تدارس المجلس الحكومي المنعقد بتاريخ 14 يناير 2016 مشروع قانون تنظيمي رقم 15-86 يتعلق بتحديد شروط وإجراءات تطبيق الفصل 133 من الدستور، تقدمت به وزارة العدل والحريات، وينص هذا الفصل على أنه: " تختص المحكمة الدستورية بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون، أثير أثناء النظر في قضية، وذلك إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون، الذي سيطبق في النزاع، يمس بالحقوق وبالحريات التي يضمنها الدستور. يحدد قانون تنظيمي شروط وإجراءات تطبيق هذا الفصل". وتجدر الإشارة إلى أن هذا المستجد الدستوري الذي جاءت به المراجعة الدستورية لسنة 2011، يعتبر، من حيث المبدأ، إحدى الدعائم الأساسية لقيام دولة الحق والقانون، وتوجها معلنا نحو إعادة الاعتبار إلى الشرعية الدستورية كأساس لقيام الدولة بمختلف مؤسساتها. ونظرا لأهمية هذا المقتضى من حيث حماية الحقوق والحريات المضمونة دستوريا وخطورته أيضا على "استقرار" النصوص القانونية القائمة منذ زمن طويل والتي لم تعد تتلاءم ومقتضيات الدستور الجديد، فإن المشرع الدستوري أحال من أجل تطبيق الفصل 133 منه على قانون تنظيمي مستقل، علما أنه يندرج ضمن اختصاصات المحكمة الدستورية التي ينظمها القانون التنظيمي رقم 066.13 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.14.139 بتاريخ 13 غشت 2014، والذي أحال بدوره بموجب المادة 28 منه على قانون تنظيمي لاحق ينظم الدفع بعدم دستورية قانون من قبل المتقاضين. وتتجلى أهمية هذا المقتضى الدستوري في كونه، من جهة، سيفتح الباب أمام مراقبة مدى مطابقة القوانين السارية المفعول قبل صدور الدستور وبعده، خاصة في الجانب المتعلق بالمساس بالحقوق والحريات التي يضمنها هذا الأخير، وهو ما سيساهم في حماية وتعزيز الأمن القانوني متى تم تنزيل هذا المقتضى بالشكل الذي يسمح للمتقاضين باللجوء إلى المحكمة الدستورية، وفق مسطرة سريعة، مبسطة ومجانية وذات آثار مباشرة على الدعوى وعلى المقتضيات غير الدستورية على حد سواء. أما من جهة أخرى، فإن أهمية هذا المقتضى الدستوري تتجلى في كونه يعزز مجال الرقابة على دستورية القوانين من خلال رقابة بعدية أكثر انفتاحا. أولا. التأسيس للرقابة البعدية على القوانين من المعلوم، على مر الدساتير التي عرفتها المملكة، وقبل المراجعة الدستورية لسنة 2011، أن النموذج المغربي في الرقابة على دستورية القوانين، لم يتعد الرقابة القبلية التي تنصب وجوبا على القوانين التنظيمية قبل إصدار الأمر بتنفيذها، بالإضافة إلى النظام الداخلي لكل من مجلسي البرلمان قبل الشروع في تطبيقه، واختياريا قبل إصدار الأمر بتنفيذ القوانين العادية وذلك بمبادرة من الملك أو الوزير الأول أو رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس المستشارين أو ربع أعضاء مجلس النواب أو أعضاء مجلس المستشارين. وقد كرس الدستور الحالي هذه الرقابة الكلاسيكية على دستورية القوانين حيث ظلت إحالتها محصورة على الملك، ورئيس الحكومة، و رئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، وخمس أعضاء مجلس النواب، وأربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين الذي تقلصت تركيبته في ظل الدستور الحالي إلى 120 عضوا على الأكثر، حيث تشكل هذه النسبة خلال الولاية الحالية ثلت أعضاء المجلس، وهو ما يعطي لهذا الأخير مرونة أكبر في إحالة القوانين على المحكمة الدستورية، مما يتنافى مع مكانة الصدارة التي يحظى بها مجلس النواب في ظل الدستور، والنابعة من التمثيلية المباشرة. علاوة على الرقابة القبلية، فإن مقتضيات الفصل 133 من الدستور قد فتحت الباب أمام نموذج آخر للرقابة على القوانين بعد دخولها حيز التنفيذ، للنظر في مدى مطابقتها للمقتضيات الدستورية، إلا أنها لم تفتحها على إطلاقها على اعتبار أن الطعن في دستورية القوانين، يكون مقيدا بمجموعة القيود والتي ينتظر من مشروع القانون التنظيمي ألا يتوسع فيها وأن يفسرها في اتجاه حماية المشروعية الدستورية والتنزيل السليم لمفهوم دولة القانون. ثانيا. حدود اللجوء للدفع بعدم دستورية القانون من أهم القيود التي وضعها الدستور على الدفع بعدم دستورية القوانين: أن هذا الدفع لا يتم تلقائيا من قبل الأفراد، إلا إذا تعلق الأمر بوجود قضية، في إشارة إلى وجود دعوى قضائية رائجة أمام إحدى محاكم المملكة، علما أن "وجود قضية"، لا يقتصر بالضرورة على النزاعات القضائية خاصة وأن هنالك من الطرق غير القضائية التي يوجد فيها أطراف في حالة نزاع، كما هو الشأن بالنسبة للهيئات التحكيمية، وكذا اللجان الضريبية...، لذلك نجد الدستور الفرنسي قد حسم هذا النقاش بتنصيصه بوضوح على وجود " دعوى أمام جهة قضائية" (المادة 61-1 من دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة)؛ أن ارتباط الدفع بعدم الدستورية بوجود دعوى قضائية، يجعل من قبوله يخضع بشكل مباشر لشروط قبول الدعوى القضائية، بالنسبة للمدعي، شكلا وموضوعا، فمثلا تنص المادة الأولى من قانون المسطرة المدنية على أنه" لا يصح التقاضي إلا ممن له الصفة، والأهلية، والمصلحة، لإثبات حقوقه"، غير أن الحق في الطعن في دستورية قانون يبقى متاحا لأطراف النزاع الأخرى خاصة المدعى عليه، وهو ما يوسع نسبيا من الإمكانية المتاحة لممارسته، إذ يتعين على مشروع القانون التنظيمي أن يمدد إمكانية الطعن إلى كل مدخل في الدعوى أو متدخلا فيها، بالإضافة إلى إتاحة هذه الإمكانية للمجتمع كافة ممثلا في النيابة العامة في المحاكم الزجرية والعادية وكذا المتخصصة، علاوة على المفوض الملكي للدفاع عن القانون فيما يخص المحاكم الإدارية؛ أن حدود اختصاص المحكمة الدستورية في فحص القانون موضوع الدفع، تقتصر على مدى مساسه بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور، ولا يمكن أن يتعداها إلى غير ذلك من الطلبات، كالدفع بخرق مبدأ عدم رجعية القانون، أو تراتبية القواعد القانونية المكرسة دستوريا، إلا إذا كانت تنعكس على إحدى الحقوق كالحق في الدفاع، أو المحاكمة العادلة مثلا، ومع ذلك، فإن مفهوم الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور، لا يمكن أن يقتصر فقط وحصريا على ما ورد بديباجة الدستور وبابه الثاني، ولكن يمكن للمحكمة الدستورية أن تتوسع في تطبيقه بما يضمن حماية أكبر لمبدأ الشرعية الدستورية في تطبيق القوانين. وعلى الرغم من الحدود التي وضعها الدستور المغربي على اللجوء إلى الطعن في دستورية القوانين من قبل الأفراد، فإن هذه الإمكانية تظل إيجابية خاصة وأن المشرع الدستوري لم يشترط في الدفع المقدم من قبل الأطراف شروطا محددة، بل ترك الأمر على إطلاقه، لذلك، فإن مشروع القانون التنظيمي لا ينبغي أن يقيد هذا الدفع إلا في الحدود الضيقة التي تضمن جديته، بحيث يبقى للمحكمة المثار النزاع أمامها سلطة التقدير في ذلك لتفادي الطلبات الكيدية، التي قد يكون الغرض منها إطالة النزاع، لذلك نجد أن المشرع الفرنسي قد منح سلطة تقدير هذه الجدية، حسب الأحوال، لمجلس الدولة أو لمحكمة النقض، كأعلى هيئتين قضائيتين في البلاد. ثالثا. آثار الدفع بعدم دستورية القوانين لخص المشرع الدستوري المغربي الآثار المترتبة على اللجوء إلى مقتضيات المادة 133 من الدستور، من خلال ما نصت عليه الفقرة الثنية من المادة 134 من ذات الوثيقة : " (...) وينسخ كل مقتضى تم التصريح بعدم دستوريته على أساس الفصل 133 من الدستور، ابتداء من التاريخ الذي حددته المحكمة الدستورية في قرارها". وهكذا، فإذا قبلت المحكمة الدستورية الدفع في إطار المادة 133 سالفة الذكر، فإن ذلك يترتب عنه إبطال المقتضى القانوني المطعون فيه، سواء بشكل كلي أو جزئي، حيث يحدد قرار المحكمة الدستورية سريان مفعوله على القانون من حيث الموضوع، ومن حيث الزمن أيضا. في مقابل ذلك، نجد أن المشرع الدستوري الفرنسي، قد حاول ضبط مجال تدخل المجلس الدستوري، حيث جعل من المقتضى التشريعي الذي يصرح المجلس الدستوري بمخالفته للقانون الأساسي لاغيا، إذ منح المجلس الدستوري سلطة تحديد الشروط والحدود التي يجوز فيها إعادة النظر في الآثار التي رتبها هذا النص، في حين جعل المبدأ العام من حيث سريان مفعول القرار زمنيا هو تاريخ النشر أو تاريخ لاحق يحدده هذا القرار، لمراعاة الحالات التي يتطلب فيها إلغاء و استبدال مقتضيات قانونية وقتا مهما، في حين نجد أن الدستور المغربي، اكتفى بالاختيار الثاني، أي مكن المحكمة الدستورية من اختيار وقت سريان مفعول قرارها بغض النظر عن تاريخ نشره، علما أن قرارات المحكمة الدستورية لا تقبل أي طريق من طرق الطعن، وتلزم كل السلطات العامة وجميع الجهات الإدارية والقضائية. رابعا. تجارب دولية: لقد تبنت معظم الدساتير الديمقراطية والمتقدمة إمكانية الطعن في دستورية القوانين من قبل الأفراد والجماعات، حيث نجد بعض التجارب لم تقتصر على الدفع بعدم الدستورية بمناسبة وجود دعوى قضائية بل فتحت أبواب المحكمة الدستورية بشكل مباشر لممارسة رقابة شعبية على دستورية القوانين والقرارات التي تمس الحقوق والحريات، أو منحت للمحاكم إمكانية الإحالة بناء على الشك في مدى دستورية المقتضيات القانونية. التجربة الألمانية: الشكاوى الدستورية تشكل التجربة الألمانية، إحدى التجارب الرائدة في ترسيخ الرقابة الشعبية واللاحقة على دستورية القوانين، حيث فتح الدستور الألماني، فيما يعرف بالشكاوى الدستورية، هذه الإمكانية لأي شخص يعتبر أن حقوقه الأساسية تم انتهاكها من قبل السلطات العامة كحرية التعبير عن الرأي، وخاصة حرية الصحافة (الفقرة (1) من المادة 5) أو حرية التعليم (الفقرة (3) من المادة 5) أو حرية التجمع (المادة 8)، أو حرية تكوين الجمعيات (المادة 9) أو سرية الرسائل والبريد والاتصالات (المادة 10) أو حق الملكية الخاصة (المادة 14) أو حق اللجوء (المادة 16أ)...، بالإضافة إلى مجموعة من الحقوق منها الحق في الدفاع عن النظام الدستوري للبلاد، كما هو منصوص عليه بموجب الفقرة الرابعة من المادة 20 من القانون الأساسي الألماني، حيث " يحق لكافة المواطنين مقاومة أي شخص يحاول القضاء على هذا النظام الدستوري، إذا لم يمكن منعه من ذلك بوسائل أخرى"، بالإضافة إلى المساواة في المواطنة والعمل في المؤسسات العامة (المادة 33)، وقواعد الانتخابات (المادة 38)، والمحاكمة العادلة (المادة 103)... هذا، ولا تقتصر الرقابة الشعبية على دستورية القوانين بهذا البلد على هذا الحد، وإنما تتعدى ذلك، من جهة، إلى ممارسة هذا الحق عند نظر المحاكم في الدعاوى التي يكونون أطرافا فيها متى اتضحت جدية الدفع، حيث يتم إيقاف الدعوى إلى حين البت في دستورية هذا القانون، أما من جهة أخرى فبإمكان الأفراد اللجوء إلى المحكمة الدستورية الفدرالية من أجل الطعن في الأحكام القضائية التي تصدر عن المحاكم بدعوى خرق المقتضيات الدستورية، حيث تتحول المحكمة الدستورية إلى جهة قضائية أعلى في ممارسة الرقابة على مدى دستورية تطبيق القوانين سواء بواسطة المحاكم أو بواسطة الإدارة. وهكذا، فإن التجربة الألمانية، قد فتحت مجال الرقابة الدستورية، على جميع التصرفات المخالفة للدستور، والصادر على جميع السلطات والمؤسسات، سواء تعلق الأمر بالسلطة التشريعية، السلطة التنفيذية، وكذا السلطة القضائية، في منظور متقدم لسيادة الدستور ومبادئ الشرعية. التجربة الإيطالية: الإحالة للشك إذا كانت التجربة الإيطالية قد فتحت بدورها إمكانية لجوء الأفراد إلى الطعن في دستورية القوانين بشكل عرضي في إطار نزاع قضائي، فإنها لم ترق إلى التجربة الألمانية في إطار الشكاوى الدستورية، إلا أن التجربة الدستورية لهذا البلد تتميز بكونها تفتح الباب أمام المحاكم، بشكل تلقائي، في حالة الشك في مدى دستورية القانون المراد تطبيقه على نازلة معينة، إذ يمكنها أن تحيل النظر إلى المحكمة الدستورية التي تقرر في مدى دستورية القانون وبالتالي مدى صلاحيته للتطبيق. وتتجلى أهمية هذه الممارسة الدستورية في كونها، من جهة، تمكن المحاكم من ممارسة حق الإحالة على المحكمة الدستورية بشكل تلقائي أي لصالح حسن سير العدالة، دونما الحاجة إلى طلب أحد الأطراف، وهو من صميم دور السلطة القضائية في حماية الأمن القانوني والقضائي، طالما أن الامتناع عن تطبيق القانون يقر مسؤوليتها، أما من جهة ثانية، فإن المشرع الدستوري كان مرنا في منح المحكمة سلطة تقديرية بمجرد الشك في عدم الدستورية، وهو ما يساهم في الدفع نحو حماية الشرعية الدستورية بمبادرة من القضاء. خامسا. مقتضيات قانونية في الواجهة إن تنزيل المقتضيات الدستورية المنصوص عليها في الفصل 133 من الدستور، سيكثف لا محال من الرقابة الممارسة على دستورية مجموعة من النصوص القانون السارية المفعول، والتي ما فتئت مسألة دستوريتها تطرح أكثر من علامة استفهام خاصة بعد دخول دستور 2011 حيز التنفيذ، ومن هذه القوانين، نموذجا يحظر الطعن القضائي في بعض القرارات رغم استكمالها لمقومات القرارات الإدارية القابلة للطعن بموجب دعوى الإلغاء. لقد نصت مقتضيات الفصل 118 من الدستور على أنه: " حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانون. كل قرار اتخذ في المجال الإداري، سواء كان تنظيميا أو فرديا، يُمكن الطعن فيه أمام الهيئة القضائية الإدارية المختصة"، لذلك، فإن مبدأ عدم تحصين القرارات الإدارية ارتقى إلى مصاف القواعد الدستورية التي تستوجب إلغاء أي مقتضى قانوني مخالف لهذه القاعدة. ومن بين المقتضيات التي ينطبق عليها المقال ما تنص عليه المادة 62 من ظهير التحفيظ العقاري التي أسالت الكثير من المداد بخصوص مشروعيتها قبل دستور 2011، حيث تنص على أن: "الرسم العقاري نهائي ولا يقبل الطعن، ويعتبر نقطة الانطلاق الوحيدة للحقوق العينية والتحملات العقارية المترتبة على العقار وقت تحفيظه دون ما عداها من الحقوق غير المقيدة"، وهو ما يتناقض تماما مع مقتضيات الفصل 118 من الدستور، حيث سيمكن تفعيل المادة 133 من هذا الأخير، كل ذي مصلحة في إطار دعوى أمام المحاكم، إثارة عدم دستورية الفصل 62 من ظهير التحفيظ العقاري، استنادا إلى خرقه لإحدى الحقوق المضمونة دستوريا، وهو حق الطعن القضائي في القرارات الصادرة في المجال الإداري. وللإشارة، فإن المحكمة الإدارية بالرباط، قد استبقت إعمال مقتضيات الفصل 134 من الدستور في هذا الباب، حيث أكدت في إحدى أحكامها الصادرة بتاريخ 31 مارس 2013 في الملف رقم 420/5/2012 استنادا لقاعدة عدم قابلية القرارات الإدارية للتحصين القضائي (الفصل 118 من الدستور) على أن: " سمو القاعدة الدستورية على ما عداها من نصوص قانونية يشكل تكريسا للشرعية وسيادة للقانون باعتبارهما من مبادئ دولة الحق والقانون التي تأبى تحصين أي قرار إداري مهما علا شأنه وتعددت مصادره واختلفت مجالاته من الرقابة القضائية، لكون القضاء هو الحامي الطبيعي والحارس الأمين للحقوق والحريات، الذي لا تصدر أحكامه إلا على أساس التطبيق العادل للقانون". وفي نموذج آخر، تمنع مقتضيات الفقرة الثانية من المادة 12 من الظهير الشريف الصادر 27 أبريل 1919 بتنظيم الوصاية الإدارية على الجماعات وتنظيم تسيير وتفويت الأملاك الجماعية حسبما وقع تغييره و تتميمه، الطعن في القرارات الصادرة عن مجلس الوصاية المختص إزاء الأراضي السلالية والذي يرأسه ممثل وزير الداخلية، وهو المنع الذي حاول القضاء الإداري تجاوزه بعد دستور 2011، (رغم التذبذب الذي ساد قبل هذا التاريخ) مستندا في ذلك على مقتضيات الفصل 118 من الدستور، حيث قضت مؤخرا محكمة النقض بغرفتيها الإدارية والمدنية في إحدى قراراتها التي تحمل رقم 174/1 وتاريخ 29/01/2015 أنه: " حيث لما كان دستور المملكة، وفي إطار حماية حقوق المتقاضين وقواعد حسن سير العدالة قد نص في المادة 118 على أن كل قرار اتخذ في المجال الإداري، سواء كان تنظيميا أو فرديا يمكن الطعن فيه أمام الهيأة القضائية الإدارية المختصة مانعا بذلك تحصين أي قرار إداري من الخضوع للرقابة القضائية، ولما كانت دعوى الإلغاء هي بطبيعتها دعوى قانون عام يمكن أن توجه ضد أي قرار إداري دونما حاجة إلى نص قانوني صريح يجيزها ورغم وجود نص قانوني يحظرها، باعتبار أن حق التقاضي هو من المبادئ الأساسية التي لا يجوز إطلاقا المساس بها، فإن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه بما أوردته في قضائها من أن قرارات مجلس الوصاية تعتبر قرارات إدارية بطبيعتها (...) فإنه سليم ولم تخرق أي مقتضى قانوني محتج بخرقه". وهكذا، يتضح أن السلطة القضائية الإدارية قد حاولت إعمال المقتضيات الدستورية، في إطار سلطاتها المتعلقة بالرقابة على قرارات وأعمال السلطات الإدارية، إلا أن آثار التدخل القضائي لا تتعدى أطراف النزاع، كما أنها لا تعد ضمانة كافية لاستبعاد التشريع، ما دام الاجتهاد القضائي لا يحل بشكل آلي محل التشريع، وبالتالي فإن أهمية إعمال مقتضيات الفصل 133 من الدستور تمكن من نسخ النص القانوني واستبعاده نهائيا سواء في نازلة الحال أو في غيرها، وهو ما يجعله آلية من آليات القانون العام الكفيلة بالدفاع عن الأمن القانوني وتعزيز الشرعية الدستورية، كما أنه سيشكل رهانا حقيقيا للمشرع من أجل مواكبة عمل المحكمة الدستورية بالسرعة والفعالية التي يتطلبها الأمر. وهكذا، فإذا كانت التجربة المغربية في الرقابة البعدية على دستورية القوانين لازالت في بدايتها، فإنه ينبغي تمكينها من الأرضية التشريعية الملائمة لتطورها ونموها بشكل طبيعي، وفق التراكمات القانونية والدستورية المهمة للمحكمة الدستورية، وبرؤية متقدمة تعكس روح وسياق الدستور المغربي لسنة 2011. *باحث في القانون العام [email protected]