمة والتواضع، ومن بعد فإن القبيلة هي التي تُغني الشيخ وليس العكس، شريطة أن يكون حكيما رصينا، ويعامل الناس بالحسنى والعدل، إنها المميزات التي جعلت خطري ولد سعيد الجماني شيخا لقبيلة الركَيبات.
- عرف بأنه كان مزواجا، كما أنه لم يكن يتقن لغة أخرى غير العربية ومع ذلك فقد جالس كبار زعماء العالم، كيف حدث ذلك؟
+ فيما يخص مسألة الزواج المتعدد فإن تقاليد وعادات الصحراء تبيح تعدد الزوجات، ذلك أن طبيعة العيش في الصحراء تفرض الترحال، وبين موقع وآخر تكون هناك مسيرة شهر أو شهرين، كما يُمكن للمرء أن يبقى عاما في المضارب، ويظل عامين في غيرها، لذلك فإنه يتزوج في كل منطقة يحل بها لفترات طويلة، هناك مسألة أخرى مهمة، فأغلب زيجات خطري ولد سعيد الجماني كانت بغاية تحقيق تحالفات قبلية، لقد تزوج مثلا الشيخ ماء العينين ستين امرأة تقريبا من أغلب قبائل الصحراء، وذلك لضمان الوحدة.
لقد جاءت أهمية خطري ولد سعيد الجماني على المستوى العالمي لأنه عاد للمغرب سنة 1975 وكان ذلك حدثا كبيرا غيّر موازين القوى، إذ أعطى مصداقية لحكم محكمة العدل الدولية، وللأمم المتحدة زاوية نظر جديدة، وهو ما منحه العديد من العلاقات مع كثير من قادة الدول العربية والإسلامية، والدولية، وقد قدم الحسن الثاني الجماني لأولئك القادة باعتباره رمزا لارتباط الصحراء بالمغرب.
- كيف كانت علاقته بالحسن الثاني، ولماذا كان مرتبطا به أكثر من باقي شيوخ القبائل الصحراوية؟
+ أولا لقد كان خطري ولد سعيد الجماني مرتبطا بالحسن الثاني منذ كان هذا الأخير وليا للعهد، أي منذ نهاية سنوات خمسينيات القرن الماضي، وقد التقيا سنة 1958 حينما زار الحسن الثاني مدينة طرفاية، وكان علي بوعيدة وهو أول عامل على هذه المدينة صلة الوصل بينهما.
- وماذا كان الغرض من تلك الاتصالات؟
+ ربط الصحراء بالمغرب، وإحداث مناورات ضد الاسبانيين لأن خطري كان محسوبا على إسبانيا، وبالتالي كانت مهمة العامل بوعيدة أن يُبلغ ولاء خطري للحسن الثاني، ولذلك ظلا على اتصال منذ 1956 حتى سنة 1975 ، وفي مرحلة أخرى اعتمد الحسن الثاني على الداي ولد سيدي بابا لربط الاتصال بخطري ولد سعيد الجماني.
- ما هو السر في ارتباط شخصية خطري ولد سعيد الجماني بالنكات؟
+ربما لأننا في المغرب نأخذ الحياة من جانبها الخفيف، واعتقد أن تلك النكات كانت دليلا على وجود الشخص وحيويته ودوره الحاسم.
- كانت تُقال عنه النكات بشكل غزير، كيف تفسر ذلك؟
+ إن المغاربة كانوا يبحثون عن أية شخصية ليلبسوها جميع الموبقات الموجودة في البلاد، بحيث أن خمسين بالمائة من النكات المروية في ذلك الوقت كانت عن ارسلان الجديدي والنصف الآخر كان عن خطري ولد سعيد الجماني.
- هل كانت شخصيته تعكس النكات المروية عنه؟
+ إن شخصيته مخالفة تماما للنكات المروية عنه، فقد كان رجل عقل وفي غاية الجدية، وسياسيا محنكا، وزعيم قبيلة كبيرة، وما ترويه عنه النكات من أنه كان ساذجا وأهبل كلها مجرد تخييل.
- لماذا تركزت النكات على شخصية خطري ولد سعيد الجماني؟
+ اعتبر المغاربة شخصية الجماني غريبة، فهم لم يكونوا يعرفون الصحراء والصحراويين، لذلك كان تعاملهم بتلك الطريقة مع خطري ولد سعيد الجماني.
- إذن انت ترى أستاذ باهي أنه ليست هناك مطلقا علاقة بين شخصية خطري الجماني الحقيقية والنكات المروية عنه؟
+ نعم، ليست هناك مطلقا أية علاقة بين شخصيته الحقيقية والنكات التي قيلت في حقه.
- قيل عنه إنه كان يتكفل بالطلبة الصحراويين حيث كان يُنفق على دراستهم ويعتني بشؤونهم، هل هذا صحيح؟
+ نعم بل كان يعتني بشؤون الأسر الفقيرة التي كانت له بها معرفة، كما كان يُخرج الزكاة، ويوزعها على جميع الفقراء الصحراوين من عائلته، سواء في الصحراء أو في موريتانيا، خطري ولد سعيد الجماني لم يكن رجل أعمال، بل كان شيخ قبيلة، وشيخ القبيلة في الصحاري كلها، ولو كان ذا مال فإنه لن يكون مقنعا بدون مواصفات القيادة الأخرى الإنسانية، التي ذكرتها من قبل، وعلى رأسها العقل الرصين والحكمة، ثم إن الثروة في الصحراء لا تعني المال والعقار بل قطعان الابل.
- على ذكر الإبل، هل صحيح أن سعيد ولد خطري الجماني كانت لديه أربعة آلاف ناقة؟
+ نعم لقد كان يملك سنة 1975 أربعة آلاف ناقة، وبعدما عاد للمغرب أخذ البوليساريو نصفها.
- لماذا؟
+ ذلك لأن جزءا من عائلته ذهبوا مع البوليساريو وأخذوا معهم الإبل، وكان ضمنهم الكثير من أبنائه وأبناء عمومته كما أن أحد أبنائه هو وزير الصحة في حكومة عبد العزيز المراكشي.
- من خلال لقاءاتك به، كيف ترى أهم مميزات شخصيته؟
+ كان يجيد الاستماع كثيرا والتأمل، كما أنه لم يكن سريع الانفعال، ولم يكن يغضب أبدا، ويساعد أي شخص لجأ إليه من عائلته، وهي مميزات إنسانية، وكما تعلم فهي نادرة وجيدة، كما انه كان شديد العطف على الناس الضعفاء، لقد طفت برفقته جميع أنحاء المغرب، لقد كان يُقدم يد المساعدة لجميع الفقراء الذين كانوا يلجأون إليه.
- كيف كان يستقبل النكات التي كانت تُقال في حقه، هل كانت تُضايقه؟
+ لقد كان يتقبلها بصدر رحب ويضحك لها.
- لهذه الدرجة كان متسامحا؟
+ نعم، إن لدي أخ اسمه ابراهيم، ترعرع في نفس الحي الذي يقطن به أفراد مجموعة جيل جيلالة الغنائية، وهم من أصدقائه، طلب مني مرة أن آخذه معي إلى جلسات حميمية مع الشيخ خطري ولد سعيد الجماني، وكان يحكي له النكات التي كانت تٌُقال عنه في الشارع المغربي، كان يضحك لها كثيرا، لدرجة أنه طلب مني مرة أن آتيه بين الفينة والأخرى بأخي ليحكي له النكات التي كانت تُروى عنه.
- وماذا كان موقف الحسن الثاني من تلك النكات؟
+ الحسن الثاني رحمه الله كان ذا شخصية مرحة، لذا كان يضحك من كل النكات التي كانت تُروى في الشارع المغربي، ومنها تلك التي كانت تُقال عن الجماني وأرسلان الجديدي وغيرهما، وذلك من جانبها الهزلي.
- ما هي الظروف التي ألبس فيها الحسن الثاني سلهامه لخطري ولد سعيد الجماني؟
+ إنه أحد الرموز المغربية النادرة الحدوث، فحينما استقبل الحسن الثاني الجماني في اليوم الثالث من نونبر سنة 1975 في أكَادير، وبما أن خطري ولد سعيد الجماني كان قد قام بحركة تاريخية لا تتكرر أبدا،بحيث انه تخلى عن عضويته في مجلس النواب الاسباني، وجاء هو والموالين له ليقدم الولاء للملك الحسن الثاني، لذلك وجد هذا الأخير أن الظرف كان يتطلب أن يقوم بحركة لم يسبق لها مثيل، وهي وضع سلهامه الشخصي على كتفي واحد من رعاياه أي خطري ولد سعيد الجماني، وكانت تعني الثقة والوحدة، وأن جميع الصحراويين هم تحت رعاية صاحب الجلالة.
- قيل أيضا إن خطري ولد سعيد الجماني كان الوحيد الذي يُضحك الحسن الثاني وهو في قمة غضبه، هل هذا صحيح؟
+ لا.. لا هذا غير صحيح مطلقا، إن الجماني لم يكن يروي النكات.
- وهل صحيح أن الحسن الثاني كان يشك في الجماني باعتباره كان مزدوج الولاء؟
+ هذا أيضا غير صحيح، لقد بدأت علاقتهما منذ نهاية سنوات الخمسينيات من القرن الماضي، وبقيت كذلك حتى آخر يوم في حياة الجماني.
- قال بعضهم إن المخابرات المغربية هي مَن كان يُروج النكات عن الجماني، هل هذا صحيح؟
+ هذا غير مُستبعد.
- وماذا كان الهدف من ذلك؟
+ أولا بسبب تقرب خطري من الحسن الثاني وارتباطه به، إذ أن ذلك القرب أثار حسد الكثير من الناس، ويجب ألا نستبعد أن يكون ذلك من فعل الجنرال الدليمي وغيره ممن كانت مصلحتهم تقتضي إبعاد الجماني عن الحسن الثاني.
- لماذا اعتبرته في كتابك أسدا جريحا؟
+ لقد كان أسدا جريحا لأنه حينما كان يحمل السلاح لمقاومة الاستعمار كان هناك أناس من بني جلدته يطعنونه من الخلف.
- مَن بالتحديد؟
+ بعض قادة جيش التحرير.
- حول ماذا كان مختلفا معهم؟
+ لم يكن للجماني خلاف معهم بل إن قيادة جيش التحرير هي التي كان لديها خلاف مع القصر، لقد كانوا يُعدون لانقلاب عسكري من الصحراء وهو ما لم يكن الجماني متفقا عليه. ومن تم محاولتهم اختطافه واغتياله.
لقد كانت هناك اختلافات كثيرة بين قادة جيش التحرير، بين من يريد الملكية ومَن يريد الجمهورية، وهو ما لم يكن يُعجب الجماني، لذا قرر الهرب وهو متنكر في ثياب امرأة، واللجوء إلى إسبانيا.
- ألا يمكن أن تكون هذه الواقعة الطريفة هي الأصل في النكات التي رويت عنه فيما بعد بغزارة؟
+ لا أعتقد لأن مَن رووا عنه النكات لم يكونوا يعرفون هذه الواقعة، بعد كل ما عاناه الرجل وضحى به من أجل الوحدة أصبح موضوعا للتنكيت.. ألم يكن إذن أسدا جريحا؟
محمد المتوكل/ ناشط حقوقي صحراوي ل "المشعل"
النكت حول الجماني انتقاد للنظام من تحت الجلباب
حمَّل الناشط الصحراوي محمد المتوكل حقيقة ترويج النكت الساخرة في حق الشيخ الصحراوي (خطري ولد سعيد الجماني) للمخابرات المغربية التي حاولت على حد تعبيره ترويض المخيلة الشعبية، لتمرير بعض المواقف السياسية، مؤكدا من جهة أخرى أن الشعب المغربي كان يعبر عن ردات فعله تجاه النظام السياسي القائم، من خلال إبداعه لمواقف ساخرة كان يبعثها للقصر من تحت جلباب (الجماني).
"المشعل" ربطت الاتصال المباشر بمحمد المتوكل للوقوف معه على الجوانب المظلمة فيما يرتبط بأمواج النكت التي كانت تصب في بحر ولد سعيد الجماني، وعن أسباب نزولها، وكذا عن الوضع الاعتباري لهذه الشخصية داخل المجتمع الصحراوي، وعلاقتها مع دوائر القصر الملكي بالرباط.
- كيف يرى الصحراويون المرحوم خطري ولد سعيد الجماني؟
+ الصحراويون يرون في المرحوم خطري ولد سعيد الجماني، شخصية وطنية بمفهوم الانتماء للصحراء وبما تضمَّنه تاريخه من مقاومة للاستعمار الإسباني. خاصة وأنها شخصية لم تتلطخ يداها بمساوئ حرب الصحراء، ولم تنزلق في متاهات الارتزاق السياسي الذي غرق فيه البعض من تجار الحرب وغيرهم كثير... لذلك فالصحراويون يرون في المرحوم شخصية وطنية صحراوية، على الرغم من تواجده في موقع لا يحسد عليه في الحقيقة، خلال تاريخه الطويل. كما أنها شخصية معروفة بوضعها الاعتباري داخل المجتمع الصحراوي، بأريحيتها وتعاطفها مع الفئات المحرومة في الصحراء، ويمكن القول إن هذا مجرد جزء من ملامح شخصية المرحوم، من خلال الانطباعات المرسومة عنها لدى الصحراويين.
- ما موقف الصحراويين من النكت التي حيكت حول شخصية المرحوم؟
+ ما حيك من نكت حول شخصية المرحوم، يأتي في إطار سياق عام، يسمى اللعبة السياسية بالمغرب، ويمكن اعتبارها (أي النكت) بمثابة ردات فعل على القمع السياسي الممارس من قبل نظام الحسن الثاني آنذاك، ومحاولة للزج بشخصية المرحوم خطري ولد سعيد الجماني في أفيون تلك السياسة وكأنه مشمول بانتقادات المغاربة، لكن الحقيقة تؤكد أن انتقادات الشعب المغربي كانت موجهة أساسا للنظام السياسي المغربي بكل رموزه، لكنها كانت تختار شخصية الجماني للتعبير من خلالها عما يخالج الشعب تجاه حكامه أو كما يحلو للسياسيين المغاربة تسميتهم (بمكونات النظام السياسي)، مما يعني أن هذا الشعب كان ينتقد بغير المباشر اختيارات النظام الحاكم وتحديدا نظام الحسن الثاني، مما يعني، أنها – أي النكت – كانت موجهة للنظام السياسي لكن من تحت جلباب خطري ولد سعيد الجماني، وكذا ضد الضم القسري للصحراء الغربية، ومحاولة إدماج الصحراويين قسرا في هذا المشهد السياسي وبالتالي اغتصاب إراداتهم، ليظهروا في صور هذا المشهد وكأنهم جزء منه، وكان يريد النظام أن يوهم العامة بأن خطري ولد سعيد الجماني من الفاعلين السياسيين في المغرب، في حين إنه كان يُستعمل فقط للدعاية للمشروع المغربي، وهكذا يمكن تفسير ترويج النكت من طرف الشعب المغربي على شخصية الجماني. كما أنها لا تستهدف الصحراويين فيما يمكن وصفه بالنزعة الشوفينية العنصرية، بقدر ما كانت ردات فعلٍ بطريقة غير مباشرة ضد النظام السياسي القائم، وضد حالات من القمع السياسي السائد وكل المحيطين بمراكز القرار آنذاك بالمغرب.. وقد حيكت هذه النكت التي كانت تهدف في معناها العام وأبعادها الخفية إلى الحط من قيمة الرجل وأن تسلبه كل مقومات الذكاء وإمكانية فهم الأمور على حقيقتها، وكأن الرجل ليس من بني البشر.. هذا الفعل نستخلص منه نحن الصحراويون بأن الخطاب موجه بالأساس للنظام السياسي المغربي، وكأنهم يقولون له لماذا تستبلد المغاربة؟ ولماذا لا تشركهم في اختياراتهم الصحيحة؟ ولماذا تفرضون عليهم هذه القرارات؟... إلخ.. إلخ... دون أي تدخل للرجل (الجماني) في المسألة، وهو معروف في الأصل بأنه شيخ مسن، متدين، يجمع كل صفات الطيبوبة بشهادة كل الذين سبق أن تعرفوا عليه، فبالأحرى أهله وعشيرته، ويعلمون علم اليقين أنه بعيد كل البعد عن كل ما جاءت به مضامين تلك النكت أو الإشاعات التي حيكت في الشارع.
- يقال إن وراء تلك النكت جهات معادية للمرحوم، وهناك من يقول إن للمخابرات المغربية يد طويلة في ترويج هذه النكت، فما رأيكم؟
+ هذا الأمر غير مستبعد، خاصة وأن المخابرات تساهم في ما ينتجه الرأي العام، وقد تعمد إلى ابتكار هذه الأساليب من الإشاعات، فهي إلى حد كبير تعمل على توجيه الرأي العام، وهذا الأخير من وسائل التأثير فيه (النكتة الشعبية)، بل هي جزء منه، تتفاعل في أوساطه كالملح في الماء، لذلك ليس بغريب على المخابرات نهج مثل هذه الحركات الحربائية، خاصة وأن النظام السياسي في المغرب يعيش على الصراع الدائر بين الدوائر المحيطة به، والأمنية منها على الخصوص، هذا يجعلنا لا نشك في وجود مثل هذا التسريب المخابراتي وتصريفه في الأوساط الشعبية على شكل نكت، أي تصريف مواقف بعينها لكن مغلفة تحت ستار النكت والإشاعة وغيرهما. بما يعني أن تلك الدوائر لا تخلو من صراعات مريرة، وهذا الفعل ليس جديدا، لأنه يتصل بشكل كبير بحاشية القصور ودوائر النفوذ المرتبطة بالبلاط قديما وحديثا، على حد سواء. هناك حيث الدسيسة والإيقاع بالخصم وغيرها من الخصال الملتصقة بهم.
- ما هي المعلومات الرائجة في المجتمع الصحراوي بخصوص علاقة ولد سعيد الجماني بالقصر؟
+ في واقع الحال إن الرجل يتحرك بداخله الوازع الديني بشكل كبير جدا، مما يعني أنه صحراوي متدين، يحترم إلى حد كبير العلاقات الأخوية والروابط الروحية التي تجمع بين المسلمين، ويمكن القول إنه من الصنف الذي لا يقيم للسياسة مكانا فوق الدين، أي أنه يجعل الدين في المقام الأول، لذلك فإن ما كان يربطه بالحسن الثاني لا يخرج في اعتقادي عن هذا الإطار المرتبط بالدين والروح الإسلامية السمحة التي تجعل من المسلمين على اختلاف مواقعهم أمة واحدة، لكن إذا ما ربطنا الأمر بالسياسة فإنه لا يخرج عن كونه اغتصابا لإرادة الجماني، سواء تعلق هذا الفعل بالغضب أو الترهيب وما إلى ذلك من الحركات التي تؤدي لنفس المعنى، لكنه ورغم ذلك ظل مشهودا له بعلاقاته الطيبة طيلة مشواره، بكل الأسرة الصحراوية وكل مكونات المجتمع الصحراوي، وهذه ميزة حسنة ما تزال راسخة في الذاكرة الصحراوية تجاه الجماني من خلال أبنائه الذين لا زالوا أحياء يرزقون.
- هل سبق وأن اختلف مع عشيرته من شيوخ القبائل الأخرى بخصوص تواجده شبه المستدام بأحضان القصر؟
+ وضع الجماني مع القصر يدخل في إطار الوضع العام الذي يحيا عليه الصحراويون منذ ضم الصحراء الغربية سنة 1975، إلا أنه اختار أن يعيش مهادنا وذلك لاعتبارات في الغالب دينية، لكن النظام نفسه كان يدرك منذ البداية أن الرجل من العيار الثقيل الذي لا يمكن إخضاعه بالقوة أو السجن، وقد يكون أمر سجنه واردا في حسابات النظام السياسي وقتها، إلا أن فعل المهادنة الذي اختاره الجماني وجد فيه النظام القائم ضالته واستغل الرجل في واجهات سياسية متعددة إلا أن خطري ولد سعيد الجماني، يبقى في الأول والأخير مواطنا صحراويا اغتصبت إرادته كما اغتصبت إرادة الآلاف من الصحراويين.
- في نظركم، كيف يمكن تقييم الدور الذي قام به خطري ولد سعيد الجماني بخصوص ملف القضية الصحراوية؟
+ بالنسبة لي إن ولد سعيد الجماني من بين الذين لم تتوفر لهم شروط التحرر، للتعبير عما يخالج صدره، وللتاريخ إن الرجل لم تصدر عنه أقوال ولا أفعال ضد الصحراويين في الداخل، أو كل ما من شأنه أن ينم عن سوء نيته تجاههم، أو ما ينم عن حقده للصحراويين المناهضين للمغرب، وأعتقد أنه لم تتح له الفرصة ليقول بكل حرية وتجرد، موقفه الحقيقي والصحيح من ملف الصحراء.
- يقال إن خطري ولد سعيد الجماني من الأثرياء، ما هو تعليقكم على هذا القول؟
+ حقيقة إنه ينتمي للعائلات التي يمكن القول بأنها ورثت الثراء منذ أزمان، وإن ممتلكاته ليست حكرا على مرحلة ما بعد 1975.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.